نص الشريط
التشيع العلوي والصفوي
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/1/1428 هـ
مرات العرض: 2858
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2673)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

انطلاقا من الآية المباركة، نتحدث في محورين:

1/ في ثناء النبي على أهل بيته .

2/ في علاقة التشيع بأهل البيت .

المحور الأول:

هناك ظاهرة لفتت نظر الباحثين وهي كثرة ثناء النبي على أهل بيته، قال : «إني تارك فيكم ثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» كما في صحيح مسلم. أو «إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» كما في مستدرك الحاكم، وقال : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من تمسك بها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى» أو «كمثل باب حطة في بني إسرائيل» كما في مستدرك الحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم وكنز العمال.

ما هي فلسفة هذا الثناء؟ لما يثني النبي على أهل بيته؟ لماذا يؤكد النبي على ربط الأمة بأهل البيت؟ هنا ثلاث نظريات:

النظرية الأولى: هي نظرية النزاع القبلي على السلطة.

والنظرية الثانية: هي نظرية القرابة.

والنظرية الثالثة: هي نظرية الكفاءة.

النظرية الأولى نظرية النزاع القبلي:

معروف أن المجتمع الجاهلي كان مجتمعاً قبلياً، مجتمع غزوات وولاءات للقبائل «وما أنا إلا من غزية، إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد» ويقول شاعر آخر «وأحياناً على بكر أخينا إذا مالم نجد إلا أخانا» هذا المجتمع القبلي كان يعيش صراعاً بين الحزب الأموي والحزب الهاشمي، كان الصراع على السلطة، على قيادة مكة. الحزب الهاشمي كان يقوده هاشم، جد النبي، اسمه عمرو ولكنه كان قائداً سياسياً ذكياً. كان يختلط مع الجماهير فكان محبوباً بينهم. وكان يهشم الثريد «أي الخبز مع اللحم» بيديه ويوزعه على الحجاج، فسمي بهاشم.

عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف

وهو الذي أعاد بئر زمزم بعد أن طمرت عدة قرون، وهو الذي أسس رحلة الشتاء والصيف. الصيف إلى الشام والشتاء إلى اليمن لكي يكون له علاقة مع الدول المحيطة بمكة قال تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ [1]  إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ هاشم ظل متمعنا بالسلطة إلى أن مات أخوه عبد شمس وجاء ابن أخيه وهو أمية بن عبد شمس، رأس القبيلة الأموية، فنازعه على السلطة. وبدأ حزبان حزب هاشمي يقوده هاشم، وحزب أموي يقوده أمية ابن أخيه، وهذان الحلفان يعتركان تارة ويتصالحان أخرى على حسب اختلاف الظروف إلى أن جاء عهد النبي المصطفى .

أصحاب هذه النظرية يقولون: أن النبي أقام الدولة الإسلامية لا لأنه نبي. إنما أقام الدولة تلبية لطموحات الحزب الهاشمي الذي كان يطمع في الدولة في الجزيرة العربية. النبي حقق طموح العائلة الهاشمية فأقام الدولة من أجل سيطرة بني هاشم. وبالتالي فالنبي عندما أوصى بأهل بيته وأثنى على أهل بيته لا لأن أهل بيته أفضل الناس أو أكفأ الناس. إنما أوصى لأهل بيته لتبقى السلطة والقيادة في الفخذ الهاشمي وليبقى الحزب الهاشمي مسيطراً على الجزيرة العربي، هذه النظرية يؤكدها تصريحات الأمويين والهاشميين:

- تصريحات الأمويين:

  • لما زحف النبي على مكة وكان ورائه جيش كبير، فلما رآه أبو سفيان وكان جالساً مع العباس بن عبد المطلب عم رسول الله قال له «قد علا ملك ابن أخيك».
  • عندما وصلت الخلافة إلى عثمان بن عفان، الخليفة الثالث، «وكان من بني أمية» جاء أبو سفيان فرحاً وقال: تلاقفوها تلاقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما جنة ولا نار.
  • عندما وصل يزيد إلى السلطة كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية قال: لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل.

- تصريحات الهاشميين:

  • عبد المطلب نظر يوماُ إلى أولاده وأحفاده فقال: «إن الله إذا أراد إنشاء دولة، خلق لها مثل هؤلاء». أي أن أولادي هم المؤهللون لقيادة الدولة.
  • أمير المؤمنين لما خطب الخطبة الشقشقية قال: «فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً» فاعتبر الخلافة تراثاً، مما يؤكد نظرية تنازع الحزبين الهاشمي والأموي على السلطة.

النظرية الثانية نظرية القرابة:

تعني أن النبي عندما أوصى بأهل بيته، انطلق من منطلقين: منطلق فطري ومنطلق قرآني.

منطلق فطري: بطبيعة الحال فإن الإنسان يحب أهل بيته ويرى أن امتداده بوجود أهل بيته. أي انسان حين يحضره الموت يقول الله الله في أهل بيتي لأنه يرى امتداده بذريته وبنسله. فمن الطبيعي أن يوصي النبي بأهل بيته لأنهم امتداده ووجوده وبقائه لا لأنهم الأفضل والأجدر.

المنطلق القرآني: أوصى القرآن الكريم بصلة الرحم. قال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، ﴿لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فالنبي لأجل صلة الرحم أوصى الأمة بأهل بيته . والأمة ما خالفته فأخواننا من المذاهب الأخرى يحبون أهل البيت ويكرمونهم لا لأنهم أفضل بل لأنهم رحم النبي والنبي أوصانا بصلة رحمه فنحن نصل رحمه من خلال حب آل البيت وإكرامهم، والمرء يكرم في ولدهو فالمسألة مسألة صلة رحم لا أكثر من ذلك.

النظرية الثالثة نظرية الكفاءة «الصحيحة»:

الثناء على أهل البيت من باب امتداد القيادة بامتلاك الكفاءة. النبي كأي قائد يبني دولة، فإذا بنى دولة وبنى جيش ومرافق للدولة، وتعب على الدولة، فهل يمكن أن يتركها بدون خليفة؟ مستحيل! إذا كان قائد محنك فمن المستحيل أن يتركها بدون خليفة. إذن النبي كأي قائد آخر أسس دولة وأسس جيش وأسس مرافق للدولة وأسس مجتمع إسلامي وقيادته قيادة مؤقتة لأنه بشر، مدة قيادته 23 سنة لا أكثر.

أدرك أنه لابد من امتداد القيادة حتى تستقر الدولة. وامتداد القيادة يتوقف على وجود أكفاء يديرون دفة الدولة ويديرون شؤون القيادة. القيادة تحتاج إلى أكفاء فنص على الأكفاء. نص على أهل بيته وأرجع الناس عليهم لا لأنهم أهل بيته ولا لأنهم رحمه ولا لأجل نزاع قبلي. أوصى بأهل بيته لأنهم الأكفاء المؤهلون لقيادة الأمة ولو كانوا من الصين.

الدليل على أن التنصيص لأجل الكفاءة:

أولاً: نلاحظ أن النبي ما أوصى بكل ذريته، بكل بني هاشم، بل بجماعة معينة. علي له إخوة لكن ما أوصى إلا بعلي. الحسن ثم الحسين عليهما السلام وجعل الإمامة والخلافة في ذرية الحسين ولم يجعلها في ذرية الحسن . في بعض أولاد الحسين لماذا؟ أو ليسوا كلهم بني هاشم؟ كلهم ذرية واحدة؟

إذن لو كانت المسألة مسألة رحم أو نزاع قبلي لأوصى النبي بجميع بني هاشم وجميع ذريته. لكنه خص الوصية بالأئمة القادة من ذريته لأنهم يحملون الكفاءة، الآية المباركة: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّه لاَ يَسْتَوُونَ ما هي القصة؟

الإمام علي مر وإذا العباس بن عبد المطلب عمه وشيبة من بني عبد الدار والعباس من بني عبد المطلب. بني عبد الدار لديهم مفاتيح الكعبة وبني عبد المطلب بيدهم السقاية، مر الإمام علي وهما يتفاخران، قال العباس: بيدي سقاية الحجيج، فمن مثلي، وقال شيبة: بيدي مفاتيح الكعبة وعمارة البيت، فمن مثلي. فقال الإمام علي : ما أدري ما تقولان وأنا أول من صلى وسبق إلى الإسلام وجاهد في سبيل الله.

قال تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ أي القرابة لا تعادل الكفاءة، المطلوب والمعيار هو الكفاءة. ولا يضر أن العائلة الكفئة صارت عائلة واحدة وليس عيباً. مثال: غالتون باحث فرنسي كتب كتاب ”العبقرية الوراثية“. قام في دراسة في هذا الكتاب على 342 عبقري من عباقرة العالم، فوجد 40% من عباقرة العالم ينحدرون من عوائل عبقرية معروفة الذكاء والعبقرية. هذا يعني أن العوامل الوراثية تؤثر أثرها، ليست العامل الوحيد لكنها عامل مؤثر، لذلك القرآن الكريم يقول في حق النبي إبراهيم : ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ. لأنهم أكفاء صحيح ولكن إنما تواردت الكفاءة لعدة عوامل: عوامل سماوية وعوامل وراثية أيضاً.

العامل الوراثي يؤكد أثره قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [33]  ذُرِّيَّةً بَعْضُهَاهذا أولاً.

ثانياً: الحكم بيننا هو التاريخ، هل أن أهل البيت نص عليهم لأنهم أرحام أو لأنهم هاشميون أم نص عليهم لأنهم الأكفأ والأجدر؟ الحكم هو التاريخ. ما نقل التاريخ تراثاً فكرياً كما نقل عن أهل البيت بإجماع المسلمين. أنت من تقرأ الفصول المهمة للصباغ المالكي، تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي، الصواعق المحرقة لابن حجر، اقرأ! ما نقل المؤرخون تراثاً فكرياً كنهج البلاغة عن أي انسان من الصحابة. نحن أحياناً نختلف في نهج البلاغة شقد مقداره سعة وضيقاً هذا خلاف لكن أصل نهج البلاغة هذا تراث فكري. ما نقل هذا التراث الفكري إلا عن علي بن أبي طالب دون غيره من بني هاشم، ودون غيره من الصحابة.

أنت تلاحظ الآن زبور آل محمد، الصحيفة السجادية. جميع علماء المسلمين يثنون على الصحيفة السجادية ويطأطئون لها إكراماً واحتراماً. ما نقل تراث روحي عن أحد من الصحابة أو أحد من التابعين كالصحيفة السجادية التي نقلت عن الإمام زين العابدين .

التراث الفقهي الذي نقل عن الإمام الصادق والإمام الباقر ، كتاب الجامعة، كتاب الجفر، كتاب الفرائض. كل العلماء يذكرونها. هذا التراث الفقهي ما نقل عن أحد من بني هاشم أو من بني الحسن من الصحابة أو من التابعين كما نقل عن الباقر والصادق.

رسالة ذهبية في علم الطب ما نقلت عن أحد من التابعين كما نقلت عن الإمام الرضا .

إذاً هذا التراث يكشف عن ماذا؟ يكشف عن أن هؤلاء إنما نص عليهم النبي لا لأنهم أرحامه بل لأنهم الأكفأ والأجدر لذلك لم ينقل تراث فكري عن أحد كما نقل عنهم.

ثالثا: نحن نلاحظ المعايير مزدوجة. يعني الآن مثلاً النبي نقل عنه أنه أثنى على أصحابه. يقال أن النبي : «أصحابي كالنجوم» وأن النبي قال: «عليكم بسنتي وسنة أصحابي، عضوا عليها بالنواجل». وأثنى النبي على أهل بيته . لما نجي إلى الثناء الأول، الثناء على الصحابة، ما عندنا تشكيك فيه ويدل على أن الصحابة كانوا أكفاء وكانوا قادة. وعندنا نأتي للثناء الثاني، يقول لا معلوم. أثنى عليهم لأنهم أرحامه لأنهم أولاده.

هذه معايير مزدوجة! عندما أثنى على الصحابة قلتم الثناء يدل على الكفاءة وعندما وصلتم إلى الثناء على أهل البيت قلتهم بأن الثناء لا يدل على الكفاءة بل لأنهم أرحامه وأولاده. طيب ليش؟ كما أثنى القرآن على الصحابة المخلصين قال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء ”وقال في آخر الآية“ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ”وهذا الثناء يدل على كفائتهم وإخلاصهم، كذلك أثنى على أهل بيته“ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فإذا كان الثناء الأول يدل على الكفاءة، فالثناء الثاني يدل الكفاءة. وإذا كان الثناء الثاني لأنهم أرحام، فالثناء الأول أيضاً لأنه أصحابه أصدقاءه، والانسان بطبعه يحب أصدقاءه. فلعله إنما أثنى على أصحابه لأنهم أصدقائه وخلانه والذين كانوا يجالسونه ليلاً ونهاراً فما أحب أن يضعفهم أمام الأمة.

إذاً بالنتيجة ثناء النبي على أهل بيته بيان لكفاءتهم وجدارتهم لا لأنهم أرحامه ولا لأجل النزاع القبلي الهاشمي. وأما قول الإمام علي : «أرى تراثي نهباً» ليس بمعنى الإرث بل بمعنى الخلافة، القرآن يقول: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَأي الخلفاء، خلفوا من كان قبلهم. أيضاً في قوله أرى الخلافة، أرى خلافتي نهباً. وليس المقصود بالإرث أنه تسلسل وراثي أو تسلسل عائلي أو أمر ينتقل من أب إلى أبن.

المحور الثاني:

علاقتنا بأهل البيت علاقة التشيع، وهناك من صنف التشيع إلى نوعين: تشيع علوي وتشيع صفوي. وهناك من قال تشيع عربي وتشيع فارسي. فهل التشيع على صنفين أم التصيف مذهب واحد؟

أول من استخدم هذا المصطلح هو الدكتور علي شريعتي وهو كاتب إيراني في كتابه ”التشيع الصفوي والعلوي“. الدكتور ذكر في كتابه أن العائلة الصفوية وهي عائلة إيرانية، عندما حكمت إيران بادرت إلى مواجهة الخلافة العثمانية. بل استعانت بالمسيحيين والأوروبيين في مواجهة الخلافة الإسلامية العثمانية لأن الخلافة العثمانية سنية والدولة الصفوية شيعية، فقامت الدولة الصفوية بروح الانتقام من الحكومة الإسلامية آن ذاك لأنها سنية وهي شيعية. ورسخت الدولة الصفوية خطاً فكرياً لا يزال إلى الآن - هذا كلام الدكتور علي شريعتي - هو المسيطر على عالم التشيع. أي أن التشيع الصفوي عمره 400 سنة.

ماهو الفرق بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي؟

هو يقول الفرق بينهما كبير وفي عدة معالم:

المعلم الأول الإمامة: فالتشيع العلوي يرى أن الإمامة نظام ثوري أعد للنهوض بالمجتمع، والتشيع الصفوي يرى أن الإمامة مسألة وراثية في عائلة معينة تنتقل من الأب إلى الإبن إلى الحفيد.

المعلم الثاني هو التقية: التشيع العلوي يرى أن التقية هي التنظيم السياسي السري المحاط بالكتمان. بينما التشيع الصفوي يرى أن التقية عمل انهزامي، عمل سلبي. يعني الجبن وترك الواقع كما هو. وكم فرق بين المعلمين المعلم الثالث هو معلم التقليد، التشيع العلوي يرى أن التقليد هو رجوع غير المختص للمختص، كما نرجع إلى الطبيب لأنه مختص ونحن غير مختصين كذلك يرجع غير الفقيه إلى الفقيه في مسائل الفروع دون الأصول ودون العقائد، بينما التشيع الصفوي يرى أن المرجع مقدس وأن له قداسة خاصة وأنه نائب الإمام ولا يجوز نقدهلا يجوز رد كلامه ويجب على الناس إطاعة عمياء، فكم فرق بين المعلمين.

وذكر الكاتب أيضاً أموراً لا داعي لإتعاب النفس في بيانها، فنقتصر منها على المهم. نحن ماذا نقول؟ ليس هناك تشيعان علوي وصفوي. وليس هناك مذهبان ولا فرقتان. وليس هناك معالم يفترق فيها هذا التشيع عن هذا التشيع.

أولاً: مسألة الإمامة

من أيام الشيخ المفيد إلى الآن لا يوجد عالم أو كتاب شيعي يقول بأن الإمامة مسألة وراثة حتى يقال هذا تشيع صفوي. مسألة الإمامة كما شرحنا في المحور الأول هي مسألة كفاءة وليست مسألة وراثة. وأما أن الإمامة نظام ثوري فهذا كلام غير دقيق. الإمامة حددها القرآن ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا.

الإمامة هي الهداية. دور الإمامة هو دور الهداية ولكن الهداية يختلف أسلوبها. قد يكون الأسلوب أسلوباً ثورياً عسكرياً كما في عصر الإمام الحسين أو أسلوباً ثورياً لكن ثورة فكرية لا عسكرية كما في عصر الإمام الصادق ، أو قد يكون الأسلوب أسلوب غير ثوري أسلوب تربوي كأسلوب الإمام زين العابدين كأسلوب الإمام الرضا ، كأسلوب الإمام الجواد . الهدف المشترك هو الهداية وإن اختلفت الأساليب. لأن اختلاف الأسلوب يرجع إلى اختلاف الظروف واختلاف المواقع لا أن الإمامة نظام ثوري دائماً.

ثانياً: مسألة التقية

أن التقية انهزام أو سكوت هذا غير صحيح. التقية لها ثلاثة 3 مجالات:

1/ في العبادات.

2/ في معارضة السلطان الجائر.

3/ في مجال العلاقات الفردية.

*التقية في العبادات مع أبناء المذاهب الإسلامية:

ذكر علماءنا وارجع إلى كتاب السيد الخوئي ”التنقيح في شرح العروة الوثقى“ فيه يذكر أن التقية على قسمين: تقية خوفية وَ تقية مداراتية. وتقية المداراة هي أن الإمامي إذا لقي إخوانه من المذاهب الإسلامية الأخرى يصلي معهم من باب زرع المودة وزرع الألفة بين أبناء المسلمين. وهذا كما عليه علمائنا حتى تعرف أن علمائنا ليسوا تكفيريين وليسوا إقصائيين وليسوا طائفيين فاقرأ فتاواهم. الإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد السيستاني كلهم يذكرون أن الصلاة خلف أئمة الحرمين أفضل. يعني أمر مستحب شرط أن يقرأ الإنسان لنفسه وأن يختار ما يصح السجود عليه إن أمكن ويسبل يديه.

إذا راجعت ملحق مناسك الحج للسيد السيستاني تجد سؤال: ما رأيكم هل الصلاة جماعة في الفنادق أفضل أم الصلاة خلف إمام الحرم في الحرم؟ فكتب: حضور جماعة المسلمين في الحرمين أفضل وأكثر ثواباً من الصلاة جماعة في الفنادق.

هذه فتاوى علمائنا وفقهائنا. أما ما يكذب عليهم من أنه أفتوا أنه إذا توضأ الشيعي ثم لمس سنياً بطل وضوءه أو يطهر يديه. هذه الفتاوى يضحك منها من يقرأها ولا وجود لها لا في كتاب للسيد السيستاني ولا حتى في موقع السيد السيستاني. هذه مجرد تهويلات واستغلال لبعض الظروف ليس إلا، إذن التقية على مستوى العبادات هي تقية المدارات وتقية الألفة والمحبة.

ولو عاش الإنسان تحت سلطان جائر كافر أو مسلم، سنياً كان أم شيعياً. فعليه بالتقية وهي عبارة عن المعارضة السلمية بالأساليب السلمية لا المعارضة العسكرية لا المعارضة بالنحو الذي ذكره الدكتور علي شريعتي.

وأحياناً تكون التقية تقية خوفية محضة. يعني الإنسان يخاف جماعة كفار، مسلمين، أو حتى شيعة. إذا خاف منهم على ماله أو على عرضه أو على نفسه، اتقاهم في أعماله. وقد ذكر هذا في القرآن: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ إذن ما عندنا تشيع يقول أن التقية هي الانهزام والسكوت. إنما التشيع يصنع التقية إلى 3 أقسام: تقية خوفية، تقية مداراتية، وتقية بمعنى المعارضة السلمية.

ثالثاً: مسألة التقليد:

الدكتور خلط بين المرجعية وبين الولاية. الفقيه له منصبان: منصب الإفتاء ومنصب الولاية. منصب الإفتاء كما ذكر الدكتور هو رجوع غير المتخصص إلى المتخصص، يرجع العامي إلى الفقيه في فروع الدين لا في أصوله وعقائده. وللفقيه أيضاً منصب الولاية.

طبعاً يختلف الفقهاء في الولاية سعة وضيقاً، بعضهم يري الولاية المطلقة، بعضهم يرى الولاية في الأمور العامة، بعضهم يرى الولاية في الأمور الحسبية. على كل فالفقيه له منصب الولاية. والولاية تعني الزعامة. وتعني أن الفقيه رأيه مطاع وأن قوله مسموع وهذا لم نأخذه من الصفويين الذين حكموا قبل 400 سنة، إنما أخذناه من روايات أهل البيت . فهل كان أهل البيت صفويين؟! وقد ورد عن الإمام الحجة «عج» أنه قال: «فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله».

وقال الإمام الصادق : «انظروا إلى رجل روى حديثنا وعرف أحكامنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً. فإني قد عجلته عليكم حاكماً». هذه روايات مكتوبة قبل 1100 سنة في الكافي والتهذيب قبل أن يوجد الصفوين. روايات عن الأئمة ترى أن للفقيه منصب الإفتاء ومنصب الولاية، ألا وهو الزعامة. وهذا ليس فكرأ صفوياً.

إن من أعظم النعم التي حظي بها المذهب الإمامي نعمة المرجعية. فقوة المذهب الإمامي في المرجعية. أعداء الإسلام منذ زمن أدركوا هذا لأن الشيعة يلتفون حول المرجعية ويمشون على خطاه. على خلاف المذاهب الإسلامية الأخرى التي ترى المرجع الديني عندهم موظف. الشيعة يرون المرجع الديني إمتداداً للأئمة الطاهرين .

فصمام الإمام للشيعة منصب المرجعية. لهذا حاول أعداء الإسلام تشويه صورة المرجعية بين زمن وآخر وبعدة أساليب حتى يحدثوا فجوة بين المرجعية وبين القاعدة الشعبية من الجماهير الشيعية. وإذا فقد الشيعة قوة المرجعية لم يبق لهم رأس ولم يبق لهم زعامة ولم يبق لهم من يمثلهم، وبالتالي يسهل اختراقهم فيسهل غزوهم ويسهل السيطرة عليهم. إذن مكمن القوة وموطنها في مقام المرجعية. منذ زمن الكليني إلى زمننا هذا.

وتقرأ للأسف بعض الكتابات: قال آية الله سيستاني وإن كنا لا نؤمن بآية غير آيات القرآن الكريم. فهل يصدر هذا الكلام من كاتب موضوعي منصف؟ ألا يعتبر القرآن الليل والنهار آيتين؟ قال تعالى: ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً، والزوجة آية ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا كل إنسان فهو آية لأنه مظهر لعظمة الله وقدرته، فكيف إذا كان عالماً ربانياً، إذن لابد أن نلتفت أن هذه المحاولات لفصل المرجعية وتشويهها وإبعاد مقام المرجعية عن قاعدتها الشعبية لأنها تدرك أن قوة الإمامية في المرجعية. لكن المجتمع الشيعي مجتمع ذكي. لا تعبر عليه مثل هذه الأقاويل فهو ملتفت إلى ما يحاك ويقال وإلى أن مكانته وقوته هي بقيادته ومرجعيته لا بشيء آخر.

وأعود لأقول ليس عندنا تشيعان علوي وصفوي. التشيع واحد وأصوله واحدة. وليس عندنا أصولان أو معلمان. تشيع واحد وله أصول واحدة. ولا تخف ولا تقلق عندما يكتب عن الشيعة في بعض القنوات أنهم صفويون. هذا شيء ما يثيرنا ولا يؤثر فينا أبداً. فنحن لا نعبأ بالغوغائيات بل نعبأ بكلام العلماء. أما ما يقوله بعض الغوغائيين من هاهنا وهاهنا فإننا نترفع عنه ولا تدخل تحت هذه المزالق.

نحن نربأ بعلماء المسلمين أن ينزلقوا في المنزلقات الطائفية. علماء المسلمين أكثر وعياً وأكثر إدراكاً لمخاطر المستقبل ولأوليات الأمة الإسلامية ولضرورة نشر أجواء المحبة والألفة والمودة والأخوة بين أبناء المجتمع الإسلامي. لذلك لا تجد من علماء المسلمين الواعين من يكتب فتاوي تكفيرية أو إقصائية أو يكتب فتاوي تضلل فئة أو تبرر فئة أخرى.

علماء المسلمين واعون لمخاطر المستقبل التي تحدق بالأمة الإسلامية وفي طليعتهم علماء الشيعة الذين لا يصدرون أمثال الفتاوى التكفيرية أبداً. المسألة مسألة أن الجميع تحت ظل القرآن الكريم: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ، وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ جميع المسلمين يعيشون وحدة شاءوا أم أبوا. متوحدون في ولاية أهل البيت . جميع المسلمين يسيرون على قول رسول الله «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».

كون العائلة الصفوية حكمت بالحديد والنار كما ينقل بعض أهل التاريخ هذا لا يعني ان الشيعة الإمامية تتحمل أخطاءها وتتحمل أعبائها. هل يوجد إنسان منصف يحمل أبناء المذاهب الإسلامية أفكار طالبان؟ أبداً لا. يقولون طالبان فئة لها فكر خاص ولها منهج خاص، وأما اخواننا أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى فهم أجل وأمسى وأوعى وأكثر انفتاحاً وفهماً ان ينسبوا إلى طالبان.

طالبان فئة لا تعبر إلا عن نفسها. فكذلك لا يصح نسبة الشيعة إلى الصفويين، فهم فئة حكمت لها أخطائها كما لغيرهم أخطائهم. ولا ينسب الشيعة بمفكريها بأحرارها بمجاهديها بأبطالها إلى الصفويين الذي حكموا فترة معينة. هذا خلاف الأمانة وخلاف الإنصاف وخلاف الموضوعية.

كلنا سنة لأننا نسير على سنة رسول الله ، وكلنا شيعة لأننا نحب آل البيت ونواليهم. قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وأهل البيت الذين رفدوا التاريخ الإسلامي بتضحياتهم، ببطولاتهم، بدمائهم، بمواقفهم. «إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة». وقدم النفس والنفيس. قدم أهله، قدم اولاده، قدم عائلته قرابين في سبيل الله. لم يبق منهم لا شيخ ولا شاب ولا طفل إلا تقدم شهيداً بين يدي أبي عبد الله هذا ذلك الولد الصغير القاسم بن الحسن.

مبدأ التعايش السلمي والطائفي
الزوجة بين الرسالية وبهجة الحياة