نص الشريط
الرصيد الروحي للتشيع
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 3/7/1430 هـ
تعريف: وفاة الإمام الهادي (ع)
مرات العرض: 3725
المدة: 01:02:42
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1568) حجم الملف: 14.3 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ

صدق الله العلي العظيم

نركز عليها ليتبين لنا مداليل الآية المباركة:

النكتة الأولى: هي نكتة بلاغية حيث نلاحظ أن هذه الآيات المباركات أحيانا تعبر بضمير المفرد وأحيانا تعبر بضمير الجماعة مثلا: في صدر هذه الآيات قال تبارك وتعالى: ﴿وَإذْ قالَ إبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلَ هذَا البَلَدَ آمِناًولم يقل: «ربنا أجعل هذا البلد أمناً» وإنما قال: ﴿رَبّ بضمير المفرد، وعندما جاء إلى هذه الآية قال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا «ولم يقل ربي» لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

وفي ديل الآية في آية واحده عبر بالضميرين قال تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ، فإذا كان الدعاء المطلوب رحمة خاصة «تعبر بضمير المفرد»، قال تعالى: ﴿رَبّ اجْعَلَ هذَا البَلَدَ آمِناً، وإما أذا كان الدعاء المطلوب «أفاضة الرحمة على مجموعة من الناس» إذا كان ما يريد أن يدعوا به هو إفاضة الرحمة على مجموعة من الناس يختار «ضمير الجمع» يقول: ﴿رَبَّنَاللإشارة إلى انه رحمته واسعة قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ.

فمن اجل تحصيل المناسبة بين الدعاء وبين المدعو باعتبار أن الدعاء هو طلب إفاضة رحمه على مجموعة من الناس لذلك يختار في مقام الدعاء الضمير الذي يعبر عن «الربوبية العامة والرحمة العامة» فيقول: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي «يعني هذا الدعاء ليس لي يريد أن يفيض رحمة على مجموعة من الناس وليس دعاء لي» رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْولذلك في ديل الآية دعا أولا بدعاء خاص قال تعالى:: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِولما أرد أن يطلب أفاضة الرحمة على غيره أيضا غير الضمير قال تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ.

إذن، اختلاف الضمير تابع لاختلاف المطلوب إذا كان المطلوب إفاضة رحمة عامه على مجموعة من الناس فإنه يختار ضمير الجماعة ليبين أن رحمته تبارك وتعالى وربوبيته تبارك وتعالى عامة لجميع خلقه فمقتضى سعة رحمته وربوبيته أن يعبر بضمير الجمع هذه هي النكتة البلاغية الأولى.

النكتة الثانية: قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ وقد ذكرت لكم غير مره أن هناك فرق بين «إقامة الصلاة والصلاة» الصلاة شيء وإقامة الصلاة شي أخر، الصلاة: لها صورة ملكية ولها حققيه ملكوتيه صورة الصلاة الملكية: هي هذه الطقوس التي نمارسها القراءة والركوع والسجود والأذكار هذه صورة ملكية لصلاة من أتى بهذه الصورة الملكية لصلاة يقال «صلى» ولكن لصلاة حقيقة الملكوتيه وراء هذه الطقوس وراء هذه الأفعال.

وحقيقة الصلاة الملكوتيه: التي هي روح الصلاة هي التي عبر عنها القرآن بقوله قال تعالى: ﴿إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِالصلاة الملكوتيه: هي الصلاة التي تتحول إلى رصيد روحي هي الصلاة التي تتحول إلى عمل صالح، هي الصلاة التي تتحول إلى نور يملأ الأرض.

إذن، الإنسان الذي يراعي روح الصلاة ويجسد مضامين الصلاة هذا الإنسان أقامه الصلاة لا أنه صلى فقط بل أقام الصلاة لذلك نحن نقرأ في زيارة الإمام الحسين : ”أشهد أنك قد أقمت الصلاة“ ولم يقل «أشهد أنك صليت» الكثير يصلي، الكثير يمارس الطقوس الملكية الظاهرية لصلاة ولكن القليل وهو الذي يجسد روح الصلاة والحقيقة الملكوتيه لصلاة ”أشهد أنك قد أقمت الصلاة“.

إذن، أقامة الصلاة هي تجسيدها وتمثيلها بصورتها الملكية وبحقيقتها الملكوتيه﴿رَبَّنَاأني اطلب منك أن تكون ذريتي مقيما لصلاة لا مصليا قال تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء لذلك قال: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ.

النكتة الثالثة: قال تعالى: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِنحن نركز هنا على نكتة الجعل قال تعالى: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ الجعل ظاهر في الجعل المباشر بمعنى «أن المجعول منصب إلهي» ولذلك استدل الشيعة على أن الإمامة منصب إلهي لان القرآن بلا عن الإمامة «بالجعل» قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاوقال في آية أخرى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَانحن الأمامية نقول إسناد الجعل إلى نفسه تبارك وتعالى معناه أن الإمامة منصب إلهي قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاوقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا.

ولكن هناك من الباحثين الإسلاميين من أعترض على هذا الاستدلال وقال الجعل في القرآن لا يعني المجعول منصب إلهي لماذا؟!

لأن القرآن عبر بالجعل في موارد ليس المجعول منصب إلهي مثلا: القرآن الكريم يقول: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِالقرآن الكريم كما قال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَاقال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِفهل إمامة الضلال هناك أئمة ظلال كما أن هناك أئمة حق فهل أئمة الظلال مجعولون من قبل الله؟! هل إمامة الظلال منصب إلهي مجعول من قبل الله تبارك؟! وتعالى القرآن قال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِالقرآن الكريم قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا فهل أن الله يجعل المجرمين أم أن الجريمة منصب إلهي مجعول من قبل الله تبارك وتعالى؟! والقرآن يقول: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا.

إذن، ليس معنى الجعل هو النصب الإلهي والتعين الإلهي لآن القرآن أستخدم الجعل في مواد ليس المجعول فيها منصب إلهي فما هو الجواب عن هذه النقطة وعن هذا الاعتراض؟!

أذكر هنا اموراً يتبين بها حقيقة الجعل في القرآن الكريم:

الأمر الأول:

هناك فرق بين الجعل ألسببي والجعل الإعدادي.

الجعل ألسببي: هو جعل السبب التام الذي لا يتخلف عنه المسبب مثلا: جعلت ولدي عالما لأنني علمته إذا أنا تعبت على ولدي وغذيته العلم يوما إلى أن أصبح عالما هذا «جعل سببي» أقول عجلت ولدي عالما لأني قمت بسبب مباشر بسبب تام جعله عالما نتيجة لهذا السبب.

وأحيانا يكون الجعل إعدادي: بمعنى المساهمة في مقدمة من مقدمات الشيء مثلا: أنت تقول أنا جعلت هذا الشارع مضيء أنت لم تجعل الشارع مضيء الذي جعل الشارع مضيء الدولة هي التي عجلت الإضاءة في هذا الشارع، أنا أقول جعلت الشارع مضيء لأنني ساهمت في المقدمة من مقدمات ذلك مثلا كتبت إلى البلدية مثلا ذهبت بهذه الورقة مطالبة الأهالي بإضاءة الشارع ذهبت بها إلى البلدية بما أني ساهمت في مقدمه من مقدمات الإضاءة ساهمت في إعداد الإضاءة نسبت العجل لنفسي فقلت «أنا جعلت الشارع مضيء» هذه يسمى جعل إعدادي وليس جعل سببي لأنني لست السبب التام المباشر للإضاءة وإنما أنا ساهمت في إعداد الإضاءة.

إذن، هناك جعل سببي وهناك جعل إعدادي من أجل ذلك لاحظوا أن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم ينسب الإيمان إليه وينسب الانحراف إليه «يعني وجود الضالين يرتبط بالله وجود المهتدين يرتبط بالله» ما معنى هذا الكلام؟!

كل ذلك الكلام يشير إلى الجعل الإعدادي لاحظوا هذه الآية المباركة قال تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا «18» وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا

كل هذا وهذا من أراد الانحراف حصل على الجعل الإعدادي واللي أراد الإيمان حصل على الجعل الإعدادي قال تعالى: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا الجعل الإعدادي بمعنى توفير المقدمات، الإيمان يحتاج إلى قوه، يحتاج إلى قدرة، يحتاج إلى علم يحتاج إلى صمود نحن نوفر هذه المقدمات فمن أراد الإيمان سوف يستفيد من هذه المقدمات الإعدادية فيصبح مؤمن أيضا الانحراف يحتاج إلى مقدمات، الانحراف يحتاج إلى قدرة، يحتاج إلى التفات يحتاج إلى إصرار على الانحراف أيضا هذه المقدمات من قدرة والتفات وإعدادات كلها وجود، كلها إفاضة نحن نوفرها نحن جعلنا جعلا أعداي إي وفرنا المقدمات الوجودية لمن أرد الإيمان ولمن أراد الانحراف وإنما من أراد الإيمان أراده باختياره ومن إرادة الانحراف إرادة باختياره هذا استغل المقدمات بحسن اختياره وهذا استغل المقدمات بسوء اختياره.

إذن، توفير المقدمات يسمى «جعل إعدادي» قال تعالى: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا، إذن الجعل الإعدادي: هو عبارة عن توفير المقدمات الوجودية التي من خلالها قد يصل إلى الظلال وقد يصل إلى الهدى قال تعالى: ﴿مَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءيجعل: جعل إعدادي يوفر المقدمات التي إذا سلكها الشخص بسوء اختياره أصبح قال تعالى: ﴿صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًاوقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ.

الأمر الثاني:

هناك غاية حقيقة مقصوده وهناك غاية تبعية غير مقصوده مثلاُ: نجار أمامي خشب أريد أن أصنع من هذا الخشب صندوق جميل ماهي غاية الحقيقة؟! أنا عندي غايتان الآن غاية حقيقة: صنع الصندوق الجميل واضح، وغاية تبعية: أنا اعلم أن بعض الأخشاب لا أستطيع أن أستفيد منها في الصندوق إلا إذا قصصتها وهذبتها طيب إذا أنا قصصت بعض الخشب وهذبتها بعض الخشب أين سيذهب؟! سوف يذهب إلى الزبالة لأنه فضله لا يستفاد منه في صنع الصندوق، هل أنا غايتي أن أرمي بعض الخشب في الزبالة؟! لا غايتي الحقيقة صنع الصندوق لكن أنا أعلم أن الصندوق لا يصنع إلا برمي بعض الخشب في الزبالة إلا بتهذيب بعض الخشب ورميه في الزبالة.

إذن، هنا غايتان غاية حقيقية: صنع الصندوق، غاية تبعية غير مقصوده وهي علمي بأن بعض الخشب سيئول أمره إلى الزبالة لماذا؟! لأنه لا ينتفع به لكن أنا لم أقصد ذلك إنما هي غاية أنا ملتفت إليها.

حين إذا نقول: بأن الله تبارك وتعالى أفاض الوجود حياة وقدرة وعلم وأموال أفاض الوجود إلى إي غاية؟!

هناك غايتان غاية حقيقة: وهو وجود الإنسان الكامل، وجود الإنسان المستقيم وجود الإنسان الذي هو موطن لرحمه كما قال تبارك وتعالى ولذلك خلقهم. إذا الغاية الحقيقة: هي صنع الإنسان المستقيم.

ولكن هناك غاية تبعية ما هي؟! الله يعلم هذا الإنسان المستقيم لن يكون مستقيم إلا مع وجود أشرار يعادونه ويطاردونه إلى الاستقامة إلى أن يصر على الاستقامة فتخلص استقامته وهؤلاء الأشرار بمثابة الخشب الذي لا ينتفع منه فيرمى «في جهنم في الزبالة» هؤلاء البشر أخشاب المقصود من صنع إفاضة هذا الوجود كله بما فيه من طاقات بما فيه من قدرات بما فيه من حياة، الغرض من هذا الوجود كله «وجود الإنسان الكامل»، ”ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء قيل وما تحت الكساء قال: هم فاطمه وأبوها وبعلها وبنوها“.

هؤلاء الخمسة مثال الغرض هو الإنسان الكامل وهؤلاء الخمسة مثال للإنسان الكامل أنا هذا الوجود ما أعطينه ولا أفضته ولا ملأته بالطاقات إلا لأجل أن يوجد الصندوق الثمين يوجد الإنسان الكامل لكن هذه هي الغاية الحقيقة لكن هناك غاية تبعية غير مقصوده وجود هذا الإنسان الكامل حتى يصبح إنسان خالص الإيمان يحتاج إلى صراع مستحيل بدون صراع.

الحياة لا يكون فيها الإيمان كامل إلا مع الصراع الشديد مع الظلال مع الانحراف مع قوى الشر مع قوى العداء للإيمان ولخط الإيمان، إذا الخالق تبارك وتعالى يقول: أنا خلقت الوجود لأجل الإنسان الكامل هذه هي غاية الحقيقية لكن أنا أعلم أن الإنسان الكامل لا يتحقق إلا بصراع مع إنسان شرير إلا مع الشر إلا مع أناس صرفوا أعمرهم وصرفوا جهودهم في سبيل الإطاحة بالكامل وفي سبيل إزالة الكمال فإن أعلم أن هؤلاء الأشرار سوف يتحولون إلى زباله سوف يتحولون إلى خشب غير نافع وسوف يتحولون إلى حطب لجهنم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًانحن لم نخلقهم لجنهم لا لم نخلقهم لجنهم هذه تسمى في النحو «لام العاقبة» عاقبتهم أنهم أصبحوا نار جهنم وإلا نحن لم نخلقهم لأجل جهنم.

هذا نظير ما ذكره فرعون وزوجته قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناًآل فرعون لم يلتقطوا موسى ليكون لهم عدوا لكن عاقبة الالتقاط أصبحت أنه أصبح لهم عدوا هذه لام العاقبة قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ نحن خلقنا الوجود لغاية حقيقة الإنسان الكامل.

لكن عندنا غاية تبعة غير مقصوده وهي أننا نعلم أن بعض الناس سيتحول إلى معادي للإيمان ونتيجته أنه سيصبح حطب لجهنم وهذا هو معنى الآية قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَانحن لم نجعلهم لهذا الغرض «لا» هذا جعل إعدادي يعني وفرنا لهم المقدمات فاستغلوها في الإجرام واستغلوها في الشيطنة وكذلك قال تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ صراع حركة صراع بين الشر والخير وبين الحق والباطل لا بوجود نبي إلا وتقوم فئة معارضه له قال تعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًاإذا هؤلاء الشياطين لم يجعلوا بغاية حقيقة «جعلوا بغاية تبعية» لم يجعلوا بجعل سببي جعلوا بجعل إعدادي وفرق بين الجعل ألسببي والعجل الإعدادي.

لأجل ذلك نأتي للأمر الثالث ليتضح الكلام:

الجعل المنسوب إلى الله تبارك وتعالى ظاهر في الجعل ألسببي متى ما قال الله جعلت أجعلوا يعني جعل سببي يعني سبب مباشر سبب تام قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يعني الإمامة مجعول مباشر من قبل لله فالجعل هنا «جعل سببي» قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَاجعل سببي تام ولكن الجعل الإعدادي يحتاج إلى قرينه ظاهر الجعل: أنه جعل سببي، العجل الإعدادي يحتاج إلى قرينه يعني متى ما كان مضمون الآية مضمونا لا ينسجم مع الله ولا يتناسب مع رحمة الله ولا يتناسب مع حكمته فالعقل إذا أدرك أن مضمون الآية مثلا قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا، هذا المضمون لا ينسجم جعل المجرمين لا ينسجم مع رحمته وحكمته تبارك وتعالى، إذا كان المضمون لا ينسجم مع حكمته ورحمته فهذه قرينة عقلية على أن الجعل هنا جعل إعدادي وليس جعل سببي.

إذن، متى كنا وظاهر الجعل نحمله على الجعل السببي، ويصح لنا الاستدلالات بآية الجعل الظاهرة في أن الإمامة مجعول ومنصوب إلهي من قبل الله ومتى ما كان مضمون الآية مما لا ينسجم مع رحمة الله وحكمته كان ذلك قرينة على الجعل الإعدادي وعلى أن الغاية تبعية وليست غاية حقيقة.

لذلك الجعل في الآية التي قرأنها «جعل سببي» قال تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِيمن هم ذريته؟! كلهم أنبياء وأوصياء إبراهيم حظي بنعمة لم يحظى بها أحد ذريته والأوصياء والأئمة قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَإبراهيم يقول: ﴿ربَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ هذا جعل سبب يعني مجعول إلهي ما هو المجعول الإلهي هذه النكتة الرابعة الأخيرة التي نتحدث عنها «الرصيد الروحي» الحق له رصيد روحي الحق ينتشر في القلوب بلا حاجة إلى وسائط من طبيعية الحق أنه ينتشر بنفسه ومن طبيعة الباطل أنه يحتاج إلى أسباب حتى ينتشر، إما الحق فهو ينتشر بنفسه قال تبارك وتعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي به.

الذي يحمل الحق يتحول إلى نور يمشي في الناس قصد أو لم يقصد أرد أو لم يرد، الإنسان الذي يحمل حقا تتسع شعبيته تمتد قاعدته ينتشر كلامه ومقاله شاء أم أبى لأنه يحمل نور الحق في لسانه قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا.

إذن الحق بطبيعته يمتلك رصيد روحي، الحق بطبيعته يمتلك خاصية النور ما هي الخاصية الفيزيائية للنور؟! أن النور يضيء ينتشر بنفسه قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا.

من أجل أن أربط هذا الموضوع بواقعنا المعاصر:

أولاً:

علماء الفلسفة والكلام قالوا بأن الحسن والقبح فطري في الإنسان، بمعنى أن الإنسان منذ ولادته من دون حاجة إلى معلم ومبشر، الإنسان منذ ولادته ينفر من الظلم وينجذب إلى العدل، ينفر من الخيانة وينجذب إلى الأمانة، ينفر من الكذب «حتى وإن كان كاذب، والظالم يرفض الظلم، وهو ظالم، لكن إذا عرضت عليه قضيه فيها ظلم يقول ليس بظلم مع انه ظالم» حتى الكاذب يستقبح الكذب.

إذن، الإنسان أودعت فيه من خلقته ميول فطرية، يميل إلى العدل، ينفر من الظلم، يحكم بأن العدل حسن، يحكم بأن الظلم قبيح، هذه الميلول الفطرية هي الرصيد الروحي للحق ونور الحق، قال تبارك وتعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، الدين حق، فهو أمر فطري، قال تبارك وتعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، إذن الأمر أمر فطري.

ثانياً:

التشيع حق، التشيع نور، التشيع يسري بنفسه ويمتد، التشيع لو امتلك وسائل إعلامية نقيه لعم الأرض كلها، «نلاحظ التشيع الآن، الإعلام ضده، والقوى العسكرية ضده، والقوى الظلامية الإرهابية ضده، اجتمعت القوى على محاربة التشيع بكامل أجهزتها، لكن التشيع يمتد وينفذ ويسري «يخافون ويقولون في القنوات والجرائد ”التشيع ينتشر في مصر والسودان“ إلتفتو واستيقظوا وانتبهوا» هذه حقيقة وحق، هذا ليس كلاماً أجوف وفارغاً من الحقيقة، كلامٌ ينطق عن الحقيقة، التشيع نور والنور يسري ويمتد بنفسه «وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ»، كلامهم صحيح يخافون من انتشار التشيع وامتداد التشيع لأنهم يخافون من النور وظهور الحقيقة ومن ظهور الحق الصراح الواضح، لكن التشيع مع هذه المواجهة الشرسة فأنه باق على امتداده وعلى سريانه ولو حصل التشيع على وسائل إعلام جيدة وفكر نقي ومبرهن لمتد التشيع إلى أكبر رقعة من هذا العالم، لماذا؟ لأن كل فكر يحمل في طياته مبادئ عقلية وبرهانيه وكل فكر يحمل في طياته مبادئ فطرية وإنسانية فإنه فكر يحمل في طياته النور فهو بطبيعته الانتشار شاء الإنسان أم أبا.

لذلك، أوصانا أئمتنا «لا نحتاج نحن لقتال الآخرين ومحاربتهم وأن تستعرضوا القوة العسكرية بكامل أجهزتها» أنتم ستمتدون إذا كنتك دعاة مخلصين لأئمتكم أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والدعوة المخلصة لأئمة الهدى هي السير على مبادئهم «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم»، لو التزم الإمامية بمبادئ الأئمة من الصدق والإخلاص والأمانة والأخلاق الفاضلة والفكر النير المبرهن الذي يستند إلى البراهين والمبادئ العقلية فإن هذا كاف في انتشارهم بلا حاجة إلى أسباب آخرى.

إذن الأمر الثاني الذي يجب أن نلتفت إليه أن التشيع بما أنه عقلاني فهو ينتشر وهو يسري سريان النور ويجري جريان الماء الصافي.

ثالثاً:

التشيع حركة معارضة «لا نستطيع تغيير الحقيقة» يتوهم من يريد أن يحول التشيع إلى حركة مجاملة أو مهادنة، التشيع حركة معارضة منذ زمان أمير المؤمنين وإلى زماننا هذا، ما مر تاريخ على التشيع إلا والتشيع معارضة، لأن التشيع حق والحق طبيعته المعارضة للظروف الباطلة والأسباب الباطلة «قد تكون معارضة سلمية، قد تكون معارضة عسكرية، قد تكون معارضة مادية هذا يختلف باختلاف الأماكن والظروف» ولكن التشيع حقيقته الرفض والمعارضة، لا يمكننا أن نحول التشيع وأن نغير صورته، لن يتغير، روحه هي روح النور الذي يرفض الباطل ويعارض الباطل شئنا أم أبينا.

فهذا التاريخ نراه أمامنا، من زمان أمير المؤمنين، مر زمان على التشيع لا يبدل دماء؟؟ مر زمان لم يبدل شهداء؟؟ مر زمان على التشيع لا يبدل عطاء؟؟ أبداً كله دماء وشهداء ومعارضة ومواجهة، وروح وثابة لاهبة، لم يمر على التشيع زمان يستكين فيه ويتحول إلى حركة مجاملة أو مهادنة، هذه هو تاريخ التشيع منذ الأيام الأولى.

إذن، هذا ما يؤكد الرصيد الروحي بمعنى الآية مصداقها الحقيقي «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» أن من ذرية إبراهيم الذين حملوا النبوة كموسى وعيسى ومحمدٍ ومن ذرية إبراهيم من حلموا الإمامة كآل محمدٍ صلوات الله عليهم أجمعين، ومن ذرية إبراهيم من حلموا لواء الجهاد والنضال والتصريح بالحق، من ذرية إبراهيم، وهذا ما قاله النبي وهو موجود عند الفريقين «شيعة وسنة»: في كل خلف من أمتي «يعني كل مئة سنة» عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وبدع المبطلين»، وأن الصراع باقٍ، والتاريخ باقٍ، وهذا الصراع كله في ذريتي، ذرية محمدٍ فما ذكره إبراهيم : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم» أكده النبي وقال: ما ذكره جدي إبراهيم يستمر في ذريتي إلى يوم القيامة، تاريخٌ كله صراع بين حق وباطل، تاريخ كله عطاء وتضحية، تاريخٌ تاريخ انتشار النور وجريان النور، وهذا ما تؤكده الأحاديث الشريفة ويؤكده التاريخ.

إذن للأئمة رصيد روحي في القلوب، وللتشيع رصيد روحي في القلوب.

نقرأ لكم فصلين من فصول التاريخ، يبرهن لك مدى الرصيد الروحي للتشيع وللأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، من أجل تأكيد الآية المباركة «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ».

الفصل الأول:

ما يتعلق بالإمام الهادي ونحن في ذكرى وفاته، اقرأ التاريخ الذي يتحدث عن رصيده الروحي وكونه مصداق للآية المباركة.

الخبر الأول: ذكر المؤرخ السبط بن الجوزي «في تذكرة الخواص وليس من الشيعة» قال: إنما أشخص المتوكل، علياً الهادي من مدينة رسول الله إلى بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته «لابد أكابر مجرميها في مقابل الإمام الهادي، صراع»، فبلغه مقام علياً في المدينة، وميل الناس إليه، «الإمام الهادي ليس عنده سلاح، ولا حركة تنظيميه ولا سرية، ولكن هذا الرصيد الروحي فقط «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ»، فخاف منه فدعا يحي بن هرثمه واذهب إلى المدينة وانظر في حاله وأشخصه إلينا، قال يحيى فذهبت إلى المدينة فلم دخلتها ضج أهلها، ضجيجاً عظيماً «ضجيجا على من؟» على الإمام الهادي ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي الهادي، وقامت الدنيا على ساق، «لماذا؟»

لأنه كان محسنناً إليهم، ملازماً للمسجد لم يكن عنده ميل إلى الدنيا «هذا كله كلام مؤرخ سني» يقول: فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أُأمر فيه بمكروه وأنه لا بأس عليه، وفتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم فعظم في عيني، وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته فلما قدمت به إلى بغداد، بدأت بإسحاق بن الطاهرين وكان والياً على بغداد «والي المتوكل» فقال لي يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله ، والمتوكل من تعلم؟ فإن حرضت عليه قتله، وكان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت والله ما وقعت منه إلا على أمر جميل، ثم صرت إلى سر من راء «سامراء» فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله، فقال والله لأن سقطت منه شعره لن يطالب بها سواك، فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق، إلى أن أبلغ أنه أخبر المتوكل «لاحظ هذا الخبر».

الخبر الثاني: يزدان «طبيب القصر العباسي»، يقول في كتابه «النجوم»، بلغني أن الخليفة «التوكل» استقدم الهادي من الحجاز فرقاً منه «أي خوفاً منه»، لألا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر عنهم «يخرج من بني العباس إلى بني هاشم».

اليعقوبي أيضا في تاريخه «وهو ليس من الشيعة» يقول: فكتب المتوكل إلى علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر في الشخوص إلى المدينة وكان عبد الله بن محمد والي المدينة، كتب إلى المتوكل ن يذكر أن قوماً يقولون أنه الإمام «الإمام الهادي هو الإمام» وليس المتوكل، فلما كان بموضع يقال له الياسرية «الإمام عندما اشخص من المدينة إلى سامراء وصل إلى موضع اسمه الياسرية»، نزل هناك وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقيه، فرأى تشوق الناس إليه، «لترى الإمام الهادي»، واجتماعهم لرؤيته فأقام به إلى الليل «لم يدخل في النهار»، ودخل به في الليل حتى لا يراه الناس، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سر من رأى «هذه كله دليل على الرصيد الروحي للإمام».

الهجوم على الإمام الهادي :

يقول سعيد الحاجب، كلفني المتوكل بالهجوم على دار علي الهادي، فصرت إلى داره أبي الحسن بالليل، ومعي سلم، فصعدت منه على السطح ونزلت من الدرج إلى بعضها في الظلمة، فلم أدري كيف أصل إلى الدار؟ فناداني أبو الحسن من داخل الدار، قال يا سعيد مكانك، حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جُبّة صوف، وقلنسوة منها وسجادة على حصير بين يديه، وهو مقبلٌ على القبلة «يصلي»، قال سعيد: فذهبت إلى المتوكل وأخبرته بما لقيت، أني لم أجد في داره سلاحاً ولا تنظيم ولا شيء، وجدته يصلي، وهذا حاله، فأدخله على المتوكل «وكيف أدخلوه؟؟»

أدخلوه على المتوكل بتلك الصورة المذلة، لكن مقامه الروحي باق وشعاعه الروحي مؤثر فلما دخل على المتوكل وكان في مجلس الشراب، وبيده كأس الخمر، فناول الإمام الهادي ، فرد الإمام والله ما خامر لحمي ولا دمي، فأعفني، فأعفاه، فقال أنشدني شعراً، فقال أنا قليل الرواية إلى الشعر، فقال لابد، فأنشدني، فقال الإمام «وهذا التأثير الروحي لهذا النور»:

باتوا  على قللِ الاجبال iiتحرسُهم
واستنزلوا  بعد  عزّ من معاقلهم
ناداهمُ   صارخٌ   من  بعد  دفنهمُ
أين  الوجوه  التي  كانتْ  iiمنعمةً
فافصحَ القبرُ عنهم حين ساءلهم
قد  طالما أكلوا دهراً وما iiشربوا




 
غُلْبُ  الرجالِ  فما  أغنتهمُ iiالقُللُ
وأسكنوا  حفراً  يا بئس ما نزلوا
أين  الاساورّ  والتيجانُ  iiوالحللُ
من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ
تلك  الوجوه  عليها  الدودُ  يقتتلُ
فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا

الفصل الثاني «يدل على انتشار التشيع ونور أئمة الهدى»:

كان من أعتا الخلفاء خلفاء بني العباس وبني أمية المتوكل العباسي، المتوكل العباسي كان شديد على الشيعة والتشيع، ذكر بن الأثير في تاريخ وفي سنة 236 هـ ، أمر المتوكل بهدم قبر الحسين ، «القبر الذي في العراق هو امتداد لأيام المتوكل»، الفئة الأموية التي تحارب التشيع، نحن نقول التشيع في صراع وسوف يبقى في صراح لا يحاربه المسلمون لا، وإنما تحاربه فئة خاصة وهي الفئة الأموية، التي هي امتداد للتاريخ الأموي وامتداد إلى التاريخ العباسي، تحارب التشيع في إيران ولبنا والعراق في أي مكان أخر، هذه الفئة منذ ذلك الوقت «لاحظ التاريخ ماذا يقول».

وفي سنة236 هـ  أمر المتوكل بهدم قبر الإمام الحسين، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر ويسقى موقع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادى عامل الشرطة بالناس من وجدانه عند قبره حبسناه في المطبق، وحرث القبر وزرع.

ثم يقول، وخرب، وكان المتوكل معروفاً بالتعصب فتألم المسلمون من ذلك، وكتب أهل بغداد بشتمه على الحيطان «حركة التشيع على الحيطان والمساجد»، وهجاه الشعراء، فمما قيل في ذلك في زمان المتوكل:

تالله   إن  كانت  أمية  قد  iiأتت
فقد    أتاه    بنو    أبيه   بمثله
أسفوا   على   أن   لا  iiيكونوا

 
قتل   بن   بنت   نبيها  iiمظلوما
فغدا        لعمره        iiمهدوما
شاركوا في قتله فتتبعوه رميما

وبعث برجل من أصحابه يقال له الديزج وكان يهودياً، بعثه إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب ما حوله، فمضى لذلك، واحضر قوماً من اليهود فكربوه وأجروا الماء حوله، ووكلوا به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه «إلى المتوكل»، فحدثني الأشناني «من الشيعة» قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة، وساعدني رجل من العطارين، فخرجنا زائرين نكمن النهار، ونسير في الليل، فسرنا بين مسلحتين، وقد ناموا، حتى أتينا القبر، فخفي علينا، فجعلنا نشم التراب، ونتحرى جهته، حتى أتيناه، وقد قلع الصندوق الذي كان عليه واحرق، وأنخسف موضع اللبِن، وصار كالخندق، فدخلنا وأكببنا عليه فشممنا منه رائحة طيبة ما شممنا مثلها قط، فاودعناه، فجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.

أرادوا  ليخفوا  قبرهُ عن عداوةٍ   وَطيبُ تراب القبر دل على القبرِ

فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر، وأخرجنا تلك العلامات، وأعدناه إلى ما كان عليه، هذا هو التاريخ للتشيع، هذا هو تاريخ أئمة الهدى، هذه الذكريات تتكرر وتعود مرة بعد أخرى، والحق باق لا يزول.

والحمد لله رب العالمين

التشيع فخرٌ واعتزاز
فاطمة (ع) مرآة لذات الله