نص الشريط
في رحاب الخطبة الشقشقية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/1/1418 هـ
مرات العرض: 6552
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2268)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

صدق الله العلي العظيم

ذكرنا فيما سبق أن المصداق الواضح بل المنصوص عليه لآية الولاية هو الإمام أمير المؤمنين . الإمام أمير المؤمنين نص على نفسه بأنه هو صاحب الولاية وهو الوصي لرسول الله في الخطبة الشقشقية المعروفة.

نص الخطبة:

«أما والله لقد تقمصها فلانٌ وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلتُ دونها ثوبًا، وطويتُ عنها كشحًا، وطفقتُ أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها الصعير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبًا. فلما مضى الأول لسبيله عقدها لفلان بعده.

شتان ما يومي على كورها   ويوم   حيان   أخي  iiجابرِ

فواعجباه! بينما هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها! فصبرتُ على طول المدة، وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرتُ أقرن لهذه النظائر؟! ولكنني أسفت إذا أسفوا، وطرت إذ طاروا، فصغى واحد منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ.

حتى قام ثالث القوم، نافضًا حضنيه بين نفيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمةَ الإبل نبتةَ الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهزه عليه عملُه، فما راعني إلا والناس كعُرْف الضبع ينسالون عليَّ من كل جانب، فلما نهضتُ بالأمر نكثت طائفةٌ ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكن حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها».

موقف المسلمين من هذه الخطبة:

خطبة الشقشقية تركت المسلمين في حيرة، فإنهم لا يستطيعون تكذيب علي بن أبي طالب، كما لا يستطيعون قبول كلامه هذا، ولذلك جعلت هذه الخطبة المسلمين من الصحابة والتابعين والباحثين في حيرة من الأمر، إذ لا يمكن ردها لأن ردها تكذيب لعلي، ولا يمكن قبولها لأن قبولها تعريضٌ بغير علي، فماذا يصنعون؟!

من هنا اتجه بعض الكتّاب الجُدد المُحْدَثين إلى تكذيب صدور هذه الخطبة، فقالوا بأن هذه الخطبة لم تصدر من علي بن أبي طالب، بل إن نهج البلاغة ليس معلومًا صدوره عن علي بن أبي طالب؛ لأن أول من جمع نهج البلاغة هو الشريف الرضي عام 406 للهجرة، أي أن الفاصل بين زمان الرضي وزمان الإمام علي أكثر من 380 سنة. الرضي عندما جمع نهج البلاغة لم يذكر أسانيد، ولم يذكر مصادر، ولم يذكر طرقًا لهذه الخطب والكلمات المودعة في نهج البلاغة. إذن يمكن أن تكون هذه الخطب من تأليف الشريف الرضي، حيث ألّفها ونسبها لعلي بن أبي طالب ، خصوصًا وأن الشريف الرضي كان أديبًا بليغًا شاعرًا معروفًا، فتُحْتَمل أن تكون هذه الخطب من تأليفه واختلاقه، ومنها خطبة الشقشقية، فهي من صنع الشريف الرضي، حيث اختلقها ونسبها لعلي بن أبي طالب.

تعليقنا على هذه الإثارة:

هكذا حاول بعض الكتّاب المُحْدَثين زرع الشبهة والتشكيك في انتساب نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين ، ونحن في مقام الإجابة عن هذه الشبهة نقول:

أولاً: ابن أبي الحديد العالم المعتزلي السني - الذي مدح الخلفاء وأطرى عليهم بما لم يمدح به أحدًا - في الجزء العاشر للطبعة المصرية من كتابه شرح نهج البلاغة يقول: وزعم قومٌ أن هذا النهج ليس لعلي، فنقول لهم: من مارس الأدب، ومارس خطب العرب، ومارس الكلام البليغ، عرف الركيك منه والفصيح، والفصيح والأفصح، والأصيل والمولّد، وإذا عرف ذلك استطاع أن يميّز كل كلام ويرده إلى أهله، فلو أن إنسانًا زاد قصيدة على ديوان أبي تمّام لعرفنا أنها ليست لأبي تمّام؛ لأنها لا توافق طريقته ولا مذهبه في القريض، ولقد مارسنا كلام علي بن أبي طالب وخطبَه الصادرة والمتواترة، فوجدناه نفسًا واحدًا، وماءً واحدًا، كالقرآن الكريم، أوله كوسطه، ووسطه كآخره، لا يختلف بعضه عن بعض.

كل إنسان يملك ذرةً من الذوق الأدبي يستطيع تمييز الكلمات. أنت الإنسان العادي عندما تجلس وتقرأ القرآن سنة كاملة يوميًا، فإنك بممارستك القرآن تستطيع معرفة أسلوب القرآن، فلو جاءك شخص وقال لك: توجد آية في كتاب الله تقول: الفيل وما أدراك ما الفيل له ذيل قصير! لقلتَ له: هذه ليست آية؛ لأنك مارست القرآن وعرفتَ أسلوبه ونفسه، فتعرف ما هو من القرآن وما ليس منه. أنت عندما تمارس شعر أبي تمام أو الفرزدق أو المتنبي أو المعري لمدة خمس سنوات مثلاً فإنك تعرف من خلال ذلك نفسه وذوقه وطريقته، فإن جاءتك أبيات منسوبة للمتنبي تستطيع أن تعرف أنها للمتنبي أم لا لمعرفتك بالنفس وبالمذهب والطريقة في الأدب.

نفس القضية يذكرها ابن أبي حديد، فيقول: نحن لسنا جهّالاً لا نفهم شيئًا! بل إننا مارسنا كلام علي ومارسنا وخطبه وكلماته - التي كانت متواترة ومشهورة في ذلك الزمان - فعرفنا نفسه وذوقه، فإذا وجدنا خطبة استطعنا أن نجزم أنها لعلي أم ليست له، فمسألة التشكيك لا تنطلي على المثقفين والأدباء الذين يعرفون طريقة تمييز الكلام ومعرفة صحيحه من سقيمه.

ثم يضيف ابن أبي الحديد فيقول: سألتُ أستاذي أبا الخير الواسطي، قلتُ له: ما تقول في الشقشقية؟ أمنحولة هي؟ قال: سألتُ أستاذي ابن الخشّاب عن هذه المسألة فقال: إني لأعلم أنها لعلي كما أعلم أنك جالسٌ أمامي، وأنى للرضي هذا النفس وهذا الأسلوب؟! وإنا قرأنا شعرَه ونثرَه وكلماتِه، ما هو من هذا في شيء. وإني وجدتُها في تصانيف مخطوطة قبل أن يولَد الرضي بمئتي سنة.

الكتب المخطوطة موجودة الآن، ونهج البلاغة وخطب الإمام علي مخطوطة في المكتبات المعروفة في دمشق وفي القاهرة وفي طهران وفي بغداد، ولو لاحظنا هذه الخطوط لعرفنا زمانها ووقت صدورها. وقد أيّد ابن أبي الحديد كلام أستاذه، حيث قال: نعم، صدق. أنا وجدتها في كتاب أبي القاسم البلخي، وكتاب أبي جعفر ابن قبّة، قبل أن يولَد الرضي بمئة سنة. إذن فدعوى أن الخطبة الشقشقية مختلقة ولم تصدر من الإمام علي دعوى لا يقبلها الذوق الأدبي ولا يقبلها التاريخ الصحيح.

ثانيًا: عندما نراجع كتاب مصادر نهج البلاغة للسيد عبد الزهراء الخطيب «رحمه الله» نجد 109 مصادر لخطب نهج البلاغة - ومنها الخطبة الشقشقية - قبل أن يولَد الرضي، وهذا ليس عددًا قليلاً أبدًا، حيث نقل بعض خطب الإمام علي عن المفضّل الضبّي سنة 68 هـ ، والبلاذري واليعقوبي ونصر بن مزاحم ينقلون خطب الإمام علي عام 300 للهجرة، أي: قبل الرضي بمئة سنة. الطبري وابن عبد ربه وأبو الفرج الأصفهاني ينقلون خطب الإمام علي قبل أن يولَد الرضي؛ لأنهم أسبق زمانًا من الشريف الرضي.

إذن فالشريف الرضي لم يختلق ولم يكذب - حاشاه - بل توجد مصادر كثيرة لخطب علي قبل أن يولَد الرضي بمئتي سنة، بل إن المسعودي - وقد توفي في سنة 310 - في مروج الذهب يقول: حفظ الناس من خطب علي بن أبي طالب 481 خطبة. بينما الرضي لم يذكر إلا 239 خطبة فقط! المسعودي قبل الرضي بمئة سنة يقول بأن الموجود عند الناس 481 خطبة، ومع ذلك الرضي لم يختر إلا الخطب الكبيرة التي لها مداليل معينة، وإلا فالخطب أكثر من ذلك، والرقم الذي ذكره المسعودي هو ما حفظه الناس واشتهر بينهم وتواتر، وإلا فخطب الإمام وكلماته أكثر من ذلك أيضًا. وإنما لم يذكر الرضي المصادر والطرق لأن الخطب كانت واضحة ومعروفة ومحفوظة عند الناس، فاستغنى عن ذكر السند والطرق والمصادر لأنها أمور بديهية معلومة بين الناس.

لذلك نحن نتأسف أن يجلس شخصٌ متسندًا ويكتب - بدون أدنى مراجعة للكتب والمصادر التاريخية - أن نهج البلاغة ليس صادرًا عن علي بن أبي طالب! هذا التصرف ليس سوى إثارة لموجة من التشكيك في علي بن أبي طالب وفي كلامه. هذا التشكيك إنما هو لخطورة ثبوت نسبة نهج البلاغة للإمام علي؛ لأن نهج البلاغة يحمل من العلوم والمعارف المعمّقة والمركّزة الشيءَ العجيبَ جدًا الذي يجعل الإمام علي في مستوى ما بعد الرسول الأعظم مباشرةً، كما ورد عنه : ”علّمني رسولُ الله ألف باب من العلم يُفْتَح لي من كل باب ألف باب“.

ابن عبّاس يقول: ما انتفعتُ بكلام بعد كلام رسول الله كانتفاعي بكلام علي بن أبي طالب. مروان الحمار - وهو آخر خليفة لبني أمية - كان عنده كاتبٌ أديبٌ متضلعٌ في الأدب اسمه عبد الحميد بن يحيى، فقيل له: من أين صرتَ أديبًا كبيرًا؟ قال: حفظتُ سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت. أي أن هذه الخطب هي التي أنتجتني أديبًا ماهرًا. ويقول الجاحظ: لو لم يكن لعلي إلا هذه الكلمة لكانت كافية شافية مغنية مجزية: ”قيمة كل امرؤٍ ما يحسنه“. هذه الكلمة الواحدة كأنها آية محكمة من آيات القرآن.

سر الإصرار على تكذيب الخطبة الشقشقية:

إنما أصر بعض المسلمين على تكذيب الخطب الشقشقية لأن مداليلها صعبة جدًا على قلوبهم، ومن هذه المداليل:

المدلول الأول: أن عليًا ينتقد الشورى.

علي يقول بأن الشورى ليست مبدأ إسلاميًا. أنت تقول بأن الخليفة بعد رسول الله بالشورى ليس عليًا، ولكن أحد الصحابة ينتقد مبدأ الشورى، فيقول: ”فلما مضى لسبيله جعلها في جماعة - وهم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان - زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرتُ أقرن لهذه النظائر؟! ولكنني أسفت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا“.

إذن فالإمام علي يتظلم وينتقد مبدأ الشورى، وهذا دليل على أن مبدأ الشورى لم يكن مبدأ صحيحًا في الخلافة وفي الإمامة بعد رسول الله، وإلا لما انتقده علي بن أبي طالب. لو كانت الخلافة بالشورى - كما يقولون - لما أمكن لعلي أن ينتقدها، فإن عليًا إنسانٌ أجمع المسلمون على صدقه، ولا يوجد مسلم يقول بأن الإمام علي يكذب، وأنا أتحدى أن يأتي شخص ويقول: أنا مسلم ولكنني أنسب الكذب لعلي! وهو مصداق آية التطهير بإجماع المسلمين: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، فإذا كان علي صادقًا، وهو ينتقد مبدأ الشورى، ويقول بأنه مبدأ ظالم غير صحيح، فهذا دليل على خطأ ها المبدأ.

المدلول الثاني: أن عليًا أفضل الناس بعد رسول الله.

هو يقول بكل صراحة: ”لقد تقمصها فلان وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطير“، أي أنه يشبّه نفسه بالجبل الشاهق الذي تنزل الأنهار والشلالات والسيول منه، ولا يرقى الطير إلى قمته لعلوه، وهذا يعني أنه أفضل الناس. علي بعبارة صريحة يقول: أنا أفضل الناس بعد رسول الله، فاختاروا أيها الناس: علي إما كاذب أو صادق، فإن قال قائل بأنه كاذب فقد ارتكب جريمة يستحق عليها القتل؛ لأنها تكذيبٌ لمن نصَّ القرآن على طهارته، وإن قالوا بأن عليًا صادقٌ فعليهم أن يقبلوا بحقيقة أن عليًا أفضل الخلق بعد رسول الله، فإذا كان أفضل الخلق فلماذا قُدِّم غيرُه عليه؟! ابن أبي حديد يقول: الحمد لله الذي قدّم المفضول مع وجود الفاضل لحكمةٍ اقتضاها! أي أن عليًا أفضل ولكن الله قدّم غيره لحكمة! الإمام - كما نُسِب إليه - يقول:

فإن  كنتَ بالشورى ملكت iiأمورَهم
وإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمهم
  فكيف  بشورى  والمشيرون  iiغُيَّبُ
فغيرك    أولى    بالنبي    iiوأقربُ

اللطيف أن ابن سعد في طبقاته ينقل محاورة بين الخليفة الثاني وابن عبّاس، حيث قال الثاني: يا بن عباس، أتدري لماذا أخِذَ الأمرُ منكم - أي: من بني هاشم - وقُدِّم غيركم عليكم، فقال له: لا أدري. قال له: إن قريشًا كرهت أن تجتمع فيكم النبوة والإمامة، وإن قريشًا اختارت لنفسها ووُفِّقَت. قال له: أتأذن لي أن أتكلم؟ قال: تكلّم. قال: أما قولك: إن قريشًا اختارت لنفسها ووُفِّقَت، فلو أن قريشًا اختارت ما اختاره الله لها لكان قولها غير مردود ولا محسود - أي أن المسألة مسألة نص لا اختيار وانتخاب - وأما قولك أن قريشًا كرهت أن تجتمع فينا النبوة والإمامة فإن الله تعالى يقول: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.. وذكر آية أخرى لا نذكرها.

المدلول الثالث: أن الإمام يصرّح بالنص.

الإمام لا يقول بأنه أفضل الصحابة فحسب، بل يصرّح بأنه منصوصٌ عليه، وهذا من أعظم مداليل هذه الخطبة، حيث قال: ”أرى تراثي نهبًا“، والتراث هو الإرث، أي أن الخلافة إرث علي من رسول الله ، ولكن الخلافة لا تكون بالإرث، وإنما أراد الإمام أن يشير للآية: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ، حيث ورث سليمان داوود في النبوة، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا أي أن الكتاب أورث للمصطفين الأخيار، فالإمام يريد أن يقول بأنه وارث رسول الله في إمامته وولايته، والوراثة والإرث إنما يكون بالنص، وحتى لو افترضنا أن الإمام علي أفضل الصحابة بل أفضل الخلق بعد رسول الله، إلا أنه لا يكون وارثًا لرسول الله إلا إذا نص عليه رسول الله، ولذلك تدل هذه الكلمة على النص.

أمير المؤمنين ابن عم رسول الله وليس ولدًا له، ولذلك إنما يرث إمامته وولايته بالنص عليه، وإلا فليس وارثًا. لذلك نقرأ في زيارة الحسين: ”السلام عليك يا وارث“ أي أن الولاية والإمامة التي ثبتت لآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي والحسن ثبتت للحسين بالنص، فالزيارة تنص على مسألة النص في الإمامة والولاية، حيث انتقل عهد الإمامة - وهو عهد الله - من الأنبياء إلى الإمام الحسين، كما قال تعالى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

إذن فالخطبة الشقشقية مشكلة في معانيها، فإما أن يقبلها المسلمون ويقولون بأن الإمام علي صادق، ونتيجة ذلك مشكلة، وإما أن يشكّك في علي والعياذ بالله، وهذا مخالف لآية التطهير ولما أجمع عليه المسلمون، ولذلك الخطبة الشقشقية من أعظم الأدلة والبراهين على أحقية علي بن أبي طالب بمنصب الولاية والخلافة.

لذلك ينبغي على كل شيعي موالٍ لعلي - ولستُ أنا الذي أقول، بل الأئمة هم الذين يقولون - أن يحفظ هذه الخطبة؛ لأنها دليلٌ واضحٌ وبرهانٌ ناصعٌ وقاطعٌ على إمامة أمير المؤمنين ، وقد احتج أمير المؤمنين عدة أيام يوم الرحبة، حيث جمعهم وقال: ”أنشدكم الله: من سمع منكم رسول الله يوم الغدير يقول: «من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه أينما دار» فليقم وليشهد“. يقول أحمد بن حنبل في مسنده: فقام ثلاثون صحابيًا، منهم اثنا عشر بدريًا، شهدوا بما قال. لكن أنس بن مالك جلس، فقال له: يا أنس، ما بالك لم تشهد؟ قال: يا أمير المؤمنين، إني شيخٌ كبرت ونسيت! قال: اللهم إن كان كاذبًا فاضربه ببيضاء لا تواريها عمامته. وأصابه البرص، وكان يقول: سبقتني دعوة العبد الصالح.

وهكذا استمر النهج، وإذا بالإمام الحسن الزكي ينص على النص بالخلافة، حيث كتب معاوية للإمام الحسن: يا أبا محمد، أنا خير منك؛ لأن الناس أجمعت عليَّ ولم تُجْمِع عليك! فكتب له الإمام: ويحك يا معاوية! إن من أجمع عليك بين مكره ومطيع، فإن كان مكرهًا فهو معذور في كتاب الله، وإن كان مطيعًا فهو عاصٍ لله؛ لأنَّا - أهل بيت النبوة - اصطفانا للإمامة والخلافة، وأنا لا أقول: أنا خير منك؛ لأنه لا خير فيك! فلقد برّأني الله من الرذائل كما برّأك من الفضائل".

يقول عمرو بن العاص:

إذا    كان    بينكما    iiنسبةٌ
وأين الحصى من نجوم السما
وأين    الثريا   وأين   iiالثرى

 
فأين   الحسامُ  من  iiالمنجلِ
وأين    اللآلي   من   الفلفلِ
وأين    معاوية   من   iiعلي

وهذا النص أيضًا يصر عليه الإمام الحسين يوم عاشوراء، حيث قال: ”ارجعوا لأنفسكم فعاتبوها، هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألستُ ابن بنت نبيكم، وابن وصيه، وأول المؤمنين بالله، والمصدّق لرسوله بماء جاء به من عند ربه؟!“. لفظة الوصي ذكرها الطبري في تاريخه، ولكن من جاء بعد الطبري من المؤرخين حذفوا هذه الكلمة وقالوا: ألستُ ابن بنت نبيكم وابن أول المؤمنين بالله! وذلك لأنهم التفتوا إلى مسألة النص بالولاية.

زيارة عاشوراء والشعر الحسيني
حديث الوصية ومحاولات الطمس