نص الشريط
الحسين و المسيح
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/1/1430 هـ
مرات العرض: 4194
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2591)
تشغيل:

﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

  • المحور الأول: مبدأ الحجية.
  • المحور الثاني: ميزان البركة.
  • المحور الثالث: مظاهر التماثل بين المسيح والحسين بن علي .

المحور الأول: مبدأ الحجية.

الآية المباركة تقول: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً. هذه الآية دلت على «مسألة عقائدية كلامية» وهي أن المعصوم نبياً كان أم إماماً هو معصوم منذ ولادته وهذه المسألة يقتضيها: «العقل والنقل».

أما النقل: فواضح الآيات والروايات ظاهرها أن الشخص المعصوم أعطي العصمة والحجية منذ ولادته، مثلاً: قوله تعالى: ﴿إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ الآية مطلقة لم تقل اصطفاهم بعد البلوغ أو اصطفاهم في سن كذا أو في مرحلة كذا، مقتضى إطلاق الآية أن الله اصطفاهم منذ ولادتهم، مثلاً: قوله تبارك وتعالى في حق أهل البيت : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ظاهر إطلاق الآية لأنها لم تتقيد بزمن أو مرحلة أن الله طهرهم من الرجس منذ ولادتهم ومنذ أن خلقهم، كما أنه الآية التي قرأنها دليل واضح في حق عيسى ابن مريم والروايات تؤكد هذا المعنى، مثلاً: ما ورد عن النبي محمد : ”كنت نبياً وآدم بين الماء والطين“ وما ورد في زيارة الجامعة عن الإمام الهادي : ”خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين“ خلقوا أنوراً قبل وجودهم المادي إذن لم يوجدوا في عالم المادة إلا وهم مطهرون ومعصومون يمتلكون عناصر الحجية من العلم والعصمة.

كما أن العقل يفرض ذالك يعني عندما نرجع للدليل العقلي الذي سيق بإثبات العصمة، الدليل العقلي محصلة أن الهدف من نصب المعصوم سواء كان نبياً فنصب نبياً أو كان إماماً يعني نصب من قبل الله إماماً، الهدف من نصب الحجة نبياً أو إماماً وصول الدين إلى المجتمع البشري لأنه هذا المنصوب يحمل الدين في كلامه وفي سلوكه وتقريره وإمضاءه، الهدف من نصب الحجة نبياً أو إماماً وصول الدين إلى المجتمع البشري ووصول الدين إلى المجتمع البشري يتوقف على وثوق المجتمع في هذا الإنسان، ما لم يثق المجتمع أن هذا الإنسان لا يزل ولا يخطئ ولا ينسى لن يحصل للمجتمع وثوق به لأن المجتمع سيتطرق إليه في الشك.

إذن لا يصل الدين من خلال الحجة إلى المجتمع البشري إلا إذا كان المجتمع البشري واثقاً بأن هذا الحجة لا يعرض عليه زلل أو خطأ أو نسيان وهذا الوثوق لا يتأتى إلا إذا حوبي بالعصمة منذ ولادته، ما لم تعرف الناس أن هذا حوبي بالعصمة منذ ولادته لن يحصل للناس وثوقاً به، لأنهم يقولون لعله في الماضي أخطأ إذن يخطئ الآن إذا كان قبل سنة يخطئ لعله يخطئ الآن وإذا كان قبل النبوة وقبل الإمامة ينسى لعله ينسى الآن، إذن لا طريق لرفع الشك من نفوس الناس في شخصيته إلا أن يجبى بالعصمة منذ ولادته العصمة من الزلل والخطأ والنسيان.

إذن العقل يفترض أيضاً أن الحجة حجة منذ ولادته وأنه معصوماً منذ ولادته وإلا لن يتحقق الهدف من نصبه حجة وهو وصول الدين إلى المجتمع البشري.

هنا رواية عن الصفواني ابن يحيى يسأل الإمام الرضا يقول: " كنا نسأله قبل أن يولد أبو جعفر من الخلف؟، فتقول: سيولد لي ولد وقد ولد لك ولد فلو حدث بك حدث فلمن الخلف؟، قال: ولدي هذا أبو جعفر، قالوا له: عمره ثلاث سنوات كيف يكون الحجة من بعدك؟، قال: وما يضيره أن يكون إماماً وهو ابن ثلاث سنوات وقد صار عيسى ابن مريم حجة وهو في المهد ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً.

إذن الإمام إماماً منذ ولادته، هنا ربما يطرح سؤال في أحداث يوم العاشر من محرم الحسين وقف يستغيث، الحسين ليس لضعف يستغيث، لا وإنما لبيان أن هؤلاء الجيش القاتل يرتكب جريمة وهي استئصال ذرية رسول الله قال: أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله، أما من مدافع يدافع عن حرم رسول الله، فخرج علي ابن الحسين السجاد وقال: لبيك يا أبا عبد الله، فقال الحسين لأخته زينب: احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد كما في الرواية أو لئلا تخلو الأرض من حجة كما في رواية أخرى، هنا قد يطرح السؤال أن الإمام الباقر موجود يوم الطف الإمام الباقر كان عمره ثلاث سنوات وحضر كربلاء وهو أحد الرواة لحادثة كربلاء، إذن لو قتل الإمام زين العابدين مع أبيه فأن الأرض لن تخلو من حجة لوجود الإمام الباقر ولن تخلو الأرض من نسل الإمام محمد لوجود الإمام الباقر ، ما معنى هذا الكلام من الإمام الحسين «احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل الحجة»؟ هذا الكلام له وجهان:

الوجه الأول:

شاءت حكمة الله تبارك وتعالى أن تكون الإمامة الظاهرية متنقلة من سابق إلى لاحق أثني عشر إماماً، نحن نملك «إمامة ظاهرية وإمامة واقعية»، الإمامة الواقعية: أي منذ الولادة يولد إمام معصوم صاحبة ولاية، الإمامة الظاهرية: تنتقل له بعد وفاة الإمام السابق وإلا هو إمام واقع منذ ولادته، لذلك علمائنا عندما يأتون لآية الولاية وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ يقولون المستفاد من هذه الآية أن علي ولي والرسول موجود وليس ولايته لاحقاً تأتي، قال وليكم ثلاثة الآن والرسول موجود ﴿اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ، إذن الإمامة بمعنى الولاية، ولاية علي على الأمة ولاية فعليه مع وجود النبي ، ولايته هي عرض ولاية رسول الله فلهما الولاية في عرض واحد وعلى نحو الفعلية الرسول والإمام علي وحتى في الفقه الإسلامي لسنا نحن فقط عندنا المذهب الإمامي حتى في المذاهب الأخرى التي ترى هذا الرأي، هناك من يرى في المذهب الحنبلي والحنفي كذلك كثير من مذهب الفقهاء الإمامي يقولون يشترط في صحة العقد على البنت البكر يشترط في العقد عليها أذن وليها، من هو وليها؟ أبوها وجدها وليس فقط أبوها يعني إذا جدها أبو وليها موجود هو ولي أيضاً عليها، ولاية الأب والجد في عرض واحد، يعني لو الجد تدخل وأمضى العقد نفذ العقد، ولاية الأب والجد في عرض واحد ولايتهما فعليه أبوها وجدها لأبيها ولايتهما فعليه ومن سبق نفس أمره.

إذن هذه لها مثال في الفقه وهنا أيضاً ولاية علي فعليه والرسول موجود وهذا الطبيعي الإمام علي لا يتقدم ولا يصدر أوامر والرسول موجود ولكن لو صدر منه أمراً لنفد لأنه أوامره تصدر من معصوم والمعصوم لا يصدر أمراً إلا موافقاً للواقع والتشريع الإلهي، ولاية علي تشريعية مع ولاية الرسول في عرض واحد، كما الحسنين ”الحسن والحسين إماماً قاما أو قعدا“ لهما الولاية على الآمة في عرض واحد إنما الحسين ما كان يتقد على أخيه الحسن ولذلك في الرواية لم يتكلم الحسين والحسن جالس قط.

إذن عندنا إمامة واقعية وإمامة ظاهرية، الإمامة الظاهرية: منذ الولادة أما الإمامة الواقعية: بعد الوفاة، الحسن إمام بعد وفاة علي هذه إمامة ظاهرية، الحسين إمام بعد وفاة الحسن، علي بن الحسين إمام بعد وفاة الحسين وهكذا شاءت حكمة الله ومصلحة الدين أن تنتقل الإمامة الظاهرية من سابق إلى لاحق لأثني عشر إماماً، يعني الله جعل الله لكل واحداً دوراً يخصه والدين يحتاج إلى هذا فكان دور الحسن حقن الدماء وكان دور الحسين التضحية والفداء وكان دور زين العابدين الرصيد الروحي الذي صدر منه وكان دور الباقر إقامة الجامعة الإسلامية العظيمة في المدينة المنورة، جعل الله لكل إماماً دوراً مقتضى ذالك أن تنتقل الإمامة من سابق إلى لاحق، فلو قتل الإمام زين العابدين مع أبيه الحسين يوم عاشوراء لانتهى دوره في أن يتحقق في الأمة وهذا خلاف ما قرره الله تبارك وتعالى من تناقل الإمامة الظاهرية وأن لكل إماماً دوراً.

الوجه الثاني:

صحيح أن الإمام إمام منذ ولادته والقرآن دل على أن عيسى إمام ونبي وحجة منذ ولادته لكن المجتمع العربي لم يكن يستوعب هذه الأفكار وأن هذا الطفل وهو في المهد حجة على الناس وله الولاية على الناس، المجتمع العربي لم يكن يستوعب هذه الفكرة لذلك ترى أن الله تبارك وتعالى لم يبعث النبي محمد إلا من بعد أن بلغ أربعين سنة وإلا هو نبي منذ ولادته لكن لأن المجتمع العربي لا ينقاد إلا إلى رجل بهذا السن الله تبارك وتعالى بعثه بعد سن الأربعين، المجتمع العربي بعد ذالك وبعد أن بعث النبي ونزل القرآن ووعظهم وأفهمهم أن الحجية ليس لها ربط بالسن والإمامة ليس لها سن، ربما يقبل أن يكون قائد الأمة شاباً لكنه لا يقبل أن يكون قائد الأمة طفل عمره ثلاث سنوات، فلو أن الإمام الباقر يعني لو فرضاً أن الإمام زين العابدين قتل مع أبيه وتصدى الإمام الباقر للإمامة الظاهرية وعمرة ثلاث سنوات لقتله العرب، إذن حفظاً على حياته لو تصدى للإمامة وعمرة ثلاث سنوات لقتله أجلاف العرب وانقضى الهدف من جعله إماماً إذن حفظاً على حياته وعلى دوره القيادي أبقى الله أباه زين العابدين ليقوم بدوره المؤهل له ثم تنتقل الإمامة الظاهرية للإمام الباقر .

لما جاء عصر الإمام الرضا، يختلف عصر الإمام الرضا عن عصر الحسين، عصر الإمام رضا انتشر التشيع وأصبحت مساحة التشيع مساحة عريضة الأطراف في الحجاز وفي العراق واليمن وفي مصر وفي إيران، أصبحت مساحة التشيع مساحة كبيرة جداً وأصبح الشيعة يتقبلون إمامة من كان عمره صغيراً بل حتى من كان وليداً ومنذ ولادته لأنهم تربوا على يد الأئمة الأطهار ونهلوا العقائد منهم فتهيئ المجال لتصدي الإمام الجواد للإمامة وعمره سبع سنوات أو ثمان سنوات كما في الرواية الأخرى.

المحور الثاني: ميزان البركة.

الميزان في البركة، الآية القرآنية ماذا تقول؟ ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ما معنى مباركاً؟

البركة مأخوذة من البرك، البرك هو صدر البعير ولذلك البعير إذا جثا على الأرض وألصق صدره بالأرض قال برك البعير، البرك هو صدر البعير ثم استعمله العرب في الشيء الثابت، الشيء الذي يثبت يعبر عنه العرب بأنه مبارك لذلك مجمع الماء يعني إذا اجتمع الماء في مكان واحد وثبت يسموه بركة لأن الماء ثبت في هذا المكان واجتمع فيه، ثم عبر بالبركة عن كل خير ثابت، هناك: خير متغير، وخير ثابت.

الخير الثابت الذي لا يزول ويضل ثابت ومتجدد يعبر عنه بالبركة، هناك خير مثل خير الأموال، خير الأموال ليس ثابت الأموال تذهب وتأتي هذا ليس خير ثابت، وهناك خير ثابت مثل العلم، العلم خير ثابت ولذلك ورد عن الإمام علي : ”العلم خيراً من المال، المال تفنيه النفقة والعلم يزكو مع الأنفاق“ فلعلم مبارك لأنه خير ثابت والمال غير مبارك لأنه خيراً زائل في معرض الزوال إذن البركة هي الخير الثابت، البركة تختلف باختلاف الأشياء، مثلاً: الطعام الهدف من الطعام أكله فمتى يكون الطعام مبارك؟ إذا حقق هدفه بدون ضرر إذا كان الطعام نافعاً للبدن يقال هذا طعام مبارك ويقال هذا الكتاب مبارك ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ هي خيراً ثابتاً في القلوب والنفوس فهو كتاب مبارك، أيضاً عيسى ابن مريم مبارك، عيسى ابن مريم مصدراً لخير ثابت فهو مصدراً للشفاء والعلم والعطاء بما أنه مصدراً لخير ثابت كان عيسى ابن مريم مباركاً.

هنا نتعرض لمقاله، هناك مقاله تتبناها بعض الفرق الإسلامية وهي أنه لا يجوز التبرك بآثار الأولياء ولا أثار الأنبياء، يعني أنت مثلاً تتبرك بضريح النبي أو تتبرك بمنبر النبي أو تتبرك بشيء ينتمي إلى النبي يقول لا لا يجوز، لا يجوز التبرك بآثار الأولياء والأنبياء والأوصياء، التبرك بهم إما شرك أو بدعه، نحن نناقش هذه الفكرة وهذه المقالة ونحللها تحليل متأمل، ما هو الميزان في البركة؟ متى يكون الشيء مبارك أو غير مبارك؟

الميزان في البركة هو العمل الصالح، القرآن الكريم يقول: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ميزان البركة هو العمل الصالح، بما أن ميزان البركة هو العمل الصالح، العمل الصالح لا يصدر من هواء بل أن العمل الصلح يصدر من جسم ولا يصدر بدون جسم، العمل الصالح يتجسد في جسم معين، يعني هذا الجسم يصدر منه الصلاة يعني العمل الصالح صدر من جسم، بما أن العمل الصالح مصدرة الجسم والعمل الصالح مبارك إذن تسري بركة العمل الصالح إلى الجسم الذي تحلى به واتصف به، وهذا كله موجود في القرآن والسنة النبوية.

ميزان البركة العمل الصالح والعمل الصالح يسري إلى الجسم الذي اتصف بهذا العمل بل يسري إلى كل ما أحاط بذالك الجسم، أما الشاهد من القرآن فقوله تعالى: ﴿اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً أنت جسم لا ترضى به أصبح أيضاً القميص؟ قميص مبارك، قميص النبي يوسف قميصاً تعبد فيه وصلى فيه انتقلت البركة من العمل الصالح وهو العبادة إلى هذا القميص الذي لبسه حال عبادته ﴿اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً، ﴿فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً.

آية أخرى قوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فأقام النبي إبراهيم صخرة مثل بقية الصخور لكن من أين اكتسبت البركة هذه الصخرة لأن إبراهيم صعد عليها وأتى بعمل صالح بل وهو أشرف الأعمال الصالحة وهو بناء الكعبة المشرفة، هذا البناء مبارك جاءت البركة منه إلى جسم إبراهيم الذي كان يمارس عملية البناء ومن جسم إبراهيم سرت البركة الصخرة التي اعتلاها فأصبحت الصخرة مكان مبارك.

مثلاً: قوله تعالى: ﴿نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ بقعه سيناء بقعة مباركة، وقال تبارك وتعالى: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى اعتبره وادي مقدساً وطور سيناء مازال موجوداً والجبل الذي وقف عليه موسى مازال موجود هذه البقعة بقعة يتحدث عنها القرآن بأنها مباركة وأنها مقدسة، لماذا؟

لأن الوحي الذي نزل على موسى نزل في هذه البقعة، من الذي تلقى الوحي؟ ليس التراب الذي تلقى الوحي حتى يصبح التراب نقي ومقدس، الذي تلقاه موسى بعقله وبذهنه لكن هذا الوحي لما سرى إلى جسم موسى أصبح جسم موسى مباركاً وسرت البركة من جسده إلى تلك البقعة فأصبحت بقعة مباركة، إذن الميزان في البركة العمل الصالح والقرآن يدل على سرية هذه البركة لما يحتف بالعمل الصالح فلماذا لا تكون آثار الأنبياء والأولياء مصدراً للبركة وقد كانت مهداً للأعمال الصالحة.

أما السنة النبوية: صحيح مسلم في الجزء الثالث وكذالك صحيح البخاري أن النبي محمداً كان إذا توضئ أخذ المسلمون فضل وضوئه، الماء يتبرك به وكان في حجة الوداع لما ذهب إلى منى ورمى جمرة العقبة وذبح الهدي حلق شعره فلما حلق شعره أعطاه المسلمين فأخذ كل واحداً منه ما يتبرك به، لو لم تسري البركة إلى شعره لما أعطاه المسلمين يتبركون به وأقرهم على هذا التبرك، أذم التبرك بآثار الأولياء والصالحين ليس شركاً ولا بدعة بل هو سمة قرآنيه نبوية.

المحور الثالث: مظاهر التماثل بين المسيح والحسين بن علي «عليهما السلام».

مظاهر.............. منذ ولادته كلاهما كان مدة الحمل ستة أشهر هذا مدة الحمل ستة أشهر وهذا هم مدة الحمل ستة أشهر هذا أمه معصومة قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ كانت امرأة معصومة مريم ، وأيضاً أم الحسين

أن قيل حوا قلت فاطم فخرها

أو   هل   لحوا  والد  كمحمد

 
و  قيل مريم قلت فاطم iiأفضل

أم هل لمريم مثل فاطم iiأشبل

هناك أوجه شبة أخرى:

الوجه الأول:

أنهما ينحدران من شجرة واحدة، كيف ينحدران من شجرة واحدة؟ أذكر هذه النقطة لأنه لها علاقة بأحداث يوم عاشوراء، هناك شجرة مباركة لا توجد شجرة مثلها في البركة شجرة إبراهيم، شجرة بدأت منذ إبراهيم عليه وعلى أنبيائنا وآله أفضل الصلاة والسلام وهذه الشجر انتهت بمحمد وآل محمد، هذه الشجر المبارك القرآن دائماً يتحدث عنها﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وقال في آية أخرى﴿إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب ذرية كلها أنبياء وأوصياء وحجج على الخلق، شجرة مباركة

متى نحاك الدهر بالأمر العطب

وصي   عيسى   وأمين   iiسره

وكونه    جداً    لسيد    الرسل

فيه  التقى النوران منه iiافترقا

نوراً   لعبد  الله  نور  iiالمرسلِ







 
اقسم  على  الله  بعبد  iiالمطلب

على    عموم    نهيه    وأمره

أعظم  بذا فخراً كما شئت iiوقل

أعظم  بذالك  الإفتراق واللقاء

وفي   أبي   طالب  نوراً  iiلعلي

عيسى جاء من هذه الشجرة والحسين جاء من هذه الشجرة، هنا تسأل يطرح من أيام الخلفاء، هل نستطيع أن نقول الحسين ابن رسول الله؟ هل يمكن أن نقول الحسين ولد رسول الله أو نقول الحسين ابن علي وليس ابن رسول الله؟، هذه المسألة حاول الأمويون والعباسيون أن يثيروا الغبار أمامها وأنها هؤلاء أهل البيت ليسوا أبناء رسول الله، أبناء الرجل ماكان من صلبه لا ما كان من ابنته، بنون هذا هو العرف الجاهلي العرف في الجاهلية لا يعتبرون ابن البنت ابن، هذا ابن بنتي وأبوه شخص ثاني، لا يعتبرون ابن البنت ولد، بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعدِ، هذا العرف الجاهل حاول الأمويون والعباسيون أن يركزوا أن أبناء فاطمة ليسوا أبناء رسول الله هؤلاء أبناء علي.

الرشيد جاء إلى المدينة وأمسك بالضريح المقدس..... وقال: «السلام عليك يا ابن العم»، لم يقلها لله هذا إعلام يجعل الخليفة يأتي ويقول: «السلام عليك يا ابن العم» يعني يقول أنا أولى بخلافتك لأنني ابن عمك فأنا أولى، الإمام الكاظم جالس ويصلي في المسجد قام، صحيح أن الإمام الكاظم وغيره من الأئمة لم يقودوا ثورات عسكرية لكن قادوا ما هو أشد من الثورات العسكرية يعني هذه المواجهة الفكرية الحادة للخلافة الأموية والعباسية كانت أشد أثراً من الثورات العسكرية.

قام الإمام الكاظم: ”أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر“ قام ووقف وأمسك هذا الضريح المقدس قال: «السلام عليك يا أبتاه» إذا كنت أنت ابن العم فهذا ولده يعني أولى، التفت الرشيد وقال: من أين زعمت أنكم أبناء رسول الله إنما أنتم أبناء علي، قال له: أما قرأت قوله تعالى فالقرآن اعتبر عيسى ولداً لإبراهيم مع أنه لم ينحدر من صلبه عن طريق ولده وإنما جاء عن طريق البنت ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ فجعل القرآن عيسى من ذرية إبراهيم مع أنه ليس ابن ولده وإنما هو ابن بنته، أما قرأت قوله تعالى: ﴿وَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ من هم أبناء رسول الله الذين أخرجهم يوم المباهله، القرآن الكريم قال: ﴿أَبْنَاءنَا من هم أبنائه الذين أخرجهم يوم المباهله؟ أخرج حسن وحسين، قال له: لو بعث رسول الله حياً وطلب منك ابنتك، أنت أيها الرشيد، قال لك أن أريد أن أتزوج ابنتك أتزوجها إياه؟، قال: أتشرف، فقال: أما أنا فلا يطلب ابنتي لأنها ابنته، فكيف يتزوجها؟ ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ.

عيسى من ذرية إبراهيم والحسين من ذرية إبراهيم ينحدران من هذا العنصر الطاهر والشجرة المباركة، هنا سؤال كثيراً من الأقلام تطرقت إليه نحن نلاحظ أن الحسين يوم عاشوراء لم يأتي بمسألة الإمامة أصلاً لم يتعرض لمسألة الإمامة تعرض لمسألة النسب، عندما خطب في القوم يوم عاشوراء لم يقل أنا إمام مفترض الطاعة وإنما قال انسبوني من أنا؟ ثم أرجعوا لأنفسكم وعاتبوها هل يحل لكم قتلي أو انتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم والله مابين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، لماذا الحسين ركز على مسألة النسب؟

نحن نعرف أن النسب ليس عنصراً أساسياً في الشخصية الإسلامية، الإسلام لا يرى النسب عنصراً أساسياً، الإسلام يقول ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وورد عن النبي محمد : ”يا بني هاشم أتأتي الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم“ إذن النسب ليس دخيلاً وليس عنصراً في قوام الشخصية الإسلامية، إذن لماذا الإمام الحسين ركز على هذه المسألة؟

استشهاد الحسين بالنسب لا لأجل أنه نسب بل لأجل أن هذا النسب يحمل مثلاً وقيماً إنسانيه طاهرة مقابل الشجرة الأخرى التي والاها الجيش يوم كربلاء ألا وهو جيش أبي سفيان، يقول أنتم بين شجرتين، شجرة لعنها الله في القرآن والشجرة الملعونة في القرآن الشجرة الأموية أنتم بين شجرتين شجرة ملعونة لم يعرف عنها إلا اللؤم والخداع والمكر وشجرة كلها مثل وخلق فيها العصمة والنبوة وفيها الإمامة والكتاب والتواضع والطهر والمروءة والرحمة، أنتم إذا تملكون عقول قارنوا بين الشجرتين للحظة واحدة تنفصلون عن تلك الشجرة وترفضونها، إذن الحسين لم يستشهد بالنسب لكي يقول أن الإسلام يمجد الأنساب، لا إنما استشهد بالنسب ليقارن بين الشجرتين وبين الصفات والمثل الموجودة بين كل شجرة.

مثلاً: ابن خلكان في وفياته ينقل عن الحسن ابن المجلى، الحسن ابن المجلى يقول رأيت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب في المنام، كلاهما من غير الشيعة الناقل والمنقول عنه ليس لها علاقة القصة بالشيعة يقول: رأيت في المنام علي ابن أبي طالب فقلت له: عندي سؤال أريد أن أسألك إياه، قال: اسأل، قال: أنتم بنو هاشم لما دخلتم مكة المكرمة فاتحين أكرمتم آل بني سفيان وقلتم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وهذا إكرام لبني سفيان مع أنهم أعدائكم من قبل الإسلام وأنتم أكرمتموهم وآل بني سفيان لما أمسكوا بكم في كربلاء قتلوكم عن آخركم، قال له الإمام علي : اسأل صاحبك ابن الصيفي، قال: فوعيت من نومي وجلست الصباح وذهبت إلى صديقي ابن الصيفي قلت له: رأيت ابن الحسن علي في المنام وقلت له هذا قال: اسأل صاحبك ابن الصيفي، فانهمر ابن الصيفي في البكاء، قال أنشدت أبيات في الليل لا احد يعلم بها ولم أقلها لأحد، كيف وصلت وعرفها علي ابن أبي طالب وأخبرك بها؟ أنشدت أبيتاً تقول:

ملكنا   فكان   العفو  منا  iiسجية

وحللتم   قتل   الاسارى  iiوطالما

فحسبكم    هذا    التفاوت   iiبيننا



 
فلما   ملكتم   سال   بالدم  iiأبطح

غدونا عن الأسرى نعف ونصفح

وكل   إناء   بالذي   فيه   iiينضح

إذن استشهاد الحسين بالنسب هو استشهاد بمجموعة من المثل واستشهاد بمجموعة من القيم مقابل القيم السافلة التي تخلت بها الشجرة الأخرى.

الوجه الثاني:

أن لكل منهما ارتباط بالدولة الخاتمة دولة المهدي «عجل الله فرجه الشريف» عيسى ابن مريم عضد المهدي المؤرخون من المسلمين اتفقوا على أن عيسى ابن مريم عضد للمهدي من آل النبي في البخاري كيف بكم إذا نزل عيسى ابن مريم عليكم وإمامكم منكم وأنه يقدمه في بيت المقدس ويصلي خلفه، إذن هناك ارتباط عضوي وثيق بين عيسى وبين الدولة الخاتمة، كذالك هناك ارتباط عضوي وثيق بين الحسين وبين الدولة الخاتمة.

الدولة المهدويه مرت بمراحل:

مرحلة البذرة، مرحلة النبي هو الذي زرع بذرة الدولة المهدويه ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، البذرة غرسها النبي وسقاها دم الحسين، الحسين هو المرحلة الثانية بعد النبي، لولا الحسين لتحولت الخلافة الإسلامية إلى ملك عضود، الحسين هو الذي عارض تحولها إلى ملك عضود فهو الذي سقى هذه الشجرة شجرة الدولة المهدويه بدمه وتنمو وترعرع وتثمر على يد المهدي ”عجل الله فرجه الشريف“.

لذلك شعار الإمام المهدي ما هو؟ «يا لي ثارات الحسين» الإمام المهدي مرتين من خلال أيام معدودات يخرج، المرة الأولى يخرج في مكة المكرمة بين الركن والمقام بعد مناسك الحج ثم يختفي ويخرج في نفس السنة في اليوم العاشر من محرم في كربلاء رافع رايته «يا لي ثارات الحسين»، المسألة ليست ثارات شخصية، المهدي مصدراً للرحمة والعناية والحنان كما كان جده رسول الله لكن هناك فئة هي التي ستقاتل الإمام المهدي وهي فئة النواصب هم الذين يقاتلون وحتى الكفار لن يقاتلوا الإمام المهدي، سيؤمن به الغرب قبل الشرق، لكن الذي سيحاربه فئة وهي النواصب سيحاربونه وسيقاتلهم وسيرفع هذه الرايه تجاههم وأمامهم «يا لي ثارات الحسين».

الحسين ثأر الله، الثأر ماذا يعني؟

الثأر: لغة هو الدم يعني الدم الذي أريق من أجل الله «السلام عليك يا ثار الله وابن ثارة» يعني أنت الدم الذي أريق من أجل الله أنت وأبوك، ثأر الحسين ثأر الأنبياء والمرسلين الذين كان هدفهم إقامة هذه الدولة المهدوية الخاتمة التي تقوم على يد المنتظر «عجل الله تعالى فرجة الشريف».

الوجه الثالث:

بين الحسين والمسيح هو البركة، المسيح كان جسمه مصدراً للبركة والحسين قبره مصدراً للبركة فجعل الله الشفاء في تربته والإجابة تحت قبته، يقول ابن العرندس الحلي:

وفيه   رسول   الله   قال  iiوقوله

حبي   بثلاث   ما   أحاط   بمثلها

له   تربة   فيها   الشفاء   iiوقبة

وذرية     ذرية     منه     iiتسعة





 
صحيح صريح ليس في ذلكم iiنكر

ولي فمن زيد هناك ومن عمرو؟

يجاب بها الداعي إذا مسه iiالضر

أئمة   حق   لا  ثمان  ولا  عشر

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الدمعة الصادقة