نص الشريط
الزهراء بضعة الرسول
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الرسول الأعظم - مطرح
التاريخ: 28/2/1430 هـ
تعريف: ظهراً :وفاة النبي (ص)
مرات العرض: 2882
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1301)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا

ورد عن النبي محمد أنه قال: ”فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“

نحن نقف مع هذا الحديث النبوي الشريف لنتأمل بعض معانيه:

المعنى الأول:

قوله : ”فاطمة بضعة مني“ الرسول الأعظم عبر عن الإمام الحسين والإمام علي وعبر عن السيدة الزهراء بتعبير آخر، قال: ”حسين مني وأنا من حسين“ وقال: ”علي مني وأنا منه“ فعبر بكلمة مني عن الحسين وعلي ولكنه عبر عن الزهراء بالبضعة، قال: ”فاطمة بضعة مني“ والبضعة هي القلب، فكأنه يقول: فاطمة قلبي الذي بين جنبي، هذا التعبير أعظم مدلولا من التعبير بكلمة مني، فكلمة مني وأنا منه تشير إلى المسانخة والمشابهة، فهو عندما يقول: ”علي مني وأنا منه“ أو ”الحسين مني وأنا منه“ فهذا التعبير يعني أن هناك مسانخة ومشابهة بيني وبين علي، بيني وبين الحسين، ولكن عندما يعبر بالبضعة، فالبضعة تعني مدلولا أعظم من المسانخة، وأعظم من المشابهة، البضعة تعني التمثيل ”بضعة مني“ تعني هي صورة عني، تمثلني، تجسدني، ”فاطمة بضعة مني“ أي أن فاطمة صورة أخرى عني، ومثال آخر عني، يجسدني ويمثلني في تمام فضائلي ومناقبي وتفاصيل حياتي.

إذن هناك فرق بين التعبير بمني الذي يفيد المسانخة والمشابهة، وبين التعبير بضعة مني فإن البضعة بمعنى القلب، تفيد التمثيل وأن هذا الشخص صورة أخرى عن النبي محمد .

المعنى الثاني:

أن كلمة بضعة مني تشير إلى أن قلب النبي وقلب الزهراء اشتركا في دور واحد، وفي منقبة واحدة، أي أن الله أعطى لقلب فاطمة دورا أعطاه لقلب النبي .

من المعروف أن قلب النبي موطن التنزيل، يعني أن القرآن الكريم نزل على قلب النبي القرآن الكريم يقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ القرآن نزل على قلب النبي ليس نزولا حسيا أو صوريا، بل نزول حضوري، يعني أن حقائق القرآن، ومضامين ومقاصد القرآن نزلت في قلب النبي فأصبحت حاضرة فيه، هذا النزول الذي عبر عنه القرآن ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ أصبح قلبه موطن التنزيل، وحقائق القرآن، قبل أن ينزل بألفاظه لمدة 23 سنة، القرآن نزل مرتين، نزل مرة بحقائقه على قلب النبي، ونزل مرة بألفاظه مفرقا لمدة 23 سنة، والقرآن عبر عن النزول الأول بالإنزال ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ.

وعبر القرآن عن النزول الثاني وهو النزول الحسي اللفظي لمدة 23 سنة بالتنزيل، حيث قال: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا وقال في آية أخرى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ وقال في آية أخرى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ إذن القرآن كان عنده حقائقا وتنزيلا، كان في قلبه، ثم نزل بصياغته اللفظية الحسية لمدة 23 سنة، قلب النبي موطن التنزيل، وقلب فاطمة موطن التأويل، هذا الدور خص الله به الزهراء من بين الحجج المعصومين كلهم، خص بهذا الدور فاطمة، أن قلبها موطن التأويل كما كان قلب أبيها المصطفى موطن التنزيل.

في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق بعد وفاة النبي محمد دخل على الزهراء حزن شديد لفراق أبيها، فنزل عليها ملك يحدثها، تسمع صوته ولا تراه، وكانت إذا ذهب الملك نادت إلى أمير المؤمنين فأخبرته، والأمير يدون ما تذكره فاطمة الزهراء وليس غريبا عليها أن تحدثها الملائكة، فلقد حدثت مريم ابنة عمران، حيث قال القرآن الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فكما أن مريم حدثتها الملائكة، كذلك حدثت السيدة الزهراء الملائكة، الكلام في الحديث هذا كان تأويل القرآن، هذا الذي يسمى بمصحف فاطمة.

الإمام الصادق في الرواية المعتبرة يقول: ”وإن عندنا مصحف فاطمة، ما هو بقرآن وليس فيه من القرآن حرف واحد، ولكن فيه بطونه وتأويله“ يعني أن القرآن الكريم له ظاهر وباطن، بطون القرآن كما ورد عن النبي : ”وإن للقرآن سبعين بطنا، وإن للآية ظهرا وبطنا“ هذه البطون المعبر عنها بعلم التأويل، نزلت على قلب فاطمة الزهراء فأصبح قلبها كقلب أبيها، قلب أبيها موطن التنزيل، وقلبها موطن التأويل، ولذلك قال عنها أبوها: ”فاطمة بضعة مني، قلبها قلبي“ دور قلبها دور قلبي، كما أن قلبي موطن التنزيل، فإن قلبها موطن التأويل وهذا المعنى هو الذي أشار إليه الإمام الحسن العسكري : ”نحن حجج الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا“ ليست فاطمة أفضل من أمير المؤمنين، أبوها أفضل منها، وزوجها أفضل منها، بعض العلماء يقول: أبناؤها أفضل منها، وهم أئمة عليها، ولكن الله تبارك وتعالى خصها بهذه المكرمة، وبهذا الشرف، إكراما لها، وإعظاما لشأنها.

تماما كما خص الله الإمام علي بفضائل إكراما له، الإمام علي هو الذي اقتلع باب خيبر، هل صار أفضل من رسول الله؟ لا، لكن الله اختصه بهذه الفضيلة إكراما لشأنه، وإعظاما لأمره ”إنما اقتلعته بقوة ربانية، لا بقوة جسمانية“

قد يختص الله بعض الأئمة ببعض الفضائل، وهذا لا يعني أنهم أفضل من غيرهم، الإمام الحسين خص بفضائل لم تثبت لا لأبيه الإمام علي، ولا لأخيه الإمام الحسن، الله تبارك وتعالى خصه بفضائل لم تثبت لغيره من الأئمة

وفيه   رسول   الله  قال  iiوقوله
حبي   بثلاث   ما  أحاط  iiبمثلها
له   تربة   فيها   الشفاء  iiوقبة

 
صحيح صريح ليس في ذلكم نكر
ولي  فمن زيد هناك ومن iiعمرو
يجاب بها الداعي إذا مسه iiالضر

هذه الخصوصية لم تثبت لأخيه الحسن، والرواية تقول: ”ما تكلم الحسين والحسن جالس قط“ الحسن إمام على الحسين، ولكن مع ذلك خص الله الحسين بفضائل لم تثبت للإمام الحسن

وذرية   ذرية  منه  iiتسعة   أئمة حق لا ثمان ولا عشر

إذن الله تبارك وتعالى خص فاطمة بفضائل ومناقب، ومنها أن قلبها موطن تأويل القرآن، ولم يجعل الفضيلة لغيرها من الحجج المعصومين إكراما لها، وإعظاما لشأنها وهذا ما عبر عنه الحسن العسكري: ”فاطمة حجة علينا“.

قد يحتاج الأفضل إلى المفضول في بعض أبواب العلم، مثلا: موسى ابن عمران، والخضر، موسى ابن عمران أفضل من الخضر، وحجة زمانه، وإمام زمانه، إمام حتى على الخضر، لكن الله تبارك وتعالى جعل الخضر بابا من أبواب علم موسى، مع أن موسى أفضل منه، وهو إمام عليه، لكن الله جعل الخضر بابا من أبواب العلم للنبي موسى، هناك علوم أخذها موسى من الخضر، مع أنه إمامه وأفضل منه.

هذه خواص يعطيها الله تبارك وتعالى لبعض عباده إكراما لشأنهم، كذلك مع أن الإمام علي إمام على فاطمة، وأفضل منها، ولكن مع ذلك هو نفس رسول الله ولكن مع ذلك جعل الله فاطمة بابا من أبواب العلم لعلي ابن أبي طالب، فهذا العلم وهو علم التأويل، لم يأخذه من النبي، ولا أخذه بالعلم اللادوني، وإنما أخذ هذا العلم - علم التأويل - من لسان فاطمة فأصبحت فاطمة حجة عليه لأنه أخذ العلم منها، وكانت حجة على أولاده لأن هذا العلم وصل إليهم عن طريقها، فهي حجة عليهم في هذا العلم العظيم، ألا وهو علم تأويل القرآن.

المعنى الثالث:

”يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“ هذا التعبير ورد أيضا في خطبة الحسين عندما خرج من مكة المكرمة، قال: «رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين» يقول العلماء: هذا التعبير إشارة إلى مدلول أعظم من العصمة، هناك عصمة، وهناك مرآتية، والمرآتية أعظم درجة من العصمة، لو كان الرسول يريد أن يفهم الأمة أن فاطمة معصومة لقال: لا ترضى إلا بما يرضى الله، ولا تغضب إلا على ما يغضب الله، لكنه قال: ”يرضى الله لرضاها“ يعني أن رضا الله دائر مدار رضاها، وهذا أعظم من العصمة، وغضب الله دائر مدار غضبها، هذا التعبير دوران رضا الله مدار رضاها، إشارة إلى مرتبة المرآتية وهي أعلى مرتبة من العصمة، يعني أن فاطمة مرآة لله، يعرف من رضاها رضا الله، يعرف من غضبها غضب الله، يعرف من ميولها ما يريده الله تبارك وتعالى، فاطمة مرآة صافية لله تبارك وتعالى، من رضاها ينعكس رضاه، من إرادتها تنعكس إرادته، إرادتها مندكة في إرادته، فهي مظهر له، مظهر لرضاه، مظهر لإرادته، مظهر لعلمه وحكمته تبارك وتعالى.

هذه المرأة العظيمة، الجليلة، سيدة نساء العالمين، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ قالت: يا رسول الله ومريم؟ قال: مريم سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

هذه السيدة العظيمة سميت بالزهراء لأن وجهها كان يزهر نورا

هي النور من نور وبالنور زوجت
فنور  علي  قد  غشى نور iiفاطم
وما  زال في الأدوار يشرق iiنورها

 
تبارك   رب  فيهما  جمع  iiالخير
فأولدها    نجما    وأعقبها   بدرا
ومن أجل ذلك النور سميت iiالزهرا

وكانت حبيبة أمها خديجة، وأقرب الناس إلى أبيها وإلى أمها، وفي المرض الذي مرضته خديجة وتوفيت فيه استدعتها وكانت صغيرة، قالت لها: بنية إن عندي طلبا من أبيك أستحي أن أقوله له، فأنت قوليه لأبيك حتى يلبي لي هذا الطلب، قالت: قولي يا أماه، قالت: إني أريد من أبيك المصطفى قميصه الذي يلبسه إذا نزل عليه الوحي، أريد أن يكفنني به كي يقيني من وحشة القبر ومن ظلمته، جاءت فاطمة إلى النبي قالت: يا رسول الله، أمي تريد قميصك الذي تلبسه عندما ينزل عليك الوحي، تريد أن تكفن به، قال: إن الله أنزل لها كفنا من الجنة، وأعد لها بيتا في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، قال: هي مع ذلك تريد قميصك، قال: إن شاء الله، أعطاها قميصه الذي يلبسه عندما ينزل عليه الوحي، أعطاه لخديجة تكفن به.

كانت أم أيمن إلى جانب خديجة في مرضها الذي توفيت فيه، وهذه أم أيمن كانت مصاحبة لبيت رسول الله، منذ أن كان النبي صغيرا هي مصاحبة لآمنة بنت وهب، بعد ذلك صارت مصاحبة لفاطمة بنت أسد ومصاحبة لخديجة بنت خويلد، قريبة من بيت آل رسول الله، أم أيمن جاءت عند خديجة فرأتها تبكي، قالت: ما يبكيك يا خديجة وأنت أم المؤمنين، ونصرت رسول الله، وبذلت ما عندك في سبيله، قالت: ما أبكي لنفسي، قالت: لم تبكين؟ قالت: أبكي لحبيبتي فاطمة، فهي ستبقى يتيمة من بعدي وهي صغيرة السن، قالت لها: أبوها إلى جانبها، رسول الله يرعاها ويعطف عليها، قالت: مالهذا بكيت، وإنما تذكرت ليلة زفافها، من عادة البنت إذا زفت إلى زوجها، وخرجت من بيت أبيها تلتفت إلى أمها، وتعانق أمها إلى صدرها وتودعها، وابنتي فاطمة ليلة زفافها تلتفت يمينا شمالا فلا ترى أمها إلى جانبها، فينكسر خاطرها، ويتأثر قلبها، وأنا أبكي لهذه الصورة، قالت: لا عليك أنا أقوم مقامك في تلك الليلة، أنا أحل محلك تلك الليلة.

في ليلة زفاف فاطمة إلى أمير المؤمنين، لما أرادت أن تخرج فاطمة من الدار - دار رسول الله - وإذا بأم أيمن أقبلت، ضمتها إلى صدرها، قبلتها وقالت: هذه القبلة نيابة عن أمك خديجة، ثم أخرجت بيديها قرطين جميلين علقتهما على أذني فاطمة، قالت: فاطمة هاذان القرطان هدية من أمك خديجة، وأنا الواسطة في هاذين القرطين يا فاطمة، حافظي على هاذين القرطين فهذه هدية ثمينة، أريد أن أدخل عليك وأرى هاذي القرطين في أذنيك دائما.

قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى