نص الشريط
تفسير قوله تعالى:(إذا سألك عبادي عني....)
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 22/9/1429 هـ
مرات العرض: 3433
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1633)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث حول محاور ثلاثة:

  • في الحاجة إلى الدعاء.
  • عناصر الدعاء الحقيقي.
  • آداب الدعاء.

المحور الأول: في الحاجة إلى الدعاء:

الإنسان يحتاج إلى الدعاء حاجة فطرية حاجة ذاتية الإنسان لو خلي ونفسه فانه يرى نفسه محتاجه وتواقة للدعاء كما يحتاج الظمآن إلى الماء والجائع للغذاء فإن الإنسان يحتاج بفطرته وبجبلته إلى الدعاء، كيف يحتاج الإنسان إلى الدعاء؟ هناك ثلاث حاجات فطرية يغذيها ويؤمنها الدعاء:

الحاجة الأولى:

حاجة الإنسان إلى التنفيس، كل إنسان إذا ألمت به الظروف القاسية وضغطت عليه الهموم والمغموم فانه يحتاج إلى أن ينفس، يحتاج إلى أن يتحدث يحتاج إلى أن يتكلم، الإنسان الذي تقسو عليه الظروف ولا يتكلم يصاب بعقد نفسية مزمنة، أما الإنسان الذي يبوح عن ما بداخله أما الإنسان الذي ينفس عن همومه وغمومه ويظهر ما في قلبه فانه يتخلص من كثير من الإمراض والعقد فالإنسان يحتاج حاجة فطرية للتنفيس عندما تقسو عليه الهموم والمغموم والدعاء مجال رحب إلى التنفيس الإنسان عندما يسرف في الذنوب يسرف في المعاصي ويشعر بلذعة الذنوب ويشعر بقسوة هذه الرذائل فانه حينئذ يمر بفترة عصيبة يحتاج إلى أن ينفس عنها، يحتاج إلى أن يتحدث عنها فإذا جلس أمام ربه وخلى بربه وناجى ربه وبدأ يتحدث عن ذنوبه، وبدا يتحدث عن خطاياه، وعن رذائله يشعر بأنه رفع هما ثقيلا كان ضاغطا على نفسه التنفيس حاجة أساسية لدى الإنسان وهذه الحاجة يغذيها الدعاء.

الحاجة الثانية:

الإنسان يحتاج إلى نقد الذات ومحاسبة الذات، لا يمكن للإنسان أن يتطور حتى ينقد ذاته نقد الذات هو طريق التغيير هو طريق التطور، لا يمكن لإنسان ولا للمجتمع أن يتطور حتى ينقد تجربته وحتى يقرأ تاريخه، الإنسان أيضاً لا يمكنه أن يتغير لا يمكنه أن يتطور حتى ينقد نفسه ينقد خطه لذلك الدعاء طريق لنقد الذات طريق لمحاسبة النفس طريق لوضع النقاط على الحروف طريق لمراجعة شريط الذكريات وإصلاح ما ساء منها ورد عن النبي محمد حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا».

وورد عن الإمام الكاظم : «ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم» كل يوم ينتقد ذاته يراجع تاريخه فإن عمل حسنة استزاد الله وإن عمل سيئة استغفر الله وتاب إليه.

الحاجة الثالثة:

الإنسان يحتاج إلى الدعاء حاجته إلى الأمل لولا الأمل ما استطاع الإنسان أن يبني الحياة، لولا الأمل ما استطاع الإنسان أن يشيد الحضارة الأمل هو الذي يكون سببا ووسيلة لانطلاقة الإنسان ولبناء الإنسان يحتاج إلى الأمل كيف يحصل على الأمل إذا أسرف في الذنوب ربما يصيبه اليأس إذا أسرف في الظلم ربما يصيبه الإحباط ربما يصيبه الظلام لكن الدعاء بوابة الأمل الدعاء نافذة الأمل الدعاء مفتاح الأمل الإنسان يحتاج إلى الأمل، لذلك هو يحتاج إلى الدعاء لأن الدعاء يفتح أمامه أبواب الأمل قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، إذن الإنسان يحتاج إلى الدعاء حاجة فطرية أساسية من خلال حاجته إلى التنفيس من خلال حاجته إلى محاسبة النفس من خلال حاجته إلى غرس الأمل في قلبه.

المحور الثاني: عناصر الدعاء الحقيقي

لنقف مع الآية المباركة التي قراناها﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ هناك ثلاث فقرات في الآية:

الفقرة الأولى:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي القرآن الكريم يخاطب الناس يخاطب البشرية بعناوين ثلاثة:

1/ عنوان الناس.

2/ عنوان الذين آمنوا.

3/ عنوان عبادي.

وكل عنوان أخص من العنوان الآخر قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا وأحيانا يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ وأحيانا يعبر بهذا التعبير بعباديقال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ، هناك ناس بين مؤمن وبين كافر وهناك مؤمن وهو الذي اعتقد بالله وبوحدانيته والمؤمن أيضا على قسمين:

1/ عبادي.

2/ ومن ليس عبادي.

ما هو الفرق بين المؤمن الذي هو من عبادي وبين المؤمن الذي هو ليس من عبادي؟ المؤمن الذي يستشعر عبودية الله يستحضر رقابة الله تبارك وتعالى يستشعر الخضوع والذلة لله تبارك وتعالى هذا من «عبادي» أما المؤمن لكنه لا يستشعر في نفسه ووجدانه رقابة الله لا يستشعر في نفسه الخضوع والذلة إلى الله هذا «ليس من عبادي».

ما هو الفارق بينهما؟

الفارق بينهما في اقتراف الذنوب هناك مؤمن يذنب ولكنه يذنب عن إصرار يذنب عن تعمد ملتفت إلى الذنب ملتفت إلى شناعة الذنب وفظاعته وعاقبته السيئة ولكنه يذنب يكرر الذنب يصر على الذنب هذا المؤمن «ليس من عبادي» لأنه لا يستشعر رقابتي ولا يستشعر الخضوع والذلة لي ودليل ذلك أنه يكرر الذنب بإصرار وبعمد وبدون ألم وبدون حسرة وبدون ندم وهناك مؤمن يذنب أيضا ولكنه إذا أذنب، أذنب لغلبة الهوى، أذنب لغلبة الشهوة، أذنب لطغيان النفس الإمارة بالسوء عليه قال تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ يذنب فإذا أذنب ندم وتاه وتحسر هذا الذي يشعر بوخز الذنب، بلسعة المعصية بلذعة المعاصي، هذا إنسان من «عبادي» هذا الإنسان الذي يعبر عنه الإمام زين العابدين كما ورد في دعاء أبي حمزة «وما عصيتك اذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى عليّ».

إذن هؤلاء الذين يشعرون بالذنب وألمه هم عبادي وهؤلاء لهم خطابات خاصة في القرآن الكريم: ﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِوقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ.

الفقرة الثانية:

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ما معنى كلمة قريب؟ نحن نعرف معنى أن الله قريب من كل مخلوق لا قربا ماديا ولكن قربا سلطويا بمعنى أن سلطته نافذة في كل مخلوق لكن ماذا تعني كلمة القرب هنا؟ في الآية المباركة يقول الفلاسفة الملكية ثلاثة أقسام:

1/ ملكية اعتبارية.

2/ ملكية حقيقية.

3/ ملكية حقيقية حقه.

الملكية الاعتبارية: هي الملكية التي يحميها القانون ملكيتي لأموالي لأملاكي هناك ملكية أعظم وأعمق من هذه الملكية وهي الملكية الحقيقية: ملكية التصرف ملكية النفس لأفكارها أنا عندي نفس وعندي أفكار أفكاري بيدي أنا أصنع أفكاري وأنا أتنازل عن أفكاري وأنا أطور أفكاري فنفسي تصنع الأفكار وتتصرف فيها ملكية النفس للأفكار ملكية حقيقية ملكية أقوى من الملكية الاعتبارية كملكيتي لأموالي ولأملاكي التي هي ملكية يحميها القانون هناك ملكية حقيقية كملكية النفس لأفكارها.

مثلا: قلبي بيدي لا توجد منطقة حرة في هذا العالم كله إلا منطقة القلب جميع المناطق في هذا العالم مناطق مستعمرة مناطق مستعبدة مناطق مملوكة المنطقة الحرة الوحيدة التي أتصرف فيها كما أريد من دون أن يضغط علي احد من دون أن يجرني احد هي قلبي، قلبي أحب به من أشاء وابغض من أشاء افرح كيفما أشاء واحزن كيفما أشاء ميولي وقلبي بيدي فانا املك ملكية حقيقية لذلك هذه المنطقة الحرة لا يمكن الضغط عليها أبداً ورد عن أمير المؤمنين علي : «لو ضربت خيشوم المؤمن بالسيف على أن يبغضني ما ابغضني ولو ضربت خيشوم المنافق بالسيف على أن يحبني ما أحبني» هذه منطقة حرة لا يمكن القسر فيها هذه ملكية حقيقية.

وهناك ملكية حقيقية حقه: وهي ملكية الله لمخلوقاته مقتضى خالقتيه مالكيته ومعنى مالكيته أن وجود سائر المخلوقات وعدمها بيده ملكية الإيجاد وملكية الإعدام هذه هي الملكية الحقيقة الحقه وهي أتم وأعظم درجات الملكية لذلك في القران يعبر عن هذه الملكية الحقيقية الحقه عن عندما يقول: ﴿أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِهل هناك شيء اقرب إليك من قلبك؟ الله يتصرف في قلبك عرفت الله بنقض العزائم أحياناً يصمم الإنسان على أمر ثم يتبدل تصميمه بخاطرة تمر على ذهنه وقال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ هذه الملكية الحقيقة الحقه تعبر عنها الآية المباركة عندما قالت﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ القرب بمعنى الملكية الحقيقة الحقه.

الفقرة الثالثة:

﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِهنا سؤال واضح كل إنسان يقرا الآية يتبادر إلى ذهنه هذا السؤال لماذا يقول إذا دعاني يكفي أن يقول: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ما معنى هذا القيد لماذا لم يكتفي بقول﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ أضاف هذه الجملة الشرطية﴿إِذَا دَعَانِ؟ للإشارة يا أخوان إلى أن الدعاء صوري وحقيقي ملكي وملكوتي كل شيء كل عمل نصنعه فيه جانب ملكي وجانب ملكوتي.

مثلا: ً الصلاة التي نصليها لها جانب صوري ملكي ركوع سجود قراءة أذكار جانب مادي ولهذه الصلاة «عنصر ملكوتي» وهو الخشوع والخضوع هل لهذه الصلاة خشوعا مثلا عندما يقول القران الكريم: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ أي صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر نحن نصلي ولا ننتهي عن المنكر ولا ننتهي عن الذنوب أي صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ الصلاة بعنصرها الملكوتي لا بعنصرها الملكي بعنصرها الواقعي لا بعنصرها الصوري الصلاة ذات الخشوع ذات الخضوع هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وورد عن النبي محمد : «إن من الصلاة ما يقبل نصفها وان من الصلاة ما يقبل ثلثها وان من الصلاة ما يرد إلى العبد كالثوب الخلق البالي» وتأتي الصلاة يوم القيامة تناشد هذا العبد الذي كان يصلي صلاة صورية ملكية خاوية فارغة تناديه ضيعتني ضيعك الله لان صلاتك كانت لقلقة لسان لان صلاتك صورية فارغة لا طعم فيها ولا نبض فيها، الصلاة لها جانب ملكي وجانب ملكوتي.

مثال: الدعاء أيضا لها جانب ملكي صوري هذا الذي نقرأه بألسنتنا نقرأ دعاء الجوشن الصغير والكبير قراءة صورية مادية وقد تكون فارغة خاوية لا ألم معها لا تأوه معها لا ندم معها وهناك دعاء ملكوتي حقيقي الدعاء الممزوج بالدمعة والحسرة والآهة﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِإذا دعاني دعاء ملكوتي، دعاء واقعي، دعاء حقيقي لا أني أجيب كل الأدعية ماهو الدعاء الحقيقي؟ ﴿إِذَا دَعَانِ أضاف الدعاء إلى نفسه﴿إِذَا دَعَانِ إذا صدر الدعاء الحقيقي نحوي فأنا أجيب دعاءه ما هو الدعاء الحقيقي؟ الدعاء الحقيقي الملكوتي له عناصر اذكر منها عنصرين:

العنصر الأول: الإيمان

بان السببية المطلقة لله تبارك وتعالى المسبب الحقيقي في هذا الكون كله من اصغر ذرة إلى أعظم مجرة هو الله تبارك وتعالى ألا له الخلق والأمر، ما معنى هذا الكلام؟ كثير منا يتعلق بالأسباب المادية ويغفل عن السبب الحقيقي وراء هذه الأسباب المادية هناك كما يقول الفلاسفة هناك مقتضي، وهناك شرط.

المثال الأول: أنا عندما أكتب موضوعا أريد أن اكتب بحثا أريد أن اكتب قصيدة على ورقة معينة كتابة البحث تحتاج إلى مقتضى أي تحتاج إلى سبب يفيض الوجود يفيض الكتابة وتحتاج إلى شرط من هو المقتضي وما هو الشرط؟ المقتضي الذي منه الوجود منه فيض الكتابة منه وجود الكتابة أنا روحي تملي علي الأفكار والأفكار أبداً بترجمتها على هذه الورقة فالنفس الروح مقتضي تفيض وجود الكتابة بتعبير مجازي ولكن لا يمكن أن اكتب بدون قلم فالقلم شرط إذا احتاجت الكتابة إلى عنصرين مقتضٍ وهو أنا الذي بيدي الأفكار وبيدي ترجمة الأفكار واحتاجت إلى عنصر أخر وهو الشرط وهو حركة القلم، إذن وجود الكتابة يعتمد على مقتضٍ وهو أنا وشرط وهو حركة القلم كذلك هذه الموجودات المادية.

المثال الثاني: وجود الجنين في بطن أمه يحتاج إلى عنصريين مقتض يفيض الوجود وهو الله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ وشرط وهو لقاء الذكر والأنثى هذا اللقاء شرط عادي لإفاضة الوجود كي يتكون الجنين في بطن أمه.

المثال الثالث: أيضاً سائر الأشياء التي تحتاج إلى وجود مادي تحتاج إلى عنصرين مقتض وشرط الشفاء من المرض الشفاء وجود يحتاج إلى عنصرين المقتضى والشرط شرب الدواء شرط وليس هو المقتضى ما هو المقتضى للشفاء والمصدر للشفاء المنبع الذي يفيض الشفاء هو الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.

إذن لابد أن أؤمن أن شرب الدواء مجرد شرط السعي إلى الرزق مجرد شرط مذاكرة الدرس أيام الامتحانات مجرد شرط مشي وكلامي مجرد شرط المقتضي لإفاضة الوجود لإفاضة الشفاء لإفاضة الرزق لإفاضة النجاح والتفوق لإفاضة أي شيء هو الله تبارك وتعالى إذا لم أؤمن بذلك إن هذه الأشياء المادية مجرد شروط وغلا فالمقتضي الحقيقي المفيض للوجود المسبب الحقيقي هو الله ما لم أؤمن بذلك يكون دعائي دعاء صوري دعاء ملكي لا يكون دعائي دعاء ملكوتي حتى أؤمن بان منبع الوجود والفيض كله هو الله وان هذه الوسائط لولا الله لما كانت وسائط سبيتها وواسطتها مستمدة مستقاة من قبل الله إذا الإيمان بالتسبب الحقيقي لله هو عنصر أول من عناصر الدعاء الملكوتي.

العنصر الثاني الإخلاص:

ما معنى الإخلاص؟ الأحاديث الشريفة تتحدث عن الإخلاص اقرأ ما ورد عن النبي محمد في الحديث القدسي عن الله جل جلاله «عبدي تعرف إلي في الرخاء أعرفك في الشدة» إذا كنت تتعامل معي تعاملا مصلحيً ذاتيا أنا لن استجيب لدعائك لابد أن تتعامل معي تعاملا موضوعيا وإلا لن استجيب دعائك، كلنا أو أكثرنا يتعامل مع الله تعاملا مصلحي أنا لا ادعوه إلا لأجل مصلحتي لا ادعوه لأني أحب الدعاء لا أنا أنما ادعوه لأجل مصلحتي ليس إلا، إذا أذنبت دعوته كي يغفر ذنبي، إذا احتجت إلى الرزق دعوته كي يؤمن لي رزقي، إذا مرضت دعوته كي يضمن لي الشفاء أنا لا ادعوه إلا إلى مصلحتي، أنا لا ادعوه إلا لحاجتي أنا أتعامل مع الله تعاملا مصلحيً انطلاقا من ذاتي انطلاقا من غريزة حب الذات انطلاقا من حب المصلحة انطلاقا من الحرمان حول الذات أدعي الله تبارك وتعالى ادعوه لأجل مصالحي الشخصية شفائي، رزقي، نجاحي، غفران ذنوبي فقط وإلا لو كنت مؤمن إنسان امتلك رزقا وفيرا امتلك صحة وعافية امتلك سائر الأشياء لما دعوته فانا ادعوه فقط لأجل مصالحي، ولكن الله يريدني أن ادعوه لان الدعاء لقاء بيني وبينه أنا احتاج إلى الدعاء لأنه الدعاء لقاء بيني وبين محبوبي لأنه الدعاء لقاء بمالكي الحقيقي لأنه الدعاء يطهرني يغسلني يطورني ينقذني أنا ادعوه لأني أحب دعاءه لأنني أحب مناجاته لا ادعوه لأجل مصالحي الشخصية.

ورد عن الإمام أمير المؤمنين : «ركعة لي في دنياكم أحب إلي من الجنة وما فيها» أنا أحب الصلاة لا لأجل مصالح شخصية لو كنت أصلي لمصالح شخصية لكان هدفي هو الجنة لان الجنة توفر لي نعيما واطمئنانا وخيرا كثيرا لكني أصلي لأني أحب الصلاة لا لأجل مصالحي الشخصية «ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك وإنما وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» أنا أتعامل معك تعامل موضوعي ليس تعامل شخصي ليس تعامل مصلحي، إذن الدعاء الملكوتي الدعاء المنطلق من دوافع موضوعية لأمن دوافع شخصية الدعاء الذي تعرض له النبي في الحديث القدسي «تعرف إلي في الرخاء أعرفك في الشدة» ورد عن الإمام الصادق : «من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل البلاء وقيل هذا صوت معروف ومن لم يتقدم في الدعاء لم يستجيب له عند نزول البلاء وقالت الملائكة هذا صوت لا نعرفه» وذلك قوله تعالى: ﴿نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْقال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَإذا العنصر الثاني من عناصر الدعاء الملكوتي الحقيقي عنصر الإخلاص في الدعاء بمعنى الدعاء في كل حال والتعامل مع الله تعاملا موضوعيا.

المحور الثالث:

آداب الدعاء اذكرها باختصار شديد: -

الأدب الأول: رفع اليدين

ورد عن النبي محمد : «ما بسط عبد يده في الدعاء إلا استحى الله أن يرها صفرا حتى يجعل فيها شيء من رحمته وفضله فإذا دعا أحد كم فليمسح بيديه رأسه ووجهه» وكان الرسول قدوتنا «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» ولقد كان رسول الله إذا دعا مد يده كما يستطعم المسكين كما يتسول الفقير تجسيد للمضامين الروحية بشكل حي بشكل تمثيلي هذا هو الأدب الأول.

الأدب الثاني: الصلاة على محمد وآل محمد:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وسيلتنا محمد وآل محمد واسطتنا محمد وآل محمد ولذلك يقول كما ورد عن الإمام الباقر : «ما يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على النبي محمد وآله».

الأدب الثالث: الدعاء للمؤمنين:

ورد عن الإمام الصادق : «من قدم أربعين مؤمنا استجيب له» لماذا يريد الدعاء أن يعلمنا على الغيرية بدل أن نتعلم على الأنانية كثير منا أناني حتى في دعائه حتى في صلاته حتى في خلواته إذا خلى بربه وناجى الله لم يدع إلا لنفسه ولم يدع الا لقضاء حاجاته هذا إنسان أناني دعاؤه لا يتجاوز فمه الدعاء الملكوتي الذي يستجيبها لله هو الدعاء المملوء بروح الأخوة المملوء بالغيرية المملوء بالإحساس بالآخرين الدعاء المنطلق من الضمير الذي يشعر بآلام الآخرين يقول الإمام الحسن الزكي : «ما رأيت أعبد من أمي فاطمة كانت إذا قامت إلى صلاتها لا تمتثل حتى تتورم قدماها من طول الوقوف بين يدي ربها وما رأيتها دعت لنفسها قط وإنما تدعو للمؤمنين والمؤمنات فأقول لها أماه فاطمة لم لا تدعين لنفسك فتقول: بني حسن الجار ثم الدار». الدعاء المحراب يربيك على الروح الاجتماعية من قدم أربعين مؤمنا استجيب له.

الأدب الرابع: الإقرار بالذنوب:

أبو بصير أحد أصحاب الإمام الصادق يسأل الإمام سيدي هناك آيتان في القرآن اقرأهما واطلبهما فلا أجدهما؟ قال: ما هما؟ قال قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وأنا أنفق ولا أجد خلفا! قال: أرأيت أن الله يخلف وعده؟ قال: لا قال: إذن من أكتسب المال من حله وأنفقه في حقه فما أنفق درهما إلا خلفه الله عليه. وأما الآية الثانية قال قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وأنا ادعوه ولا يستجيب لي دعائي فأين معنى هذه الآية؟ قال: من دعا من جهة الدعاء استجيب له. قلت وما جهة الدعاء يا سيدي؟ قال: إذا أردت أن تدعو فاذكر الله ثم تمجده وتحمده ثم تذكر نعمه ظاهرة وباطنه فتشكرعليه ثم تصلي على محمد وآل محمد ثم تقر بذنوبك ثم تستغفر منها فإذا دعوت كذلك فقد دعوت من جهة الدعاء» وورد عن الإمام الصادق : «وقال ربكم ادعوني استجب لكم» وما دعا عبد ربه إلا استجاب له إما أن تعجل له في الدنيا أو تؤجل له في الآخرة أو يخفف عن ذنوبه» الدعاء لازم وراءه استجابة ولو تخفيف ذنوب قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ الدعاء يستجاب ولو بتخفيف الذنوب ولو بتخفيف الإثقال الباهظة التي نحملها عن ظهورنا وهي أثقال الذنوب قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ.

ومن آداب الدعاء موطن الدعاء قد يكون موطن الدعاء زمنا كليلة القدر كشهر رمضان وقد يكون موطن ادعاء مكانا فإن الأمكنة والبقاع تختلف الدعاء بين الركن والمقام الدعاء عند قبر النبي محمد قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

ومن مواطن الدعاء قبر الحسين إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة مولى الحق رب النهي وفيه رسول الله قال وقوله صحيح صريح ليس في ذلكم نكر حبي بثلاث ما أحاط بمثلها نبي فمن زيد هناك ومن عمر له تربة فيها الشفاء وقبة يجاب فيها الدعاء إذا مسه الضر وذرية منه تسعة لاثمان ولا عشر.

حتى الإمام الجواد وهو إمام معصوم يقول لأصحابه إلى أين ذاهبون قالوا نذهب لزيارة جدك الحسين قال: «اذكروني عند جدي وادعوا لي».

بحث في مسائل القدر جـ4
عليُ والعبادة