نص الشريط
هدفية الوجود الإنساني
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 3/9/1430 هـ
مرات العرض: 2649
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1363)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ

صدق الله العلي العظيم

سوف نتحدث من خلال هذه الآية لعدة أيام حول جميع الإستفهامات المتعلقة بالهدف من الوجود والهدف من حياة الإنسان ومسيرة الإنسان، أن الله تعالى يخبر في هذه الآية أن هناك فرق بين المخلوق الممكن الوجود وهو الإنسان وبين الخالق الواجب الوجود، فالإنسان الممكن الوجود يختلف حاله فقد يكون حكيم في فعلا وسفيه في فعلا أخر وقد يكون كامل في فعل وناقص في فعل أخر لأجل أن الممكن مما يختلف حاله حيث يكون تارة في إطار الكمال وتارة في معرض النقص وتارة في إطار الحكمة وتارة في معرض السفه لذلك خضع المخلق للسؤال لماذا فعلت؟! بما أنك قد تكون حكيما وقد لا تكون وقد تكون كامل وقعد لا تكون لذلك يصح سؤالك لماذا فعلت؟! وما هو هدفك من الفعل؟! وما هي الحكمة التي تتوخاها من هذا العمل؟!

إما الخالق الواجب الوجود المستجمع للكمالاتي كلها فلا يختلف حاله بل هو دائما في حكمه ودائما في كمال ودائما في صراط الرحمة وفي إطار الفيض يما أنه دائما في إطار الكمال وفي أيطار الرحمة وفي أيطار الفيض لذلك لا معنى لئن يسأل ما هو هدفك من هذا؟! وما هي غايتك من هذا العمل؟! ولماذا قمت بهذا الفعل دون ذلك الفعل المفروض أن جميع أفعاله في أيطار الحكمة وفي أيطار الكمال أيطار الفيض والرحمة لذلك لا وجه للسؤال عن الهدف من فعله أو الغاية من قيامه بأمر من الأمور قال تعالى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، ولكن هناك ستفهامات تحتاج إلى أن يتعرف المخلوق الإنسان من خلال هذه الاستفهامات على موقعه في مسيرة هذا الوجود وفي مسيرة هذا الكون.

الاستفهام الأول: ما هو الهدف من وجود هذا العالم بأسره؟!

العالم كله بما فيه من عالم المادة بما فيه من عالم الأرواح، العالم ينقسم إلى عوالم متعددة ينقسم إلى عالم الجبروت وهو عالم العقول الكلية وإلى عالم الملكوت وهو عالم الأرواح وإلى عالم ألاهوت وهو عالم تجليات الأسماء والصفات الإلهية وإلى عالم الناسوت وهو عالم المادة الذي نحن نخضع له ونرزح تحت قيوده هذه العوالم كله بشتى أصنافها وأشكالها ما هي الغاية وما هو الهدف من وجودها؟! ما هو مقصده تبارك وتعالى من إيجاد هذا العالم كله بتمام أقسامه وأنواعه؟!

هنا جوابان لابد من الالتفات إليهم:

الجواب الأول:

يقول الفلاسفة الذات لا يعلل يعني ما كان اقتضاه ذاتي فلا وجه لئن يسأل لماذا اقتضى مثلا: النار بذاتها تقتضي الحرارة لا معنى لئن نقول لماذا النار اليوم حارة هي حارة لماذا نقول هي حارة النار بذاتها تقتضي الحرارة اقتضاء النار للحرارة ذاتي للنار، لا معنى لئن يقال لماذا النار أصحبت حارة الآن؟! لماذا النار حررت الماء؟! لماذا النار أفاضات قسط من الحرارة؟!

اقتضاء النار للحرارة اقتضاء ذاتي والذاتي لا يعلل أي لا معنى لئن يسأل ما هي علة إفاضة الحرارة علة إفاضة الحرارة أن النار بذاتها حارة وما كان بذاته حار فهو يفيض الحرارة فلا معنى لسؤال عن العلة مثلا: عندما نأتي للإنسان نفسه لنفترض إنسان كريم خلق كريم الناس معادن كما في الحديث الشريف ”الناس معادن كمعادن الذهب والفضة“ بعض الناس ذهب بعض الناس فضه بعض الناس نحاس بعض الناس تراب كل واحد له معدن يعني خلق بصفه معينه.

من خلق كريم بطبعه هناك أناس منذ خلقهم هم كرماء هذا عندما يكرم أهله يكرم جيرانه يكرم أصدقائه لا معنى لئن نقول له لماذا أنت كريم؟! أنا خلقت كريم ماذا أفعل اقتضائي للكرم اقتضاء ذاتي، ذاتي كريمه فتقتضي الكرم لا معنى لسؤال عن ذلك لماذا أنت كريم على جيرانك؟! لماذا أنت كريم على أصدقائك لا استطيع هي ذاتي تقتضي الكرم، أيضا الشجاع ذاته تقتضي الشجاعة هناك أناس خلقوا أبطالا خلقوا أصحاب إرادة قويه هؤلاء مثلا عندما يدخل في مواطن الشجاعة والبطولة وتتجلى شجاعته وبطولته لا معنى لئن يقال لماذا أصبح شجاع اليوم لماذا لم يكن جبان مثلا لماذا أصبح شجاع في هذا الموقف لماذا أصبح بطل لا معنى لهذا السؤال.

بما أن ذاته تقتضي الشجاعة فالشجاعة فعل طبيعي له لأجل ذلك الله تبارك وتعالى ذاته تقتضي الفيض ذاته فياض هو الجواد الفياض ذاته تقتضي الفيض تقتضي الجود تقتضي العطاء بما أن ذاته منبع الجود منبع العطاء منبع الفيض اقتضاء ذاته لإفاضة الوجود والعطاء ذاتي كاقتضاء النار لإفاضة الحرارة كاقتضاء الكرم لإفاضة الأفعال الكريمة ذاته تبارك وتعالى بذاتها تقتضي إفاضة الخير وإفاضة الجود وإفاضة الكرم لا معنى لئن يقال لماذا خلقت؟! ولماذا أفضت؟! أنا ذاتي تقتضي الفيض ذاتي تقتضي العطاء فلا معنى لئن أسال لماذا أعطيت ولماذا أفضت ذاتي تقتضي ذلك قال تعالى: ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً هذا عطاء هذا فيض نمد الكافر والمسلم، نمد الملحد والمؤمن نمد المعترف وغير المعترف قال تعالى: ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً.

الجواب الثاني:

يقول الفلاسفة: أنا الفاعل الناقص مستكمل بعلته والفاعل الكامل غايته ذاته كيف؟!

نأتي إلى فاعل ناقص مثلي أنا مثل أي إنسان هو فاعل ناقص، الفاعل الناقص يحتاج إلى غاية تكمل أفاعله لماذا تصلي؟! أنا أحتاج للصلاة لذلك أصلي، لماذا تعمل؟! أنا احتاج للعمل لذلك اعمل، لماذا تتزوج وهكذا كل فاعل ناقص غايته تكمله هو يعيش الحاجة هو يعيش الفقر هو يعيش النقص الإنسان يعيش النقص فيحتاج إلى زوجة تكمله غايته من زواجه تكميل ذاته الإنسان يعيش النقص لذلك يحتاج إلى عمل يكمل ذاته وهكذا يعيش النقص يحتاج إلى عبادة تكمل ذاته.

المهم الفاعل الناقص لأنه يشعر بالنقص والحاجة فيقوم بالأعمال كلها من أجل تكميل نقصه لذلك يقال الفاعل الناقص يستكمل بحاجاته يستكمل بأعماله يستكمل بغاياته لأنه ناقص يعيش النقص يشعر بالنقص فيقوم بالأعمال من أجل سد هذا النقص والوصل إلى الكمال فالفاعل الناقص مستكمل، بينما الفاعل الكامل وهو الله يستكمل بماذا؟!

إذا تقولوا كامل يستكمل بماذا؟! مهما يصنع من عمل لا معنى لئن نقول له ما هو غرضك من هذا العمل؟! يقول ما هو غرضي إي غرض تفترضوه فهو عندي قبل أن أقوم بهذا العمل أي غرض أي غاية تفترضونها فهي موجودة عندي من الأول قبل أن أقوم بهذا العمل فأن لا أحتاج إلى غرض ولا محتاج إلى غاية أي غاية ما هو هدفك من وجود الإنسان؟!، ما هو هدفك يا ربنا من وجود السماء؟!، ما هو هدفك يا ربنا من وجود العبادة يجيبنا تبارك وتعالى يقول: أي هدف تفترضونه فهو عندي قبل أن أخلق هذا الإنسان فأنا لا أحتاج لخلق الإنسان أنا لا استكمل بأي عمل لأنني كامل والكامل لا يستكمل فبما أنني كامل من أول الأمر فجميع الغايات والأهداف والمقاصد موجودة عندي من أول الأمر لذلك أنا لا احتاج إلى غاية ولا أحتاج إلى هدف ولا أحتاج إلى غرض أنا لا استكمل بشي فأنا الكامل.

إذا ما هي غايتك؟! غايتي ذاتي، الفاعل الكامل غايته ذاته، ما معنى غايته ذاته؟! يعني غايته نشر كماله هو كامل لا يحتاج لئن يستكمل بشيء فغايته من أي فعل إفاضة كماله ونشر كماله وإبراز كماله على خلقه بما أنه كامل لا يستكمل مقتضى كماله أن تكون غايته من سائر أفعاله إفاضة الكمال وإبراز الكمال وهبة الكمال لذلك ورد في الحديث القدسي: ”كنت كنز مخفيا فأحببت أن أعرف“، أحببت لاحظ التعبير الدقيق يعني أنا ليس محتاج ولا مضطر ولا مستكمل المسائلة مسألة تفضل، المسائلة مسألة عطاء مسائلة مسألة رحمه ”فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف“ كل هذا الوجود لإبراز كمالي لا أجل لأنني محتاج لإبراز الكمال «لا»، أنا ليس محتاج أن أبرز كمالي وأن أبرز عظمتي «لا» لأن هذا الوجود يتكامل بالوصل إلى كمالي، إنما يتكامل هذا الوجود إذا وصل إليّ إذا وصل إلى كمالي فالغاية من الوجود كله التفضل على هذا الوجود بالوصل إلى الكمال والوصل إلى الكمال بالوصل إلى الله نفسه تبارك وتعالى.

كل هذا الوجود الذي ترونه يرجع يوم المسائلة ماذا يسمونها لف ونشر كما يقول في الفلسفة «فيض منبسط وفيض مطلق» هذا الوجود كله كان وجود واحد لف يعني مر بمرحلة اللف والاندماج ثم أن هذا الوجود نفسه أفيض وفصل وقسم ونوع وأصبح مادي وروحاني وملائكي وجان إلى غيره ذلك كان وجود واحد ثم قسم وفصل وفرع وأصبح بهذه الأقسام والأنواع والتفاصيل وهذا التفاصيل كلها ستعود يوم من الأيام إلى وجود واحد النشر سيعود إلى اللف مرة أخرى كله سيعود إلى ربه تبارك وتعالى بنحو اللف مرة أخرى كما فصل يرجع إلى اللف والأجمال مرة أخرى.

إذا هناك جوابان ما هو الهدف من خلق هذا العالم قلنا:

أولا: لا معنى لهذا السؤال لماذا؟! لأنه اقتضاء ذات الله للفيض والعطاء ذاتي والذاتي لا يعلل.

ثانيا: أن الفاعل الناقص مستكمل بفعله والفاعل الكامل لا يستكمل بفعله وإنما غايته نشر كماله ونشر فيضه تبارك وتعالى وهذا ما أجراه الله تبارك وتعالى في كلماته.

الاستفهام الثاني: ما هو الهدف من وجود الإنسان مع علم الله أن بعض أبناء الإنسان سيصبح كافر يعني أوجده وما أوجده هذا على كل حال سوف يذهب إلى النار على كل حال هو حطب جهنم لماذا يجده؟! هو الهدف من إجادة الإنسان مع علمه أن بعض بني الإنسان مصيره إلى النار حطب لجهنم قال تعالى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ.

إذا لماذا خلق الله الإنسان مع علمه بأن بعض بني الإنسان سيؤل إلى جهنم لا يوجد منه فائدة ولا توجد منه منفعة هذا وقود إلى النار هذا السؤال يتفرع إلى سؤالين نجيب عن كل واحد منهم:

السؤال الأول: لماذا خلق الله نوع الإنسان مع العلم بأن بعض إفراد الإنسان مصيره إلى النار؟!

الجواب:

أنت الآن إذا عملت لك بستان حديقة مثلا بستان زراعه ليس حديقة زهور ورود لا بستان زراعه أنت الآن تشتري أرض تحرث هذه الأرض تريد أن تضع فيها أشجار تفاح مثلا كل هذه البستان أشجار تفاح تبذر الأرض كلها أشجار تفاح ليكون بستان تفاح أنت تعلم أن بعض هذا الشجر لن ينبت صح أو لا بعضها سوف يصبح شجرة تفاح وبعضها لا لن يصبح شجرة تفاح بعضها سوف يستمر إلى أن يثمر بعضها سوف يفشل أثناء الطريق أنت تعلم بهذا ومع ذلك تصنع هذا البستان كله لماذا بعض أنواع الشجر يثمر ويصل إلى أن يكون شجرة تفاح وبعضها يفسد ويفشل أثناء الطريق هذا عالم المادة.

عالم المادة عالم الصراع أنا تحدثت قبل أسبوع أو أسبوعين عن ضيق عالم المادة، عالم المادة عالم الصراع بين العوامل المختلف هذه البذرة أصارع عوامل هذه البذرة، هذه البذرة حتى تتحول إلى شجرة تفاح تدخل في حركة صراع وميدان صراع تصارع الحرارة، تصارع الرياح، تصارع الأتربة تصارع العوامل الطبيعية البيئية المختلفة فهذه البذرة تخضع إلى عملية صراع مع العوامل الطبيعية المختلفة أن انتصرت عليها وصلت وأصبحت شجرة مثمرة وأن أخفقت فسدت وبطلت ولم تنتج نفس الشيء عالم الإنسان تماما، عالم الإنسان كعامل النبات كعامل الحيوان لنفترض كم خلق الله مثلا؟! خلق الله مثلا مليار مليار إنسان مثلا فهذا المليار المليار إنسان أشجار تفاح بذرات الهدف من إيجاد مليار مليار إنسان أن يصل أكبر عدد ممكن إلى الكمال قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.

العبادة هي طريق الكمال الهدف من خلق مليار إنسان أن يصل أكبر عدد ممكن من هذا المليار إلى الكمال مثلا قوله تبارك وتعالى: ﴿هُوَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وقال تعالى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لماذا؟! ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الهدف أن تصبحوا أحسن، الهدف أن يصل الإنسان إلى درجة الأحسن يقال هذا أحسن عملا من هذا يعني أن يصل إلى درجة الكمال الروحي هذا أحسن عملا من هذا قال تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاولذلك يتفاوت البشر هذا كل ما قوى أراده وصل إلى كامل أكثر كلما درب ولقن نفسه وصارع عوامل الحياة وصل إلى درجة من الكمال أرقى وأكمل هؤلاء البشر الذين خلقهم محمد وآل محمد ”ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء“.

أنا خلقت هذا الكون لئن يصل أكبر عدد ممكن إلى الكمال وهؤلاء الخمسة وصلوا إلى أرقى درجات الكمال فهؤلاء حققوا غايتي وحققوا هدفي من إيجاد هذا الوجود بأسره ما خلقت الوجود إلا للكمال وهؤلاء هم أقطاب الكمال ورواد الكمال ”إلا لأجل هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساءفقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء، فقال عز وجل: هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها“.

فالنتيجة: لا معنى لئن يقال لماذا خلقت النوع الإنساني وأنت تعلم أن بعضه سيصل إلى النار؟! لأنه الجواب: خلقت النوع الإنساني لأجل أن يصل أكبر عدد ممكن من هذا النوع بإرادتهم باختيارهم إلى الكمال وإلى أعلى درجات الكمال هذا هو الهدف طبعا هذه الشجرة ما انبت لإخفاقها إمام عوامل الطبيعة هذا الكافر ما أنبت لإخفاقه كيف أخفاقة؟!

ضيق عالم المادة الإنسان يولد وأمامه ثلاثة عوامل تقاومه هو دائما في صراع معها متى ينتصر عليها متى يتغلب عليها:

أنت تنحدر من أي عائلة من أي سلاله تنحدر من أي صفات هذه النطفة عندما تنعقد تتدخل فيها عروق الآباء وعروق الأجداد من طرف الأب من طرف الأم من طرف الأخوال من طرف الأعمام ألف عرق وعرق يتدخل في صياغة هذه النطفة كيف تصاغ جبان، شجاع، ذكي، غبي، رحيم، شديد، غضوب، بطيء سريع هذه كلها صفات وراثية، إذا العامل الوراثي عامل يطبع أثره على هذه النطفة وعلى صياغة شخصيتها هذا عامل يضل الإنسان يقاومه لأن الإنسان الذي يريد أن يصبح شجاع يقاوم تأثير الوراثي للجبن ويستطيع أحيانا أن يتغلب على الجانب ”يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب“ أحيانا يقاوم العامل الوراثي ويتغلب عليه.

العامل الأخر الذي يمر به الإنسان عامل البيئية الحاضنة:

كيف عامل البيئة الحاضنة؟! يعني الآن الأم هذه هي أكبر مؤثر على الطفل هذا ليس في التربية «لا» أثناء الحمل أكبر عامل مؤثر على شخصية هذه النطفة وهذا الجنين أمه التي حملته هذه الأم انفعالاتها وهي حامل تؤثر على جنينها أوضاعها النفسية وهي حامل تؤثر على جنينها أعمالها وهي حامل تؤثر على جنينها لذلك ورد في بعض الروايات الشريفة أن الأم الحامل يستحب لها أن تكون على وضوء أغلب أوقاتها وأن تتعبد وتكثر من ذكر الله فأن لذلك أثر على جنينها هذه الأم عامل بيئة حاضنه، الأم الرحم بيئة حاضنة البيئة الحاضنة عامل أخر يتدخل في شخصية هذا الطفل يتدخل في صياغة نفسية هذا الجنين ونفسية هذا الطفل هذا عامل ثاني.

لو أن الإنسان خرج من بطن أمه وقد ورث كل انفعالات أمه كانت أمه أثناء الحمل تمر بظروف نفسية صعبه، كانت عندها انفعالات، عندها غضب كثير، عندها توتر شديد انعكس هذا على نفسية هذا الطفل هذا يضل يقاوم هذا العامل إلى أن يتغلب عليه يستطيع أن يتغلب عليه يصبح شخصية مستقره هادئة وأن مر أثناء الحمل بمختلف التوترات.

ولذلك في الرواية الشريفة أن بعض أبناء فاطمة الزهراء طفل أبن أيام بال على قماطه فأخذتها أسماء بنت عميس بشدة لعله وسخ المكان مثلا فتأثر رسول الله قال أن هذا البول له ما يزيله الماء يزل البول وإما الغبار الذي دخل في نفسه فما الذي يزله يعني هذا الغضب وهو طفل أبن أيام عندما أخذته بغضب هذا الغضب أثر على شخصيته أثر على نفسيته وإما هذا الغبار الذي دخل عليه فما الذي يزيله؟! إذا هذه البيئية الحاضنة عامل أخر من العوامل.

العامل الثالث: البيئة المحتوية المربية:

ولد أصبح طفل عاشه في بيئة فاسدة تأثر بها بيئة صالحة تأثر بها بيئة غضوبة يتأثر بها بيئة مستقرة وهكذا هذا عامل ثالث، الإنسان يقاوم مثل النبات كما أن البنات يقوم حتى ينمو الإنسان يقاوم عوامل مختلف حتى تنتصر إرادته على هذه العوامل المختلف وحتى يصبح إنسان متكامل بإرادته وصموده أمام هذه العوامل المختلفة تماما مثل التاجر الذي يدخل السوق والسوق فيها لعب وفيها خداع وفيها غش يدخل السوق هذا التاجر بقوة إرادة إلى أن ينتصر فيخرج من السوق رابح، إذا بعض بني الإنسان ينتصر وبعض بني الإنسان يفشل، الغرض من إيجاد نوع الإنسان أن ينتصر بعض أفراد الإنسان فالغاية تحققت ولا حيف في ذلك.

السؤال الثاني: لماذا خلقت هذا الكافر؟! نحن لا نسأل لماذا خلقت الإنسان؟! لماذا خلقت نوع الإنسان وأنت تعلم أن بعض أبنائه حطب جهنم «لا» نحن نغير السؤال لماذا هذا الكافر بالذات خلقته وأنت تعلم أنه حطب جهنم؟! ووقود لجهنم لماذا؟! هذا السؤال متوجه إلى خصوص الكافر طبعا هذا السؤال لا يختص بالكافر وهو كل من سيذهب إلى النار وهم وأهم أكثر الخلق قال تعالى: ﴿أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ وقال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.

كأنا قلنا الآن مثلا هو خلق مليار نسبة 80% من هذا المليار فاشل بقى 20% كأن قلنا لماذا خلقت 80%وأنت تعلم بأن مصيرهم العذب وأن مصيرهم إلى النار لماذا خلقتهم؟! لماذا لم تقتصر من تعلم أنه سيكون صالح وسيكون مصيره إلى الجنة؟!

الجواب عن ذلك يرتكز على أمرين:

الأمر الأول: العلم بالفساد ليس علة للفساد هذا فليكن معلوما علم الله بأنني سأكون عاصيا ليس علة لكوني أني عاصيا لأنني وصلت إلى العصيان بإرادتي واختياري مثل أبني الآن أعطي أبني مئة ريال وهذا شهر رمضان خذ مئة ريال بالليل يطلع أنا أعلم أن هذا ابني شقي هذه المئة ريال سوف يصرفها في السفه في التبذير في الأشياء الغير مفيدة ولكن أنا ليس علة علمي بأنه يصرف هذا الأموال في السفه والتبذير ليس علة لوقوعه في السفه والتبذير العلة وقوعه في السفه والتبذير اختياره وإرادته الذي يتحمل تبعاتها.

الأمر الثاني: حتى الكافر يستفيد من حياته ليس في حياته الدنيا وحتى حياته في الأخره يستفيد منها كل إنسان يحصل على درجة من الكمال تليق بحاله بإرادته ولو كان كافر كل إنسان كيف أتصور هذا؟!

لاحظوا هذه الآية المباركة: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِأنت سوف تلتقي مع الله في يوم من الأيام وهذا هو الهدف من وجودك، الهدف من وجودك أيها الإنسان الكمال، وما هو الكمال؟! الوصل إلى الله لأن الله هو عني الكمال الهدف من وجودي أن أصل إلى الكمال والكمال هو الله تبارك وتعالى من وصل إلى ربه وصل إلى الكمال، لكن الوصول إلى الله على قسمين:

هناك من يصل إلى الله عبر شاشة معينه وهناك من يصل إلى الله عبر شاشه أخرى مثلا: افترض إنسان جالس أمام كاميرت تصوير وهذا الإنسان الجالس أمام كاميرة التصوير له جانبان جانب منه جميل وجانب منه قبيح الجانب الجميل مضيء مشرق والجانب القبيح مخيف الموجود على هذا الطرف جانب قبيح الموجود على هذا الطرف يرى جانب جميل كلاهما يراه ولكن هذا يراه بصوره وهذا يراه بصورة أخرى وهذا يراه بصورة مبهجة وهذا يراه بصورة مرعبة كلاهما يراه كلهما وصل إليه لكن الصورة تختلف كل إنسان سيصل إلى كماله اللائق به ووصوله إلى كماله بوصوله إلى ربه ووصوله إلى ربه بالوجه الذي أختاره الإنسان إلى أن يصل إلى ربه أنا اختار الوجه المناسب بإرادتي واختاري، أنا على كل حال سأصل إلى ربي على كل حال سأصل إلى كمالي لكن ما هو الوجه المناسب الذي سأختاره لأصل إلى ربي؟!

يعتمد عليّ أنا يعتمد على عملي وإرادتي واختياري تحدد الصورة التي سأرى عليها ربي وإلا أنا سأصل إلى ربي سأصل إلى الكمال فهذا المؤمن الخير الذي عاش في الدنيا عابد متهجد هذا الإنسان المؤمن وصل إلى ربه في الدنيا وفي الأخرى قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِهذا وصل إلى ربه في الدنيا والأخرى كيف؟ ّ! نفس الذات المقدسة لا تستطيع أن تصل إليه لأنه الذات المقدسة لا محدود وأنت محدود والمحدود لا يمكن أن يتصل بلا محدود اتصالا حسيا ماديا، إذا وصول الإنسان إلى الله عبر تجليات الله يعني أنا أرى تجلياته لا أني أراه ولهذا في تفسير هذه الآية المباركة: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني إلى تجلياته إلى صوره التي يتجلى بها يوم القيامة﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.

هذا الإنسان المؤمن في الدنيا يرى الله فهو وصل إلى ربه وهو في الدنيا يرى الله عبر تجليات مختلفة يتجلى له الله من خلال الشمس من خلال الإنسان الأخر من خلال نفسه قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فإذا أنا وصلت إلى الله عبر هذه التجليات وإذا جاء اليوم الأخروي كل يوم أشاهد جمال من جمال الله كل يوم كل لحظه كل ثانيه الإنسان المؤمن يرى جمال جديد من جمال الله عز وجل لأنه جماله لا محدود فالإنسان المؤمن في كل آن يتجدد له صوره جماليه لم تكن عنده سابقا وهكذا يسير الإنسان المؤمن حتى في الأخرى يسير من درجة إلى درجة من مقام إلى مقام من صورة جماليه إلى صورة جماليه أخرى فهو يعيش في حالة ترقي عبر الصور الجمالية والجلاليه الإلهية المختلفة قال تعالى: ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ.

والإنسان الكافر كذلك هذا الإنسان الكافر أيضا يتجلى له ربه في الدنيا وفي الأخرى، في الدنيا يحصل على ثروة يحصل على أموال قال تعالى: ﴿ولَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا الثروة عطاء إلهي الأموال عطاء إلهي الشهرة عطاء إلهي يحصل على الثروة والأموال والشهرة وكل هذه النعم تجليات لله عز وجل فقد تجلى له ربه من خلال هذه النعم وهو في الدنيا وإذا جاء اليوم الأخروي وذهب إلى الله ودخل عالم النار عالم النار أيضا تجلى من تجليات الله كما أن الله يتجلى في الجنان يتجلى في لهب النيران هذه صوره وهذه صوره كما أن جلاله وعظمته تتجلى لأهل النعيم تتجلى لأهل الجحيم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ، فهذا الكافر التقى بالله لكن التقى بالله بالصورة الثانية لا بالصورة الأولى وأختار هو الصورة الثانية هو الذي حدد وجه اللقاء بإرادته واختياره فالكافر كالمؤمن المؤمن كل يوم كل ساعة كل لحظه يرى صورة جماليه، الكافرة أيضا كل لحظه وهو في العذاب وهو في الجحيم يتجلى الله له بصورة تختلف عن الصورة الأخرى فهو يرى ويتجلى له الله تبارك وتعالى بصور مختلفة عبر الجحيم عبر العذاب.

إذا فهو وصل إلى كماله اللائق به ولكن هو الذي أختار نوع الكمال وطريقة الكمال ووجه الكمال هو الذي أختاره بإرادته ومحض اختياره قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ «7» وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ هذا يرى وهذا يرى، بالنتيجة: الإنسان يصل إلى ربه ويصل إلى كماله ونوع الكمال وصورة الكمال هو الذي يختاره فلا معنى للسؤال لماذا خلقت الكافر وأنت تعلم أنه حطب جهنم، خلقته ليصل إلى الكمال ومن يحدد نوع الكمال هو بإرادته واختياره هو الذي حدد أن يصل إليه وإلى الكمال بهذه الصورة وبهذا اللون بمحض اختياره وإرادته قال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

والحمد لله رب العالمين

أهداف النظام السماوي
قيمة الحرية من حيث حدودها و منطلقاتها