نص الشريط
الطفولة وحقوقها
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/1/1426 هـ
مرات العرض: 3209
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1499)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا

صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث في نقاط ثلاث:

  • في تقويم حقوق الإنسان.
  • في تقويم حقوق الطفل.
  • في بيان أن دور الأب دور الرعاية لا دور الولاية.
النقطة الأولى: تقويم حقوق الإنسان.

مسألة حقوق الإنسان شغلت الباحثين منذ عدة قرون، وكتبت فيها مجموعة من الأقلام، وتناولتها عدة مدارس فكرية، منها: المدرسة الليبرالية، والمدرسة الماركسية، والمدرسة الإسلامية، فما هو الفرق بين هذه المدارس في تناول مسألة حقوق الإنسان؟

المدرسة الأولى: المدرسة الليبرالية.

ترى أن محور حقوق الإنسان هو الإنسان كما أنتجته الطبيعة. كانت - الفيلسوف الإنجليزي - يقول: الإنسان غاية وليس وسيلة، أي أن محور جميع الحقوق، ومحور جميع القوانين، هو الإنسان. ينبغي أن تصب جميع القوانين في مصلحة الإنسان، وفي خدمته، فالإنسان غاية وليس وسيلةً. الطبيعة أنتجت الإنسان وهو يتمتع بصفتين: الصفة الأولى: الحرية، والصفة الثانية: غريزة التملك والاستيلاء.

بما أن الطبيعة أنتجت الإنسان وهو حرٌ، إذن من أول حقوقه حق الحرية، والمقصود بالحرية: الحرية بمستوياتها الثلاثة: الحرية الفكرية، والحرية السلوكية، والحرية الاقتصادية. الإنسان حرٌ في أن يعتقد بما يشاء، وحرٌ في أن يمارس أي سلوك يشاء، وبما أنه خلق حرًا، وأنتجته الطبيعة حرًا، فمن أوضح حقوقه حق الحرية. وبما أنه وُلِدَ وعنده غريزة التملك والاستيلاء، فمن أقدس حقوقه الملكية، فالإنسان له حق الملكية، بمعنى أن له حقًا في أن يكتسب الثروة بأي نحو شاء. إذن خلاصة رؤية المدرسة الليبرالية: الإنسان هو المركز، وله حق الحرية، وله حق الملكية.

المدرسة الثانية: المدرسة الماركسية.

ماركس إنسان غربي، ولكنه كان عقلية جبارة، ولذلك قرأ المدرسة الليبرالية، وقرأ الفلسفة الغربية، فرأى أنها تعيش ثغراتٍ، وتعيش نواقصَ واضحة، وذلك لأمور ثلاثة:

الأمر الأول: حول مركز الحقوق.

ماركس يقول: ليس المحور هو الإنسان الفرد، بل المحور هو الإنسان الاجتماعي لا الإنسان الفردي. الإنسان الفردي هو الإنسان الذي أنتجته الطبيعة، ولكن الإنسان الذي أنتجته الطبيعة لا فرق بينه وبين الحيوان، إذ لا يوجد فرق بين الإنسان والحيوان بحسب المقاييس الطبيعية، فقد وُجِد الحيوان حرًا، ووُجِد وهو يهاجم حتى يحصل على ما يريد، فأي فرق بين الإنسان والحيوان بحسب ما أنتجته الطبيعة؟! الإنسان اكتسب إنسانيته لا من الطبيعة، بل اكتسبها من الصراع. الإنسان خاض صراعًا مع الطبيعة، وبنى حضارةً. خاض صراعًا مع أخيه الإنسان، ولو لم يخضع الصراع ما وجد هذا المجتمع، فالإنسان اكتسب إنسانيته من خلال الصراع: الصراع مع الطبيعة ومع أخيه الإنسان، إلى أن أثبت ذاته، وأوجد حضارة ومجتمعًا.

هذا الإنسان هو محور الحقوق، وليس ذاك الإنسان الذي أنتجته الطبيعة، فإن الإنسان الذي أنتجته الطبيعة كالحيوان، فهو إنسان معزول عن التاريخ وعن الصراع وعن الحضارة، وأما الإنسان الحقيقي فهو الإنسان الذي خاض الصراع، وهو الذي يعبّر عن مجموعة من العلاقات الاجتماعية والتاريخية، وهذا هو مركز الحقوق ومحورها.

الأمر الثاني: حول الحرية.

أنت ترى الليبراليين إلى الآن يطرحون هذا الشعار: أنت حر ما لم تضر بأحد، فالمهم هو ألا تضر بأحد، وإلا فأنت حر. ماركس يقول: هذا الشعار «أنت حر ما لم تضر بأحد» يعني: أنت حر في أن تصبح أنانيًا! وأنت حر في أن تصبح جشعًا! وأنت حر في أن تصبح إنسانًا لا يبالي بالآخرين، وذلك لأنك لم تضر بأحد، وإنما المهم أنك حر، فأنت حر في أن تنطوي على ذاته، وألا تهتم بالآخرين، ولا تعتني بالآخرين، وإنما المهم ألا تضر أحدًا، فهذا شعارٌ يربي الأنانية والانطواء على الذات؛ لأن هذا الشعار مركزه الإنسان كما أنتجته الطبيعة، وأما لو كان مركزه الإنسان الاجتماعي لما صح هذا الشعار. هذا الشعار يتنافى مع الإنسان الذي يعني العلاقات الاجتماعية.

الأمر الثالث: حول الملكية.

الليبراليون يبشروننا الآن بالديمقراطية، ويرفعون شعارًا آخر: «الملكية أقدس الحقوق». أعظم حق للإنسان هو حق الملكية، بمعنى أن يكتسب الثروة وأن يتملك، وأنت ترى بنفسك عالم الأسهم، وعالم اكتساب الثروة، وعالم السوق، فإن هذا العالم يجسّد لنا المفهوم الليبرالي تمامًا، وهو أن الملكية أقدس حق، فهو حق يعلو فوق الحقوق. ماركس يقول: هذا الشعار لا يخدم كل «الإنسان»، وإنما يخدم طبقة معينة من المجتمع، وهي الطبقة الرأسمالية؛ إذ ليس كل إنسان يستطيع أن يتملك، وإنما يتنحصر التملك في الطبقة الرأسمالية التي تمتلك الثروة، وتمتلك علاقات اجتماعية، وتمتلك قدرة على النفوذ الاجتماعي. هذه الطبقة هي التي يخدمها هذا الشعار: «الملكية حق فوق الحقوق»، وأما سائر أبناء المجتمع - أي: الطبقة العمّالية، أو الطبقة الشعبية - فلا يستفيدون من هذا الحق ولا من هذا الشعار شيئًا.

إذن تتلخص المدرسة الماركسية في أن المحور هو المجتمع وليس الإنسان كما أنتجته الطبيعة، وبعبارة أخرى: الإنسان وسيلةٌ للمجتمع وليس غايةً كما يقول كانت الفيلسوف الإنجليزي.

المدرسة الثالثة: المدرسة الإسلامية.

توجد مشكلةٌ فينا - نحن الإسلاميين - وهي أننا دائمًا وظيفتنا ردة فعل وليست وظيفتنا الفعل، فنحن لا نخطط، بل ننتظر أن يخطط الآخرون ثم ننتبه من نومنا ومن سباتنا فنأني ونعلّق! الغربيون كتبوا في حقوق الإنسان قبلنا بعشرات السنين، وبعد ذلك جاء جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وبدؤوا يكتبون في حقوق الإنسان، ومن المُحْدَثين: راشد الغنوشي التونسي، ومحمد عمارة المصري، والشيخ المطهري كتب شيئًا مختصرًا في كتابه «المجتمع والتاريخ». وهكذا لا توجد مادة غنية بتصور إسلامي عن لائحة حقوق الإنسان. نحن كمدرسة إسلامية ماذا نقول عن حقوق الإنسان؟ نحن نطرح عدة أصول:

الأصل الأول: المرجعية.

المرجعية في أصول الإنسان لمن؟ من أين نأخذ حقوق الإنسان؟ ما هو مصدرنا؟ هذا أصلٌ لا بد من تحريره. المدرسة الليبرالية تقول: المرجعية هي الطبيعة، حيث أنتجت الطبيعة إنسانًا حرًا يحب التملك، فما أملته الطبيعة هو حقوق الإنسان. المدرسة الماركسية تقول: المرجعية هي المجتمع، فما يؤدي إلى مجتمع متساو في الملكية وفي الحريات وفي الثروات فهو مصدر حقوق الإنسان. المدرسة الإسلامية ماذا تقول؟ ما هي المرجعية؟

المدرسة الإسلامية تطرح سؤالاً: من هو الأصل في الوجود؟ هل الأصل هو الطبيعة؟ أم الأصل هو المجتمع؟ أم الأصل هو الله؟ الأصل في الوجود الذي فجّر بذرة الوجود وفجّر شعلة الوجود هو الله، وبما أن الأصل هو الله، إذن هو المرجعية في حقوق الإنسان. أنا الإنسان لا أملك شيئًا، بل نفسي ملك لله، وجسمي ملك لله، وأموالي ملك لله، وأرضي ملك لله، فأنا مجرد نائب وكلني الله على نفسي وجسمي وثروتي وأرضي وكوني وطبيعتي، فأنا مجرد نائب ولست مالكًا، وأما المالك الأصيل الحقيقي هو الله.

إذا كنتُ أنا مجرد نائب، فليس لي الحرية في أن أتصرف في نفسي كما أريد كما تقول المدرسة الليبرالية، وليس لي الحرية أن أتصرف في الثروات كما أريد، وليس لي الحرية أن أتصرف في جسمي كما أريد، وإنما أنا مجرد مستودع ومجرد أمين ائتمني الله على هذه الثروة وعلى هذه النفس وعلى هذا الجسم. قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، وقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، وقال: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا، أي أن الأموال أعطيت لك لا كملك، بل أعطيت لك كقيام، أي أنك تأخذ منها قوتك، وتأخذ منها ما يسد جوعتك، فأنت تأخذ منها ما يقوم به بدنك وتقوم به معيشتك، وإلا فهذه الأموال تنتقل لغيرك بعد موتك. إذن هذا هو الأصل الأول في المدرسة الإسلامية: المرجعية للسماء - للخالق تبارك وتعالى - فمنها نأخذ حقوق الإنسان.

الأصل الثاني: العنوان الذي نعون به حقوق الإنسان.

اقرأ لائحة الأمم المتحدة عام 66، وعام 79، تجدهم يقولون: حقوق الإنسان، أ، ب، ت... إلخ. نحن لائحتنا كمسلمين ما هي؟ ليس عنوانها حقوق الإنسان، بل نحن نقول: اللائحة كرامة الإنسان لا حقوقه؛ أخذًا من قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا. وليست المسألة مسألة عناوين، بحيث يكتب أولئك عنوانًا بينما نحن نكتب عنوانًا آخر! بل المسألة مسألة مغزى، إذ أن لدينا مغزى حقوقيًا من هذا العنوان.

بيان ذلك: هناك فرق بين أن نقول: الإنسان له حقوق ابتداءً، وبين أن نقول: الحقوق أعطيت للإنسان تكريمًا وليس ابتداءً. عندما نقول: الحقوق أعطيت للإنسان تكريمًا له على إنسانيته، وتكريمًا له على آدميته.. علماء الأصول يقولون: مناسبة الحكم والموضوع، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ أي أننا أعطيناهم الكرامة لأنهم بنو آدم، ولأنهم إنسان. أعطيت الحقوق تكريمًا لك، لم؟ لأنك جسم؟! لأنك نفس؟! لا، وإنما أعطيت الحقوق تكريمًا لك لأنك إنسان، ولأنك آدمي، فلو خرجت عن الآدمية وعن الإنسانية فليست لك حقوق.

هتلر ويزيد بن معاوية وحجاج بن يوسف وصدام وغيرهم خرجوا عن الإنسانية، فإذا خرج الإنسان عن الإنسانية وعن الآدمية وأصبح وحشيًا فليست له حقوق الإنسان؛ لأن الحقوق ما أعطيت ابتداءً، بل أعطيت كتكريم، والتكريم فرع الإنسانية، فإذا خرج عن حيز الإنسانية خرج عن موضوع الحقوق. الحقوق عقدٌ وميثاقٌ بين الإنسان وبين المجتمع، فإذا أعطى الإنسان للمجتمع الحقوقَ أعطاه المجتمع حقوقَه، وإذا لم يعط المجتمع حقه فليس له حقٌ.

الأصل الثالث: الفرق بين الحقوق والضرورات والانبغاءات.

المدرسة الإسلامية لا تقول حقوق فقط، بل تقول العناوين ثلاثة: ضرورات وحقوق وانبغاءات. مثلاً: هل الحياة حق أم ضرورة؟ الحياة لو كانت حقًا للإنسان لكان له أن يتنازل عنها، والحال أن الإنسان لا يستطيع أن يتنازل عن الحياة، فلو أراد شخص أن ينتحر وقال: أنا أتخلى عن حقي في الحياة! فهل له أن ينتحر؟ لا، ليس له أن ينتحر؛ لأن الحياة ليست حقًا، بل هي ضرورة لا يمكن التنازل عنها لا من قبل صاحبها ولا من قبل غيره. الحياة ضرورة لأنها بذرة الوجود على الأرض، ولذلك يقول القرآن: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا أي أنه قضى على بذرة الوجود ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.

وأما العنوان الثاني فهو الحق، وهو الذي يمكن التنازل عنه، فمثلاً: الزوجة لها حق النفقة، ولكنها تستطيع التنازل عن حقها، فيسقط حقها. وأما العنوان الثالث فهو الانبغاء. الله تبارك وتعالى يقول: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ. أنت إذا أردت أن تذهب للصلاة في المسجد أو في المأتم أو في أي مكان فسوف تلتقي بالناس، فإذا أردت أن تلتقي بالناس فلتكن بشكل محبب مرغب لا بشكل مقزز. فليكن شعرك جميلاً، ولباسك جميلاً، وطيبك جميلاً. فلتكن بشكل لائق وبرائحة لائقة وبمظهر لائق، حتى تكون محببًا لا مقززًا. هذه الزينة ليست ضرورة ولا حقًا، وإنما هي انبغاء، أي أن الأفضل أن يكون الإنسان متزينًا عندما يلتقي مع المجتمع حتى يكون محبِّبًا لا منفِّرًا.

الأصل الرابع: العلاقة بين الحقوق والأخلاق.

المدرسة الليبرالية فصلت بين الحقوق وبين الأخلاق، فالحقوق شيء والأخلاق شيء آخر، فمثلاً: يقولون: الإنسان حر، ومن حقوقه الحرية، فهو حر في أن يخرج عاريًا، وإن كان خلاف الأخلاق، إذ لا علاقة لنا بالأخلاق، وإنما نتحدث عن الحقوق، والحقوق شيء والأخلاق شيء آخر! لذلك في المجتمع الغربي وفي أمريكا بالذات: من حق أي مجموعة من الناس أن يفتحوا ناديًا للعراة، ومن حق الشواذ جنسيًا - المعبر عنهم بالجنس الثالث - أن ينشئوا لهم ناديًا خاصًا بهم.

ولذلك خرجت مظاهرة في الكويت قبل بضع سنوات كلها من الجنس الثالث يطلبون نواديَ خاصة بهم! يقولون: نحن من حقنا الحرية، فلنمارس حريتنا كما نريد. وفي هولندا وفي الدينمارك هناك قانون رسمي يسمح بالزواج بين الرجلين وبالزواج بين المرأتين، وهذا فصلٌ للحقوق عن الأخلاق.

المدرسة الإسلامية تقول: لا يمكن فصل الحقوق عن الأخلاق. أنت إذا رجعت إلى الإنسان الطبيعي الذي لم يتلوث بثقافة منحرفة، ولا بسلوك منحرف، فإن الإنسان الطبيعي الذي يعيش فطرة طبيعية صافية يرفض الشذوذ، ويرفض الزواج بين الرجلين والزواج بين المرأتين؛ لأنه إنسان فطري يعيش فطرته الصافية. لأجل ذلك، المدرسة الإسلامية تقول: ينبغي أن تكون الحقوق على ضوء الفطرة، وعلى ضوء القيم الأخلاقية، ولا يجوز الفصل بين الحقوق وبين الأخلاق. هذه هي أصول المدرسة الإسلامية في حقوق الإنسان.

النقطة الثانية: تقويم حقوق الطفل.

تحدثنا في الليلة السابقة عن المرأة، ونتحدث هذه الليلة عن الطفل، وفي الليلة القادمة نتحدث عن الشباب وحرارتهم. الطفل إنسان، ومن حقوق الإنسان ننطلق إلى حقوق الطفل. منظمة اليونسيف منظمة خاصة بالطفل، وهي من منظمات الأمم المتحدة، وقد أصدرت لوائح وإعلانات عن حقوق الإنسان في عام 59 وعام 79 وعام 89، والمدرسة الإسلامية تتفق مع هذه المنظمة في الكثير من الحقوق، فمن حق الطفل التعليم، ومن حقه الرعاية، ومن حقه الحماية.

لكن هناك سؤالاً: هل طرح الإسلام حقوقًا لم تطرحها الأمم المتحدة إلى الآن؟ هل توصل الإسلام لحقوق للطفل لم يتوصل إليها الغرب إلى يومنا هذا أم لا؟ هذا سؤال وله جواب، فنقول: نعم، مازال الإسلام ينادي بحقوق للطفل لم تكتبها لائحة الأمم المتحدة في حقوق الأطفال، إذ أن هناك ثلاثة أقسام من الحقوق طرحها الإسلام ولم تطرحها اليونسيف.

القسم الأول: الحقوق الإعدادية.

وهي الحقوق المرتبطة بالطفل قبل أن يوجد، أي: قبل أن يصبح نطفة. الطفل قبل أن يصبح نطفة في بطن أمه هل له حقوق؟ الأمم المتحدة تقول: هو لم يكن حتى تكون له حقوق! ولكن الإسلام يقول: الطفل له حقوق قبل أن يتكون في بطن أمه وقبل أن يصبح نطفة له حقوق إعدادية، وهي حقوق الإعداد لوجوده وتكوّنه، ومن هذه الحقوق:

الحق الأول: حق الاغتراب.

في مجتمعنا، بعض العوائل متداخلة، وخصوصًا العوائل الكبيرة، حيث يتزوج أبناء العم بنات عمهم، ونتيجة تداخل العوائل تنتشر بعض الأمراض الوراثية. أنت الآن لازلتَ شابًا لم تتزوج بعد، ولكن اعرف حقوق طفلك من الآن. قبل أن تتزوج وقبل أن تنتج الطفل هل لهذا الطفل الذي سيأتي في المستقبل حق عليك؟

نعم، من حقه أن تنتجه في بيئة صحية، أي: في سلالة صحية، فإذا كانت العائلة موردًا لأمراض وراثية فمن حق الطفل أن تغترب، بمعنى أن تتزوج من عائلة أخرى، فقد ورد عن النبي محمد : ”اغتربوا ولا تضووا“، أي: إذا كان في الانتساب مشكلة فالوظيفة هي الاغتراب لا الانتساب.

مثلاً: في مجتمعاتنا الساحلية - كالقطيف والبحرين - تنتشر أمراض الدم، من قبيل السكلسل والجيسكسبيدي وفقر الدم المنجلي، فإذا تزوجت امرأة تحمل مرضًا وأنت تحمله أيضًا، أو أنت مصاب به وهي مصابة، فالنتيجة هي إنتاج طفل مريض، فهل من حق هذا الطفل ألا يقع هذا الزواج أم لا؟

طبعًا بعض الفقهاء يقول: هذا حق انبغائي وليس حقًا لازمًا، ولكن بعض الفقهاء الآخرين يقولون: هذا حق لازم؛ إذ ”لا ضرر ولا ضرار“، وذلك لأن بعض الفقهاء يفهم من هذه القاعدة أن الإسلام لم يتسبّب في إضرار الأمة، بل تسبّب في منع الإضرار. ”لا ضرر“ أي أن الإسلام لم يتسبب في إضرار أحد، و”لا ضرار“ بمعنى أن الإسلام تسبّب في منع الإضرار، فإذا كان الإسلام متسبّبًا في منع الإضرار فمن جملة أنواع التسبّب لمنع الإضرار منع هذا الزواج الذي ينتج ولدًا متضررًا. إذن من حق الطفل ألا يقع هذا الزواج، وهذا من حقوقه الإعدادية.

الحق الثاني: حسن الاختيار.

أنت تعرف أن الجينات الوراثية تنقل الصفات الوراثية عبر الحامض النووي بلا فرق بين نواة خلية الذكر أو نواة خلية الأنثى، وقد نبّه القرآن على التأثير الوراثي في قوله: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا أي أن الكافر يولِّد كافرًا، فإذا أردتَ أن تنتج طفلاً فأنتجه من سلالة شريفة طاهرة، فقد ورد عن النبي محمد : ”اختاروا لنطفكم؛ فإن العرق دسّاس“، ”إياكم وخضراء الدمن! قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء“.

من الطبيعي أن يحب الشاب المرأة الجميلة، ولكن هذه المرأة الجميلة إذا كانت عائلتها ليست جيدة، فهل لأجل جمالها تضحي - أيها الشاب - بحقوق الطفل الذي سيولد في المستقبل؟! من حقه أن ينحدر من سلالة طاهرة شريفة، ولذلك حذّرت الرواية من المرأة الحسناء في منبت السوء.

الحق الثالث: الشرعية.

لائحة الأمم المتحدة لا تهمها الشرعية، وإنما المهم أن للطفل حقوقًا بعد أن يأتي، وليس من المهم أنه أتى من طريق شرعي أم من طريق فرعي! بينما الإسلام يقول: من حقوق الطفل أن يكون طفلاً شرعيًا، فهذا حقٌ إعداديٌ. من حق الطفل أن يأتي بطريق شرعي؛ لأن الطفل غير الشرعي يعيش عقدة النقص، حيث يشعر بأنه لا يمتلك أبًا معروفًا، فيعيش مركب النقص وعقدة النقص، وهذا ما يجعله إنسانًا مضطربًا غير متوازن الشخصية يخشى منه وعليه. إذن من حق الطفل أن يكون من طريق شرعي، وهذا من الحقوق الإعدادية التي نادى بها الإسلام، ولم تطرحها لائحة الأمم المتحدة لحقوق الأطفال.

القسم الثاني: الحقوق الجنينية.

الطفل وهو جنينٌ في بطن أمه له حقوق، وهذا تعترف به لائحة الأمم المتحدة أيضًا، ولكن هناك حقين ينادي بهما الإسلام للجنين ولم تناد بهما الأمم المتحدة.

الحق الأول: حق الحياة.

في الرواية المعتبرة عن الإمام الصادق سئل الإمام: ”المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها؟ قال: لا، قلتُ: إنه نطفة! قال: إن أول ما يكون نطفة“. هل تظن أن النطفة ليست إنسانًا؟! بمجرد أن تتلقح البويضة وتعلق بجدار الرحم فهي إنسان، فإذا كانت البويضة العالقة في جدار الرحم إنسانًا فلها حقوق الإنسان، ومن حقوقه الحياة. لائحة الأمم المتحدة تقول: من حق الأم أن تسقط الجنين وأن تجهضه إذا لم يعجبها وكان يؤذيها، بينما الإسلام يقول: ما لم يكن الجنين خطرًا على حياتها يحرم إجهاضه حتى وإن كان نطفة عمرها يوم واحد، وإذا أجهضه إنسان فعليه دية، فإن أجهض الطبيب نطفة فعليه دية، وهي 40 دينارًا للنطفة، وللعلقة 80 دينارًا، والدينار ليس دينارًا عراقيًا ولا دولة أخرى! بل دينار ذهبي.

الحق الثاني: حق النفقة.

لو طلّق الرجل زوجتَه وكانت حاملاً فلها نفقةٌ، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، والنفقة ليست لها، وإنما لمن في بطنها، أي أن الإسلام يوفّر للطفل الرعاية والغذاء الكافي وهو جنينٌ في بطن أمه.

القسم الثالث: حقوق ما بعد الولادة.

بعد أن يولد الطفل فمن حقوقه:

الحق الأول: حسن الاسم.

لائحة الأمم المتحدة تقول: من حقه أن يكون له اسم، ولكن الإسلام يقول: المطلوب ليس الاسم، بل المطلوب حسن الاسم، والاسم شيء، وحسنه شيء آخر، وأما تسميته بشرداغ ومرداغ فهي خلاف حقه في حسن الاسم. هناك فتاة تنقل عن مدرستها في المدرسة: قالت لي: لماذا أسماؤكم دائمًا فاطمة وزينب وسكينة؟ هذه أسماء مقززة! من المفترض أن تكون أسماؤكم هي هند والعنود ونحوهما! ولم أجد أسخف من هذا الذوق، بحيث صار هند والعنود أفضل من فاطمة وسكينة!

وكيفما كان، فالمطلوب هو حسن الاسم، فقد ورد عن النبي محمد : ”من حق الولد على والده أن يحسّن اسمه، وأن يستفره أمه، وأن يعلّمه كتاب الله ويؤدّبه“، و”خير الأسماء ما عبّد وحمّد“، كعبد الله وعبد الرحيم وعبد الكريم وأحمد ومحمد وحميد ومحمود، وقد سمّى الرسول حسنًا وحسينًا، ونحو ذلك من الأسماء الجميلة.

الحق الثاني: الإرضاع.

منظمة اليونسيف تذكر أن التقارير الطبية تؤكد أن الغذاء الذي يعطي الطفل حصانة ومناعة أمام الأمراض هو لبن أمه، وعلماء النفس يؤكدون أن الطفل عندما يرضع من ثدي أمه فهو لا يرضع لبنًا، وإنما يرضع حنانًا وعطفًا ورأفةً، مما يجعله إنسانًا سويًا متوازنًا متماسكًا، ومع هذا كله المنظمة لا تعتبره حقًا لازمًا، وإنما تقول: الإرضاع هو الأفضل ولكنه ليس حقًا لازمًا، بينما القرآن يعتبر أن هذا حق للطفل، حيث قال: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ، وللأم أن تطلب أجرة على الإرضاع، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.

النقطة الثالثة: ما هو دور الأب تجاه طفله: هل هو دور الولاية، أم دور الرعاية؟

فرق بين الولاية والرعاية، وحتى أفرّق بينهما أذكر أمورًا ثلاثةً:

الأمر الأول: حدود ولاية الأب شرعًا.

الكثير من الآباء يظن أن له ولاية مطلقة على الطفل، مع أنه هذا ليس ثابتًا حتى شرعًا، وإنما الأب ولي على المال لا على النفس، فهو ولي على مال الطفل لا على نفسه، بمعنى أن الطفل لا يعطى الأموال؛ لأنه ليس رشيدًا، كما قال تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، فلا تسلم الأموال للطفل لأنك الولي عليها، وإذا أراد الطفل أن يقبض المال فأنت الولي عنه في قبض الأموال، وأما لو صار الطفل أجيرًا فالأجرة صحيحة.

مثلاً: لو رآه شخصٌ أميٌّ في الشارع وقال له: اكتب لي كتابًا، فاستأجر طفلك، وكتب طفلك الكتابَ على أساس أجرة، فحينئذ تكون الإجارة صحيحة حتى لو لم يستأذن أباه، ويستحق الأجرة على هذه الإجارة، غاية ما في الأمر أن القبض بولاية الأب، وأما الإجارة فهي صحيحة ويملك الأجرة، فأنت لست وليًا على نفسه، بل أنت ولي على أمواله. بعض الآباء يظن أن الطفل ملك له، فيقول: أنا وليٌ عليه أتحكم وأتصرف فيه كما أريد وأتدخل في كل شؤون حياته وتفاصيلها! وهذا ليس صحيحًا.

الأمر الثاني: ثبوت الولاية للأب بالعنوان الثانوي.

لو توقف تأديب الولد - أي: منعه عن الفاحشة والرذيلة - على أن يتحكم الأب في أصدقائه وفي طريقته فله أن يتحكم إذا توقف الردع على ذلك، من باب ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، فهذه ولاية ثابتة للأب لا بالعنوان الأولي، وإنما بالعنوان الثانوي.

الأمر الثالث: بعض مظاهر الرعاية الأبوية.

الموجود في مجتمعنا أن الأب يعتبر الطفل ملكًا له. لذلك أحد الإخوان نقل لي هذه القصة: زرتُ شخصًا في بيته، فقال لي: كيف طفلك معك؟ قلت له: طفلي مزعج ومؤذٍ، فقال لي: هل تريد أن ترى كيف هو حال طفلي معي؟ قلت له: كيف؟ فنادى عليه، فجاء الطفل يركض، ثم قال له: قف، فوقف، فقال له: تسند على الجدار، فتسند، ثم قال: ارفع يديك، فرفعهما، ثم قال له: أنزلهما، فأنزلهما.. ثم قال لي: هل رأيتُ كيف برمجته كما أريد فلا يستطيع أن يخالفني في شيء!

هذا يعتبر أنه حقّق إنجازًا، والحال أن هذه التربية كارثة، إذ أن الطفل ليس ملكًا لك اشتريته من السوق حتى تبرمجه كما تريد! كيف وصل الطفل إلى هذه الدرجة بحيث اعتبرته شيئًا من أملاكك؟! هذا لا يثبت للأب في شريعة ولا في قانون ولا في عرف. أب يتصرف في أموال ابنه كما يريد، بأي مجوز؟! ويتصرف في شخصية ابنه كما يريد، بأي مجوز؟! هو الذي يحدد قصة شعره، وهو الذي يحدد لون القميص، وهو الذي يحدد لون السرير!

إذا كان ابنك مستقيمًا، واختار قصة معينة أو لونًا معينًا فدعه وما يختار. ليست لك ولايةٌ على نفسه، وإنما ولايتك على أمواله، فليس دورك دور الولاية، بل دور الرعاية، ودور الرعاية يعني أن تؤدبه وتعلّمه آداب التعامل مع الناس، وأن تعلّمه من علم أهل البيت ، فقد ورد عن الإمام الصادق : ”علّموا أبناءكم من علمنا ما ينتفعون به، لا تسبقكم المرجئة“.

ومن الرعاية أن تكون صديقًا له، فتلعب وتمزح وتضحك معه، لا أن تكون دائمًا عابسًا مقطبًا في وجهه، فقد ورد عن النبي : ”من كان له صبيٌ فليتصابَ له“، وعنه : ”لاعب ابنك سبعًا“، في السنوات السبع الأولى العب معه كرة أو مصارعة أو ملاكمة ونحو ذلك.

ومن أهم بنود الرعاية أن تعطي ابنك ثقة بنفسه، وثقة بشخصيته، وثقة بمبادئه. الكثير منا يكبر ابنه وهو يخجل أن يقول: أنا شيعي! يخاف أن يقول: أنا شيعي! لأن الأسرة ما ربّته على الافتخار بالمذهب، وما ربّته على الاعتزاز بالمذهب. يكبر الابن ويخالط الأصدقاء فيخجل بل يخاف أن يقول: أنا شيعي!

لماذا؟! هل مذهبك ناقص؟! مذهبك الذي أخرج العلماء المبدعين، فلاسفة التاريخ من الشيعة، وشعراء التاريخ من الشيعة، ومفكرو التاريخ من الشيعة. مذهبك الذي بقي منذ يوم أمير المؤمنين وإلى هذا اليوم مازال يقدّم التضحيات والبطولات في سبيل بناء الدين، وفي سبيل بناء الحضارة الإسلامية، فلماذا تخجل؟! لا بد من أن تجلس مع طفلك وتبيّن له وتعلّمه أن عنده تاريخًا ناصعًا من أئمة وعلماء، وأن عنده مذهبًا يبتني على أسس عقلية لا على أسس خرافية ولا على أسس نقلية. علّم ابنك تاريخ أهل البيت وسيرتهم ومبادئهم وبطولاتهم، وعلّمه مشاريع التشيع ومدارسه وما قدّمه التشيع للأمة الإسلامية، وحسّس ولدك بالثقة بنفسه وبشخصيته وبدينه وبمبدئه.

قل لطفلك: فليتعلم من القاسم بن الحسن، فمع أن عمره كان 11 سنة كان يملك ثلاث خصال: الخصلة الأولى: البلاغة والفصاحة. علّم طفلك كيف يحفظ الشعر، وكيف يحفظ القرآن، وكيف يلقيه أمامك وأمام الآخرين بفصاحة وبلاغة. القاسم بن الحسن عنده خصة ثانية: خصلة الشجاعة والجرأة، فلا يهاب من الجيوش والعساكر، وهكذا ينبغي أن يكون طفلك، شجاعًا يطرح فكره بكل جرأة. والخصلة الثالثة عند القاسم بن الحسن هي: تثمين المبادئ، حيث كانت المبادئ عنده أغلى من النفس والمال وأغلى من الدنيا بأسرها، ولذلك كان يقول مفتخرًا:

إن  تنكروني  فأنا نجل iiالحسن
هذا  حسينٌ  كالأسير iiالمرتهن
  سبط النبي المصطفى والمؤتمن
بين أناس لاصقوا صوب iiالمزن

الشباب والنهم العاطفي
هل الفقه متحيز للذكر أو الانثى