نص الشريط
نزعة التأويل في الفكر الإمامي
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/1/1432 هـ
تعريف: الليلة الرابعة: نزعة التأويل في الفكر الإمامي. {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} المحاور: 1/ نزعة التأويل والفكر الباطني. 2/ علاج الإشكالية. 3/ المقياس في تعدد القراءات.
مرات العرض: 3563
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2937)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[1] 

الآية المباركة تناولت على لسان النبي يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام عنوان التأويل حيث قال وعلمتني من تأويل الأحاديث نتناول الحديث في محاور ثلاثة:

  • المحور الأول: بيان نزعة التأويل لدى الفكر الامامي.
  • المحور الثاني: بيان علاج هذه الإشكالية.
  • المحور الثالث: بيان الميزان في تعدد القراءات.

المحور الأول:

ماذا تعني كلمة التأويل؟ القرآن الكريم استخدم كلمة التأويل في عدة آيات، مثلاً قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ[2] ، وقال في آية أخرى ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ[3] ، وقال: ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ[4] ، فما هو المقصود بكلمة التأويل؟!

المقصود بكلمة التأويل أحد معنيين:

المعنى الأول: هو إبراز الحقيقة التي يرمز إليها الشيء لكل شيء حقيقة يرمز إليها فإذا أبرزنا تلك الحقيقة التي يرمز إليها فيسمى إبراز الحقيقة تأويل، مثلا: الصلاة التي نصليها ترمز إلى حقيقة معينة وهي الخضوع ألتذللي لله تبارك وتعالى، ليست الصلاة هي الركوع والسجود والقراءة والأذكار هذا عرض هذا ظاهر، هذا الظاهر يرمز إلى حقيقة وراءه وهو الخضوع التذللي لله ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[5] ، فإذا حللنا الصلاة وأرجعناها إلى حقيقتها وهي الخضوع التذللي لله تبارك وتعالى يسمى هذا التحليل تأويل يعني أرجعنا الصلاة لحقيقتها، مثلا عندما نلاحظ هذا الزحف المليوني لزيارة قبر الحسين الزحف المليوني لزيارة قبر الحسين ظاهرة اجتماعية، إذا أردنا تأويلها نحلل حقيقتها، ما هي حقيقة هذا الزحف المليوني؟! هل هو ظاهرة رياضية؟ هؤلاء يمرنون أقدامهم على السير! أو هي مظاهرة عبثية؟!

نقول لا هذا ولا هذا! حقيقة هذا الزحف المليوني أنه إحياء لأمر آل محمد، فإبراز حقيقة هذه الظاهرة المليونية الزاحفة نحو قبر الإمام الحسين إبراز حقيقة هذه الظاهرة يسمى تأويلا، التأويل هو إبراز حقيقة الشيء، لذلك نرى القرآن الكريم عندما يحكي لنا قصة النبي موسى مع الخضر «عليهما السلام»، ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا يقصد الخضر، موسى قال للخضر ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا «66» قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا «67» وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا[6] ، المهم سار معه، سار موسى مع الخضر، القرآن يقول: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[7] ، سكت مشى وياه ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا «74» قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[8] ، إلى أن انتهت المسيرة إلى أن قال له هذا فراق بيني وبينك ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ[9] ، مَا معنى تأويل؟! يعني حقائق الأفعال خرقت السفينة هذا فعل له حقيقة، وقتلت الغلام هذا فعل له حقيقة، فإظهار حقائق هذه الأفعال التي صنعتها يسمى «بالتأويل»: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا «78» أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا «79» وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا «80» فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا[10] ، بعد أن قال الحقائق كلها قال: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرً[11] ، إذن التأويل إظهار الحقيقة التي يرمز إليه الفعل.

المعنى الثاني: أن المقصود بالتأويل هو حمل اللفظ على غير ظاهره، مثلاً قوله عز وجل: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا[12] ، لو أخذنا بظاهر اللفظ لكان الله جسما يجيء ويذهب، لكننا نقول بأن المجيء ليست صفة لله صفة لأمر الله معنى الآية ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، يعني وجاء أمر ربك والملك صفا وصفا هذا تأويل، يعني ما أخذنا بظاهر اللفظ وإنما قدرنا لفظ آخر في الآية فقلنا وجاء أمر ربك والملك صفا صفا فالتأويل له معنيان، من هنا انطلق مجموعة من الباحثين حول الفكر الإمامي وقالوا بأن الفكر الإمامي فكر تأويلي، ما معنى أن الفكر الإمامي فكر تأويلي؟

قالوا بأن الفكر الإمامي يتعامل مع النصوص بإزدواجية فإذا جاء إلى النصوص التي تتعلق بالفقه يمشي على منهج الظهور اللفظي ويرى أن الحجة في الفقه والفتوى هو الظهور اللفظي، وأما إذا جاء إلى النصوص التي تتعلق بالعقيدة فلا يمشي على وفق الظهور اللفظي بل يمشي على وفق منهج التأويل وهذه ازدواجية في التعامل مع النصوص.

مثلا: آية الوضوء تتعلق بالفقه يقول الله عز وجل: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[13] ، الفكر الامامي ماذا يقول؟ ﴿وَأَرْجُلَكُمْ معطوفه على ﴿بِرُءُوسِكُمْ أي أن الوظيفة هي المسح وليست الغسل، بينما الفكر الآخر يقول لا هذه معطوفة على أول الآية وهي قوله عز وجل: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.

الفكر الامامي يقول لا، لأنه هذا خلاف الظاهر عطف وأرجلكم على فاغسلوا خلاف ظاهر السياق لأن السياق يقتضي العطف على أقرب الموارد كما هو مذكور في علم النحو، فما يذكره الفكر الاخر من عطف وأرجلكم على فاغسلوا خلاف الظاهر ويجب أن نجري وفق الظهور اللفظي والظهور اللفظي يقتضي أن نعطف وأرجلكم على الأقرب وهو برؤوسكم فتكون النتيجة هي المسح وليس الغسل، فهنا نلاحظ أن الفكر الامامي تمسك بالظهور اللفظي لأن النص يتعلق بالفقه والفتوى والاستنباط.

بينما الفكر الامامي نفسه إذا جاء إلى نص يتعلق بالعقيدة فإنه لا يتعامل بالظهور اللفظي وإنما يتعامل بمنهج التأويل.

مثلا: لأن الفكر الامامي يعتقد بعصمة الأنبياء العصمة المطلقة لذلك يقوم الفكر الامامي بتأويل الآيات المتعلقة بالأنبياء مثلا قول عز وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[14] ، الفكر غير الامامي يأخذ بالظهور اللفظي ويقول بأن آدم عصى!! الفكر الامامي يقول لا، المراد بعصى خالف الاولى، ما خالف الأمر الواجب، كان الأولى أن لا يقرب الشجرة فقرب الشجرة فخالف الأولى وإِلّا لم تصدر منه معصية بمخالفة الأمر الواجب، إذن الفكر الإمامِي هُنا تعامل مع النص لَا بالظهور اللفظي بل بالظهور التأويل، أي حمل اللفظ على غير ظاهره.

عندما يأتي الفكر الإمامي إلى قوله عز وجل في حق النبي «صلى الله عليه وآلِه»: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ[15] ، الفكر الغير إمامِي يمشي على الظهور اللفظي يقول ظاهر الآية أن النبي يُذنب، بينما الفكر الِإمامِي يقول لا، ليس المقصود من الذنب هُنا الذنب الشرعِي أي المعصية لَا، وإنما المراد الذنب الاجتماعي، فإن النبي لما أطاح بقُريش وبدد هيبتها وحطم مجدها، أعتبر هذا ذنب أذنب به النبي صلى الله عليه وآلِه في حق قبيلته وَهذا هُو المقصود بِ الذنب الاجتماعي وَ إِلّا ليس هُنالك ذنب شرعِي.

إذن الفكر الِإمَامِي يقوم بِ تأويل النصوص بما ينسجم مع عقيدته، فَهُو يحدد العقيدة أولًا ثم يقوم بتأويل النصوص بما يتناسب مع عقيدته وما ينسجم مع عقيدته، وهذا ما يسمى بِالاتجاه التأويلِي وبالنزعة التأويلية، فالفكر الِإمَامِي مُبتلى بِ النزعة التأويلية، وهذا له أثران:

الَأثر الَأول: أن الفكر الأمامي يصبح فكرًا باطني، كيف يصبح فكر بَاطنِي؟!، مثلًا العقيدة الدرزية يُعبر عنها بالعقيدة الباطنية، لان العقيدة الدرزية غير واضحة المعالم، مثلًا العقيدة الأغاخانية يعبر عنها بأنها عقيدة باطنية، لماذا؟! لأنه ليس لهذه العقيدة معالم واضحة، كُل فكرًا ليس له معالمُ واضحة فهُو فكر بَاطنِي، بما أن العقيدة الإمامِية تتبنى لغة التأويل ولا تمشي وفق الظهور اللفظي إذن العقيدة الإمامِية عقيدة باطنِية، كَالعقيدة الدرزية والعقيدة الأغاخانية، هِي عقيدة باطنية لأنها تجري بلغة التأويل لا أنها تجري وفق لغة الظهور.

الأثر الثانِي: أن الباحث الِإمَامِي نفسه يجد عناء في أنتاج الفكر، فالباحث الِإمامي لو أراد أن ينتج فكرًا أو يستنبط فكر من خلال النصوص، فَ إِنهُ لَا ينتج فكرًا جديدًا، لماذا.؟!، لأنه هُنالك عقائِد مُسبقة للِإمَامِية تفرض عَلَى البَاحِث الِإمَامِي أن يئول النصوص حتى لَا تختلف وَ لَا تتَغَايّر مَع هذه العقائِد المُسبقة فَ يصبح البَاحِثُ الاجتماعي يدور فِي حلقة تبريريه وتأويلية دائِمًا مِنْ دون أن يُنتج فكرًا جدِيدًا، وَهذه أثار سلبِيْة لِنزعة التأوِيل لدى الفكر الِإمَامِي، وهذه المقالة أو الشبهة التِي طرحها بعض الباحِثِين، ونحنُ نُجيب عليها إنّ شاء الله.

المحور الثانِي:

هنالك إشكالية كما ذكرنّا وهِي أن الفكر الِإمَامِي فكر بَاطنِي لَأنهُ يتبنى منهج التَأوِيل ولَا يتبنِى مَنهج الظهور اللفظِي، فَمَا هُو الجواب عن هذه الإشكالية؟!

هُنّا وَجوه ثلاثة:

الوجه الَأولى: عُلماء النقد الَأدبِي يقولون اللغة العربية لغة دينامِية، مَا معنى دينامِية.؟! أي أن اللغة العربية تتمِيز على اللغات الأخرى بِأنّها لغة مرنة تستبطن معانِي مُتعددة، اللفظ الواحد يتحمل عدة معانِي، الجملة الواحدة تتحمل عدة مضامِين، بِ أمكانك أن تجعل لفظ واحد ذا معنيين، بإمكانك أن تجعل جُملة واحدة مدحًا ورثاءً مدحًا وهجاءًا، أذن الخطاب العربِي اللغة العربية هِي لغة ثرية تحمل في باطنها عدة معانِي وعدة مضامِين وَهذا معنى يدينامية اللغة العربية، فَاللغة العربية هشي التِي تفرض التَأوِيل. كيف تفرض التَأؤِيل.؟!

مثلاُ: فِي علم البلاغة وفِي علم المعانِي والبيان والبدِيع، درستُم باب الحقيقة والمجاز أن اللفظ الواحد قد يحمل معنيين، تارة على وجه الحقيقة؛ وتارة على نحو المجاز.

مثلًا: قول المُتنبِي وهُو يصف سيف الدولة عندما تقلد سيفه ووقف أمام المطر وقال:

لِعَيْني    كُلَّ    يَوْمٍ    مِنْكَ   حَظٌّ

حِمَالَةُ  ذا  الحُسَامِ  عَلى حُسَامٍ

 
تَحَيّرُ   مِنْهُ   في   أمْرٍ   iiعُجابِ

وَمَوْقعُ ذا السّحابِ عَلى سَحابِ

السحاب أستخدمهُ بِمعنيين والحُسام أستخدمهُ بِمعيين فِي بيت واحد، لان اللفظ العربي قابل لاستبطان المعاني المُتعددة، مثلًا ما قالهُ بعض الشعراء ويسمى فِي علم البدِيع بِالجناس، يقول:

يا من يُضيع عمره مُتامادين فِي اللهو أمسك   وأعلم  بأنك  لا  محال  ذاهبًا  كَذهاب  iiأمسك

أمسك أستخدمها بمعنيين أمسك الأولى بمعنى «توقف» وَ أمسك الثانِية بمعنى «اليوم السابق على يومك» اللغة العربية لغة دينامية، أيضًا يذكر عُلماء البدِيع فِي باب التورية، ما هِي التورية؟؟ هِي جملة واحدة تقدر تعتبرها مدح وتقدر تعتبرها قدح، كيف.؟!

مثلًا: شخص راح للخياط وكان الخياط أعور ما عنده إِلّا عين واحده، وطلب منهُ أن يخيط له قباء، خاط لهُ القباء لكن جعل طرفه الَأيمن أيسر وطرفهُ الَأيسر أيمن، لما أستلم القباء وشافه مُختلف قال: خَاطَ لِي عَمرٌ قَباء لَيت عَيْنَيْهِ سَواء «تصلح دُّعاء وَ تصلح دعوة»، لَا يُعرف أنهُ يقصد الدُّعاء له أم الدُّعاء عليه، هل يقصد أنهُ لما كان أعور فَ يطلب من الله أن يشفِي عينهُ العوراء فتصبح سالمة أو يقصد الدُّعاء عليه بأن يعمِي الله العين الثانِية كما أعمى العين الأولى، فاللغة العربية هِي لغة دينامِية تتحمل معانِي مُتعددة ومضامِين مُتعددة.

ولِأجل ذلك اللغة العربية تفرض على البَاحِث العملية التَأوِيلة، لأن البَاحِث لابد أن يستقري المعانِي المُتعددة ويستقرا القرائن والمرتكزات والمُلابسات كلها، إلى أن يتوصل إلى المعنى المُناسب لِ سائِر القرائِن والمُرتكزات، فعملية تحديد المعنى ليست عملية بسيطة، بل عملية معقدة عملية استقرا عملية تتبع عملية دراسة، وليست عملية سطحية جوفا.

إذن العملية التَأوِيلِية التِي تتبعها الِإمَامِية تفرضها طبِيعة اللغة العربية، هِي عملِية تفرضها طبيعة النص العربِي طبيعة دينامِية مُختلفة المعانِي مُختلفة المضَامِين، فَالبَاحِث الِإمَامِي لكِي يطمئن وَ يضمن المعنى المُراد لَابد أن يقوم بِ دراسة بِسَائِر القرائِن وَالمُلابسات إِلى أن يُحدد المعنى المُناسب لِ سائِر القرائِن.

مثال: قولهُ عَز وجل ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[16] ، إذا يمشي بِعملِية سطحية تقول ﴿اسْتَوَى يعني قعد!! هذا يعتبر فِي النقد الَأدبِي عملِية سطحِية جوفاء، أن تَأخذ بِالظهور الَأولِي وتمشِي، علماء النقد الَأدبِي يقولون أستوى جاءت فِي القرآن بِ عدة معانِي!! بِأي وجه اخترت هذا المعنِى دون غيره.

أستوى تأتِي بمعنى الاستقرار كقوله عز وجل: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ[17] ، ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أي استقريت.

أستوى تَأتِي بِمعنى الوصول كَقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ[18] ، أستوي إليها وَصلها.

أستوى بِمعنى التساوِي كَ قوله تعالى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[19] ، أستوى هُنا تساوى، أستوى بِ معنى النضج، مانقول أستوى الَأكل!!، والقرآن أستخدم أستوى بِمعنى النضج ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[20]  إذن أستوى لها أربع معَانِي!!

فأنت كَبَاحث لَازم تقوم بِعملِية تَأويِلِية، لَا يمكن أن تأخذ بظاهر اللفظ وَ تمشي.!، بما أن هُنالك معانِي مُتعددة لَابد من دراستها ودراسة القرائِن المُختلفة، وَ دراسة المُلابسات المُختلفة، إِلى أن تُحدد المعنى المُنسجم مع سَائِر القرائِن، فالعملِية التَأوِيلِية التِي يقوم بها الفكر الِإمَامِي هِي عملِية مُعمقة تقتضيها الطبيعة الدينامية للغة العربية، ولذلك عندما يأتِي البَاحِث الِإمَامِي إلى هذه الآية ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى المعنى المُناسب أستوى سيطر، هذا المعنى المُناسب لله عز وجل، كما فِي قول الشَاعِر:

ثم  أستوى بشر على العراق   من غير سيف ولا دم مهراق

أستوى على العراق أي سيطر عليها.

الوجه الثانِي: عُلماء الَأصول فِي علم الَأصول يقولون الظهور حجة يجب على الفقيه أو العالم أن يمشي على وفق الظهور فإِن الظهور حجة، لكن ما هُو الظهور؟!، ليس الظهور هُو المعنى المُستند إلى اللفظ وحده بل الظهور هُو المعنى المُستند لِ كُل القرائِن لَا لخصوص اللفظ، والقرائِن قد تكون قرائِن لفظِية وَ قد تكون قرائِن سياقِية وَ قد تكون قرائِن عقلِية، المعنى المُستند للقرينة العقلية هُو ظهور مو تَأوِيل، أنت مشتبه أذا تقول عُلماء الِإمَامِية يمشون على التَأوِيل، هذا ليس تَأوِيل هذا ظهور، لَآن الظهور هُو المعنى المُستند إلى قرِينة، فالقرينة قد تكون لفظية وقد تكون سياقِية أو عقلية فَالمعنى المُستند للقرِينة العقلِية ظهُور وليس تَأوِيل.

مثلاً: الَآن أي بَاحِث إِمَامِي أو غير ِإمَامِي، مُسلم أو غير مُسلم إِذا جاء إِلى قولهُ تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا[21] ، ما معنى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ؟!، أسال التراب لو أسال البيوت.! أسئل القرِية يعنِي أسئل أهل القرِية، أطررنا ِإلى أن نُقدر لفظ، لماذا؟!

لَآن العقل يقول القرِية لَا تقبل السؤال. فهُنا حددنا المعنى لَا على طبق اللفظ بل حددنا المعنى لِ أجل قرينة عقلِية، القرِينة العقلِية وَ هِي أن القرِية لَا تقبل السؤال، هِي التِي فرضت علينّا أن نقول معنى الآية وَ أسئل أهل القَرِية.

مثلاً: قولهُ تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى[22] ، مَا معنى ﴿حَشَرْتَنِي أَعْمَى؟! أي عربِي يسمعها يقول حشرتنِي أعمى أعمى البصِيرة وليس أعمى البصر، إذن هُنا لم نستند إلى الظهُور اللفظِي إلى القرِينة اللفظِية وَ إنما استندنا إلى القرِينة العقلِية، لَآن الأنسان لَا يُحشر يوم القِيّامة أعمى ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.

مثلًا: قولهُ عز وجل: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[23] ، لو قرأنا الآية وأخذنها بِالظهور اللفظِي معناه أن الله يَأمِر الفسق. لَآن يقول: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَافهل الله يَأمر بِالفسق.؟!

إذن نحنُ من أجل هذه القرينة العقلِية وهي أن الله لَا يَأمر بِ الفسق، نقول معنى الَآية أمرنا مُترفيها بِ الطاعة ففسقوا، وليست أمرناهُم بِ الفسق لَا أمرنّا مُترفيها بِ الطاعة ﴿فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا.

إذن هُنا هذه العملية التِي استشهدنا بِ عدة أمثله يقوم بها حتى البَاحِث السُنِي يقوم بها حتى البَاحِث غير المُسلم، لماذا؟!، لان تحديد المعنى استناد للقرينة العقلِية يُعتبر ظهور وَ ليس تَأوِيل، أخذ بِ الظهور وَ ليس أخذ بِ التَأوِيل.

من هُنا يَأتِي الِإمَامِي وَ يقول قول الله عز وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى آدم ما ارتكب مُخالفة أمر إلزامي، آدم خالف الأولوِية وَ لم يُخالف أمر إلزامي، لماذا الِإمامِي تقول بِهذا المعنى؟! هذا ليس تَأوِيل هذا أخذ بِالظهور، كيف؟!

لأننا لو لم نُفسر المعصِية بِهذا المعنى للزم تناقض فِي آيات القرآن الكريم، لآن القرآن قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا[24] ، فَ آدم من المُصطفِين وَ هل يُعقل من الشخص المُصطفى أن يعصِي ربه عز وجل.!؟ إذن لِ أجل رفع التناقض بين آيات القرآن الكريم نقول المراد بِ المعصِية هُنا مُخالفة الَأولى لَا مُخالفة الَأمر الَألزامِي وبعتبار آدم نبِي فعبر الله عن مُخالفة الِلأولى بِ المعصِية لَآنه نبِي وكما يقال ”حسنات الَأبرار سيئات المُقربِين“.

إيضًا من نأتِي إلى قول الله عزوجل فِي قول النبي مُحمدٍ صلى الله عليه وآلِه حيث قال: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا «1» لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ[25] ، نقول النبِي لم يُذنب، هذا الذنب ذنب عُرفِي اجتماعي وليس ذنب شرعِي، لماذا نقول ها التفسير؟!

لأننا لو لم نقم به للزم التناقض فِي القرآن، فَ الله من جهة يقول: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى «3» ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[26] ، الشخص الذِي لَا ينطق عن الهوى بل لا ينطق إلّا عن وحِي كيف يفعل ذنبًا!؟، الشخص الذِي دائمًا مع الوحِي كيف يرتكب الذنب، إذن لو لم نقم بِ هذا التفسير للزم التناقض فِي آيات القرآن الكرِيم.

فالمنهج الذِي يجرِي عليه الِإمامِية فِي الفقه والعقائِد هُو واحد وهُو منهج الظهُور وليس منهج التَأوِيل إنما الظهُور قد يستند إلى قرينة لفظية أحيانًا وقد يستند إلى قرينة عقلِية كما ذكرنّا.

الوجه الثالث: هذا الَأشكال الذِي يُطرح على الِإمَامِية لَا يختص على الِإمَامِية حتى المُفكر الغير إِمَامِي، كيف؟!، الَآن أخواننا أهل السنة والجماعة يعتقدون بِعدالة الصحابة يعتقد بمبدأ عدالة الصحابة، لأنه يعتقد بمبدأ عدالة الصحابة يقوم بتَأوِيل كُل أفعال الصحابة أليس كذالك، هُو يرتكب التَأوِيل، لو سلمنّا أن هذا تَأوِيل، ليست الِإمَامِية فقط هُم الذِين يقومون بِمبدأ التَأوِيل، أيضًا غير الِإمَامِية يقيمون بِمبدأ التَأوِيل. لأنهم يُؤمنون مبدأ عدالة الصحابة يقومون بِتأوِيل التَارِيخ كله حتى لَا يتغاير مع مبدأ عدول الصحابة.

مثلاً: مُسلسل القعقاع، القعقاع بن عمر ليس له وجود هذه شخصية أسطورية، قصد منه تَأوِيل الَأفعال فقط، وإِلّا لَا توجد شخصية أسمها القعقاع بن عمر إنما قصد بِهذا المسلسل توجيه الَأفعال التِي صدرت من معاوِية وبعض الصحابة ضد الِإمَام علي أراد ويفلسفوها فاخترعوا هذا المُسلسل هُو مسلسل سياسي سموه القعقاع.

إذن بالنتيجة: أنت تقوم بِعملِية تَأوِيلِية. أنت عندما تتعرض إِلى مُحاربة بعض الصحابة للِإمام علي، حربًا عسكريًا دموِيًا علانِيًا، مع هذه الحرب العسكرِية الدموِية علنِية، تأتِي أنت تُأول تقول لَا هؤلاء كانت نوايهُم مُخلصة حاربوا الِإمَام علي لكنهُم اجتهدوا فَ أخطئوا والمُجتهد إذا أخطأ لهُ أجر هُم مَأجِورِين على الحرب هذه!!، وأن أصابوا فلهم أجران!!

أنت قاعد تقوم بعملية تأوِيلِية!!، أنت تَأول التَاريخ كله، إذا الِإمَامِية تَأول الآيات القرآنِية فَ أنت تأول التَاريخ كله، التَاريخ الإسلامي كلهُ تُخضعه لِ منهج تَأوِيلِي، جميع أفعال الصحابة تُأولها بِأنها اجتهاد.

أبن حزم غريب جدًا، عندما يأتي إلى قتلت الِإمام علي يقول قتلت الِإمام علي اجتهدوا فَ أخطأُ فَ لهُم أجر، وعندما يَأتِي إلى قتلت عثمان يقول: قتلت عثمان فِي النّار، لماذا لم يجتهدوا فأخطأُ.! لَا.. لَا فِي النّار، إذن القيام بِ تفسير التاريخ على ما يتطابق مع مبدأ عدالة الصحابة هُو تَأوِيل، هؤلاء اجتهدوا فَأخطئوا كيف والنبِي مُحَمدٍ صلى الله عليه وَآلِه يقول: ”من كنت مولاه فَ هذا علِي مولاه ونصر من نصره وأخذل من خذله“ هذا أجتهاد فِي مُقابل النص.!.

المحور الثالث:

هُنالك مُفرده من مُفردات علم النقد الَأدبِي هذه المفرده يُعبر عنها بِ تعدد القراءات، علم النقد الَأدبِي يُقسم القراءة إلى قسمِين في قراءة النص، قراءة إسقاطية، وقراءة أستنطاقِية. مَا هُو الفرق بِين القسمِين.؟!

القراءة الَإسقاطِية: أن تُسقط فكرك على النص، يعنِي تحدد فكرك أولًا ثم تُفسر النص بما يتناسب مع فكرك وهذه يسموها قراءة أسقاطِية، وهذه القراءة لَا قيمة لها فِي علم النقد الأدبِي.

مثلاً: الَآن بعض الحداثِيين يُنكر حد السرقة، يقول لَا يوجد فِي الإسلام حد لِ السرقة، لماذا.؟!، الَآية تقول: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا[27] ، هذه آية فِي القرآن موجودة تصرح بِحد السرقة، يقول لَا أنا عندِي قراءة أخر للآية، مَا هِي القراءة الَآخرة.؟!، ليس المقصود بِالقطع قطع اليد، لَا بل المقصود قطع الطريق أمام السرقة ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، أي أقطعوا الطريق أمامهُما عن السرقة، أي هذا السَارق وَ السَارقة دخله فِي مصحة تهذيبية لمدة ثلاث سنوات حتى يتربى ويتعلم وبعدها طلعه، هذا المقصود بِقطع يده أي حجب يده عن السرقة، وليس المقصود بها حد السرقة، لماذا؟!

لأن هذا عنده فكرة مُسبقة وَ هِي أن قطع اليد ظلم، أنت قاعد تظلمه عشان سرق ألف ريال تقطع له أربع أصابع، قيمتها مئة ألف، هذا ظُلم، إذن لأنه أعتقد مُسبقًا أنّ هذا ظلم أطر إلى أن يقرأ النص على ما يتطابق مع رأيه ومُعتقده، هذا يسمى قراءة أسقاطِية هذه القراءة الَأسقاطِية لَا قيمة لها، وَ هذه ليست قراءة جديدة هذه من زمان المعرِي.

المعرِي كتب إلى الشريف الرضِي رحمه الله قال له:

يدٌ بخمس مئين عسجد وديت   ما بالها قطعت في ربع دينار

هذه اليد لو جاء أحد قطعها يدفع خمس مائة ألف ذهب، كيف نقطعها على أنها سرقة ربع دينار.؟! فكتب له الشريف الرضِي:

عزُّ  الأمانةِ أغلاها iiوأرخَصَها   ذلُّ الخيانة فانظر حكمة الباري

هذه اليد يوم كانت أمينة كانت قيمتها خمس مائة درهم لو احد قطعها يدفع خمس مائة درهم، ولكن لو تحولت إلى يد خَائِنة سَارِقة تسقط قيمتها في ربع دينار الذي سرقها، إذن هذه تُسمى قراءة أسقاطِية لَا قيمة لها.

القراءة الأستنطاقِية: أن لَا تفرض رأيك على النص وَ لَا تفرض عقيدتك على النص، بل تقرأ النص بقرائنه مُتجردًا ومُتحررًا من أرائِك المُسبقة، هذه تُسمى قراءة أستنطاقِية. وَ هذه القراءة الَأستنطاقِية هِي المُعتبرة.

تعدد القراءات يعني لو قرانّا النص بقراءات إِستنطاقِية مُتعددة، فَكُل القراءات ذات قيمة، كُل القراءات مُحترمة لأنها قراءات إِستنطاقِية لأنها مُستندة إلى قَرائِن، نقول لِنفترض أن الفكر الِإمَامِي يستند ِإلى منهج تَأوِيلِي، المنهج التَأوِيلِي من ضمن تعدد القراءات، لماذا تعتبر المنهج التَأوِيلِي منهج شَاذ!! منهج لَا قيمة له!! منهج لَا اعتبار له!! مع أنك ترى نظرية تعدد القراءات؟

بما أنك تعترف بنظرية تعدد القراءات فَالمنهج التَأوِيلِي الذِي تقوم به الإمامية هُو قراءة من جملة القراءات الإِستنطاقِية المُتعددة، فنظرية تعدد القراءات تسمح بِ المنهج التَأوِيلِي للمذهب الِإمامِي أن يدخلُ ضمن هذه النظرية الواضحة أَلّا وَ هِي نظرِية تعدد القراءات.

ونظرية تعدد القراءات: مثلاً فِي القرآن نفسه عندما تَأتِي إلى قوله عز وجل: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا[28] ، مَا المقصود بالزينة هُنّا؟!، لدينا قراءتان:

  1. قراءة لبعض فقهاء أهل السنة يقول: المقصود بالزينة الزينة أي القلادة والتركية والخاتِم هذا المقصود من الزينة ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ.
  2. بينما فقهاء الِإمامِية يقولون قراءتنا قراءه أخرى!! المقصود من الزينة موضع الزينة وليس أصل الزينة، الصدر موضع للزينة فيه زينة لو ما فيه، يعتبر زينة لأنه موضع للزينة.

الذراع يُعتبر زينة لأنه موضع الزينة، ليس المراد من الزينة الزينة المادية، بل المراد موضعها. فالمقصود من الَآية ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ، أي لَا يُبدين موطن الزينة إِلّا مَا ظهر بحسب العرف العربِي وهُو الوجه والكفِين، هذا تعدد فِي القراءات ومادام كُلّ قراءة تستند مثلاً إِلى قرينة لفظِية، فعلى منهج تعدد القراءات تُعتبر كلها قراءة ذات قيمة.

طبعًا نحنُ نعتبر قرأتنا هِي الصحيحة لأنها تستند إِلى النصوص الواردة عن أهل بيت محمدٍ «صلى الله عليه وآلِه» فهم الَأعرف بتفسير كتاب الله، وإِلّا تعدد القراءات على مُستوى النقد الَأدبِي مقبول، فالمنهج التَأوِيلِي للفكر الِإمَامِي يدخل ضمن نظرية تعدد القراءات فيكون أمرًا مقبولًا وليس أمراً شاذاً، وتعدد القراءات لا يختص بِالألفاظ بل يشمل حتى الَأفعال.

مثلاً: ثورة الحُسين عليه السّلام هذه الثورة العملاقة هذا الحدث العظِيم يقبل تعدد القراءات، تقدر تقرأه بعدة قراءات، هُناك من قرأه الثورة الحُسينية على أنها عملية استشهادية، أن الحُسين قاد عملية استشهادِية لِتحريك إِرادة الَأمة وبعث ضمير الَأمة، هذه قراءة.

مثلاً: هُناك من قراء ثورة الحُسين على أنها صيانة لِمنصب الِإمامة عن الإذلال، بِمعنى أن منصب الِإمامة تعرض للإذلال.!، فَ أراد الِإمام الحُسين بثورة صيانة منصب الِإمَامة من الإذلال والمهانة.

وهُناك من قراءة الثورة الحُسينية على أنّها مشروع أصلاح، الَإمام بداء مشروع أصلاحِي قُتل وَلم يُكتب له أن يُحقق المشروع الإصلاحي إلا أن ثورته تعتبر مشروع أصلاحِي، إنما خرجتُ لِ طلب الإصلاح فِي أمة جدِي رسول الله.

إذن هذه قراءات مُتعددة لِعمل واحد وهُو ثورة الحُسين عليه السّلام.

مثلًا: الحُسين بعث مُسلم بن عقيل الكوفة مع أن الحُسين يدرِي أن الكوفة سَتُقتل مُسلم مع ذلك بعثه إلى الكوفة، هذه العمل له قراءات مُتعدده، بعض العُلماء يقراءه على أن الحُسين أراد إقامة الحُجة على أهل الكوفة بحيث لَا يبقى لهم عذر، فبعث له مُسلم بن عقيل لكِي لَا تبقى لهم حجة وَ لَا عذر، وبعض العلماء يقرئها بقراءة آخره يقول هذا تشريف لِ مُسلم، كيف تشريف لِ مُسلم.؟!

أفترض مُسلم قتل فِي كربلاء ولم يذهب للكوفة. ماذا سَيحصل، لن يكون لِ مُسلم تمِيز أصلًا، لماذا؟!، لآن المُتمِيزِين من الشهداء فِي كربلاء هُم العباس وَ علِي الَأكبر، العباس له قبر لوحده وَ علي الَأكبر له قبر لوحده والبقِية ليس له تميز في القبور، لو قتل مُسلم لكان مع الشُهداء، الحُسين أراد أن يُشرف مُسلم بِوسام خاص له أن يكون له قبر وأن يكون له مقام وأن تكون له شهادة بطريقة يستقل بها عن بقية الشهداء، فهذا تشريف من الِإمام الحُسين لِشخصية مُسلم بن عقيل .

وصلى الله على محمد وآل محمد

[1]  سورة يوسف، آية 101.
[2]  سورة آل عمران، آية 7.
[3]  سورة يوسف، آية 100.
[4]  سورة يوسف، آية 101.
[5]  سورة المؤمنون، آية 1 - 2.
[6]  سورة الكهف، آية 65 - 68.
[7]  سورة الكهف، آية 71.
[8]  سورة الكهف، آية74 - 75.
[9]  سورة الكهف، آية 78.
[10]  سورة الكهف، آية 78 - 81.
[11]  سورة الكهف، آية82.
[12]  سورة الفجر، آية 22.
[13]  سورة المائدة، آية6.
[14]  سورة طه، آية121.
[15]  سورة الفتح، آية 1.
[16]  سورة طه، آية 5.
[17]  سورة المؤمنون، آية 28.
[18]  صورة فصلت، آية11.
[19]  سورة الزمر، آية9.
[20]  سورة يوسف، آية22.
[21]  سورة يوسف، آية 82.
[22]  سورة طه، آية125.
[23]  سورة الإسراء، آية 16.
[24]  سورة آل عمران، آية33.
[25]  سورة الفتح، آية1 - 2.
[26]  سورة النجم، آية3 - 4.
[27]  سورة المائدة، آية38.
[28]  سورة النور، آية31.

المغترب والدور الرسالي
الفن الهادف