نص الشريط
السلطة الأولى للشرع أم العقل؟!
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 6/9/1430 هـ
مرات العرض: 3068
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1201)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ

صدق الله العلي العظيم

الحديث حول مضمون الآية المباركة في جهتين:

الجهة الأولى: مفاد هذا المضمون.

الجهة الثانية: سلطة العقل بالنسبة لله تبارك وتعالى.

الجهة الأولى: فما هو المقصود بأنه لا يسأل تبارك وتعالى؟ ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ «أي عباده تسأل عن أفعالها وتحاسب على تصرفاتها» يُسْأَلُونَ؟ الظاهر أن الآية تشير إلى أحد معنيين، علينا أن نركز عليهما.

المعنى الأول: الإشارة إلى الملك.

المعنى الثاني: الإشارة إلى الحكمة.

المعنى الأول:

وهو الإشارة الملك، الإنسان متى يسأل عن فعله؟ إنما يسأل عما لا يملكه، كل شخص يتصرف في غير ملكه يسأل لما تصرفت؟ هذا ليس ملكك! كل تصرف في ما ليس ملكا فهو موضعاً للسؤال! لو دخل الإنسان دار الغير لسأل، هذه الدار ليست ملكاً لك، دخلتها على أي أساس؟ هل أذن مالكها بدخولك أم أنك أجير مثلا إلى غير ذلك، تصرف الإنسان في ما ليس ملكاً له هو موضع السؤال، لمَ ولماذا؟

وأما لو تصرف في ملكه، الإنسان لبس ثوبه أو دخل داره هذا ليس موضعاً للسؤال يقال لمَ لبست ثوبك؟ لمَ دخلت دارك؟ يقول هذا ملكي ولمَ ليس لها معنى.

إذاً إنما يسأل بلمَ ولماذا إذا تصرف المتصرف في غير ملكه، التصرف في غير الملك هو موضوع السؤال بلمَ ولماذا، وأما التصرف في الملك فليس موضعاً للسؤال فهذا ملكِ وأنا أتصرف فيه.

من هنا الذي يسأل لمَ هو الإنسان، لأن الإنسان لا يملك، أي فعل يصدر من الإنسان فهو لا يملكه، لذلك يسأل لمَ صدر منك هذا الفعل، مثلاً: الإنسان يريد أن يقوم بعمل ما من أعماله، نلاحظ حتى الخواطر النفسية «الإنسان لديه خواطر في نفسه» يفكر في شخص معين في تصرفاته وأفعاله، أو يحب شخصاً أو يبغضه، حتى عن هذه الأمور يسأل، لماذا أحببت فلان؟ لماذا بغضت فلان؟ لماذا ظننت في فلان؟ يقول هذه خواطري لماذا أسأل عنها؟!!

حبي لفلان، بغضي لفلان، ظني بفلان، شكي في فلان، هذه كلها خواطري أنا، وخواطري ملكي، فأنا أتصرف في ملكي، يقال له «لا»، حتى خواطرك ليست ملكاً لك، حتى حبك وبغضك وشكك وظنك ليس ملكاً لك، لأن خواطرك وكلها من الوجود والوجود مفاض من قبل مصدر الوجود تبارك وتعالى، فهي ملكاً لمن خلقها وأفاضها وأوجدها، من الذي يفيض عليك الخواطر؟؟ أنت، لا.

الذي يفيض عليك الأفكار والأوهام والمشاعر ويفيض عليك العواطف كل هذه وجود، والوجود مفاض من قبل مصدر الوجود هل من خالق غير الله؟؟

إذاً هذه كلها ليست ملكك هي ملك الله، لذلك تسأل على أي أساس تحب فلان وتبغض فلان؟ لذلك ورد: «لا حب إلا في الله ولا بغض إلا في الله»، أي أن حبك ليس ملكاً لك بل هو خاضع لنظام إلهي وسماوي ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، حتى شكك وظنك «أنا ظنيت وظني ملك، لا ليس ملكك»، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.

فإذاً، الإنسان لا يملك حتى خواطره فكيف يملك أفعاله وتصرفاته، لأنها مفاضه من قبل الله فكيف بأفعاله وتصرفاته، لأجل ذلك لآن الإنسان في الواقع، والوصول للواقع هذه هي الحقيقة: فإن الإنسان لا يمك شيئاً، حتى نفسه التي يعبر عنها «أنا» لا يملكها ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، لأن الإنسان لا يمك شيء لذلك أي تصرف يتصرفه يقع موقعاً للسؤال!! لمَ ولماذا؟؟

بينما الباري تبارك وتعالى، هو المالك الحقيقي، كل ما في الكون فهو ملكه، يملكه «كما يقول الفلاسفة» على نحو الملكية الحقيقية الحقة، رقيقة الملك بيده فكيف بحقيقته، تمام ما في الموجودات إفاضته وعطائه، فهو يملك عطائه وإفاضته ملكية حقيقة حقه.

لأجل لذلك لا يسأل عما يفعل، لا معنى أن نسأله، خلقت فلان أو لم تخلق فلان... هذا مِلكي، ملكي الحقيقة، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ «لأن جميع ما يفعل ملكه» وَهُمْ يُسْأَلُونَ «يعني لأن الإنسان لا يملك شيء لذلك يقع موضع السؤال لمَ فعلت».

المعنى الثاني:

الإشارة للحكمة، كيف؟ متى يقال للإنسان حكيم؟ متى يعبر عن الإنسان بأنه حكيم أو أن فعله مُحكم؟

الحكيم من كان فعله مطابقاً للنظام الكوني، كيف يعني مطابق للنظام الكوني؟ هذا النظام الذي أبدعه الله تبارك وتعالى وخلقه، نظام محكم، نظام مبعث للمصالح التي نحن نحصل عليها كلها ببركة هذا النظام.

لولا هذا النظام الكوني لما حصلنا على حياة «الحياة من أين نحصل عليها؟»، الحياة نحصل عليها من حرارة الشمس، وبركات الأرض ومن بركات النظام الكوني، النظام الكوني هو مصدر حياتنا بقائنا، الأكسجين الذي نتنفسه من النظام الكوني لولاه لما بقينا، حياتنا نفسنا دفئنا حرارتنا كلها من النظام الكوني.

إذاً النظام الكوني هو منشأ المصالح والفوائد التي تعود على الإنسان ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ هذا النظام الكوني الدقيق كله مصلحة وفائدة لأنه أبدع على أتقن إبداع، إذا صدر من الإنسان تصرف يقال: هل تصرفه مطابقاً للمصلحة والنظام الكوني أم لا؟

إن كان تصرفه مطابق للمصلحة فتصرفك محكم وأنت حكيم، «ليست المصلحة الشخصية، هل يعطيك مصالح وجاهً، هذه كلها مصالح زائفة، كمصلحة المال والشهرة واللقب... ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ، نحن نقصد المصلحة الحقيقية «مصلحة النظام الكوني»، من كان فعله مطابق لمصلحة النظام الكوني للمصلحة الحقيقة المترتبة على النظام الكوني الدقيقة ففعله محكم وهو حكيم، وإلا ففعله سفه وهو سفيه ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً.

إذاً المناط في الحكمة «إذا نسأل في اللغة عن الحكمة» يقولون: الحكمة أن يضع الشيء في موضعه «ما هو معنى موضعه؟» الموضع هو المصلحة المطابقة للنظام الكوني هذا هو الموضع، من كان فعله جارياً على طبق المصلحة والنظام الكوني ففعله محكم وهو حكيم.

هل يصح لنا أن نسأل الإنسان هل فعلك محكم؟ ومطابق لمصلحة الكوني أم لا؟ وهل نستطيع توجيه السؤال لله؟ ونقول يا ربنا هل فعلك محكم ومطابق للنظام الكوني أم لا؟ هل يصح توجيه هذا السؤال الذي نوجهه للعبد أن نوجه لله؟؟ لا يصح، لماذا؟

هناك قاعدة فلسفية: يقولون العرضي يعلل وأما الذاتي فلا يعلل!! «لا يعلل أي لا يسأل عن علته»، مثلاً: الإنسان يضع يده في الدسومة، ماذا يحدث؟ تصبح يدهُ دَسِمة!! كصفط السمك مثلاً!! أصبحت يده زفره!! أو وضع يده في الدهن أصبحت عنده دسومة!! دسومة اليد عرضية اكتسابية، فيسأل من أين هذه الدسومة؟ فيقول لأنني مسست الدسم، ونسأل أيضاً الدهن لماذا دسم «لا معنى لهذا السؤال فهو دسم»، الدهن بذاته دسم، فدسومة الدهن ذاتيه، والذاتي لا يعلل «لا ليس لمَ» لا يقل لمَ الدهن دسم؟! يسأل لماذا اليد دسمه، لأنها دسومة عرضية اكتسابية يقال لأنها مست الدسم ولا يسأل لماذا الدسم دسم؟!

مثلاً: إذا وضعت الماء على النار صار الماء حاراً، يقال لمَ أصبح الماء حاراً؟ لأنه اتصل بالنار الحارة «ولا معنى أن يسأل ولماذا النار حارة!!» النار حارة لو لم تكن حارة لم نكن ناراً فحرارة النار ذاتية والذاتي لا يسأل، إنما يسأل العرضي الاكتسابي.

شخص دخل على الإمام الشافعي «الإمام الشافعي يتميز على غيره من أئمة المذاهب الأربعة بولائه لأهل البيت الولاء الواضح وهو المشهور عنه عدة من الأبيات الشعر منها:

يا  ركبا  قف بالمحصب من iiمنى

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

إن   كان  رفضاً  حب  آل  iiمحمد



 
واهتف  بساكن خيفها iiوالناهض

فيضاً   كملتطم   الغدير  iiالفائض

فليشهد   الثقلان   أني   iiرافضي

دخل شخص على الإمام الشافعي وكان عنده آلم وكان الرجل ذا هيبة عجيبة غريبة، وكان الإمام الشافعي يمد رجليه، فلما رأى الرجل ذا شخصية فثنى رجليه ولم يمدها إحتراماً له وهو كان متألم، فجلس هذا الرجل، قال له أسألك مسألة، قال اسأل، قال: متى تجب صلاة الظهر؟ قال له: إذا دخل الوقت، قال: وإن لم يدخل؟! قال: إن لم يدخل فليمدد الشافعي رجليه. «سؤال لا معنى له»

من هنا نأتي لأفعاله تبارك وتعالى نقول: العبد يُسأل لمَ فعلت؟ هل فعلك محكم؟ هل أنت حكيم؟ فيقول: فعلت لأن فعلي يطابق المصلحة العامة المطابقة للنظام الكوني.

لما نأتي إلى الله تبارك وتعالى، نسأله، هل فعلك محكم «يسألنا ما معنى المحكم؟» نقول له: المحكم هو المطاق للنظام الكوني، يقول «الله» النظام الكوني أنا الذي خلقته!! فكيف أُسأل!! فعلي هو النظام الكوني، ففعلي هو الحكمة لا أنه مطابق للحكمة، هو الفرق بين فعل العبد وفعل الله، فعل العبد قد يطابق المصلحة وقد لا يطابق، فإن طابق المصلحة كان حكيماً وإن لم يطابق كان سفيهاً، أما الله ففعله هو المصلحة لأنه مطابق للمصلحة فعله هو نفس المصلحة لأن المصلحة هي النظام الكوني، وفعله هو النظام الكوني، فبما أن فعله هو المصلحة، هو النظام الكوني لا معنى لأن يسأل فعلك يطابق النظام الكوني أم لا؟!

الجواب: فعلي هو المصلحة العامة، هو النظام الكوني ففعلي هو الحكمة، غيري يقاس فعله على فعلي، أما فعلي فلا يقاس على فعلاً أخر لأن فعلي عين الحكمة، عين النظام الكوني، ففعلي هو المصلحة وهو الحكمة ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، ﴿وَهُمْ يُسْأَلُونَلأن فعل غيره قد يطابق المصلحة وقد لا يطابقها، لذلك صح السؤال بالنسبة لغيرة، هل فعله محكم أم غير محكم.

الجهة الثانية:

هل للعقل سلطة على الله عز وجل؟ «هذا بحث دقيق وطويل نتناوله بشيء من جوانبه»، بحثوا في أن السلطة الأولى لمن؟ للعقل أم الشرع؟؟

هل للعقل سلطة على الله بأن يقول العقل لله افعل، لا تفعل؟؟ أو لا السلطة الأولى للشرع، الشرق يقول للعقل افعل ولا تفعل كذا!

وهناك اتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الأول: المسمى بالاتجاه الأشعري الذين يقولون الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع أي أن العقل لا دخل له، «ما أمر به الشرع فهو حسن وما نهى عنه فهو قبيح وما حسنه الشارع فهو حسن...» فالعقل لا سلطة له، السلطة الأولى للشرع، هؤلاء ما هي فلسفتهم؟

فلسفتهم النقطة التي أشرنا إليها أي تصرف يصدر من الله تبارك وتعالى فهو ملكه، وتصرف المالك في ملكه دائماً حسن وليس قبيح لأنه ملكه، تصرف المالك بملكه لا معنى لأن يحكم عليه العقل بالحسنى أو القبح هذا مِلكه، فبما أن كل تصرفاً فهو ملكه لأجل ذلك لا مجال لكلمة العقل ولا مجال لسلطة العقل وحكومة العقل، ما يفعله فهو تصرف في ملكه وهو حسن.

الاتجاه الثاني: يقول أن السلطة الأولى للعقل!! وليست للشرع، فنحن كيف عرفنا الشرع؟! عرفناه بالعقل، كيف تم لنا إثبات وجود الله؟ بالعقل!! كيف تم لنا إثبات صفاته عين ذاته؟؟ بالعقل!! كحيف تم لنا إثبات أنه واحد؟؟ بالعقل!! إذن المرجعية للعقل، بالعقل ثبت وجوده ووحدانيته وأصول الدين، إذن السلطة الأولى للعقل، ولأجل ذلك العقل يقول: هل يمكن لله تبارك وتعالى أن يدخل محمداً أشرف الأنبياء والمرسلين الطاهر الطهر هل يمكن أن يدخله الله النار؟؟

إذا قلنا لا يمكن إذن العقل هو الذي تكلم لأن العقل هو الذي قال لا يمكن «رجعنا للعقل».

إذا قلنا لا دخل لنا الله أعلم بما يعمل، إذن السلطة الأولى للشرع.

هل يمكن أن يدخل هذا العبد المطيع إلى النار، مع انه وعد المطيع بالجنة؟

الاتجاه الأول: يقول يمكن ولا دخل لنا هذا ملكه ويتصرف في ملكه بما يريد فالعقل ليس له أي دور.

الاتجاه الثاني: إدخال المطيع إلى النار بعد أن وعد بالجنة قبيح!! قبيح عقلاً والقبيح عقلاً لا يفعله الله، إذن السلطة للعقل، فالعقل هو الذي قرر بأن هذا قبيح وأن الله لا يفعله، فأصبحت السلطة للعقل.

الاتجاه الثالث: هو ما شرحه وفصله سيدنا وأستاذ أساتذتنا السيد الخوئي «قدس»، ذكر تفصيل في كتبه الأصولية في هذا المقام وهو: أن العقل نظري وعملي، والعقل العملي قد يكون على سبيل الحكومة وقد يكون على سبيل التشخيص والنظر.

العقل النظري: هو الذي يدرك الأشياء التي لا ترتبط بالسلوك والعمل، مثلاً: الشمس موجودة «ليس لها ربط بالسلوك» رقم 4 عدد زوجي، لكل معلوم علة هذه كلها أشياء نظرية لا ربط لها بسلوك الإنسان وتصرفاته، فهذه المعلومات التي لا ربط لها بسلوك الإنسان تسمى عقل نظري.

العقل العملي: هو الذي يدرك السلوكيات: يقول الأمانة جميلة والخيانة قبيحة والعدل حسن، الظلم قبيح، الصدق حسن، الكذب قبيح، ما يدركها يسمى العقل العملي.

العقل النظري هل العقل النظري حاكم على الله تبارك وتعالى أم لا؟ هنا يقال بأن القضايا النظرية على قسمين:

1/ قضايا يدركها العقل بفطرته «قضايا بديهية لا خلاف فيها» على نحو العموم تسري على الله وعلى غير الله وإلا نحن لم نستطيع أن نثبت شيء مثلاً: لكل مسبب سبب، لا نستطيع القول غير الله لكل سبب مسبب، وبالنسبة لله غير لازمه، إذن جميع ما صدر من الكون من المسببات فلهو سبب وهو الله تبارك وتعالى «الله ليس مسبب لأن وجوده ذاتي له وليس وجوده مكتسب مسبباً حتى يبحث عن سببه»، إذن هذه القاعدة لكل مسبب سبب قاعدة عامة، بما أن العقل يقول أنها قاعدة عامة إذن هي سارية على كل شيء، مثلاً: لو صدر من الله مسبب معين لحكمنا بأن له سببا حتماً كما لو صدر من الإنسان مسبب لحكمنا بأن وراءه سبب.

2/ وهناك قواعد نظرية منتزعة من الوجود الإمكاني من هذا الوجود الذي نعيشه، هذه لا يمكن أن نعممها على الله، مثلاً: هناك قاعدة فلسفية الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، الكثير لا يصدر من الواحد، هل أستطيع أن افعل أعمال متعددة في آن واحد؟؟ لا يمكن، هل هذه القاعدة سارية على الله تبارك وتعالى؟ نقول بأن الله واحد والواحد لا يصدر من إلا الواحد!!

يقول هذه القاعدة لا تسري على الله لمَ؟ لأنها قاعدة منتزعة من عالم الوجود الإمكاني الذي نعيشه فلا تسري إلى الوجود الواجبي ألا وهو وجود الله تبارك وتعالى.

الله في آن واحد تصدر من الكثرات الكثيرة، إذن هذه قاعدة نظرية لكنها خاصة بعالم الوجود الإمكاني لا يمكن تسريتها على الله تبارك وتعالى.

أما القواعد والمعلومات العقلية البديهية الفطرية، لا، هذه قواعد عامة.

العقل العملي: يقول قبيح وحسن وافعل ولا تفعل، هل العقل العملي حاكم على الله تبارك وتعالى أم لا؟؟

يقولون بأن العقل العملي له دورين: دور حكومة. ودور نظر وتأمل.

1 - دور الحكومة: لا يعقل بالنسبة لله «يعني العقل يحكم على الله!!» يقول له افعل ولا تفعل!! الحكومة تعني المولوية، وليس للعقل مولوية على المولى الحقيقي تبارك وتعالى، هو بالنسبة إلينا نعم الله موالى ونحن عبادة، مقتضى مولويته تبارك وتعالى أن يصدر إلينا أوامر ونواهي نحن عبادة والمولى يصدر الأوامر بالنسبة لعبادة، لكن هذا لا يأتي بين العقل وبين الله، ليس للعقل مولوية على الله كي يكون له حكومة على الله العقل عبده ومخلوقه ولا تعقل مولوية من العبد على سيدة، ولا تعقل مولوية من المخلوق على خالقه، فلا مولوية للعقل اتجاه الله.

إذاً العقل العملي ليس من شأنه المولوية والحكومة على الله كإصدار أمر بقوله يجب على الله أن يفعل كذا ويحرم على الله أن لا يفعل كذا، ليس للعقل هذا الدور.

2 - دور النظر والتأمل: بقول العقل أنني أمنت أن الله حكيم وأنه لا يفعل إلا ما فيه الحكمة، بما أنني أمنت بأن الله حكيم وأنه لا يفعل إلا ما فيه الحكمة لذلك من باب التدبر ومن باب النظر في فعله تبارك وتعالى أن أسأل ما هي الحكمة من خلقي؟ «ولا أحكم» فهناك فرق بين «أن أسأل وأن أحكم»؟ ليس للعقل دور المولوية والحكومة!! دور النظر والتأمل، للعقل أن يسأل ما هي الحكمة من خلقي؟ ومن وجودي؟ وتكليفي؟ هذا هو دور العقل النظر والتأمل «السؤال عن الحكمة وعن جهة الحسن والقبح».

إذاً بالنتيجة: نحن نقول المرجعية الأولى للعقل النظري في قضاياه الفطرية البديهية إذا لولا هذه المرجعية لما أمكن إثبات وجود الله ولا وحدانيته ولا عينية صفاته، وأما بالنسبة للعقل العملي فإن مرجعيته في إطار النظر والتأمل وليست في إطار الحكومة والمولوية.

وأما هذا الاتجاه الأول الذي يقول: الله يتصرف في ملكه لماذا نحن نسأله؟؟ «صحيح بأن كل ما في الكون ملكه» وهو يتصرف في ملكه، ولكن تصرفه في ملكه منوط بحكمة وهو الذي أناطها وليس نحن، هو الذي أناط فعله بحكمتهِ، هو الذي أناط تمام أفعاله بحكمته تبارك وتعالى، بما أنه أناط فعله بحكمته لذلك صح لنا السؤال أنه هل هذا من الحكمة؟ هل من الحكمة أن يفعل كذا أولا يفعل كذا؟

لآن فعله منوط بحكمته صح لنا أن نقول لا يمكن لله أن يدخل محمداً النار لأن هذا خلاف حكمته وقد أناط فعله بحكمته.

والحمدلله رب العالمين

في رحاب مناجاة الشاكين جـ6
علاقة التفوق والصراع