نص الشريط
الإصلاح مشروع الأمة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 3/1/1429 هـ
مرات العرض: 3278
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2071)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

الآية المباركة تتحدث عن مشروع الإصلاح الاجتماعي وحديثنا في ذلك في محاور ثلاثة:

  1. في أصالة الروح الاجتماعية
  2. في آثارها القرآنية
  3. في حركة الإصلاح

المحور الأول البحث حول أصالة الروح الاجتماعية:

هناك بحث طرحه علماء الاجتماع وعلماء الفلسفة في أن المجتمع هل له أصالة أم لا؟! المجتمع يتكون من أفراد، الأفراد لهم أصالة والمقصود بالأصالة أن لهم وجود حقيقي.

الأفراد كزيد وخالد وحسين وعلي، هؤلاء الأفراد موجودون بالأصالة فهل للمجتمع وجود مضافاً إلى وجود هؤلاء الأفراد؟! فنعبر أن للمجتمع وجود كما أن للأفراد وجود. أم أن المجتمع شيء اخترعته العقول البشرية وليس له وجود؟! هنا نظريتان:

النظرية الأولى: التي ترى بأن المجتمع ليس له وجود المجتمع مفهوم اخترعه العقل البشري لتنظيم الحياة وإلا فهذا المفهوم ليس له موجود في الخارج وراء وجود الأفراد.

فعلى سبيل المثال: نحن نقسم الزمن إلى سنة وشهر ويوم، فهل هذا التقسيم موجود «أصيل»؟! أم أن هذا الشيء اخترعته عقولنا؟! طبعاً عقولنا اخترعت ذلك، نحن عندما نلقي نظرة على الفضاء الذي نعيش فيه، لا نجد في الفضاء إلا ثلاثة أشياء: حركة الشمس، حركة القمر، حركة الأرض. فلا يوجد شيء في الفضاء اسمه سنه أو شهر أو يوم، فالعقل البشري من أجل تنظيم حركة الحياة هو الذي اخترع التقسيم الزمني، نظر إلى حركة الشمس فاخترع خطاً وهمياً سماه سنه ونظر إلى حركة القمر فاخترع خطاً وهمياً سماه شهر ونظر إلى حركة الأرض فاخترع خطاً وهمياً سماه يوم.

صاحب هذه النظرية يقول: بأن المجتمع كذلك؛ نحن عندما نلقي نظرة على الخارج نرى الناس، العقل البشر من أجل أن ينظم مسيرة الحياة اخترع مفهوم المجتمع فقال هناك أفراد وهناك مجتمع يتكون من هؤلاء الأفراد.

النظرية الثانية: وهي النظرية الصحيحة عندنا ونرى أن القرآن يؤكد هذه النظرية - أن المجتمع موجود وجوداً حقيقياً أصيلاً أي أن هناك وجودين وليس وجود واحد، جود للأفراد ووجود للمجتمع.

مثلاًُ: نحن عندما نجتمع في مأتم حسيني فهناك وجودان؛ وجود لنا كأفراد ووجود لمجتمع في ذلك المأتم الحسيني. كيف نثبت هذا؟ لابد أن نلاحظ أمرين: -

الأمر الأول: الوجود ينقسم إلى نوعين، وجود مادي محسوس ووجود تجريدي «مجرد عن المادة» غير محسوس. فمثلا نلقي نظرة على الإنسان فهو يتكون من جسد وروح، الجسد موجود وجود مادي والروح موجودة وجودا تجريدياً؛ كيف؟ الروح تتشكل من عناصر ثلاثة: وجدان، فكر وإرادة. وجدان، فكر وإرادة.

العنصر الأول الوجدان: هو الذي يحب ويبغض ويفرح ويحزن.

العنصر الثاني الفكر: يستقبل المعلومات، يخطط، يتوصل إلى نتائج منها.

العنصر الثالث الإرادة: إذا اقتنعت بشروع معين صممت وعزمت على الدخول في هذا المشروع.

فهذه العناصر الثلاثة «الوجدان، الفكر، الإرادة» المسماة بالروح أين توجد؟

هي ليست موجودة وجوداً مادياً، فلأنها ليست موجودة وجوداً مادياً فهي ليست محسوسة؛ لكنها موجودة وجوداً حقيقياً تجريدياً، فنحن عندما نقول أن المجتمع موجود نقصد ليس موجود وجوداً مادياً بل من الموجودات المعنوية.

الأمر الثاني: ما هو المجتمع؟ هو عبارة عن العناصر الثلاثة التي تتألف منها الروح، وجدان مشترك، فكر مشترك، إرادة مشتركة؛ وتسمى بالروح الاجتماعية، فكما أن الروح موجودة وجوداً مادياً كذلك المجتمع موجود وجوداً تحريدياً معنوياً.

مثلاً: إذا اقترن الرجل بالمرأة وكونا أسرة وأنجبا أولاداً، فهنا نرى أب وأم وأولاد، فهؤلاء أفراد، فأين هي الأسرة «أين موجودة»؟ الأسرة: وجدان مشترك وروح مشتركة وإرادة مشتركة تسمى روح أسرية واجتماعية، فهذه الأسرة كل واحد من أفرادها له خصائصه، له وجدان يخصه فيحب أشياء لاتحبها الأسرة، له فكر يخصه فالبعض له علم بالرياضيات والبعض له علم بالنفس والبعض له علم بالتاريخ، ولكل واحد إرادة خاصة فإذا جاء وقت الصيف توزعت الإرادات فالبعض يريد أن يسافر إلى أوروبا والبعض يريد أن يسافر إلى إيران والبعض يريد أن يسافر إلى منطقة أخرى.

إذن فلكل واحد من الأسرة روح تخصه «وجدان وفكروإرادة»؛ للأسرة كلها وجدان واحد وفكر واحد وإرادة واحدة أيضاً، فلو فرضنا أن هذه الأسرة لها مشروع تجاري وفشلت في هذا المشروع التجاري، فماذا يحصل؟ يحصل ألم مشترك ثم يحصل فكر مشترك فجميع الأسرة تخطط كيف تعيد هذا المشروع التجاري إلى حيويته ونشاطه ثم جميع الأسرة إذا اقتنعت بمشروع صممت على افتتاحه «إرادة مشتركة»، إذا فكما أن لكل واحد من الأسرة روحٌ فردية، فلكل واحد روح اجتماعية.

وكما أن الروح الفردية موجودة وأصيلة لكنها موجودة وجوداً تجريدياً كذلك الروح الإجتماعية المؤلفة من وجدان وفكر وإرادة مشتركة، موجودة وجوداً معنوياًَ تجريدياً، انظر إلى مجتمعنا عندما يهل هلال عاشوراء ماذا يحصل؟ يحصل وجدان مشترك الجميع يتفاعل مع موسم عاشوراء، وجدان الحزن والآسى يطغى على هذه المجموعة البشرية، الجميع يفكر كيف يستغل موسم عاشوراء فتنشأ المآتم والمواكب العزائية والمعارض الفنية والشاعائر الحسينية بفكرٍ مشترك وبإرادة مشتركة.

المحور الثاني في آثارها القرآنية:

نحن ذكرنا أن القرآن يؤكد النظرية الثانية، أي أن القرآن يتبنى أن الروح الاجتماعية موجودة حقيقةً، فماهي الآثار التي يذكرها القرآن للروح الاجتماعية التي تؤكد أن المجتمع موجود وجدواً حقيقياً مضافاً إلى وجود الفرد. هناك آثار ثلاثة يؤكد عليها القرآن:

الأثر الأول: لكل مجتمع حياة وموت، كما أن للفرد حياة وموت كذلك للمجتمع، فقد يموت المجتمع وإن كان الأفراد موجودين وقد يحيا المجتمع.

فالقرآن الكريم يقول: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ولم يقل لكل فرد أجل، ويقول: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَفالذي مات هو الحضارة وبقي الأفراد، إذن المجتمع يموت ويبقى الأفراد؛ وكما أن للمجتمع حياة فللمجتمع إدراك كيف؟ هذه الآية المباركة: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ما معنى هذه الآية؟

الإنسان المسلم عندما يريد أن يعرض الإسلام على المسيحين أو على اليهود أو على أبناء الديانات الآخرى عليه أن يتكلم بمنطق الفكر والبرهان لا بمعارك لسانية واستعراض عضلات، فلا يكمن إقناع الناس بلغة السباب والشتم بل بلغة الدليل والبرهان، قال تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَعَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّإِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَما معنى زينا لكل أمة عملهم؟ يعني هذا الشعور «الوجدان» المشترك فكما يزين للفرد يزين للمجتمع يقول تعالى «أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً»، فلكل أمة إدراكاً مشتركاً ومفاهيم مشتركة.

الأثر الثاني: القرآن يرى أن المجتمع كالجسد الواحد، كما أن الجسد إذا تألم منه عضو اشترك معه سائر الأعضاء، إذا للجسد ألم مشترك ولذة مشتركة لأن الجسد مجتمع، كذلك المجتمع؛ له ألم مشترك ولذة مشتركة، فالقرآن الكريم يركز على هذه النقطة في حديثه عن بني اسرائيل قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا «4» فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً «5» ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا «6» إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا «7» عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًاإذا لبني إسرائيل لذة مشتركة وألم مشترك.

الأثر الثالث: لكل أمة حساب وعقاب جماعي، فيوم القيام نحاسب حسابين، حساب عن أعمالن الفردية وحساب عن مجتمعنا الذي عشنا فيه ورضينا به قال تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةًكل أمه تُدعى بكتابها يعني لكل أمة صحيفة كما أن لكل فرد صحيفة قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ؛ وكما لكل أمة حساب فلكل أمةٍ عقاب أيضاً. إذا أذنب واحد من الأمة فكل الأمة تعاقب إذا رضيت بذنبه، القرآن الكريم يقول﴿فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا «14» وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا، الإمام أمير المؤمنين يفسر لنا الآية يقول «أيها الناس، إنما يجمع الناس الرضا والسخط إن الذي عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضا فقال تبارك وتعالى فعقروها فأصبحوا نادمين» وهذه الآثار كلها تؤكد أن المجتمع له وجود حقيقي بنظر القرآن الكريم «له حياة، له موت، له حساب، له عقاب، له ألم، له لذة».

المحور الثالث في حركة الإصلاح:

كما أن كل واحد منا يُعنى بجسمه وييقوم بوقايته من الأمراض والآفات فلابد أن نُعنى بمجتمعاتنا لأننا جزءًُ من هذا الجسد، والعناية بهذا الجسد تتم عبر مشروع الإصلاح، ربما يقول قائل وما دخلنا نحن بحركة الإصلاح فهذه وظيف المنابر والمساجد؟! سنتحدث عن الحركة الإصلاحية الاجتماعية من خلال جوانب ثلاثة:

الجانب الأول: الحركة الإصلاحية على قسمين: فردية واجتماعية

الحركة الفردية: هي حركة الإنسان في أسرته فالإنسان مسؤولٌ عن إصلاح أسرته، القرآن الكريم يقول ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌأنت مسؤولٌ عن حجاب ابنتك.. وعما يجري داخل الأسرة، أبناؤك يشاهدون القنوات الفضائية والمسلسلات التي تشتمل على لقطات غير أخلاقية، يشاهدون الأفلام التي تشتمل على لقطات إباحية، إبنتك تنفتح على الإنترنت تشاهد مواقع قد تكون مواقع إباحية، أنت مسؤول عن الإشراف على أسرتك وماذا تشاهد؟! وكيف تنفتح على الإنترنت؟ وكيف حجابها؟ وكيف سلوكها؟ أنت مسؤولٌ عن كل ذلك يوم القيامة «قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ»

الحركة الاجتماعية: ليست الحركة الإصلاحية الإجتماعية منوطة برجال الدين فقط ولكن الجميع مسؤول عن الحركة الإصلاحية «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» المدرس في المدرسة مسؤولٌ عن الإصلاح، الجمعية الخيرية مسؤوله عن الإصلاح، الجار مسؤول عن إصلاح جاره، كل واحد جزءٌ من الحركة الإصلتحية من خلال موقعه الذي هو فيه، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ

الجانب الثاني:

نحن نلاحظ تراجع الحركة الإصلاحية في المجتمعات الإسلامية والفساد بدأ ينتشر ويسيطر والإنحلال الخلقي بدأ يسيطر على كثير من أطراف المجتمعات الإسلامية. حركة الإصلاح تتراجع، ما هي أسباب التراجع؟

السبب الأول: اليأس، كثير من المصلحين بدأ يتراجع نتيجه لطغيان روح اليأس عليه؛ يقول: لايفيد الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لماذا؟ لأن الهجمة الشرسة للإعلام المضلل لم تترك مجالاً للإصلاح والوعظ والإرشاد فهناك مئات من القنوات الإباحية والمواقع الإباحية على الإنترنت ومئات من وسائل الإعلام التي تبث القكر المنحرف، نحن المؤمنون المتدينون لا نمتلك قدرات ووسائل كافيه لمقاومة هذه الهجمة الشرسة للإعلم المنحرف لذا أصابنا اليأس.

هذا المفهوم تبدده الآيات القرآنية، فالمصلح إذا قرأ الآيات القرآنية تعطيه شحناً روحياً وصموداً وأن الخير هو المنتصر، أما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوامِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي.

السبب الثاني: قصور الفهم كثير من المتدينين سرى لديهم مفهوم أن علينا إصلاح أنفسنا وليس علينا إصلاح الآخرين. هذا المفهوم يصتدم مع الحركة الإصلاحية القرآنية، القرآن لا يرى التدين ظاهرة فردية، التدين تيار إجتماعي يخترق القلوب ويغزو النفوس ويمتد حتى يسيطر على سلوك المجتمع وهو الذي طرحه القرآن الكريم «الذي طرحه القرآن الكريم: ﴿وَالْعَصْر «1» إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ «3» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ. المتدين الحقيقي هو الذي يمتد تدينه لغيره، فالتدين الحقيقي تيار وليس ظاهرةً فردية قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.

الذي يقول بأن التدين ظاهرة فردية ومحرابية ومسجدية يتصادم مع منطق الرسالة، عن النبي محمد «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو يسلطنّ عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» وورد عنه «كيف بكم إذا فسق شبابكم وفسدت نساؤكم وتركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالوا: أيحصل ذلك يارسول الله؟! قال: بلى وترون المنكر معروفاً والمعرف منكراً. نحن ندعو لحركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحركة مدروسة وجذابة، وتمتلك أساليب شفافة وتنفذ إلى القلوب وتغزوا النفوس والتي أكدها القرآن الكريم من خلال قوله «أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».

الجانب الثالث: تكامل الحركة الإصلاحية تتوقف على أن تتلاقح الجهود في المجال التعليمي والإجتماعي والديني

المجال التعليمي: نحن عندما نقوم بعمل دراسة على مدارسنا، هل أن مدارسنا تقوم بدورٍ إصلاحي؟ لا لماذا؟ هل أن الطالب يتخرج من مدارسنا خصوصا المرحلة المتوسطة والثانوية «مرحلة المراهقة» يتخرج إنساناً صالحاً من خلال المدرسة أم لا؟ الجواب: لا.. ولماذا؟ لأنها تفتقد إلى عنصرين:

العنصر الأول: منهج التربية الدينية نحن لدينا كتب دين «كتاب التوحيد، التفسير، الحديث»، هذه الكتب لا ننكر فائدتها لكننا نحتاج إلى منهج آخر يتحدث عن التربية الدينية وعن القيم والأخلاق بأسلوب ممتع وجذاب، يحبب القيم الأخلاقية والسلوكيات الرائعة في نفوس الناشئة من أبنائنا وإخواننا.

العنصر الثاني: غياب المرشد الروحي بعض الأساتذة يحتاج إلى تربيه روحية هناك بعض من الأساتذة من إخواننا وأبنائنا يتصور أن دوره دور تعليمي فقط «يشرح المادة وتنقطع علاقته بالطالب»؟! لآ دورك أن تكون قدوةً للطلاب، أن تربي الطلاب تربية غير مباشرة من خلال سلوكك وخُلقك ومُثلك. من أين يكتسب الأستاذ ذلك؟ من خلال المرشد الروحي.

المجال الإجتماعي:

النادي الرياضي له دول فاعل في مجال الإصلاح لأنه يشغل أوقات شبابنا وأبنائنا ويقضي على أوقات الفراغ في أمور مفيدة بدلاً من أن يقضيها في مشاهدة التلفاز والقنوات الإباحية فعلينا أن ندعم نوادي الرياضية لأنها عنصر ضروري في حركة الإصلاح.

الدور المسرحي:

الدور المسرحي مع الأسف متخلف، دور المسرح في حركة الإصلاح أهم من دور النادي الرياضي، فقد يكون أهم من المسجد في بعض الفترات وأهم من المنبر في بعض الفترات. هناك مجموعة من أبنائنا وشبابنا مثلوا أفلام جيدة، فلم: رب ارجعون، العاقبة، شكوى الأرض. هؤلاء المجموعة الخيرة أقطاب في الحركة الإصلاحية فعلى المجتمع أن يدعمهم مادياً ومعنوياُ.

المستوى الديني:

لنأخذ مثال دور المسجد: المسجد يقتصر على صلاة الجماعة والبحث الفقهي وهناك مجموعة ترعى شؤون المسجد فهل هذا كافي؟! من أجل تكامل الخركة الإصلاحية نحتاج في كل مسجد إلى صندوق خيري لماذا؟ لأن المسجد إذا امتلك صندوقاً خيرياً امتلك طريقاً إلى بيوت الفقراء والإيتام وبذلك تلتحم بيوت الفقراء والأيتام بالمسجد ووصل إليهم عطاء المسجد بشكل غير مباشر ويتحقق دورٌ فاعل للمسجد كما كان على عهد النبي محمد ونحن عندما نؤكد على الحركة الإصلاحية فإنما نستمد ذلك من مدرسة أبي عبدالله الحسين الذي قال «ما خرجت أشراً ولا بَطَرَاً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»

تأثير العقل الجمعي على الإنسان
هوية الإنسان في القرآن