نص الشريط
الإنسان والقدر الإلهي
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 10/9/1430 هـ
مرات العرض: 2975
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1141)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

من الأسئلة التي تتكرر على دهن الإنسان دائماً أن الله يعلم بي وبأفعالي وبمصيري وبصفاتي قبل خلقي، فإذا كان الله يعلم بسائر تفاصيل حياتي قبل وجودي فأن مسير لا يمكن أن أتخطى ما علم به الله، إذاً لا بد ليٌ أن أسير وفق الخطة الإلهية التي علم به الله قبل وجودي وليس بيدي الخيار أو الإرادة في التغيير أو التبديل إذ لو غيرت أو بدلت في المسار الذي علم به الله عني لتحول علم الله إلى جهل والله تبارك وتعالى منزه عن الجهل قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ إذاً حياتي جارية من دون قدرة مني على التغيير والتبديل ومعنى ذلك أنني أسير وفق قدر لا يرد ولا يبدل ومعنى ذلك أنني أسير وفق قدر لا يرد ولا يبدل، هذه الشبهة أو هذا الاستفهام حتى نجيب عليه نتعرض لعدة أمور تستحق الالتفات والتركيز:

الأمر الأول: ما هو الدليل على علم الله عز وجل بمخلوقاته، الدليل الذي طرحه القرآن الكريم على علم الله بمخلوقاته علم تفصيلي قوله تبارك وتعالى﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُوقال تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُما معنى هذه الجملة؟! ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الخلق مساوق للعلم لا يعقل أن تصنع شيء وأنت لست عالم به إذاً كيف صنعته؟!

إذا كان هذا مصنوع لك مثلاً أنا أصنع خواطري أنا أصنع الأفكار التي ترد على دهني أنا أصنعها هل يمكن ليٌ أن لا أعلم بهذه الأفكار مع أنها صنعي، أنا الذي صورة هذه الفكرة في ذهني وأنا الذي صنعتها بما أن الفكرة من صنعي ومن إيجادي فلا بد ليَ أن أكون عالم بها الصنع مساوق للعلم قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُوحتى يتضح المطلب بشكل دقيق الفلاسفة يقولون: الوجودات ثلاثة: أن الوجود رابط ورابطي، ثمّت نفسي فهاك واضبطِ، هناك وجودات ثلاثة:

1 - وجود نفسي: وهو الوجود المستقل مثل إذا نلحظ عالم المادة هذا العالم المادي الذي نعيش فيه نرى الموجودات فيه ثلاثة أقسام موجود مستقل لا يتقوم وجوده بموجود أخر مثل جسم الإنسان هذا جسم الإنسان يوجد يتحرك مستقل هذا نسميه «وجود نفسي».

2 - وهناك موجود رابطي عرضي: بمعنى أنه لا يمكن أن يوجد إلا معتمد على وجود أخر مثل القيام والقعود تستطيع أن تقوم بدون جسم لا يمكن القيام يحتاج إلى جسم القيام القعود المشي هذا وجود لكن هذا الوجود يحتاج إلى جسم يقوم به فالقيام والقعود والمشي والحركة وجود عرضي رابطي لأنه محتاج في تحققه وجود أخر يستند إليه ويقوم به إلا وهو وجود الجسم ففرق بين الجسم وبين القيام الجسم موجود مستقل لا يعتمد على وجود أخر في تحققه، بينما قيام الجسم يعتمد على وجود أخر في تحققه إلا وهو الجسم نفسه.

3 - وهناك وجود ثلاث لا يتحقق إلا بطرفين: لا هويته له في نفسه يوجد متقوم بطرفين وأن أختلف الفلاسفة أن هذا القسم الثالث أمر عقلي أو أمر خارجي على أي حال هناك وجود ثالث متقوم بطرفين مثلاً: الاتصال والانفصال الآن هذا جسم يتصل بجسم هذا الاتصال لا تستطيع أن تتصوره بدون طرفين بدون جسمين، انفصال جسم عن جسم هذا لا يمكن أن تتصوره بدون طرفيين: ظرفية المكان للجسم مثلا تضع الماء في الكأس عندك كأس هذا وجود وعندك ماء هذا وجود وعندك ظرفية الكأس للماء هذه الظرفية أمر متقوم بطرفيين الكأس والماء هذا وجود رابط أن الوجود رابط ورابطي، ثمّت نفسي، الوجود الرابط هذا لا يستغني لأنه عين الربط وعين التعلق لا يستغني عن غيره أبداً، هذا الوجود الرابط عين الربط والتعلق فلا يستغني عن غيره آن لا يستغني عن غيره لحظة لا يستغنى عن غيره ثانية هو عين التعلق والربط بغيره.

الفلاسفة يقولون: هذا الوجود كله الذي نعيش فيه بماء فيه من سماء وأرض وشمس وقمر وإنسان وشجر وحيوان وحجر هذا الكون كله وملائكة وجن وأنس إلى غير ذلك هذا الكون كله هو وجود رابط بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى، هذا الوجود كله عين الربط بالله عين التعلق بالله عين الفقر إلى الله تبارك وتعالى فهذا الوجود كله بما أنه عين الربط وعين التعلق وعين الفقر إلى الله تبارك وتعالى لذلك لا يستغنى لحظة ولا ثانية عن وجود الله مستحيل مثل: النور والطاقة الكهربائية هذا النور متعلق بشيء وهو الطاقة الكهربائية لو انقطعت الطاقة ينتهي النور في أي لحظة هذا النور التي تراه عين الربط عين التعلق بالطاقة الكهربائية لو انقطعت الطاقة الكهربائية لحظة انتهى هذا النور نسبة وجودنا إلى الله كنسبة النور للطاقة الكهربائية الذي لا يستغني عنه لحظة واحدة ثانية واحدة وهي نسبة الربط والفقر والتعلق.

إذاً بما أن جميع الموجودات ربط بالله فيكف لا يعلم بها الله؟! إذا هي عين الربط به عين التعلق به عين الفقر إليه لا تستغني عنه لحظة واحدة كيف لا يعلم بها وهي لا تستغني عنه في في كل لحظة من لحظات وجودها هي مرطبة به لا تستغني عنه قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

الأمر الثاني: علم الله بالأشياء يختلف عن علمنا بالأشياء علم الله حضوري وعلمنا حصولي، ما هو الفرق بين العلم ألحصولي والعلم الحضوري؟!

العلم الحضوري: العلم بمعنى حضور نفس المعلوم، العلم ألحصولي: بمعنىحصول صورة المعلوم ليس نفس المعلوم مثالين: أنا الآن أعلم بك أنت كيف؟! أعلم بك عن طريق صورة لا أستطيع أن احضر ذاتك في نفسي لأنه أنت جسم وأنا جسم كيف أحضرك في نفسي؟! لا أستطيع فأضطر أن أعلم بك عن صورة مثل الصورة الفوتوغرافية صورة لك في رأسي فقط علمي بك عن طريق الصورة هذا لآجل الضيق في عالم المادة أنا مادي لا أستطيع أن أتجاوز المادة لآني جسمي مادي لا أستطيع أن أتجاوز هذا الجسم المادي وأحضر الجسم المادي الأخر إلى نفسي لا استطيع فأضطر أن أعلم به عن طريق صورة في رأسي.

أنت تجلس أمامي تنعكس صورتك إلى شبكة العين شبكة العين تنقلها إلى خلايا الدماغ، الدماغ يدركها فأنا لا أدرك أنت أدرك صورتك حتى لو كنت جالس أمامي.

أو مثلاً: أتي وأمس الحرارة كيف أشعر بالحرارة تنتقل صورتها عن طريق المس إلى الدماغ فأعلم بها، مثلاً: صوت أحد يتكلم هذا الصوت تنتقل صورتها عبر السمع إلى الدماغ فأعلم به علمي بالأشياء كلها علم حصولي كلها عن طريق صور حتى الأشياء الموجودة حولي، حتى يدي هل هناك أعظم من يدي أنا لا أعلم بها علم حضوري أعلم بها علم حصولي بمعنى يدي لها صورة في ذهني.

وهناك قسم من الأمور أعلم بها علم حضوري وهي الأشياء التي أنا أصنعها فهي حاضرة في نفسي بنفسها لا بصورتها مثلاً: أفكاري أنا عندما أتي وأفكر أنا مثلا أريد أن أذهب إلى المسجد أحضر الصلاة أو أتسمع المحاضرة أتصور أنا ركبت السيارة وذهبت إلى المسجد وفتحت الباب ودخلت وضعت التربة هذه الصور أنا التي صنعتها هذه ليس علم حصولي لم أعلم بصورة الصورة علمت بنفس الصورة، الصورة حاضرة بنفسها عندي فعلمي بالصور علم حضوري لا علم حصولي الصور بنفسها حاضرة عندي فعلمي بها علم حضوري، نفسي أيضاً التي بين جنبي نفسي حاضرة عندي فأنا أعلم بها علم حضوري فرحي، حزني حبي بغضي هذه كلها أعلم بها علم حضوري لأنها حاضرة بنفسها لديٌ هذه يسمى بالعلم الحضوري، العلم بنفس المعلوم حضور نفس المعلوم لا بصورته، علم الله بما سواه كله من قبيل العلم الحضوري، الله ليس جسم حتى يكتسب صور الله ليس جسم ليس مادة حتى يحتاج في علمه بالأشياء إلى صور تنتقش عنده وترتسم فيه «لا».

إذاً علمه بالأشياء بمعنى بما سواه علمه بما سواه علم حضوري علمه بالأشياء بمعنى حضور الأشياء لديه كل شي حاضرة عنده قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُوقال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍعلمه بالأشياء حضور الأشياء لديه فهو علم حضوري، ربما يسأل سائل هذه الأشياء قبل أن توجد لم يكن يعلم بها؟! إذا كان علمه بالأشياء علم حضوري فقبل وجود هذه الأشياء ألم يكن يعلم بها؟! وإذا كان يعلم بها فكيف علمه بها وهي لم توجد بعد فكيف يكون علمه بها علم حضوري ولم توجد بعد؟!

الجواب: كل شيء في هذا الكون مر بمرحلتين: 1 - مرحلة الفيض الأقدس 2 - مرحلة الفيض المقدس.

مرحلة الوجود الإجمالي مرحلة الوجود التفصيلي كل شيء قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ يعني كان مخزون ليس لم يكن موجود كان موجود ولكنه مخزون ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ «بمعنى أنه يخرج من مرحلة الوجود الإجمالي إلى مرحلة الوجود التفصيلي» إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ طول وعرض وهندسة، فنحن قبل وجودنا المادي التفصيلي كنا موجودين وجود إجمالي في علم الله قبل هذه الوجود التفصيلي المادي المسمى بالفيض المقدس كنا في وجود إجمالي فيض أقدس وذلك الوجود الإجمالي هو وجود في علم الله كان لنا نحو من الوجود فكان يعلم بنا قبل وجودنا المادي علم حضوري بمعنى علم بذلك الوجود إجمالي وبعد وجودنا بالوجود التفصيلي هم يعلم بنا بهذا الوجود التفصيلي ما اختلف علمه تبارك وتعالى الذي أختلف المعلوم نفسه نحن اختلفنا هو لم يختلف علمه بنا علم حضوري من أول الأمر نحن المعلوم نحن تغيرنا من أجمال إلى تفصيل من بدرة شجرة وهكذا.

الآن أنت تستغرب هذه البذرة شجرة أولا هي شجرة البذرة نفسها شجرة بمعنى أن الشجرة لها وجودانا وجودي أجمالي في البذرة يسمى «وجود مخزون» كانت الشجرة مخزونة في البذرة وجود أجمالي وجود مخزون ثم هذه الشجرة التي كانت موجودة في البذرة خرجت إلى عالم التفصيل ساق وأوراق هي نفسها كانت موجودة نفس الشجرة كانت موجودة في البذرة أصبحت مفصلة ساق وأغصان وثمار وجود انتقل من مرحلة إلى مرحلة.

الإنسان نفسه هذا الإنسان العملاق هذا الإنسان العالم هذا الإنسان المخترع هذا الإنسان الذي يهزم الدنيا بأسراها أين كان هذا الإنسان كان نطفة كله كان في نطفة كان مختصر في نطفة هذا الإنسان العملاق العظيم كان مختصر في نطفة قال تعالى: ﴿ولَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ بعد ذلك خرج من الوجود الإجمالي إلى الوجود التفصيلي خرج من النطفة وأصبح له ساق ورجل ويد وعقل وحركة وأصبح عملاق وأصبح مفكر وأقام الدنيا وأقعدها هذا الإنسان كان في نطفة أنما أوله نطفة وأخره جيفه «ما بال من أوله نطفة وجيفة أخره يفخر» ويرجع الإنسان هذه البذرة التي هي موجودة في النطفة بذرة الإنسان تحولت نطفة علقة مضغة عظام إلى أن أصبح إنسان عاش بعد الموت يرجع للتراب يتحلل يتحلل يتحلل يرجع مادة صغيرة جداً بذرة يرجع لتلك البذرة لكن هذه البذرة كانت في جسم الأب الآن أصبحت في التراب، نفس البذرة الصغيرة هذا الجزئي الذي لا يرى حتى بالمجهر هذا الجزئي يبقى في التراب وهذا بذرة حياة الإنسان مرة ثانية إذا يرجع ترجع البذرة مرة ثانية قال تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ «79» قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ أليس هو كان نطفة صغيرة وصار كذلك البذرة في تراب وصارت مرة ثانية﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ «79» الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ «80» أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ.

إذاً هذا ما تشير إليه الآية المباركة: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ «5» خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ «6» يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ «7» إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ رجع من؟! ليس رجع الإنسان وإنما رجع ذاك الماء هذا الماء الدافق الذي كان في صلب الأب وأصبح جسم هذا الماء الدافق هذا الجزء سوف يبقى في التراب وهذا نفسه سوف يرجعه مرة ثانية ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ «8» يرجع هذا الجزئي مرة أخره ويتركه إنسان يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ.

إذا بالنتيجة: كان للإنسان وجودان وجود أجمالي وجود تفصيلي بل هذا العالم كله كان وجود أجمالي ثم أصبح وجود تفصيلي فعلم الله به علم حضوري في كلاء وجوديه علمه به بمعنى حضور نفس المعلوم لديه المعلوم هو الذي يتغير من حال إلى حال قال تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا من طور إلى طور.

الأمر الثالث: مجاري التقدير الإلهي، كيف مجاري التقدير الإلهي؟!

وردت في الروايات الشريفة في الرواية الصحيحة لأبن عمير عن الصادق قال: أن الله علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى فأمضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد وأراد ما شاء فبعلمه كانت المشيئة وبمشيئته كانت الإرادة وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء».

مجار التقدير الإلهي كيف مجاري التقدير الإلهي نصوره بتصوير حسي: مثلاً أنا أريد أصنع شيء أصنع مثلا جهاز أبني عمارة وهكذا أنا أمر بمراحل حتى يصير هذا الجهاز حتى توجد هذه العمارة أو أريد أن أرسم لوحة فنينة حتى توجد هذه اللوحة العلم أعلم بأن رسم اللوحة فيه مصلحه فيه ثمرة فيه فائدة هذه مرحلة بعد ذلك تأتي مرحلة المشيئة، ما معنى المشيئة؟! إعداد الأسباب كيف تصير؟! إذا برسم لوحة لابد أن أحضر حبر لابد أحضر فلين لابد أحضر مكان جاهز وهكذا إعداد الأسباب هذه نسميها «مشيئة» ثم أتي أنا للمرحلة الثالثة: وهي الشروع تركيب هذا على هذا ووضع هذا في هذا هذه نسميها «إرادة» شرعه في الفعل ثم هناك مرحلة رابعة: التقدير طيب أنت بترسم لوحة كم طولها كم طولها كم عرضها كم رسمه فيها كله هذا يسمى «تقدير» تقدير هو الهندسة الطول والعرض وكم معلومة وكم... الخ تقدير.

ثم نأتي للمرحلة الخامسة: القضاء معنى القضاء إفاضة الوجود العمل بدأ يستمر نفس الرسم بدأ ثم يأتي إلى مرحلة الإمضاء بمعني لم أحدث مانع من استمرار الله تبارك وتعالى إذا أرد أن يوجد الإنسان هذه المراحل هي عناوين انتزاعية ليس أن الله أول شيء يعلم وبعد ذلك.. لا أو كل مرحلة منا تأخذ دقيقة «لا» كله في آن واحد إنما هذه عناوين تعبر عن خطوات ومراحل وأن كانت في آن واحد في لحظ واحدة.

العلم يعلم الله تبارك وتعالى أن في وجود زيد الفلاني مصلحة وجودة مصلحة يا إليه يا إلى غيرة وجوده مصلحة للوجود للكون، الظلم جندي من جنودي أنتقم به وانتقم منه حتى الظالم وجوده مصلحة إلى غيره أن لم يكن مصلحة له أنتقم به وانتقم منه، الانتقام ليس المقصود منه التشفي هذا لا يتصور في الفاعل الكامل تبارك وتعالى الله تبارك وتعالى كامل والكامل لا يحتاج إلى غيره حتى يتشفى «لا» الانتقام بمعنى التشفي لا يعقل في الله تبارك وتعالى إنما يعقل في الفاعل الناقص، الفاعل الناقص إذا شعر بالنقص يريد أن يكمل نقصه يعوض نقصه مثلاً أنت تسيء إليٌ بأسائه بفعل أشعر أنك أنقصت مني شيء بهذه الإساءة أخللت بكرامتي، أخللت بشخصيتي أخللت بوجودي فأنقصت مني شيء فأن تعويض عن هذا النقص انتقم أرد الإساءة بالإساءة هذا الانتقام لا يتصور في حق الله لأنه ليس لديه نقص حتى يتمم نقصه برد الإساءة بالإساءة.

إذاً الآيات أو الروايات قال تعالى: ﴿وَ اللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍما معنى﴿ذُو انْتِقَامٍليس المقود بانتقامه سد النقص الذي ورد عليه وهو الذي نعبر عنه بالتشفي هذه مستحيل في حقه إذا ما معنى﴿ذُو انْتِقَامٍيعني عقابه لظالم على ظلمه ليس معنى انتقامه إلا عقابه للظالم على ظلمه وإنما يعبر بالانتقام مثل ما يقولون في علم البديع عندنا علم البيان، علم المعاني علم البديع هذه علوم البلاغة علوم ثلاثة كما يقال في علم البديع من باب ألمشاكله مثل قوله تبارك وتعالى﴿‏وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ «الله ليس عنده مكر إذاً ما معنى ويمكر الله بمعنى رد مكرهم يعد مكرنا يسمى مكر من باب ألمشاكله؟! ﴿‏وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ يعني لأنهم مكروا ردوا مكرهم سماه الله مكر وإلا ليس عنده مكر تبارك وتعالى ولا يحتاج إلى مكر إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ليس ضعيف حتى يظلم هنا أيضاً قال تعالى: ﴿وَ اللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍيعني عقاب الظالمين سماه انتقام من باب ألمشاكله وإلا ليس لديه انتقام بمعنى التشفي وسد النقص.

نرجع إذا علم الله أن في وجود الإنسان مصلحة في وجود زيد مصلحة هو يعلم من الأول تبارك وتعالى أن في وجود زيد مصلحة إذا صار الوقت المناسب الآن الوقت المناسب لوجود زيد هذه المرحلة الأولى مرحلة العلم ثم بعد ذلك تأتي مرحلة المشيئة طيب زيد يحتاج إلى أسباب حتى يوجد أب أم لقاء بين الذكر والأنثى في وضع معين هذا إعداد للأسباب هذا مشيئة بعلمه كانت المشيئة بمشيئته كانت الإرادة بعد أن تمت الأسباب إذن كل شيء يحتاج إلى إذنه قال تعالى: ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِوقال تعالى: ﴿اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِإذن للأسباب بتأثير بأن تؤثر أثرها وبإرادته كان التقدير إذا زيد يوجد كيف يوجد بصير، مكفوف، طول عرض ما هو مقدار تفكيره ما هو مقدار قدرته ما هو مقدار إرادته ما هو مقدار مشاعره وعواطفه مقادير هو زيد كان عندنا مخزون نحن الآن نريد أن نجده وجود مادي قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُالآن نريد أن ننزله في عالم المادة كيف ننزله؟! قال تعالى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء، طيب الأسباب تمت والله أذن للأسباب بالتأثير وقدر المقادير لوجود زيد أتت مرحلة القضاء مرحلة القضاء يعني إفاضة الوجود قال تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب أفاض الوجود إلى هذه الأسباب وبقضائه كان الإمضاء بمعنى أنه لم يتدخل تبارك وتعالى وأحدث مانع لأنه الله بعض الأحيان يحدث مانع قد تتم الأسباب ويبدأ العمل ثم يحدث مانع عن القضاء ما تعقبه إمضاء إذا أحدث المانع القضاء صار ولكنه لم يتعقبه إمضاء قال تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، أنظر إلى الإنسان يجمع الأسباب كلها خلاص عزم على العمل وبدأ وباشر العمل وبعد ذلك فجئه يرى نفسه قد انصرفت يالله مو لازم ويرد ويرجع﴿أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وقال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.

إذا بالنتيجة: أحيانا الإنسان يعزم عزم مؤكد على العمل بعد ذلك يحدث شي صارف في نفسه فإذا لم يحدث الله مانع صارت مرحلة الإمضاء وإذا أحدث مانع قضاء حدث ولكنه لم يحدث إمضاء فأمضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد وأراد ما شاء وشاء ما علم وهكذا، ولهذا في الرواية الواردة عن الإمام أمير المؤمنين : "كان واقف تحت جدار فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين أن الجدار سيسقط فر الإمام من الجدار وذهب إلى الطرف الثاني قالوا: يا أبا الحسن أتفر من قضاء الله قال: أفر من قضاء الله إلى قدرة هذا صحيح قضاء ولكنه قضاء لم يمضى لأنه الله أحدث صارف صرفني عن البقاء.

علم الله تبارك وتعالى بمسيرتي قبل أن أوجد وجود مادي هذا صحيح علم بمصيري هذا صحيح ولكن القضاء على قسمين قضاء حتمي: ليس باختياري وإرادتي، أولدني من الأب الفلاني ليس بيدي أنا أولدني في البلد الفلاني ليس بيدي أنا هذه أمور ليست بيدي أنا أبي مكان ولادتي كله ليس بيدي أنا كله قضاء حتمي لا أستطيع أن أتدخل فيه أنا وهناك قضاء غير حتمي: وهو سعادتي شقائي كله بيدي أنا بيدي أنا أن أكون سعيد بيدي أنا أن أكون شقي مثل ما بيدي أن أكون طبيب مثل شخص يقول والله قدر عليَ أن أكون طبيب كيف أصبحت طبيب لولا إرادتك كونك طبيب بإرادتك كونك إنسان فاشل بإرادتك كونك إنسان عامل بإرادتك أيضا سعادتك بإرادتك شقاوتك بإرادتك بل موتك أحيانا بإرادتك أحيانا الموت ليس بإرادتي حدث زلزال عالمي وأحيانا الموت بإرادة الإنسان صحيح أنه غير ملتفت ولكنه بإرادته، بإرادته حرك السيارة بإرادته مر على هذا الشارع بإرادته تحرك هذه الحركة بإرادته انقلبت السيارة هو أراده موته لأنه كل هذه الأفعال صدرت عن اختيار منه وإرادة منه وأن كان أو لم يكن ملتفت إلى أن النتيجة هي الموت لكنه بإرادته.

مثل شخص مهرج سوبر مان يمسك حبل بعضهم يصعد فوق الجبل ويدب نفسه من فوق الجبل ماسك بهذا الحبل مر في التلفزيون وينقطع هذا الحبل هذه بإرادته ولا يقول الله قضى عليّ الموت قضى غليك الموت باختيار منك بإرادة منك أنت أردت هذا النوع من الموت أنت أردت هذه الطريقة من الموت أنت أردتها أنت اخترتها.

إذا بالنتيجة: حتى موت العبد أحيانا يكون بإرادته باختياره وأن لم يلتفت إلى أن نتيجة عمله الاختياري الإرادي هو الموت المهم أن يتوب إلى ربه قبل الموت ولهذا يستحب أن تقرى في الجنازة «اللهم لا تجعلنا من السواد المخترم» ما معنى «اللهم لا تجعلنا من السواد المخترم» يعني الذي أخترمه الموت قبل أن يتوب قبل أن يقلع إلى ربه عن المعاصي والذنوب «اللهم لا تجعلنا من السواد المخترم» إذاً تقدير الله عليّ تقدير بإرادتي وبمشيئتي.

نصل إلى الجملة النهائية: علم الله بأنني سأكون شقي أو سعيدا لكن لم يعلم بذلك علم مطلق وإنما علم به علم منوط بإرادتي واختياري علم بأنني سأكون طبيب عن اختيار مني ليس له معنى نقول أن الله علم لابد أن يتحقق علم الله بأني أكون طبيباَ لا مطلق علم الله بأني أكون طبيباَ عن اختيار مني وإرادة الإرادة دخيلة في ذلك، كما علم الله بأنني سأكون طبيباَ عن اختيار مني علم بأني سأكون شقياً عن اختيار مني علم بأني سأموت في اليوم الفلاني عن اختيار مني وإرادة مني وهكذا.

فإذا قول الإنسان والله أنا مسير هذا لوح محفوظ كتبه الله وقدره وأنا جالس امشي فيه لا أستطيع أن أغير وأبدل، ما علم به الله قبل وجودك من تفاصيل حياتك علم بها مشروطة منوطة بإرادتك واختيارك ولو حصلت من دون إرادتك واختيارك لكان هذا تخلف في علم الله لكان هذا أبطال لعلم الله تبارك وتعالى فما قضاءه وما قدره وما علمه وهو هذه التفاصيل عن إرادة واختيار لا أن التفاصيل تقع من دون إرادة واختيار.

نأتي إلى الآية التي افتتحنا بها ﴿إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُربما يسأل سائل إذا شخص عنده ذوق في النحو لماذا جزم الفعل قال﴿يَعْلَمْهُ اللّهُ ولم يقل «يعلمه»؟! إذا صار مجزوم بمعنى جزء للشرط يعني الله لا يعلم به إلا إذا أخفي ولا يعلم به إلا إذا أبدي بينما الله يعلم بالفعل على كل حال يعلم بالفعل من قبل وجوده فلماذا جزم الفعل؟! المفروض يقول ﴿إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُبرفع الفعل يعني الله يعلم به على كل حال لماذا جزمه لماذا جعله شرط جعله جزء للشرط أن تبدوا أن تخفوا يعلمه كأنه إذا لم نبدي أو نخفي الله لا يعلم به لا المراد بذلك بيان أنه يعلم بالشيء حتى في تفاصيله يريد أن يبين لك أنه كما يعلم بأصل الفعل يعلم أيضاً بتفاصيله بإبدائه يعلم بأخفائه يعلم ليس فقط يعلم بالفعل بإبدائه بإخفائه فلأنه أراد أن يعبر عن علمه بالتفاصيل تبارك وتعالى جعله جزاء للشرط ولم يجعله جملة مستأنفة قال: ﴿إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ ثم قال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قديروقال تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ.

والحمد لله رب العالمين

من وحي أدعية أهل البيت (ع)
حاجة الوجود إلى ظهور الإمام المهدي (عج)