نص الشريط
في رحاب مناجاة التائبين جـ8
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 8/9/1429 هـ
مرات العرض: 2860
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (5559)
تشغيل:

«إِلهِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ تُبْ عَلَيَّ وَبِحِلْمِكَ عَنِّي اعْفُ عَنّ وَبِعلْمِكَ بِي إرْفِقْ بِيإِلهِي أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ باباإِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ فَقُلْتَ يا أيها الذين أمنوا تُوبُوا إِلى اللّهِ تَوْبَةًنَصُوحا فّما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ؟ إِلهِي إنْكانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنُ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ»

ونحن نسير مع هذهِ الفقرات النوريه الشريفة، لنقف في الفقرة الأولى مع تعليل المغفرة والتجاوز عن الإساءة وهنا علية السلام يذكرُ علل ثلاث كل عله تقتضي المغفرة، وكل علة تقتضي التجاوز عن الإساءة:

العلة الأولى:

«إِلهِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ تُبْ» لأنكَ قادر على أن تبتطشى بي، لأنكَ قادر على أن تعذبني، لأنكَ قادر على أن تفعلا بي ما تريد وما تشاء فأنا ملكَك وبين يديك، لأنكَ قادر عليّ فأنا أطلبُ منكَ أن تتوب عليّ فأن العفو عند المقدرة صفة حسنة، كما وردة في الحديث الشريف: من كرم المرء العفو عند المقدرة، إذا أسيئ أليّ وقدرتُ على رد الإساءة، إذا أعتدي عليّ وقدرتُ على رد الاعتداء ثم عفوت، فأنا العفو عند المقدرة دليل على الكرم دليل على الطيب والطهارة وإي موجود أطهر منك يا إلهي، وإي موجود أكرم منك وأنبل منك الهي،، لأنك قادر على أن تعذبني وتبطشي بي ف عفوا عني وتب عليّ وأنت قادر على أن تعاقبني وتوا خدني فأن طبع كرمك أن تتوب وأن تعفو عند المقدرة.

العلة الثانية:

«وَبِحِلْمِكَ عَنِّي اعْفُ عَنِّي» لأنكَ حليم، صبرتَ عليّ منذُ بلوغي وأنا أوئسي إليك،، منذُ بلوغي وأنا أتحداك بالمعاصي والذنوب والرذائل أنا لا أبالي برقابتك ولا أبالي لقيمومتك،، أبارزك بالمعاصي وأتحداك وكأنني لا أخاف منك ولا أرهب ومع ذلك صبرتَ عليّ وحلمتَ عليّ، عاملتني منذُ بلوغي بحلمك بصبرك، أتحداك بالمعاصي، أقابلكَ بالمعاصي وتقابلني بالعطف والكرم، أقترفُ الرذائل وأصُروا عليها وأنتَ مع ذلك توفقني وترحمني وتيسر لي أمور حياتي، كأنني لا أُسيئ إليك، كأنني لا أذنب في حقكَ، فكما تعاملت معي منذُ بلوغي بحلمك فعاملني أيضاً الآن بحلمك،، إلهي بحلمك أعفو عني لأنكَ حليم والحليم طبعهُ العفو فأنا أرجوا عفوكَ وحلمك وبعلمكَ بي.

العلة الثالثة:

«وَبِعلْمِكَ بِي إرْفِقْ بِي» بعلمكَ بي بأي شيء، إلهي أنتَ تعلم خصلتين مني وهاتان الخصلتان تستوجبان الرفق بي والرأفة بي الخصلة الأولى أني ضعيف تقتلهُ الشرقه وتنتنهُ العرقه وتؤلمهُ البقة، أنت تعلم أن جسمي ضعيف، أنتَ تعلم أنني مخلوق ضعيف ولو تحديتك ولو أسئت إليك ولو بارزتك بالمعاصي وأصررتٌ عليها لكنني مادالك مخلوق ضعيف، أسيراً لشهوتي أسيراً لغريزتي أسيراً لميولي، هذا المخلوق الضعيف إلا يستحق الرفق! وأنتَ مصدر الرفق والرحمة، أنا مهما أسئت ومهما اجترأتُ ومهما اعتديتُ، فأنني مخلوق ضعيف، لا أقدرُ على شيئاً من النوائب والمصائب «فكيف احتمالي لبلاء الآخرة وجليل وقوع المكارة فيها وهو بلاء تطول مدته ويدوم مقامة ولا يخفف عن أهله»، إذن لعلمكَ بي أنني مخلوق ضعيف لا أقدر على تحمل العذاب، لعلمكَ بي أرفق بي فأنت أهل الرفق والرأفة.

الخصلة الأخرى:

أنني أعود للذنب، أتوب ثم أعود وأنتَ تعلم أن هذهِ الخصلة مني، تعلم أنني مفتون، مفتون بشهوتي، مفتون بغريزتي، مفتون بميولي، أنتَ تعلم أنني عواد وعواد إلى الذنب مهما تبت ومهما استغفرت ومهما بكيت وتحسرت، فأني أعوذ للذنب مرة ومرات وكرات فلا تعجل علي يا إلهي ولا تسرع بعقوبتي أرفق بي، بعلمكَ بي بعلمكَ بي أنني أعود إلى الذنوب مهما تبتُ عنها ومهما استغفرتُ منها مع ذلك أرفق بي ولا تعجل علي، فقد ولعلا يوماً من الأيام تغمر قلبي رشحتهً من هِدايتك فأقلع عن الذنوب أقلاع تاماً، أنواركَ كثيرة غمرت بها أوليائك وخلقك لعلا نوراً من هذه الأنوار يصل إليّ يوماً من الأيام قال تعالى: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ لعلا النور يصلني فرفق بي ولا تعجل بعقوبتي، أنا أطالبك بالمغفرة بعلل متعددة بقدرتك بحلمك بعلمك بلا لا يحتاج إلى أن أعلل أي علة أنت الرحيم ورحمتك علة لمغفرتك.

أنا أتكلم مع الرحيم، أتكلم مع العطوف، أتكلم مع الحنون، أتكلم مع مصدر العطف والرحمة والكرم لا احتاج إلى أن اقسم عليك بأحد، لا أحتاج إلى أن أقسم عليك بذاتك، لا أحتاج إلى أن أطالبك بقدرتك وبحلمك وبعلمك يكفي أن أقول «أنت الرحيم» ورحمتك قد وسعت كل شيء فلتسع هذا المخلوق الضعيف، أن رحمة الله لتنشر يوم القيامة حتى يطمع إبليس في رحمته فكيف بي أنا وأنت القائل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنرَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَالْغَفُورُ الرَّحِيم، يا من يمسى بالغفور الرحيم أغفر ليّ وأرحمني.

ثم ينطلق إلى فقرة أخرى إلا وهي فقرة التركيز على «التوبة»:

«إِلهِي أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ باباإِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ فَقُلْتَ يا أيها الذين أمنوا تُوبُوا إِلى اللّهِ تَوْبَةًنَصُوحا فّما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ»، هنا أمور علينا أن نلتفت إليها:

الأمر الأولى:

هناك أبواب إلى رضوان الله أبواب متعددة، «الشفاعة» باب إلى رضوانه، «التوسل بأهل البيت» باب إلى رضوانه، «الدعاء» باب إلى رضوانه، «قراءة القران» بابا إلى رضوانه، أبواب فتحها إلى خلقه كل واحداً منا يستطيع أن يدخل من أي باب بل من عدة أبواب «صلة الرحم، الصدقة، قراءة القرآن، الدعاء» كلها أبواب فتحها إلينا بكرمه باب إلى رضوانه باب بعد باب قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِهناك أبواب كثيرة فتحها بكرمه إلى خلقة، وفي الحديث عن الإمام الصادق : «أوسع الأبواب إلى جنته باب أسمه يس»، سورة يس باب كبير من أبواب الجنة باب واسع كتب عليه «يس» سورة يس هذه السورة العظيمة باب عظيم برضوان الله وجنته، هذه الأبواب المتعددة أفضلها باب «التوبة» أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سمّيته التوبة، لماذا سميته التوبة؟!

التوبة رجوع إذا تاب الإنسان رجع، رجع إلى ماذا؟ أتدرون يرجع الإنسان لماذا؟ إذا تاب يرجع إلى فطرته ومنبعه الذي فطر عليه، عندما خلقني ربي من أول يوم ولدتني أمي، كل مخلوق من حين خلقه خلق ونور الله فيه لا يوجد مخلوق إلا وفي قلبه فيض من نور الله، لا يوجد إنسان إلا وفي قلبه فيض من نور الله، أنا في قبلي نور، أنت في قلبك نور ولكن مع الأسف نلوث ذلك النور نجمع الغبار غبار الذنوب، نجمع التراب تراب المعاصي، ونغطي بالغبار والتراب على ذلك النور الفياض «كل مولد يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه» نحن نلوث ذلك النور وإلا كل واحد منا فيه نور، وإذا أرد أن يكتشف ذلك النور عليه أن يزيل الذنوب يرفع هذا الغبار المتراكم يرفع هذا التراب، إذا رفعه أكتشف النور وإذا اكتشف النور وصل إلى الله «من عرفه نفسه فقد عرف ربه» قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْآيات الله في نفسي يعني هناك نور لله في داخل نفسي عليّ أن اكتشفه بإزالة الذنوب والمعاصي.

فإذا صنعت الذنوب واقترفت الرذائل كيف أرجع إلى ذلك النور مرة أخرى؟! أنا أصبحت إنسان نارياً وقد كنت إنسان نوري ولدت وأنا إنسان نوري طاهر وأصبحتُ بمرور الأيام والعناد والإصرار على المعاصي أصبحت نارياً كيف أعود وأصبح نوريً؟! أعود كما ولدت، أعوذ إلى الفطرة إلى منبع الفطرة إلى النور الذي زرعه الله في قبلي «بالتوبة» فالتوبة رجوع سميته التوبة يعني الرجوع إلى منبع اللطف ومنبع النور إلى الفطرة «أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ باباإِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ فَقُلْتَ يا أيها الذين أمنوا تُوبُوا إِلى اللّهِ تَوْبَةًنَصُوحا»، ما معنى نصوح؟ النصح: هو الصدق، فهل أنا صادق مع نفسي أم لا؟ مع الأسف نحن نكذب على أنفسنا، دائما نحن نكذب على أنفسنا لذلك توبتنا توبة غير نصوح.

التوبة النصوح: التوبة الصادقة، إذا قيل فلان ينصحك يعني إنسان صادق معك يتكلم معك بصدق، أنا كما أتكلم مع زوجتي بصدق لأنها زوجتي، أتكلم مع أولادي بصدق لأنهم أولادي أحرص عليهم، أتكلم مع أخي بصدق لأنه أخي أحرص عليه، فلأتكلم مع نفسي بصدق، نفسي أولى نفسي أولى من أي شخصاً أن أتكلم معها بصدق لكنني دائماً أكذب على نفسي وأغشها وأخدعها أقول أستغفر الله في الصلاة وأنا أكذب لأني عازم على الذنب مرة أخرى، أقرأ الدعاء دعاء كميل، دعاء أبي حمزة، دعاء الصباح وأتوسل وادعوا وأقول يا رب أغفر، ارحم وتجاوز عما تعلم ولكنني كاذب في ذلك كلها ألفاظ ولقلقة لسان كلها تكرار، تكرار ملل، تكرار سئمت منه لأنه لا نبض فيه ولا حس فيه، أنا أحتاج إلى كلام صادق، احتاج إلى أن أخاطب وجداني خطاباً صادقاً أن أقول يوماً أستغفر الله بصدق، أقولها وإنا عند كلمتي، أقولها وأنا عند قولي صادقاً فيها، إنا أحتاج إلى مقالة الصدق في ذلك اليوم إذا صدرت مني أستغفر الله بصدق فقد وصلت إلى «التوبة النصوح» توبة الصدق وإلا فلا قال تعالى: ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه الله اكبر، السفيه: هو الذي يضيع فرصته كل شخص يضيع الفرصة فهو سفيه نحن الآن أمامنا فرصة لأننا مازلنا أحياء.

أبو ذر يقول للنبي : يا نبي الله أوصني قال: يا أبا ذر بادر بأربع قبل أربع «بادر عندك فرص» لشبابك قبل هرمك «مادمت شاب يافع تقدر على النافلة صلي النافلة سيأتي يوم لا تستطيع أن تصلي النافلة، مادمت شاب يافع تستطيع أن تصلي صلاة الليل صلها سيأتي يوم لا تقدر أن تصليها» بادر بشبابك قبل هرمك وبصحتك قبل سقمك «مادمت صحيح الجسم تستطيع أن تأتي إلى المسجد وتصلي جماعة وتغترف من هذه الأجواء الروحية فبادر لا تنقطع عن المسجد سيأتي يوم يمنعك مرضك عن الوصول» وبصحتك قبل سقمك وبغناك قبل فقرك «الآن أنت عندك أموال بادر إلى الصدقة بادر إلى أنقاد الفقير بادر إلى إسعافه مادمت هذه الأموال عندك لعلها تزول يوماً من الأيام أغتنم الفرصة» وبغناك قبل فقرك وبحياتك قبل موتك «نحن أحياء الآن ما دمنا أحياء هذه فرصتنا فرصه الوحيدة أمامنا فرصة الحياة فلنبادر إلى التوبة فلنغتم هذه الفرصة إلا وهي فرصة الحياة إذا ضيعنا الفرصة وتركنا باب التوبة يدخله السعداء وباب كبير واسع يدخله السعداء يدخله من كتب لهم العقل والسعادة.»

وإما أنا الغافل أنا الشقي أنا الذي أرقتني الذنوب وأنا الذي سودت قبلي المعاصي وأنا الذي لوثت روحي الرذائل مصر على البعد عن هذا الباب وعدم دخوله، إذن أنا السفيه، السفيه: من يضيع الفرصة، إذا فتحت لك فرصه التجارة إلا تبادر إليها!! إذا حصلت على فرصه للدراسة إلا تبادر إليها!! إذا حصلت على فرصة لتشري سيارة نفسية إلا تبادر إليها!! أمامك فرصة ذهبية لا تعوض باب التوبة مفتوح بادر إلى هذه الفرصة، إذا لم أبادر إلى فرصة التوبة فأنا سفيح «فإن السفيه من يضع الفرص».

ورد عن الإمام الكاظم : «من تساوى يوماه فهو مغبون» اللي عباده لا تزيد عبادتي اليوم مثل عبادتي أمس عبادتي غداً مثل عبادتي اليوم لا يتغير روتين ملل امشي عليه فأنا مغبون لأنه عبادتي لا تتطور علاقتي بربي لا تنمو علاقتي وقربي من بربي لا يزيد أنا باقي على ما أنا عليه أنا مغبون يعني أنا في خسارة قال تعالى: «وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ «أنا لا أغتنم الفرصة ولا اغتنم الزمن والوقت، إما ذا ترقت عبادتي فإنا رابح» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»، إذن إذا لم أكون مغبون ولا خاسر فليبادر إلى فرصة التوبة فما عذر من أغفل عن دخول الباب بعد فتحه نحن أغفلنا دخول الباب، نحن مصابون بمرض الغفلة، نحن مبتلون بمرض الغفلة، الغفلة تجعلنا نصر على الذنوب والمعاصي ونبتعد عن باب التوبة.

في رحاب مناجاة التائبين جـ9
في رحاب مناجاة التائبين جـ7