نص الشريط
في رحاب مناجاة التائبين جـ3
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 3/9/1429 هـ
مرات العرض: 2596
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4469)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي.. وجللني التباعد منك لباس مسكنتي.. وأمات قلبي عظيم جنايتي.. فأحيه بتوبة منك.. يا أملي وبغيتي.. وياسألي ومنيتي..

هناك مبحثان في هذة الفقرات النورية الشريفة.

الأولى في حياة القلب:

الحياة والموت متقابلان تقابل الملكة والعدم.. حياة الشيء بأن يترتب علية الأثر المرغوب منه.. لكل موجود أثراً يتوقع منه، فإذا ترتب علية أثره المتوقع منة فهو حي، وإذا لم يترتب علية أثره فهو ميت وإن كان موجوداً.. الشجرة الاثر المتوقع منها أن تثمر، فإذا أثمرت ففيها حياة وإذا لم تثمر وإن كانت موجودة وقائمة. فهي شجرة ميتة.

الحياة أن يترتب الأثر المرغوب من الشيء عليه، والموت هو أن لا يترتب ذلك الأثر. القلب لة حياة، ولة موت، لأن القلب لة آثار. فهل تترتب علية آثارة؟ أم لا!!.. ماهو الأثر للقلب؟.. حتى نعرف أن القلب حي أم ميت؟. حتى يعرف كل إنسان قلبة هل فية حياة؟.. أم طغى علية الموت؟.

حياة القلب بعنصرين، حياة القلب بعنصر الأطمئنان وبمبعثية النور.

العنصر الأول عنصر الإطمئنان:

القلب الحي هو الذي يعيش هدوءً، وطمئناناً، وإستقراراً. حياة القلب بأن يشهر بالبهجة والهدوء والأطمئنان، وأما الصراع، والقلق، والفزع فهو موت. القلب الذي يعيش صراعاً مستمراً، وفزعاً، وقلقاً، واضطراباً هذا قلب ميت!.

القلب الحي هو الذي يشعر بالهدوء والإستقرار، والأطمئنان. حياة القلب بالاطمئنان ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، ذكر الله يبعث الحياة في القلب، لأنه يسبغ علية الهدوء والأطمئنان. أولائك اللذين حصلو على أسنى مراتب الحياة، لا الحياة المادية.

هناك أناس ما حصلوا على قصور ولا حصلوا على عيشاً رغيداً، ولاحصلو على وسائل الترفية، ولكنهم بلغوا الحياة حقيقية، بلغوا الحياة القلبية الحقيقية، والحياة الحقيقية حياة القلب. هؤلاء عبر عنهم القرآن ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يعني ماعندهم حزن، ماعندهم قلق، ماعندهم فزع عندهم إستقرار. يعيشون حياة قلبيةً مستقره، هذه هي الحياة الحقيقية ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، في حياتهم، وبعد مماتهم تخاطبهم ملائكة الرحمة.

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، مطمئنة حيه، حياة القلب. ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فحياة القلب بالأطمئنان.

والعنصر الثاني مبعثية النور:

القلب الحي هو الذي ينبعث منة النور إلى الآخرين. القلب الميت لا يأثر كلامه في الناس، القلب الحي هو الذي يؤثر كلامة في الناس، القلب الحي ينشر الحياة منة إلى غيرة ويرسل الحياة منة إلى غيرة، فصاحب القلب الحي إذا سمعتة تتأثر بة، صاحب القلب الحي إذا جالستة تتأثر بة، صاحب القلب الحي إذا رأيتة تتأثر بة، ولذلك ورد في الأحاديث الشريفة العالم إذا رأيتة ذكرك الله، قلبة يبعث الحياة فيك، لأنة قلبة مملوء نورا، ومن إمتلأ نوراً أفاض نوره على غيره ولذلك الآية المباركة ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ.. وقال تبارك وتعالى ﴿نورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا، إذاً حياته القلب بالأطمئنان العنصر الأول، وبمبعثية النور للأخرين ألا وهو العنصر الثاني.

هذه هي الحياة الحقيقية للقلب وماسواها فهو موت، وهنا نقارن بين المطيعين وبين العاصين، في الأيام التي أكون فيها مطيعاً لربي، عندما تمر عليَّ فترةٌ أعيش فيها قربات، وطاعات، أعيش فيها عبادةً أشعر بالراحة. أشعر بالأستقرار، أشعر بالأطمئنان، عندما أمارس الصلاة، وأمارس الدعاء، وأمارس الأستغفار، وأمارس قراءة القرآن، عندما يمر عليَّ شهر رمضان بخيراتة، بقرباتة، أشعر بحياة حقيقية، حياة هدوء، حياة إطمئنان، حياة إستقرار، وأشعر بأن لكلامي أثراً، أشعر أن لفعلي أثراً، إذاً أشعر بطعم الحياة.

ولكنني عندما أزل، وعندما أخطيء، وعندما أسترسل وراء شهوتي، وغريزتي ماذا أشعر؟ أشعر أنني في قلق، في فزع دائم!. أمارس الذنب وأنا أشعر بالقلق، أمارس المعصية ثم أشعر بعد المعصية بالفزع، أشعر بالصراع المرير في داخل نفسي، أشعر بأنني ليس مستقر مهما كانت المعصية، مهما كانت لذة المعصية، ربما إذا اقترفت المعصية، قد اشعر لها.. قد اشعر منها بلذة، أشعر بهذة المعصية بلذة ولكن من بعد أن أنتهي من المعصية تتحول اللذة إلى ألم، تتحول إلى حزن، تتحول إلى فزع، فإذاً أنا أعيش حالة من الموت بعد ماكنت أعيش حالة من الحياة.

كان كلامي مأثراً في نفسي، في وضعي. أصبح كلامي سخيفاً، تافهاً، لامعنى لة. لأنني أعيش موتاً، أعيش فناءً، أعيش اندثاراً. إذاً هناك حياة وهناك موت وأمات قلبي عظيمُ جنايتي.. فكيف المصير، وكيف المخلص، وكيف المهرب؟. فأحية بتوبة منك.

المبحث الثاني مبحث التوبة:

التوبة التي ينادي بها القرآن، هذا الباب الكبير، هذا الباب العظيم في شهر رمضان ينفتح ذالك الباب الواسع، الكبير باب التوبة، أنت الذي فتحت لعبادك باباً أسميتة التوبة، فما عذر نت أغفل دخول الباب بعد فتحة؟ باب التوبة، التوبة عندما نتمكلم فيها نتكلم في أمور ثلاثة. مراحل التوبة، ارتباط التوبة بالله، آثار وفوائد التوبة.

نأتي لهذه الأمور، مراحل التوبة. كيف أتوب إلى الله؟

أنا أسرفت في المعاصي، أنا أسرفت في الذنوب ’ أخطأت كثيراً، أذنب كثيراً، تجارست على ربي، تجرأت على إلهي. والآن وصلت إلى حالة تدعوني إلى التوبة والأنابة، ماهي مراحل التوبة؟

المرحلة الأولى هي مرحلة الشعور بالألم والضيق:

هذا الألم يضايقني، الذنب الذي فعلتة مازال ينغص عليي عيشتي. كلما أتذكر تلك المعصية سودت الدنيا في عيني، كلما أتذكر المعصية عشت ألماً، عشت ضيقاً، عشت حزناً. الشعور بالأسى، الشعور بالضيق من ذالك الذنب الوقح، من ذالك الذنب البغيض. أول مرحلة من مراحل التوبة ”إلهي إن كان الندم على الذنب توبة فأني وعزتك من النادمين، وإن كان الأستغفار من الخطيئة حطة فأني وعزتك من المستغفرين“. المرحلة الأولى مرحلة الندم.

المرحلة الثانية مرحلة الحسره:

القرآن الكريم يقول ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ، عندما أأتي وأرى أن لا أعمال لي ولا قربات لي، الناس تقدموا بأعمالهم وأنا مازلت متخلفاً، متأخراً تصيبني الحسره. هل رأيت الطالب الذي يتخرج من الجامعة فيرى زملائة قد فازو بدرجات عالية ومعدلات واضحة، ويرى نفسة متأخر، متخلف في مستواه الدراسي، ماذا يصيبة؟.. تصيبة الحسره، يوم الحسره يوم القيامة. عندما ألاحظ أن زملائي، أقاراني الذين عاشوا معي، أين هم؟ قدموا أعمالهم، قدموا دفاترهم فهي دفاتر بيضاء ومنابر من نور، وأنا قدمت نفسي فإذا بي أهوي إلى حظيظي النار وإلى حفري جهنم ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى. تصيبني الحسره.

المرحلة الثانية من مراحل التوبة أن تصيبني الحسره، كلما تذكرت الذنب تأوهت، صار يغلي داخلي، صار يغلي ضميري حسرةً وآهتاً على ماصنعت من الذنوب. ”واحسرتاه على مافرطت في جنب الله“.

والمرحلة الثالثة مرحلة البكاء:

البكاء يحول الشخصية، البكاء يغير الشخصية، ليس البكاء ضعفاً، وليس البكاء خنوعاً. البكاء تغير، البكاء وسيلة تغير، البكاء يقتلع الذنب من جذوره، ومن أسسه. يقتلع الذنب الخبيث من جذوره، البكاء وسيلة تغير.

ومالي لا أبكي؟ ولا أدري إلى أين مصيري! وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، ومالي لا أبكي؟. أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكراً ونكيراً إياي، أبكي لخروجي من قبري عريان ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري. أنظر مرة عن يميني ومرة عن شمالي.

إذا الخلائق في شئناً غير شأني، لكل إمرء يوم إذن شئناً يغنية. اللهم وأعني بالبكاء، أعني بالبكاء على نفسي، لأن البكاء يطهرني، يغسل مافي داخلي، يزيل الرين من قلبي، فأعني بالبكاء على نفسي.

المرحلة الرابعة مرحلة العزم والإصرار:

وهي عدم العودة إلى الذنب مرة آخرى، وهنا البطولة الحقيقية البطولة الحقيقية في إرادة العزم إذا استطعت أن أصل إلى هذة المرحلة بأن أقول لا، ولا، ولا لن اعود للذنب مرة آخرى، لن اعود للمعصية مرة آخرى، مهما تحركت المغريات، مهما تحركات المثيرات، مهما رجع التسويل النفسي ورجعت الوساوس النفسية فلن أسترسل، ولن أنساب مع شهوتي وغريزتي وميولي. إذا استطعت أن أقول لا، إذا استطعت أن أملك الأراده فقد بلغت التوبة النصوح.

هذه هي التوبة النصوح ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً، هذه مراحل التوبة.

الأمر الثاني إرتباط التوبة بالله:

للعبد توبة ولله توبة، القرآن الكريم يقول ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا هناك توبتان!.. توبة من العبد وتوبة من الرب توبة الله رحمته، إذا أقبل على عبدة بالرحمة فهذه توبة الرب، وإذا حصلت توبة الرب حصلت توبة العبد، أقبل على ربة بة بالندم، بالحسرة بالبكاء، أنا لايمكن أن أتوب لولا توفيق من الله، إذا أحبني الله منحني التوبة، إذا كنت محبوباً لدى ربي لإنة سيعطيني فرصة للتوبة، سيفتح لي باب التوبة، سيبعث في داخلي الأمل وإرادة التغير، سيبعثني سيحركني نحو التوبة، لن تتحقق مني توبة مالم يوفقني تبارك وتعالى للتوبة، أقبل علي بالرحمة فأقبلت علية بالندم والحسرة والبكاء والعزم على عدم العود إلى الذنب مرة آخرى.

والأمر الثالث فوائد وآثار التوبة: نحن نتعرض لفائدتين.

الفائدة الأولى:

التوبة باب الأمل، قال تبارك وتعالى ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ هذا خطاب لنا، نحن اللذين أسرفنا، أي حنان أعظم من هذا؟ أي حنان ورحمة وشفقة أعظم من هذا؟

لاشفقة أب ولاشفقة أم ولاشفقة أخ ولاشفقة زوج ولاشفقة زوجة!! هذه الشفقة الحقيقية، الله يقول لي وإن أسرفت وإن أخطأت وإن تجرأت وإن تجاسرت، سأمحوا ذلك كله ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ لاتيأسوا من روح الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً جميعاً، لايبقى شيء، إنة هو الغفور الرحيم.

أتدري ماهو دعاء الإمام صاحب العصر والزمان ”عجل الله فرجة الشريف“ في شهر رمضان؟.. من أدعيتة ليلاً ونهاراً في شهر رمضان ”إغفر لي إنك الغفور الرحيم، إنك الغفور الرحيم“ هذا يتكلم بلساننا، هذا يربينا أن نركز على باب الأمل باب التوبة.

إغفر لي مهما صنعت من الذنب، مهما صنعت من الأخطأ، أنت رحيم، أنت مشفق، أنت عطوف، أنت رؤوف، أنت مصدر الرحمة إغفر لي، إنك أنت الغفور الرحيم لو لم يكن هناك كباب التوبة لطغى علينا اليأس، لو لم يكن هناك باب التوبة لأصبتنا الخيبة والخذلان والأحباط، لكن باب التوبة بعث فينا أمل التغير، وأرادة التغير والحركة نحو التغير.

الفائدة الأخرى للتوبة هي الفلاح:

القرآن الكريم يقول ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ هذه الفائدة، الفلاح، شنو معنى الفلاح؟.. لعلكم تفلحون، مامعنى الفلاح؟ حي على الفلاح.. مامعنى الفلاح؟ الفلاح بمعنى الفوز، غيري خاسر وأنا فائز أو العكس، غيري فائز وأنا خاسر.

﴿وَالْعَصْرِ﴿1 إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ كلنا في خسر، كل دقيقة تمر نخسرها، لاترجع!. كل ثانية تمر نخسرها، لاترجع!. هذا العمر كم؟ مليار ساعة؟ مليار دقيقة؟ كل دقيقة تمر لن ترجع مرة آخرى.

ولكن هناك شخصان، هناك المؤمن المطيع اللذي يغتنم الفرصة في كل دقيقة وثانية، على الأقل لا تمر عليه دقيقة إلا ويصلي على النبي محمد، لا يمر عليه دقيقة إلا وهو يسبح، ويهلل، ويحمد الله ويكبر. يغتنم الفرصة، وهذا في ربح دائماً يحصل على أرباح متتالية مترادفة.

وهناك أنا، أنا المسرف في المعاصي!.. إلى كم؟ إلى كم أتحمل المعاصي، كلما طال عمري كثرت خطاياي، أي خسران أعظم من هذا؟.. أي خسارة أعظم من هذه الخسارة، ذاك يربح كلما مرت الدقائق وأنا كلما مرت دقائق أضفت معصية جديدة، وأضفت بلية جديدة، وأضفت خطيئة جديدة، كم أتحمل من المعاصي؟ كم أتحمل من الذنوب؟ كم اتحمل من الأخطاء على ظهري حاملاً ثقلي على ظهري، كم أتحمل؟؟!

إلهي كلما طال عمري كثر خطاياي، أما أن لي أن أستحي من ربي؟

إذا أنا في خسر والأخر مفلح وأنا غير مفلح، فائدة التوبة الفلاح أي الفوز، التوبة تحولني من عالم الخسران إلى عالم الفوز والفلاح، التوبة تغير شخصيتي، من شخصية خائبة إلى شخصية مفلحة إلى شخصية ناجحة، التوبة حركة جوهرية تبدل هذة الشخصية، من شخصية هاوية إلى شخصية سامية.

في رحاب مناجاة التائبين جـ4
في رحاب مناجاة التائبين جـ2