نص الشريط
الأمومة بين الميزان الفقهي والوظيفة التربوية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/1/1422 هـ
مرات العرض: 3844
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1412)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا

صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث عن نقاط ثلاث:

  • في تحليل غريزة الأمومة.
  • في بيان الميزان الفقهي للأمومة.
  • في وظيفة الأمومة.
النقطة الأولى: تحليل غريزة الأمومة.

حتى نفهم معنى غريزة الأمومة نرجع إلى بحث بين النظرية المذكورة في علم النفس، والنظرية التي يتبناها بعض علماء المسلمين. المدرسة السلوكية في علم النفس تقرّر أن القوة المؤثرة في سلوك الإنسان هي غريزة جلب اللذة ودفع الألم، إذ أن الإنسان إذا تعرض لمثير من المثيرات الخارجية، تحصل عنده في داخل نفسه ثلاث عمليات، فمثلاً: أنت تفتح التلفزيون، فترى في قناة MBC مظهرًا جنسيًا خلاعيًا مثلاً، فحينئذ هذا المنظر المثير يحدث في النفس ثلاث عمليات: العملية الأولى: إدراك المثير، والعملية الثانية: التوتر الجنسي، إذ أن إدراك المثير يحدث توترًا داخليًا عند الإنسان، والعملية الثالثة: البحث عن تغطية هذا المثير، إذ نتيجة التوتر الجنسي يبحث الإنسان عن تغطية وإشباع لهذا المثير. هذه العملية الثالثة هي المسماة بغريزة جلب اللذة ودفع الألم، أي أن الإنسان لكي يحصل على لذة الجنس، ويدفع ألم الحرمان من الجنس، تراه يتحرك ويقوم بقضاء شهوته وإشباغ غريزته.

إذن هذا السلوك - وهو أن يقوم الإنسان بإشباع غريزته - تحرّك ووُجِد نتيجة غريزة جلب اللذة ودفع الألم. كذلك الحال عندما يجوع الإنسان، حيث يدرك ذهنه الجوع، فإذا أدرك الذهن الجوعَ حصل التوتر الداخلي، وإذا حصل التوتر الداخلي حصلت غريزة جلب لذة الطعام ودفع ألم الجوع، وهكذا.. فجميع أنواع السلوك تنطلق من العملية الثالثة، وهي غريزة جلب اللذة ودفع الألم.

نحن نقول في مقابل هذه النظرية التي تطرحها المدرسة السلوكية: السلوك على قسمين: سلوك فعلي وسلوك انفعالي، وفرق بين الفعل والانفعال. السلوك الانفعالي يمر بالمراحل التي ذكرناها، كما يقول علماء النفس تمامًا، وبالتالي ينشأ السلوك استجابةً لمثير معين، فهو انفعالٌ عن مثير معين، وهذا سلوك انفعالي، ولولا المثير لما حصل هذا السلوك، فهو استجابةٌ ومطاوعةٌ وانفعالٌ لمثير معين، سواء كان مثيرًا داخليًا كالجوع، أو مثيرًا خارجيًا كمنظر معين. ولكن يوجد قسم آخر من السلوك، وهو السلوك الفعلي، وهو ليس استجابة لمثير ولا انفعالاً عن مثير معين، بل هو سلوك فعلي، وحتى تتضح الصورة نذكر أمورًا ثلاثة:

الأمر الأول: الوجود مصدر الخير والكمال.

الفلاسفة يقولون: لا يوجد خير ولا كمال إلا من الوجود، ولولا الوجود لما حصل الخير. وجود النبات مصدر لعطائه ولثمرته، ووجود الحيوان أيضًا مصدر لعطائه ولغذائه، ووجود الإنسان مصدر للعلم والقدرة والقوة والطاقة، فالخير والكمال مصدره الوجود، فالوجود هو منشأ كل خير وكمال. إذا التفت الإنسان إلى أن الكمال والخير - العلم، الطاقة، الحياة - لا يأتي إلا من الوجود، أحبَّ الوجود بطبعه. مادام الإنسان يحب الكمال والخير، والوجود هو مصدر الخير والكمال، إذن الإنسان يحب الوجود بطبعه وبالأصالة، أي أن الإنسان ولد وهو يحب الوجود؛ لأنه يحب الخير، فيحب الكمال، إذن يحب الوجود.

الأمر الثاني: حب الذات راجع لحب الوجود.

ذكرنا في الليلة السابقة غريزة حب الذات، وحتى يتضح الموضوع جيدًا لا بد من الالتفات إلى نظرية العرفاء. علماء العرفان يقولون: الأساس أن الإنسان يحب الوجود، وإنما يحب ذاته لأن ذاته وجود، فليس الإنسان يحب ذاته بالأصالة، بل هو يحب الوجود، فقد فطر وولد وهو يحب الوجود؛ لأن الوجود مصدر الخير والكمال، وإنما يحب ذاته لأنه يرى أن ذاته وجود، إذ أن ذاته طاقة وحياة وجزء من العلم، حيث أن الذات تشتمل على طاقة وعلم وقدرة وحياة... إلخ. الإنسان يحب الوجود، ولأجل أنه يحب الوجود يحب ذاته؛ لأن ذاته نوع من الوجود، وحصة من الوجود.

من هنا تظهر الثمرة: لأن الإنسان يحب الوجود، إذا أدرك وجودًا أقوى من وجود ذاته أحب ذلك الوجود الذي هو أقوى من وجود ذاته، وبمجرد أن يلتفت الإنسان إلى وجود أكمل وأتم وأقوى من وجود ذاته يبدأ يحب ذلك الوجود. لماذا يحب محمدًا ؟ لأنه يدرك أن هذا الوجود أقوى من الوجود، حيث يملك طاقة وحياة وعلمًا وقدرة لا يملكها هو، فالوجود عند محمد أقوى من الوجود عنده، ولذلك يعشق ذلك الوجود. إذا التفت لوجود الله «عز وجل» - وجود لا حد لقدرته ولا لعلمه ولا لحياته ولا لفيضه ولا لعطائه - أحب وجود الله «تبارك وتعالى»، فهو يعبد الله، ويقدّس الله، وقد يستشهد في سبيل الله لا حبًا لذاته، بل حبًا للوجود الأتم، وحبًا للوجود الأقوى، وحبًا للوجود اللامحدود، وانبهارًا بعظمة وكمال هذا الوجود الأتم. ولذلك أمير المؤمنين يقول: ”ما عبدتك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك“.

الأمر الثالث: حب الأولاد متفرع عن حب الوجود.

بما أن الإنسان يحب الوجود، يحب امتداد الوجود، ويحب ما يتفرع على الوجود. الأب يحب ولده لأن ولده امتداد لوجوده، أي أن الأب إنما يحب الولد لأنه يحب الوجود، وهذا الولد امتداد للوجود، فهو يحب ولده لأنه امتداد لوجوده. الأم لماذا تحب على ولدها وتعطف على ولدها؟ لأنها تشعر أن هذا وجودها، ولدها جزء من وجودها، وولدها امتداد لوجودها، وولدها استمرار لوجودها.

من هنا نصل إلى نتيجة المناقشة للنظرية المطروحة في علم النفس: هذه الأم عندما تسيطر عليها غريزة الأمومة، فتأخذ الطفل، وتضمه إلى صدرها، وترضعه، وتغدق عليه حنانه وعطفها، وتربيه وتسهر عليه، فإن هذا السلوك ليس من باب جلب اللذة ودفع الألم، ليس سلوكًا انفعاليًا، أي أنه ليس استجابة عن مثير ولا انفعالا عن مثير، بل هو سلوك فعلي وليس انفعاليًا، يصدر من الأم بغريزة الأمومة، وهذه الغريزة منطلقها ومحورها حب الوجود. إذن بالنتيجة: السلوك الفعلي منشؤه حب الوجود، بينما السلوك الانفعالي منشؤه استجابة لمثير معين، وهو ما يعبر عنه بغريزة جلب اللذة ودفع الألم، وبالتالي نفهم أن غريزة الأمومة من أقوى الغرائز البشرية المتفرعة على حب الوجود والتعلق بالوجود.

النقطة الثانية: ما هو الميزان الفقهي في الأمومة؟

حتى يتضح الميزان الفقهي نطرح مسألة شرعية، وهي مسألة الرحم المستأجر. لو كانت هناك امرأة لا تجنب لعامل معين، فقام الأطباء بتلقيح الحيوان المنوي من الزوج مع البويضة من المرأة، وهذه البويضة الملقحة تزرع في رحم امرأة أخرى قادرة على الإنجاب، وبالتالي يتكوّن هذا الولد في رحم امرأة غير صاحبة البويضة، وبعد ذلك هذه المرأة التي حملته في بطنها تسعة أشهر تلده فيخرج للحياة، فهل أمه صاحبة البويضة أم أن أمه هي التي ولدته وحملته في بطنها تسعة أشهر؟ من هي أمه شرعًا؟ لا نتحدث عن أمه طبًا ولا قانونًا، وإنما كلامنا في القانون الإسلامي الشرعي.

هنا اختلف فقهاء الشيعة، فقال سيدنا السيد الخوئي «قدس سره»: أمه التي حملته وولدته، وأما صاحبة البويضة فهي أجنبية عنه؛ لأن الآية المباركة حصرت الأمومة في الولادة: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ. كانت هناك عادة جاهلية تسمى الظهار، وهي أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، وحينئذ تعتبر الزوجة حرامًا على الرجل مؤبدًا في عرف أهل الجاهلية، وقد ألغى الإسلام ذلك، وقال بأن من قال عبارة الظهار فعليه كفارة: إما عتق رقبة، فإن لم يقدر فصيام شهرين متتابعين، ولا تحرم عليه مؤبدًا.

الآية المباركة تتعرض لهذه العادة - عادة الظهار - فتقول: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ، أي أن القرآن يذكر جملة حاصرة: الأم هي التي تلدك، فصاحبة البويضة لا علاقة لها بالطفل، وإنما أمه هي التي حملته وولدته، فترثه ويرثها، وينظر إليها، ويجلس معها، ولا يتزوجها، ولا يتزوج بناتِها. نحن بقطع النظر عن الإشكال الشرعي: كيف تزرع النطفة في رحم امرأة أجنبية؟ نحن لا نتحدث عن هذه النقطة، وإنما نتحدث عن الحكم الوضعي - كما يقول الفقهاء - لا الحكم التكليفي.

بعض الفقهاء الآخرين - كالسيد السيستاني «دام ظله» - يقول: الأم صاحبة البويضة. الآية قالت: ﴿إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ولكن ليس معنى الولادة الإنجاب، وإنما معنى الولادة النشأة الطبيعية، فمثلاً: أنت تقرأ قوله تعالى: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ يعني أنجب؟! لا، يعني منشؤه الطبيعي هو هذا، والد وما نشأ منه، وما تفرع عليه، فبما أن هذا الرجل صاحب الحيوان المنوي، ما تفرع عن حيوانه المنوي فهو ولده.

إذن فالمراد بالولادة النشأة الطبيعية، وليس المراد بالولادة الوضع بعد الحمل تسعة أشهر، ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أي: إلا اللائي هن المصدر الطبيعي لوجودهم، ومن الواضح أن المنشأ الطبيعي لوجود هذا الولد صاحبة البويضة. هذا خلاف فقهي أحببت أن أنبه إليه، حتى لا يأتيك شخص ويقول لك: رأي الشيعة هو كذا! لا، المسألة خلافية.

النقطة الثالثة: ما هي وظيفة الأمومة؟

كثيرًا ما يكون الأب مشغولاً عن الأسرة، فقد يكون مشغولاً بعمله من أول النهار حتى آخره، وقد يكون مشغولاً عن الأسرة في كثير من الأحيان، فمن هو الحاضر في الأسرة؟ من هو المراقب لأوضاع الأسرة؟ من هو الملاحظ لحياة الأولاد والفتيات داخل الأسرة؟ الأم كثيرًا من الأحيان هي أكثر حضورًا من الأب، ومن هنا تأتي المسؤولية الكبرى والجسيمة على عاتق الأم.

الأم  مدرسة  إذا  أعددتها   أعددت شعبًا طيب الأعراق

القرآن الكريم يقول: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. بعض الناس يتصور أن هذه الآية خطاب خاص بالآباء! لا، بل هي خطاب لكل إنسان أبًا كان أو أمًا، وكما أن الأولاد أهل الأب، كذلك هم أهل الأم، فكما على الأب أن يقي نفسه ويقي أسرته، على الأم أيضًا أن تقي نفسها وتقي أسرتها. الأم الفاضلة هي التي تمشي على بنود التربية الإسلامية، إذ أن للتربية الإسلامية بنودًا، فعلى الأم الفاضلة الصالحة أن تمشي على البنود المذكورة للتربية الإسلامية.

البند الأول: تعليم الطفل تاريخ أهل البيت.

طفلك أرض خالية، يمكن أن تزرع وردًا، ويمكن أن تزرع شوكًا، فهو في مهب الرياح: الإعلام، القنوات، الأصدقاء، المجتمع.. إلى آخر وسائل الإعلام الأخرى، فما لم تعلم طفلك تاريخ أهل البيت فسوف تكون النتيجة سيئة جدًا. الإمام علي يخاطب ولده الحسن: ”يا بني، إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، كلما وضع فيها شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، وينشغل لبك“، أدبتك وعلمتك قبل أن تلتقي مع المجتمع ومع وسائل الإعلام الأخرى.

لا بد أن تأتي بالطفل إلى المأتم. كثير من الآباء - مع الأسف - يقول: مازال صغيرًا! فدعه يشاهد التلفزيون بينما نحن نذهب إلى المأتم! لا بد أن تصحبه إلى المأتم والمسجد منذ أن يكون عمره أربع أو خمس سنوات. صحيح أن الأطفال قد يثيرون إزعاجًا أثناء المأتم، ولكن الجميع يتحملهم في سبيل المسؤولية الشرعية العامة. لا بد أن تصحب طفلك معك إلى المسجد وإلى المأتم؛ حتى يتعلم من علوم أهل البيت، وحتى يتنور بأنوار أهل البيت، وحتى يتطلع على تاريخ أهل البيت.

الإمام الصادق يقول: ”علموا أولادكم من علمنا ما ينتفعون به، لا تسبقكم المرجئة“. هو سوف يتعلم الفيزياء والكيمياء وسائر العلوم الأخرى، لكن علم أهل البيت وعقائدهم وفقههم وتاريخهم متى سيتعلمها؟! ومن أين سيتعلمها؟! إذا كنتَ - أيها الأب - مشغولاً طوال الوقت بعملك وبوظيفتك وببنك وبدنياك، فمتى يتعلم هذا الطفل إذا لم تصحبه إلى المأتم وإلى المسجد؟! هناك تيارات أخرى، وهناك خطوط أخرى، وهناك وسائل إعلام أخرى، تملأ عقل هذا الطفل بالأفكار المسمومة، وبالأفكار الملوثة، وبالأفكار المشوّهة، فبادر لتعليمه وإعطائه حصانة ومناعة يقاوم بها سائر التيارات والأفكار. اجلس معه ولو في الأسبوع يومًا، واجلسي مع طفلِك في البيت لتعليمه كيف يصلي وكيف يصوم وكيف يعرف تاريخ الحسين وتاريخ محمد وآل بيت محمد.

البند الثاني: أن تعلمي طفلتكِ على العفة والحياء.

طفلتكِ مسؤولية في عنقكِ أيتها الأم. الطفلة تتأثر بأمها سريعًا، فكما أن الطفل يتأثر بأبيه، كذلك الطفلة تتأثر بسلوك أمها وبتجربة أمها، فتفصح لأمها وتتكلم عن أسرارها لأمها، وتعتبر أمها صديقتها، وتخبرها عن مشاكلها وشجونها. أنتِ قدوة طفلتكِ ومثالها الرائع، فعليكِ أن تعلميها العفة والحياء، من خلال عفتكِ أنتِ، ومن خلال حيائكِ أنتِ. إذا رأتك طفلتك متحجبة عفيفة، تلتزمين بالحجاب الشرعي، وتلتزمين بالوقار والسكينة، تعلمت منكِ. حاوليها أن تلبسيها الحجاب منذ أن يكون عمرها سبع سنوات. علمي ابنتكِ على الحجاب الشرعي الكامل منذ أن يكون عمرها سبع سنوات، حتى إذا بلغت سن التكليف ووصلت إلى تسع سنوات تكون قد تعلمت على الحجاب الشرعي.

لا تقولي: مازالت طفلة صغيرة تسرح وتمرح فلماذا أقيّد حريتها وأضيّق عليها؟! وتصل إلى تسع سنوات أو إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة ومازالت طفلة!! إلى متى هي طفلة؟! لا بد أن تعلميها منذ كونها ابنة سبع سنوات على الالتزام بالحجاب، هذه مسؤوليتك الشرعية يا أختي، وهذه هي الوقاية ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، فكما تقين نفسكِ من النار بأن تلتزمي بالحجاب الشرعي، قي ابنتكِ من النار بأن تلتزم بالحجاب الشرعي.

وإذا كانت الأم لا تلتزم بالعفة والحياء.. بعض الأخوات - مع الأسف - في مواسم الأعراس تلبس لباسًا عاريًا تقريبًا، وتلبس لباسًا متهتكًا تقريبًا، قائلة: هذا مباح؛ فإنني بين النساء ولست بين الرجال، فلا مانع من أن ألبس هذا اللباس شبه العاري الذي يظهر فيه الصدر وجميع أجزاء البدن سوى مناطق العورة! لا، ليس مباحًا، بل حرام. كل ما يوجب هتك كرامة المرأة فهو حرام. أي لباس تلبسه المرأة يوجب هتك كرامتها فهو حرام. حتى الرجل إذا لبس لباسًا يهتك كرامته فقد ارتكب حرامًا.

الإسلام يحافظ عليك، فيقول لك: أنت مؤمن لك حرمة، والحرمة ألا تهتك كرامتك ولا شخصيتك، فيحرم عليك أن تلبس لباسًا يوجب الاستخفاف بك واستصغارك وهتك كرامتك. هذا اللباس شبه العاري يوجب هتك الكرامة، فيكون محرمًا، ويعلّم الطفلة على الجرأة. أنتِ بذلك تعلمين بناتِكِ على الجرأة وقلة الحياء والاستخفاف بالالتزام بالوقار والسكينة.

البند الثالث: تعليم الأولاد خلق التعاون.

كيف نخلق جوًا من الأخوة والتعاون والتلاحم بين أطفالنا؟ نحن - الزوج والزوجة - إذا تعاونّا انعكس تعاوننا على أطفالنا وأبنائنا. لنجسد مبدأ التعاون حتى يتعلم أبناؤنا منا، فيساعد الزوج زوجته في شؤون الأسرة، وتساعد الزوجة زوجها. الزوج يساعد زوجته على تربية الأطفال، وعلى حملهم، وعلى السهر عليهم، وعلى الالتفاف لأوضاعهم، والزوجة أيضًا تساعد زوجها أن تتحمل بأوضاعه المعيشية والمادية والأسرية. إذا كان التعاون مجسَّدًا بين الزوج والزوجة انعكس على الأبناء، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

أما إذا كان الزوج همه العمل، وبمجرد رجوعه منه يطلب الغداء، فإذا انتهى من الغداء خرج في نزهة، فإذا انتهى من النزهة طلب العشاء، فإذا تعشى خلد للنوم! هل الحياة هكذا فقط؟! هل الحياة بطن وراحة وعمل فقط؟! أين التربية؟! أين الالتفات إلى الأولاد والأبناء؟! كذلك الأم قد تكون هكذا، فمنذ الصباح إلى ما بعد الظهر هي في الوظيفة، وعندما ترجع تطلب راحتها، فعلى الزوج أن ينعّمها وأن يهيّئ لها أحسن الأزياء وأفضل الملابس وأروع الموضات والموديلات، فعليه أن يفتح الجيب، ويصحبها بسيارته إلى مختلف الأسواق والشركات؛ لتشتري أفضل الأزياء وأحسن الموضات والموديلات، وأما الأطفال فإلى جهنم!!

هذه مسؤولية خطيرة. إذن أين مسؤولية التربية؟! إذن أين الآية التي تنادينا: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ؟! على الأب والأم أن يفرغا أنفسهما كل يوم ساعة لتنبيه الأطفال وتعليمهم الصلاة والآداب وتاريخ أهل البيت والعقائد الصحيحة. وأنت جالس مع الأطفال على مائدة الغداء تتحدث معهم، فتذكر لهم قصة عن النبي أو عن الحسين أو عن الإمام علي مثلاً، ومن القصة تنتزع آدابًا ومعلوماتٍ، فتتحدث معهم يومًا عن التاريخ، وآخر عن الآداب، وثالثًا عن الأخلاق، ورابعًا عن العقائد، وخامسًا عن الفقه، وهكذا.

البند الرابع: مراقبة الطفل.

الطفل الآن أصبح في مهب الرياح. لا تترك الشاشة أمام الطفل من دون أن تكون رقيبًا عليه. لاحظ طفلك كيف يتعامل مع شاشة التلفزيون، وركّز على طفلك ماذا يشاهد وماذا يلتقط. كما تجلس وتشاهد المسلسل مع العائلة والأولاد، اجلس مع طفلك كالصديق، وقل له: هذا المنظر حلال وذاك المنظر حرام، هذا البرنامج جيد وذاك ليس جيدًا، هذا الفلم مفيد وذاك الفلم سيئ.. اجلس مع ولدك وكن صديقًا له وعلّمه وحاول أن تضع النقاط على الحروف حتى يتعلم طفلك منك. راقب طفلك: بمن يتصل؟ من يكلمه في التلفون؟ من هم أصدقاؤه؟ هل هم أبناء أسر صالحة، أم هم أبناء أسر مجهولة، أو أبناء أسر غير صالحة؟ الصديق أكبر مؤثر على سلوك الإنسان، فقد يجر إلى النار أو يجر إلى الجنة، كما قال تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا. من صديق طفلك؟ لا بد أن تلاحظ وتراقب هذا الموضوع جيدًا.

البند الأخير: تعليم الطفل روح البذل والعطاء.

اجعله إنسانًا اجتماعيًا يبذل ويعطي. قل لطفلك: خذ هذه الأموال وتصدّق بها على الفقراء، وخذ هذه الأموال وساهم بها في المسجد الفلاني، وخذ هذه الأموال وانضم إلى المشروع الثقافي وإلى المدرسة الثقافية، وانضم إلى العزاء والمأتم.. علّم طفلك على المسؤولية الاجتماعية، حتى يشعر بأن هناك مجتمعًا يرتقب منه المساهمة والبذل والعطاء والتضحية، فلاحظ ذلك وركّز عليه.

علّم طفلك على البذل والعطاء، وعلى المسؤولية الاجتماعية، وعلى الإحساس الغيري، واجعل قدوة طفلك القاسم بن الحسن. نحن لماذا نحتفل الليلة؟ كم طفلاً قتل في كربلاء؟! كثير، ولكن لماذا القاسم بن الحسن له ليلة تخصه؟! القاسم بن الحسن طفل عمره عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة، وكان هناك أطفال كثيرون قتلوا في كربلاء من أبناء الحسين ومن أبناء الحسن ومن أبناء مسلم بن عقيل ومن غيرهم، فلماذا القاسم بالذات له ليلة وله ذكر حسن؟! قضية زواجه وزفافه لا أساس لها.

الأساس وما هو الصحيح هو أن القاسم بن الحسن خُصِّت له ليلةٌ لأنه أبدى موقفًا شجاعًا، وأبدى جرأة وفصاحةً ما أبداها غيره من الأطفال، فإن الموقف الذي وقفه مع عمه الحسين والموقف الذي وقفه أمام الأعداء لم يصدرا من أحد من الأطفال، ولذلك العلماء الأعلام قوّموا هذين الموقفين، ورأوا هذين الموقفين جديرين بأن يجعلا القاسم شخصيةً بارزةً من شخصيات كربلاء.

كربلاء مدرسة، فهي مدرسة للنساء، وقدوة النساء فيها العقيلة زينب، ومدرسة للرجال، وقدوة الرجال فيها الحسين والعباس بن علي، ومدرسة للشباب، وقدوة الشباب فيها علي الأكبر، ومدرسة للأطفال أيضًا، وقدوة الأطفال فيها القاسم بن الحسن. من الحري بنا ومن الجدير بنا أن نعتبر ليلة الثامن ليلة الطفل. كما يوجد يوم عالمي للأم، وكما يوجد يوم عالمي للمعلم، كذلك أيضًا من الجدير بنا - نحن الشيعة - أن نعتبر اليوم الثامن من المحرم يومًا عالميًا للطفل، يوم القاسم بن الحسن الذي هو مدرسة لأطفالنا وقدوة لهم.

قولوا لأطفالكم: احضروا ليلة الثامن من المحرم، واحضروا يوم الثامن من المحرم، واسمعوا الخطباء كيف يتحدثون عن هذا الطفل الذي كان عمره عشر سنوات، كيف كانت جرأته، وكيف كانت بسالته، وكيف كانت شجاعته، وكيف كان موقفه النضالي العظيم، ”بأبي أنتم وأمي، شبابكم خير الشباب، وكهولكم خير الكهول، وكباركم خير الكبار، وصغاركم خير الصغار“، فالقاسم بن الحسن خير الصغار.

ولذلك عندما وقف على عمه الحسين صدرته منه كلمات لا تصدر من رجل عارف بالأمور، لكنها صدرت من هذا الطفل الصغير، حيث قال: يا عم، ويا مزيل الهم والغم، ائذن لي بمبارزة الأعداء، فلقد ضاق صدري. التفت له الحسين وقال له: يا بن أخي، أنت شمامتي من الحسن، إذا أردت أن أشم أخي الحسن شممتك، وإذا أردت أن أرى أخي الحسن رأيتك، كيف أرخصك للمنون وللموت وللحرب؟ فأصر الطفل وبدأ يتضرع ويتوسل إلى عمه الحسين أن يبرز للمعركة، فأراد الحسين أن يختبر هذا الطفل وأن يمتحن إرادته وقوة صموده وإصراره على القتال والجهاد، فقال له: بني قاسم، ما طعم الموت عندك؟ قال: عم، طعم الموت عندي أحلى من العسل إذا كان بين يديك. هل هذه كلمات طفل أم هي كلمات إنسان ناضج؟!

كرامة الإنسان في الإسلام
المرأة المؤمنة ودورها الاجتماعي