نص الشريط
في رحاب مناجاة التائبين جـ1
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 1/9/1429 هـ
مرات العرض: 2636
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1457)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ

الآية المباركة ذكرت شرطاً في الإجابة ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فما هو المقصود من هذا الشرط؟ قد يقول قائلٌ إلا يكفي أن يقول أجيبُ دعوة الداعِ، ما هي الحاجة وما هو الوجه في إضافة هذا الشرط بأن يقول ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فإذا كان داعِ فما ما معنى أن يقول ﴿إِذَا دَعَانِ وقد فرضه داعياً، ﴿إِذَا دَعَانِ تشير إلى الدعاء الحقيقي، هناك دعاء صوري وهناك دعاء حقيقي.

الدعاء الحقيقي:

﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ بِدعاءٍ حقيقي، لا أنني أجيب دعوته بأي دعاءٍ ﴿إِذَا دَعَانِ أشارة إلى الدعاء الحقيقي، الدعاء الحقيقي يعتمد على عنصرين:

1 - عنصر الشعور بالحاجة.

2 - وعنصر أن يكون الدعاءُ الله وليس لغيره.

العنصر الأول وهو الشعور بالحاجة:

الدعاءٌ ما لم ينبع من حاجة الإنسان فليس دعاء حقيقي فليس دعاءٌ موطن للإجابة الإنسان يحتاج للدعاء حاجة أساسية ذاتية فإذا صدر الدعاء معبر عن تِلك الحاجة الأساسية كان دعاء حقيقي، كيف يحتاج الإنسان إلى الدعاء؟!

يحتاج الإنسان للدعاء لأنه يحتاج إلى أن يتعرف على نفس، ومعرفة النفس بالدعاء الإنسان يحتاج إلى الدعاء لأنه يحتاج إلى محاسبة النفس، وطريق محاسبة النفس بالدعاء الإنسان يحتاج إلى الدعاء لأنها حاجة إلى أن يتعرف على نفسه، هذه الحاجة حاجة ذاتية حاجة جُبلت عليها فطرة الإنسان وطبيعة الإنسان.

هذه النفس البشرية متقلبة، تمر بفترات ضعف تمر بفترات قوة، تمر بفترات تكون مُنشرحة مُنفتحة تمر بفترات تكون منقبضة مشمئزة، معرفة أحوال النفس متى تنشرح متى تنقبض متى تُقبل متى تدبر متى تكون قوية نشيطة على العلم التفكير والعبادة ومتى يصيبها الضعف والسأم والملل، معرفة أحوال النفس هي الطريق لِسيطرة على النفس، لا يمكن للإنسان أن يسيطر على نفسه، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى قال تعالى: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى.

نهي النفس: عبارة عن السيطرة على النفس والسيطرة على النفس يتوقف على معرفة النفس، كيف أُعرف نفسي كيف أسلط الضوء على هذه الذات ولِ أعرف أحوالها وأمزجتها وأوضاعها؟

الدعاء هو معرفة النفس إذا قرأت دعاء أبي حمزة وألتفت إلى فقراته وكلماته، أنت تعرف نفسك من خلال هذا الدعاء، أنت عندما تدعوا في ظلام الليل في خلوات الليل في مناجاة ليالي لشهر رمضان عندما تتفرغ فيها إلى الدعاء ولو خمس دقائق ولو عشر دقائق وحدك تتفرغ فيها وحدك مفرداً تناجي فيها ربك هذه العشر الدقائق تعرفك على النفس ستكتشف نفسك في هذه الدقائق ستجد نفسك تبكي من أمور معينة ستجد نفسك تفرح من أمور معينة بعض الفقرات نفسك تبكي معها بعض الفقرات نفسك تفرح منها وبعض الفقرات نفسك تنقبض منها وبعض الفقرات نفسك تنشرح لها من هنا تتعرف على النفس وعللها وعيوبها وعلاجها وأوضعها «ومن عرف نفسه فقد عرف ربه» كما ورد عن النبي ، أذاً الدعاء إذا نبع من الشعور بالحاجة من شعور الإنسان بِحاجة إلى معرفة نفسه كان دعاء حقيقي هذه حاجة الأولى.

الأمر الثاني حاجة الإنسان إلى محاسبة النفس:

نحن مشغولون بعالم الغفلة، الغفلة شغلتنا عن الالتفات إلى نفسنا نحن نعيش في ظلام الغفلة مشغولين بأعمالنا ودراستنا وأهالينا، مشغولون بأموالنا، بديننا، بأموالنا وهذه النفس التي هي اقرب من كل شيء أقرب من أهلنا وأموالنا وأقرب من كل ما عندنا نفسي التي أقرب من أهلنا وأموالنا وأقرب من كل ما عندنا نفسي التي أقرب إليّ من كل شيء أنا لا ألتفت إِليها، ألتفت إلى أموالي ألتفت إلى دراستي وأوضاعي وسائر أموري أما نفسي ف أنا غافل عنها بالمرة قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ، لماذا؟

قال تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا، ثم يقول: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ، نحن الغافلون نحن الذين نلتفت ونحاسب على أموالنا وعلى أوضاعنا وأهلنا لكننا غافلون عن أنفسنا.

وقف الإمام أمير المؤمنين : في سوق الكوفة ورأى التجار مشغولين بتجارتهم والناس مشغولين بدنياهم وقف عليهم وبكاء وانحدرت الدموع من عينيه لأنه رأى الدنيا كلها تتلخص في هذا السوق رأى هذا رأى هذا الشهر رأى هذا التفاني والتسابق على شدر من الأموال وشدر من التجارة رأى هذه الإلحاح والتنافس والتسابق والتغالب في الدنيا كلها تتلخص في هذا التنافس والتغالب، تذكر الدنيا وحقارتها بكاء فقال عباد الله إذا كنتم بالنهار تحلفون وبالليل تنامون ومابين ذلك أنتم غافلون فمتى تهيؤنا الزاد وتستعدون للمعاد تزوَّد فإن خير الزاد التقوى.

الإنسان يحتاج إلى أن يحاسب نفسه قبل أن يأتي يوم لا مرد له، ولا رجوع فيه يحتاج إلى أن يحاسب نفسه أن يضع النقاط على الحروف، إلى أن يقول هذا خطأ، وهذا صواب وأن ولابد أن يصلح الخطأ، يحتاج إلى أن يقف عند كل نقطة سوداء في تاريخه وأيامه ليذكر نفسه بظلامها وسوداويتها.

«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أنتوزنوا»، الإنسان يحتاج إلى معرفة نفسه والدعاء يعرفه نفسه، يحتاج إلى مُحاسبة النفس والدعاء طريق لمحاسبة النفس، الإنسان يحتاج إلى أن يتحدث عن نفسه والدعاء طريق إلى الحديث عن النفس.

كم من الذنوب أذنبنا؟!

الإنسان كل واحد منا يرجع بهذا العمر الذي مر به من بلوغي إلى هذه اليوم، أرجع بشريط حياتي أتذكر من يوم بلوغي كم ذنب أذنبت كم خطأ أخطأت كم تجاوز ارتكبت كم جريرة فعلت، أسترجع هذا التاريخ يوماً شهراً بعد شهر عاماً بعد عام، أسترجع هذا التاريخ كله أنا ما تحدثت عن تاريخي وأتحدث مع من؟! أحتاج أن أتحدث عن هذا التاريخ الذي ملاءته بالمعاصي ملأته بالجرائر ملأته بالذنوب ملأته بالخطاء أنا احتاج أن أتحدث عن تاريخي أتحدث مع من..؟!

لو تحدثت مع النَّاس لفضحوني، لو تحدثت مع أقرب الناس ليَّ مع أخي، مع أختي، مع زوجتي، مع والدي لنهروني لعاتبوني لرفضوني، إذا انا احتاج أن أتحدث عن هذا التاريخ حتى أرفع ثقله، التاريخ ثقيل حياتي تاريخي ثقيل على قلبي لأنه مملوء بالخطأ والمعاصي والجرائر ما لم أتحدث عنه سيظل ثقيل على قلبي سيظل قاسي عن نفسي وأن أريد أن أتحدث عنه «إلى من تكلني إلى قريب فيتهجمني أم إلى بعيدُ» إلى من تكلني؟! أنت الوحيد الذي تستمع إليّ، أنت الوحيد الذي يمكن أن أتحدث إليه أنت الوحيد الذي تستقبلني وتستمع إلى شكاوي وتستمع أهاتي وصرخاتي أنت الوحيد، فأنا أحتاج إلى أن أتحدث عن نفسي بكل ما صنعت وارتكبت وأخطأت واقترفت أنا الذي جهلت أنا الذي عملت أنا الذي اعتمدت أنا الذي أساءت أنا الذي أخطأت.

أتحدث عن نفسي بكل ما فعلت «أنا الذي على سيده اجتراء أنا الذي أخذت علة معاصي الجليل الرشا أنا الذي حين بشرت بها خرجت أليها أسعى»، أن أحتاج أن أتحدث عن نفسي حتى أرفع ثقل الذنوب فالدعاءٌ الحقيقي: هو الدعاء الصادر المقترن بشعور بالحاجة، بالحاجة إلى التعبير عن النفس هذا هو العنصر الأول في الدعاء الحقيقي.

العنصر الثاني:

أن يكون الدعاء لِ لله ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ غير إذا دعاء غيري أن يكون الدعاء ليّ لا إلى غيري، نحن كلنا نوحد الله لا نشرك به لا الدعاء الله قليل ونادر نحن ندعو لأنفسنا وليس لله نحن لا ندعي الله تبارك وتعالى.

ما الذي يحركنا نحو الدعاء أنظر ألينا متى نتحرك للدعاء؟

أذن أصبنا بالمرض دعونا، إذا أصابتنا بالفقر دعونا، إذا أصبنا بالخوف دعونا، إذا احتجنا إلى الحاجة دعونا، إذن متى ندعو؟ أننا ندعو لأجل مصالحنا لأجل أنفسنا دوافعنا لأجل قضايانا، لأجل أوضاعنا، نحن لا ندعو لأجله أنما لأنفسنا دوافعنا، إلى الدعاء دوافع ذاتية ودوافع مصلحيه ودوافع حدثيه.

هذه الدوافع تجعل من دعاءنا دعاء لا يتجاوزنا دعاء متقوقعاً محصوراً فينا، الدعاء الحقيقي ما كان له معنى أنني أدعوا لأنه أهلٌ للدعاء أنني أدعوا لأنه أهل أن يدعى وأن يناجى أدعوه لأنني أحبه أنا أناجيه الدعاء بدافع المحبة له لأنني أحب التحدث معه لأنني أحب أن أعبده كما ورد عن أمير المؤمنين : «ركعتان ليّ في دنياكم أحب إليّ من الجنة وما فيها»، هذه الركعة منجاة المُحب لحبيبه هذه الركعة حديث مع المحبوب حديث مع النور الأجل والأتم، فهذه الركعة هي أحلى الأوقات هي أفضل الساعات هي تجمع اللذة الروحية الحقيقية، لذة الدعاء والمناجاة.

إذن فالنتيجة: الدعاء له هو الدعاء له هو الدعاء الحقيقي ليس الدعاء لأنفسنا، ولذلك ورد في الحديث القدسي «عبدي تعرف إلي في الرخاء أعرفك في الشدة»، أما لم تتعرف في الرخاء ما دمت أماناً مطمئنين سليم البدن ثرياً تعيش في حالة رفاهية أنت لا تدعوني، وإذا دعوتني دعوتي بلقلقه لسان بلا معنى إذا أصابتك شدة أتيت إلي، هنا دعاء متوقع لنفسك دعاء نابع من أنانيتك وليس دعاء حقيقي حتى يصدق عليه الدعاء قال تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ هذا لا يصدق عليه دعاني هذا أناني هذا شخص أناني قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ.

الدعاء الحقيقي لم يكن دعاء له أي في جميع الأحوال في الشدة والرخاء الأمن والخوف في الصحة، والمرض في الغناء، والفقر في جميع الأحوال أنا أناجيه في جميع الأحوال أنا أحبه في جميع الأوضاع أتحدث معه لا تخلو عندي ليلة جمعة أو لا تخلو عندي ليلة من مناجاة معه، أن هو يشعر ويعرف أني أحبه ولأنه يعرف أني أحبه.

ولذلك يعتبر دعاء له وليس دعاء نابع من أنانيتي، يرى دعائي مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وإذا تأذن ربكم أدعوني أستجب لكم أدعوني أنا لا أن تدعوا لأنفسكم لأجل مصالحكم أدعوني أستجب لكم.

دعاء وداع شهر رمضان
بحث في مسائل القدر جـ2