نص الشريط
مفهوم الإمامة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مؤسسة الإمام علي (ع) - لندن
التاريخ: 18/9/1429 هـ
مرات العرض: 3377
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4478)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

آمنا بالله صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث في عدة محاور ترتبط بمسألة الإمامة: تعريف الإمامة، ما معنى كون الإمامة أصلاً من أصول الدين؟ وما هو البرهان على أن الإمامة جعل إلهي من قبل الله تبارك وتعالى؟ وما هي الخصائص الواقعية للإمام؟

نجي إلى المحور الأول: ما معنى الإمامة؟

هناك عندنا ثلاثة عناوين وثلاثة مناصب: نبوة ورسالة وإمامة، هناك نبي وهناك رسول وهناك إمام، وفرق بين هذه العناوين.

النبي هو من يوحى إليه، كل من يوحى إليه ويتصل بالسماء عبر الوحي فهو نبي، ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء.

أما الرسول فهو الذي نزلت عليه شريعة من السماء، النبي يوحى إليه ولكن قد لا تنزل عليه شريعة من السماء، الرسول من نزل عليه تشريع متكامل، لائحة متكاملة من التشريعات تسمى بالشريعة، ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا النبي قد لا تكون له شريعة، أوحي إليه بعض الأوامر، بعض النصائح، ولكن الرسول من نزلت عليه شريعة من السماء وأمر بتبليغها، ولذلك قد يكون النبي رسولاً وقد يكون غير رسول، كل رسول - وهو من كلف بشريعة - فهو نبي وليس كل نبي رسولاً ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا شعيب كان نبيًا ولم تكن لديه شريعة فلم يكن رسولاً، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا كان نبيًا ولم يكن رسولاً، وهناك رسل بمعنى أنهم نزلت عليهم شرائع متكاملة من السماء.

أما العنوان الثالث فهو عنوان الإمام، ما هو المقصود بالإمام؟ الإمامة بمعنى الولاية، والولاية بمعنى نفوذ الحكم، الشخص الذي ينفذ حكمه في الأمة فهو إمام سواء كان نبيًا أم لا، كان رسولاً أم لا، من كان حكمه نافذًا فهو إمام وهو المعبر عنه بولي الأمر، القرآن الكريم أشار إلى عنوان الأئمة عندما قال: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ أولو الأمر من كان حكمهم نافذًا.

لأجل أن أبين هذا المطلب بالضبط عندنا في الفقه الإسلامي فرق بين الفتوى وبين الحكم، هناك فتوى وهناك حكم، الفتوى هي القانون الكلي الذي لا يرتبط بجزئية معينة وبواقع معين، مثلا: عندما يقول الفقهاء: «الخمر حرام، الخمر نجس» هذه قضية كلية تسمى بالفتوى، أما الحكم فهو الذي يصدر في القضايا الجزئية، مثلا: عندما يقول الفقيه: «هذه الدار لفلان وليست لفلان» قضاء القاضي حكم وليس فتوى، عندما يقضي القاضي الفقيه بأن هذا المال لفلان لا لفلان هذا القضاء حكم وليس بفتوى لأنه متعلق بقضية جزئية معينة، مثلا: عندما يصدر من الفقيه وجوب المقاطعة للبضائع مثلا الإسرائيلية، هذا يسمى حكم وليس فتوى لأنه يتعلق بقضية جزئية معينة، الفتوى هي ما تتحدث عن قانون كلي والحكم ما يتحدث عن قضية جزئية معينة، الإمام من كان حكمه نافذًا في القضايا الجزئية المستجدة المتغيرة، من كان حكمه نافذًا فهو الإمام.

إذًا عندنا نبي وعندنا رسول وعندنا إمام، وقد تجتمع العناوين في شخص واحد، كان النبي محمد نبيًا لأنه أوحي إليه، رسولاً لأنه جاء بشريعة متكاملة، إمامًا لأنه كان حكمه نافذًا في أي قضية مستجدة، وفي أي واقعة معينة فإن حكمه نافذ، إذًا هو كان نبيًا ورسولاً وإمامًا، فالإمامة تختلف عن النبوة وتختلف عن الرسالة.

لاحظوا النبي إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام، النبي إبراهيم كان نبيًا وخضع لامتحان معين، أمر بذبح ولده إسماعيل وكان نبيًا، لأنه إنما أمر بذبح ولده إسماعيل بعد كبر سنه، بعد أن بلغ من الكبر عتيًا أمر بذبح ولده إسماعيل، خضع لهذا الامتحان العسير فلما نجح في الامتحان أعطي منصب الإمامة، الإمامة يعني الولاية العامة، نفوذ الحكم، أن ينفذ حكمه على كل من هو معه في الأمة، نفوذ الحكم منصب أعطي للنبي إبراهيم بعد أن نجح في الامتحان، ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ - الكلمات هي أمره بذبح ولده - فَأَتَمَّهُنَّ - يعني نجح في الامتحان - قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

إذًا عندنا نبوة وعندنا رسالة وعندنا إمامة والإمامة بمعنى نفوذ الحكم، هذا هو المحور الأول «تحديد مفهوم الإمامة».

نجي إلى المحور الثاني:

نحن نقول أصول الدين خمسة: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، الإمامة أصل من أصول الدين، هنا يطرح سؤال: إذا كانت الإمامة أصلاً من أصول الدين معنى ذلك أن سائر المسلمين الذين لا يعتقدون بإمامة علي وأولاده ليسوا على الدين، إذا كنتم تعتقدون بأن الإمامة أصل من أصول الدين إذًا من لم يعتقد بالإمامة فليس على دين، ومقتضى ذلك أن من لم يعتقد بالإمامة فهو كافر، لأنه لا يعتقد بأصل من أصول الدين، هذه شبهة يطرحها كثير من الباحثين مقابل الفكر الإمامي الذي يرى أن الإمامة أصل من أصول الدين، ما هو الجواب عن هذه الشبهة؟

هنا وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: ما ذكره الإمام شرف الدين، السيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليه قال: الإمامة أصل من أصول المذهب، بمعنى أن من لم يعتقد بها فليس إماميًا، فليس شيعيًا، لا أنه كافر، عندما نقول الإمامة أصل من أصول الدين نقصد أنها أصل من أصول المذهب الإمامي، المذهب الإمامي قام على هذه الأصول الخمسة، هذا وجه.

الوجه الآخر: هناك فرق بين الإمامة وبين الإمام، ما هو من أصول الدين الإمامة، وما هو من أصول المذهب الإمام، ما هو الفرق بين الإمامة والإمام؟ «لاحظوا معي» الإمامة لا يختلف فيها أحد، جميع المذاهب الإسلامية تؤمن أن هناك إمامة، وإنما تختلف في الإمام «من هو الإمام؟»، جميع المذاهب الإسلامية تقر بأصل الإمامة، تقر بمبدأ الإمامة وإنما تختلف في من هو الإمام، الإمامة أصل من أصول الدين من أنكره كان كافرًا، لكن الإمامة تعتقد بها جميع المذاهب الإسلامية، لماذا؟

لاحظوا هذه الآية المباركة: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ما معنى الآية؟ معناها: الهدف من بعثة الأنبياء إقامة العدالة، ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الهدف من بعثة الأنبياء إقامة العدالة على الأرض، إذًا كما أن النبوة أصل من أصول الدين العدل أيضًا أصل من أصول الدين لأن العدل هو الهدف من بعثة الأنبياء، الآية تقول: الهدف من بعثة الأنبياء العدل، فكما أن النبوة أصل العدل أيضًا أصل وإلا كان بعث الأنبياء لغوًا وعبثًا، فكما أن النبوة أصل العدل أصل، والنتيجة: كما أن الهدف - يا إخوان - من بعثة الأنبياء إقامة العدالة فإن الهدف أيضًا من وجود الأئمة إقامة العدالة، فإذا كانت النبوة أصلاً لأنها تحقق العدالة كذلك الإمامة أصل لأنها تحقق العدالة، النبوة والإمامة تشتركان في هدف واحد، الهدف من بعثة الأنبياء تطبيق العدالة، الهدف أيضًا من جعل الأئمة تطبيق العدالة، إذا كانت النبوة أصلاً لأنها تطبق العدالة فالإمامة أيضًا أصل لأنها تصب في نفس الهدف ألا وهو تطبيق العدالة، هذا هو مضمون الآية المباركة.

فالإمامة أصل من الأصول وتقر به جميع الفرق الإسلامية، وتؤمن به جميع المذاهب الإسلامية، ولا خلاف في ذلك، إنما الخلاف في شخص الإمام، المذاهب الإسلامية الأخرى تقول الأئمة أربعة وهم خلفاء النبي الذين جاؤوا بالبيعة والشورى، والإمامية تقول أن الإمام بعد النبي محمد علي بن أبي طالب وجاء بالنص وليس بالبيعة والشورى، هذا خلاف فيمن هو الإمام، من هو الإمام؟ أصل من أصول المذهب أما الإمامة فهي أصل من أصول الدين وجميع المذاهب الإسلامية تقر بذلك.

نجي إلى الجواب الثالث: الجواب الثالث ما ذكره سيدنا الخوئي قدس سره الشريف من أنه لا، الإمامة أصل من أصول الدين الواقعي وليس الدين الظاهري، عندنا دين واقعي وعندنا دين ظاهري، عندنا إسلام واقعي وعندنا إسلام ظاهري، خلني أشرح لك هذا الأمر حتى تتضح لك كثير من الزوايا الغامضة.

سيدنا قدس سره يذكر أمورًا ثلاثة في بحثه في الطهارة في كتابه «التنقيح في شرح العروة الوثقى»:

الأمر الأول: هناك إسلام ظاهري، يعني من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم، وعندنا روايات معتبرة عن الإمام الصادق تدل على ذلك، ”الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله بها حقنت الدماء وجرت المناكح والمواريث وعلى ظاهرها عامة الناس“ هذا هو الدين الظاهري، الإنسان يتشهد الشهادتين يعتبر مسلم، يحرم ماله، يحرم دمه، يحرم عرضه، تترتب عليه آثار الإسلام، هذا هو الدين الظاهري.

الدين الواقعي بمعنى أنه إذا مات كيف يعامله الله؟ هذا يسمى الدين الواقعي، يعني ما يرتبط بالآخرة لا ما يرتبط بالدنيا، ما يرتبط بالدنيا هو الإسلام الظاهري، من تشهد الشهادتين فهو مسلم حتى لو كنا نعرف أنه في قلبه نفاق نعامله معاملة المسلمين مادام يتشهد الشهادتين، في الدنيا العمل على الإسلام الظاهري ولا نطالب بالإسلام الواقعي، وأما في الآخرة كيف يتعامل مع هذا الإنسان؟ هل يتعامل معه معاملة المسلم أم يتعامل معه معاملة الكافر؟ هذا ما يسمى بالدين الواقعي.

الإمامة أصل لكن من أصول الدين الواقعي وهو ما يتعامل به في الآخرة، وليست أصلاً من أصول الدين الظاهري وهو ما يتعامل به في الدنيا، في الدنيا نحن نمشي على طبق الشهادتين ولا نكلف بأمر آخر، هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: هل كل شخص لا يقول بالإمامة يعامله لله معاملة الكفار يوم القيامة؟ نقول لا، كيف لا؟ لاحظوا هنا رواية - ما عليكم من وسائل الإعلام التي تحاول أن تضلل - هناك روايات معتبرة عن الأئمة ، هذه الرواية معتبرة الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق قال: ”إن الله نصب عليًا علمًا بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنًا - واضح - ومن أنكره..“ أنكره ما قال جهله، ”ومن أنكره كان كافرًا ومن جهله كان ضالا“ فعندنا أشياء ثلاثة، أكو واحد يعرف الإمام علي خوب مؤمن، أكو واحد عرف النصوص لكنه أنكر عنادًا، عرف النصوص القائمة على إمامة علي مع إطلاعه والتفاته لهذه النصوص مع ذلك أنكر إمامة علي عنادً وجحودًا، هذا يعد كافرًا، خصوص هذا الشخص يعد كافرًا مو كل شخص لا يقول بإمامة علي فهو كافر، ”من أنكره كان كافرًا“.

”ومن جهله كان ضالا“ شخص جهل لا يدري بالإمامة ولا قامت عنده نصوص ولم يصل إلى الحقيقة، هذا الشخص الذي لم يصل إلى الحقيقة ولم تقم عنده النصوص يعتبر ضالاً، يعني تائهًا، يعني متحيرًا، لا أنه يعتبر كافرًا ويعامل معاملة الكفار في الآخرة، لاحظوا هذه النصوص الشريفة، إذًا الضال كيف يعامل؟ يعامله الله بما يشاء، الإمام الصادق في رواية سالم بن مكرم يقول: ”نحن الذين فرض الله طاعتنا فمن عرفنا كان مؤمنًا ومن أنكرنا كان كافرًا ومن جهلنا كان ضالاً فإن يمت وهو ضال يعامله الله بما يشاء“ يعني هذا الأمر بيد الله، لا نقول أنه يعامله معاملة الكفار، هذا الأمر بيد الله تبارك وتعالى نحن لا نحدده.

الأمر الثالث يا إخوان: حتى هذا الشخص الجاهل، الجاهل على قسمين: أكو جاهل مقصر وأكو جاهل قاصر، الجاهل الذي يعتبر ضالا هو الجاهل المقصر، يعني إنسان قام عقله، عقله تكلم، قال له ابحث لكنه ما بحث، كما ورد في الحديث الشريف: ”إن لله حجتين: ظاهرة وباطنة، فالحجة الظاهرة الرسل والأنبياء والباطنة العقول“ أكو إنسان عقله يحركه نحو البحث فلا يتحرك، هذا يعتبر جاهل مقصر، من حركه عقله، من بعثه عقله نحو البحث والفحص فلم يستجب لنداء عقله فهو جاهل مقصر، وقد ورد في الحديث عن النبي محمد : ”يؤتي بالعبد يوم القيامة فيقال له: ما عملت؟ فيقول: ما علمت، فيقال: هلا تعلمت ﴿فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ“ إذًا القادر على التعلم جاهل مقصر يعتبر ضالاً.

أما غير القادر على التعلم، افترض إنسان عاش في بيئة ليس فيها وسائل إعلام، ما وصل إليه نبأ الإمامة أبدًا، أو أن إنسان بحث عن الإمامة بكامل جهده فلم يوفق للوصول إلى شيء، هذا جاهل قاصر وليس مقصرًا، هذا الجاهل القاصر يعامله الله بلطفه في الإسلام فضلاً عن الإمامة، افترض إنسان ما يؤمن بالله، افترض إنسان ما آمن بالله أساسًا فضلاً أنه ما آمن بالإمام، ما آمن بالله لكنه كان جاهلاً قاصرًا، يعني ما وصل إليه شيء يدله على الله، بحث لكنه لم يوفق، هذا الإنسان الذي لم يصل إلى الله لأنه كان قاصرًا ولم يكن مقصرًا يعامله الله بلطفه، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ وقال تبارك وتعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا بقدر ما يؤتيها يكلفها، بقدر ما يعلمها يكلفها، وقال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً.

إذًاً بالنتيجة هذه الدعوى أننا نكفر الناس ونقول كل من لم يقل بإمامة علي فهو كافر هذه الدعوة في غير محلها وقد بينا تفصيل الكلام.

نجي الآن إلى المحور الثالث:

الإمامة جعل إلهي، الله يعين الإمام بحسب معتقد الإمامية، وليست الإمامة انتخابًا بشريًا أو اختيارًا بشريًا، الإمامة جهل إلهي، لماذا؟ ما هو الدليل على أن الإمامة جعل إلهي؟ الآن أذكر لك بعض الأدلة.

الدليل الأول: نحن إذا راجعنا عمر الدعوة المحمدية، كم عمر الدعوة؟ 23 سنة، هل كان بإمكان النبي أن يبلغ جميع أحكام الإسلام في 23 مع أنها كانت مملوءة بالغزوات، مملوءة بالحروب، مملوءة بالظروف والأزمات؟ هل كان بإمكان النبي أن يبلغ الإسلام كله في 23 سنة؟ مستحيل، لماذا؟ لأن الإسلام دين تفصيلي، دين له أحكام في مختلف حقول الحياة وفي مختلف شؤون الحياة لأن الدين الإسلامي خاتم الأديان، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ الدين الإسلامي خاتم الأديان، بما أنه خاتم الأديان فهو يتحدث عن كل شيء، ذكر أحكامًا وقوانين في جميع الحقول، في مختلف المجالات، هذا الدين الذي تكلم في كل شيء هل يمكن تبليغه في 23 سنة؟ ما يمكن، حجم عمر الدعوة لا يسع ولا يستوعب تبليغ الدين كله، إذًا النتيجة أن النبي مات ولم يبلغ جميع الأحكام، هذه هي النتيجة، مادام العمر لا يستوعب تبليغ الدين كله إذًا النبي قضى حياته ومضى إلى ربه ولم يبلغ جميع الأحكام فمن هو الموكل في تبليغ بقية الحكام؟ هذا سؤال، المفروض أي مسلم يجاوب عن ذلك.

لو قال لك واحد، التفت لي جيدًا، لو قال لك شخص خوب الآية قالت: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ معناه الدين اكتمل، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا الآية تقول الدين اكتمل، التفت لي، الدين اكتمل شيء وتبليغ الدين اكتمل شيء آخر، نحن ما نقول الدين ناقص، نحن نقول الدين اكتمل منذ زمان النبي لكن هل بلغ كله؟ هذا اللي احنا نتكلم عنه، نحن ما نتكلم عن اكتمال الدين، الدين كان كاملاً منذ عهد النبي، نزل عليه الدين كاملاً منذ عهد النبي، لكن هل بلغه كله أم لا؟ هذا سؤال آخر، الآية لا علاقة لها بالتبليغ، الآية تتعلق بإكمال الدين واقعًا، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يعني بهذا اليوم اكتمل الدين علي يدي، وتم التشريع علي يدي.

لكن هل أنه أبلغ الدين كله أم لم يبلغه؟ نقول لا يمكن في 23 سنة إبلاغ الدين كله، إذا كان مو ممكن إذًا العقل يحكم بأنه لابد أن يهيئ النبي رجلاً يكون على عاتقه إبلاغ الدين، لابد أن ينص على رجل يتكفل ويتعهد بتبليغ الدين كله، لابد من ذلك، وهذا الشخص الذي يتعهد ويتكفل بتبليغ الدين كله شخص رضع من حجر الإسلام وتربى على يد النبي منذ أول يوم وعاش النبي في جميع ظروفه وأحواله ونهل من معارفه وعلومه إلى آخر يوم، وهذا الشخص الذي تلقى العلوم أولاً بأول ويومًا بيوم بحيث كان الدين في أذنيه دائمًا إلى آخر لحظة من حياة النبي لا ينطبق إلا على الإمام علي ، ولذلك ورد عن النبي في مستردك الحاكم: ”أنا مدينة العلم وعلي بابها“ وورد عن علي : ”علمني رسول الله ألف باب من العلم في كل باب يفتح لي ألف باب“.

إذًا العقل.. ما نحتاج احنا أي دليل، العقل يحكم بأنه لابد أن يكون الإمام منصوصًا عليه من قبل النبي، لأن دور الإمام تبليغ الدين ولا يمكن أن يبلغ الدين إلا من رضع العلم من النبي يومًا بيوم، وهذا الشخص هو الذي ينص عليه النبي محمد .

الوجه الثاني، الدليل الثاني: المرجعية في تفسير القرآن، القرآن له ظاهر وله واقع، الظاهر يمكن أن يفهمه أي عربي، ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «1» وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا يفهمها كل عربي، هذه لا تحتاج إلى تفسير، ولكن هناك في القرآن آيات تحتاج إلى تفسير لا يمكن تفسيرها إلا من قبل أهل القرآن، أذكر لك هذا الأمر.

القرآن نفسه يقول: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ تأويله يعني ماذا؟ يعني معرفة متشابهات القرآن، لا يمكن معرفة متشابهات القرآن إلا بإرجاعها إلى المحكمات، وهذه تسمى عملية التأويل «إرجاع المتشابهات إلى المحكمات» هذه العملية لا يمكن أن يقوم بها كل أحد، ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا الراسخون في العلم هم الذين يعرفون عملية التأويل، أضرب لك أمثلة.

﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ما هو تعريف اليد؟ من أين تقطع اليد؟ من الكتف؟ من المرفق؟ من الزند؟ من أصول الأصابع؟ أربعة أصابع؟ خمسة أصابع؟ من الذي يحدد هذا؟ هذه آية متشابهة، هذه من المتشابهات، من القادر على تحديد المتشابه بأن يقول: أنا عندي علم هذه الآية عن النبي مباشرة؟ من؟

مثلا: عندما نأتي للآيات التي تتحدث عن صفات الله تبارك وتعالى، مثلا: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا كيف يجيء الله؟ الله ليس بجسم حتى يجيء ويذهب فما معنى الآية؟ مثلا عندما يقول تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى هل هناك شيء مادي يجلس عليه الله؟ وهل الله جسم حتى يكون له عرش يستقر عليه ويستوي عليه؟ ما معنى هذه الآيات؟ هذه آيات متشابهة، هذه الآيات المتشابهة لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم، تأويلها بإرجاعها إلى المحكمات لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.

إذًا من هم الراسخون في العلم الذين يرجع إليهم في تأويل القرآن؟ الذين يرجع إليهم في التفسير الواقعي للقرآن؟ نحن لا نعرف، النبي هو الذي يحدد لنا من هم المرجع في تفسير القرآن وفي تأويله، إذًا صارت الإمامة بالنص، لأن الإمام هو المرجع في تفسير القرآن وتأويله، ونحن لا نعرف الأشخاص، من هو الشخص المؤهل لتفسير القرآن وتأويله بحيث ينطبق عليه أنه من الراسخين في العلم؟ من؟ نحن لا نعرف، النبي يعين لنا الراسخين في العلم من غيرهم.

لذلك هذه الآية قالت: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ولم تحدد من هم الراسخون في العلم، نجي لآية أخرى تحدد لنا، تقرب لنا المعنى، قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ «78» لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «لا يمسه» يعني لا يعرفه معرفة واقعية إلا المطهرون، إذًا الراسخون في العلم هم المطهرون، من هم المطهرون؟ تأتينا آية ثالثة تحدد لنا المعنى، تقول: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا فإذا جمعنا بين الآيات عرفنا أن الراسخين هم المطهرون والمطهرون هم أهل بين النبوة صلوات الله وسلامه عليهم، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.

هذا ما دل عليه القرآن الكريم ودلت عليه النصوص النبوية، حديث الثقلين حديث في جميع كتب الحديث ورد هذا الحديث بل قال عنه ابن حجر: حديث صحيح لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه روي عن نيف وثلاثين صحابيًا، ”إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض“.

دخل قتادة، قتادة من مفسري القرآن، دخل على الإمام الباقر، الإمام الباقر قال: يا قتادة بلغني أنك تفسر كتاب الله، قال: نعم، قال: إن كنت تفسره من عقلك فقد هلكت وأهلكت، لأن النبي يقول: «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»، وإن كنت تفسره من قبل الرجال - يعني إنت تأخذ من الرجال وتقول - فقد هلكت وأهلكت، إنما يعرف القرآن من خوطب به - من هو الذي خوطب به؟ النبي - وما هو إلا عند الخاصة من ذرية نبينا محمد وما ورثك الله من كتابه حرفاً.

إذًا المرجعية في تفسير القرآن للإمام، والذي يحدد لنا الإمام هو النبي .

الوجه الثالث: القرآن الكريم، القرآن الكريم يدلنا على أن الإمامة جعل من قبل الله، الآية التي قرآناها قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ ما قال: «فلتنتخبك الناس إمامًا» أو ما قال: «فلتشرحك الناس للإمامة» أو ما قال: «فإمامتك شورى بين الناس»، قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا الإمامة جعل من الله، ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وفي قوله تبارك وتعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء - بعد - وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ما كان خيرًا للأمة يختاره الله لا أن الأمة تختاره، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ يعني بيده الاختيار، ﴿وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ.

أما آية ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ في واحد يقول خوب قال ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ التفت لي، أمرهم شيء وأمر الله شيء آخر، بلي أمرهم شورى بينهم، يعني إدارة شؤون الناس شورى بين الناس، الناس باختيارهم كيف يديرون شؤونهم الاقتصادية، شؤونهم المالية، إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية والاجتماعية هذا أمر بيد الناس، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ أما الإمامة فهي أمر الله وليست أمرًا للناس كي تكون شورى بين الناس، قال «أمرهم» ولم يقل «أمر الله» والإمامة أمر الله وليست أمرًا للناس، ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ أما الإمامة فقد قال عنها تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ إذًا الإمامة جعل من الله.

ولو قرأنا التاريخ، إنت خليك منصف وابتعد عن التكلفات وابتعد عن الموروث البيئي، خليك منصف واقرأ التاريخ الإسلامي بإنصاف، من هو الأجدر والأولى بقيادة الأمة بعد رسول الله بمقتضى التاريخ الإسلامي؟ إنت اقرأ التاريخ بإنصاف من دون أي موروث بيئي آخر، اقرأ التاريخ بموضوعية، اقرأ التاريخ بتجرد، كما قال بولس السلامة:

لا    تقل    شيعة    هواة   iiعلي

أنا  من يعشق الفضيلة والإلهام

فإذا     لم     يكن    علي    iiنبيًا

يا سماء اشهدي ويا أرض قري





 
إن    في   كل   منصف   iiشيعيًا

والعدل      والخلاق     iiالرضية

فلقد      كان      خلقه      iiنبويًا

واخشعي    إنني    ذكرت   عليًا

والحمد لله رب العالمين

بحث في مسائل القدر جـ1
زيارة النبي (صلى الله عليه وآله)