نص الشريط
المهدي (عج) عشق هادف
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 2/1/1431 هـ
مرات العرض: 5713
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (11751)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ

آمنا بالله.. صدق الله العلي العظيم

الآية المباركة دلَّت على أن المضطر إذا دعا ربه استحق الإجابة، ولكن البحث يقع: ما هو المقصود بالمضطر في الآية المباركة؟ فهنا عندنا رأيان:

الرأي الأول: ما ذكره السيد الطباطبائي عليه الرحمة في كتاب الميزان أن المضطر هو الإنسان المنقطع إلى الله، ما معنى هذا الكلام؟ هناك آيتان في القرآن تفسر إحداهما الأخرى..

الآية الأولى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ظاهر هذه الآية أن الدعاء الحقيقي يستلزم الإجابة، إذا صدر الدعاء الحقيقي من الإنسان ضمن الإجابة، لكن هذه الآية لم تفسر لنا ما هو الدعاء الحقيقي الذي إذا صدر ضمن الإنسان الإجابة..

جاءت لنا آية أخرى تفسر معنى الدعاء الحقيقي وهي قوله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ يعني الدعاء الحقيقي المستلزم للإجابة هو دعاء المضطر، المضطر إذا دعا فدعاؤه حقيقي يستلزم الإجابة، لماذا؟ لأن المضطر هو الذي يوقن بفشل جميع الأسباب المادية، فالإنسان مثلاً إذا أصابه مرض خطير وأيقن أن جميع الأسباب المادية فشلت في علاجه أو أصابه خطر وأيقن أن جميع الأسباب المادية فاشلة في تخليصه ونجاته من الخطر، هنا هذا الإنسان ينقطع إلى الله لأنه يدرك أن لا سبيل أمامه إلا الله فيلجأ إلى ربه، هذا يسمى مضطر، الإنسان الذي ينقطع إلى الله ليقينه أن جميع الأسباب المادية فاشلة وعقيمة في تخليصه من شدته ومن بلائه ينقطع إلى ربه، يسمى هذا مضطر وهو الذي يضمن الإستجابة ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ إذن المراد بالمضطر عند السيد الطباطبائي هو الإنسان الذي ينقطع إلى ربه في حالات شدة البلاء وشدة الخطر هذا إنسان مضطر..

الرأي الثاني: وهو الرأي الصحيح، أن المراد بالمضطر في الآية: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ المراد بالمضطر الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» فلماذا نحن نختار هذا الرأي؟ لوجهين:

الوجه الأول: الروايات ونحن لا نسطيع رفع أيدينا عن روايات صحيحة تفسر لنا الآية، عندنا معتبرة محمد بن مسلم عن الباقر ، وعندنا رواية عقبة بن صالح عن الصادق ، وموجودة عندنا هذه الروايات في تفسير القمي وفي البحار في غيرها..

عن الباقر ، سألته عن تفسير هذه الآية: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ قال: «إنها نزلت والله في قائم آل محمد، هو الله المضطر، إذا خرج صلى خلف المقام وتضرع إلى ربه فأجاب الله دعاءه فلا تُرد له راية أبدًا وكشف عنه السوء وجعله خليفة له»، إذًا الرواية تقول بهذا التفسير..

الوجه الثاني: في الآية قرينة على أن المراد بالمضطر هو الإمام، لماذا؟ لأن الآية في ذيلها قالت: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ لاحظ هذا التعبير ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ القرآن فيه تعبيران:

تعبير ﴿خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ وتعبير «خليفة الأرض» فرقٌ بين خليفة في الأرض وخليفة الأرض، ما هو الفرق بينهما؟ عندما نقول «الإنسان خليفة في الأرض» كل إنسان بمقدوره القيام بهذا الدور، دور الخلافة في الأرض، كل إنسان يستثمر الأرض يستثمر الطبيعة طبقًا لقوانين السماء، هذا الإنسان خليفة في الأرض لأنه استثمر الأرض على ضوء قوانين السماء، هذا يعتبر خليفة في الأرض..

أما «خليفة الأرض» أعظم من هذا، خليفة الأرض الذي يسيطر على الأرض كلها هذا يسمى خليفة الأرض وليس خليفة في الأرض، خليفة الأرض هو الذي تخضع له الأرض كلها بتمامها، الأرض بكنوزها ومعادنها وبركاتها تخضع له، هذا يسمى خليفة الأرض ليس فقط خليفة في الأرض، والقرآن استخدم التعبيرين..

القرآن عندما خاطب آدم قال: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، عندما خاطب النبي داوود : ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ ولكن عندما جاء يخاطب أمة النبي محمد لم يقل: ﴿خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ قال: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ ولم يقل: «خلفاء في الأرض»، إذن أمة النبي وُعدت من قِبل الله عز وجل بخلافة الأرض كلها وليس خلافة في الأرض، الخلافة في الأرض قام بها داوود وآدم وغيره، أمة النبي وُعدت بشيء أكبر من هذا وُعدت بخلافة الأرض، أن تكون لها الأرض كلها ببركاتها ومعادنها وكنوزها..

إذن هذا الوعد وهو أن تكون أمة النبي خليفة الأرض، هذا الوعد متى يتحقق؟ إنما يتحقق في يوم الظهور، إلى الآن لم يتحقق لأمة النبي هذا الوعد، للآن لم تصبح أمة النبي خليفة الأرض مازالت خليفة في الأرض كسائر الأنبياء، خلافة الأرض إلى الآن لم تتحقق، إذن ذيل الآية قرينة على أن المراد بالمضطر ليس هو كل إنسان يضطر وكل إنسان ينقطع فهو مضطر إلى الله ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ..

المضطر هو الإنسان الذي بيده تحقيق خلافة الأرض، الإنسان الذي بيده وعلى عاتقه تحقق الأمة الإسلامية خلافة الأرض، وذلك الإنسان إنما ينطبق على الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ إذن ذيل الآية قرينة على أن المراد بالمضطر في الآية هو الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف»..

لذلك عندما تدعو أنت بهذه الآية ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّلابد أن تلتفت إلى أنك تقصد الإمام المنتظر، أي كأنك تتوسل إلى الله ببركة الإمام المنتظر أن يكشف عنك الضر والبلاء فهو المضطر كما نقرأ قي دعاء الندبة ﴿أَيْنَ الْمُضْطَرُّ الَّذي يُجابُ اِذا دَعا إذن المراد بالمضطر في الآية الإمام المنتظر، فمن هنا نحن ننطلق في الحديث عن علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر وبأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..

عندنا ثلاثة محاور مختصرة:

المحور الأول: في تحليل علاقتنا بأهل البيت

عندنا فريقان من المسلمين، الفريق الأول يقول حب النبي وأهل بيته ليس له قيمة ولا موضوعية، وفريق آخر من المسلمين يقول حب النبي وأهل بيته له قيمة وله موضوعية، إذن عندنا اتجاهان اتجاه حرفي لا يعترف بقيمة الحب، واتجاه موضوعي يعترف بقيمة الحب، ونحن نشرح الاتجاهين:

الاتجاه الأول:

هو الاتجاه الحرفي، يقول به بعض السلفيين  وليس كلهم  هذا الاتجاه يعتمد على عنصرين:

العنصر الأول: يقول المطلوب حب الله لا حب النبي وآله، حب النبي لأجل أنه داعية إلى الله وإلا فحبه في حد ذاته ليس مطلوبًا، كيف؟ النبي مكون من جانبين: جانب شخصي وجانب دعوي..

الجانب الشخصي: علاقة النبي بزوجته، علاقة النبي بابنته فاطمة، علاقة النبي بصهره أمير المؤمنين، هذه قضايا شخصية وهذا جانب شخصي في النبي..

الجانب الدعوي: وهو كون النبي داعيًا إلى الله، قال تعالى في الآية المباركة: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ النبي داعٍ إلى الله، نحن نحب النبي ليس في الجانب الشخصي ولكننا نحبه في الجانب الدعوي، بعبارةٍ أخرى هذا التجاه يقول الحب المطلوب هو حب الله، فالنبي بما هو داعٍ إلى الله نحبه أما بما هو شخص له زوجة، له بنت، له صهر، عنده علاقات فنحن لا نحب النبي في الجانب الشخصي وإنما نحبه في الجانب الدعوي لأن الحب إلى الله وليس له، وهذا العنصر الأول..

العنصر الثاني: أن الحب لا قيمة له والمدار على العمل لا على الحب، القرآن ينادي أن القيمة للعمل وليست للحب، لاحظ القرآن الكريم يقول: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ المهم هو الاتباع وليس الحب، وقال القرآن الكريم: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ لم يقل يحب من يحبه وإنما قال يحب العمل، المدار على العمل أما الحب لا موضوعية له ولا قيمة له في حد ذاته فأنتم تحتفلون كل عام بأهل البيت مولدًا ووفاةً وتحتفلون بالنبي مولدًا ووفاةً، وكل هذا ليس له قيمة والقيمة للعمل والحب لا موضوعية له، إذن هذه الاحتفالات وهذه النداءات كلها عواطف لا قيمة لها، إذن الاتجاه الحرفي الذي يقول به بعض السلفيين أن الحب لا قيمة له..

الاتجاه الثاني:

وهو الاتجاه الموضوعي الذي تراه الشيعة الإمامية وبعض المذاهب الإسلامية الأخرى، الاتجاه الموضوعي يُقرِّر أن الحب له قيمة وله موضوعية، كيف؟ أشرح لكم هذا بدعائم ثلاث:

الدعامة الأولى: نحن في التراث الإمامي ليس عندنا تفكيك وتفصيل فلا نقول أن الرسول عندنا له جانب شخصي وجانب دعوي، فالإمامية لا يفككون شخصية النبي ولكنهم يعتقدون أن ذات النبي كلها مظهرٌ لله فليس فيها جانبين، ليس فيها تفصيل، ذات النبي وأهل بيته وكل الأنبياء، كل نبي، كل حجة ليس فيه جانبان شخصي ودعوي وليس عندنا ذلك، كل نبي، كل وصي، كل حجة، كله بتمام حركاته بتمام سكناته بتمام جهاته مظهرٌ لله تعالى، كيف نستدل عليه؟ نستدل عليه بالقرآن الكريم..

القرآن الكريم عندما تحدث عن الأنبياء والأوصياء والحجج لم يفصل، فلم يقل أحبوهم في الجانب الدعوي ولا تحبونهم في الجانب الشخصي، القرآن الكريم لم يقل ذلك، القرآن الكريم تناول شخصياتهم بعبارات تعبر عن أن ذواتهم مصفَّاة خالصة كلها مظهر لله، كيف؟

مثلاً قوله: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم ماذا يعني أخلصناهم أي صفينا ذواتهم وجعلنا ذواتهم خالصة صافية لله، هذه الذات كلها لله ﴿نَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ عندما تكلم عن موسى قال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا مُخلَص أي أنه كان مصفَّى ﴿وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا يعني أنه بالإضافة إلى الجانب الدعوي رسولاً ونبي أيضًا هو في الجانب الشخصي مُخلَص ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا..

عندما يتحدث القرآن عن يوسف ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ذوات صافية ليس فيها شوائب أبدًا، إذن هذا التعبير يؤكد لنا أن الأنبياء والأوصياء ليس لديهم جانب شخصي وجانب دعوي، ذات صافية لله، ذات خالصة لله..

نأتي إلى تعبير آخر، تعبير الاصطناع، فعندما يتحدث القرآن عن موسى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي أي أنا صنعتك صناعة كاملة، أنت كلك لي، ليس فيه جانب شخصي وجانب دعوي ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي.. ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي..

إذن هناك اصطناع، هناك اصطفاء، هناك تخليص، ذواتهم خالصة لله سبحانه وتعالى، هناك تعبيرٌ رائع عبر به بخصوص أهل البيت، تعبير رائع جدًا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا لم يترك فيكم شيء، نقاكم من جميع الشوائب والأدران وجعل ذواتكم ذوات صافية طاهرة خالصة لله تبارك وتعالى..

إذن ذات النبي وأهل بيته ذوات خالصة، لذلك التراث الإمامي يقول لك بأن هذا الكلام ليس له معنى شخصي ودعوي، لا، النبي كله مظهر لله، الإمام كله مظهر لله، الإمام كله حجة لله بتمام حركاته وسكناته ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وهذه الدعامة الأولى..

الدعامة الثانية: لاحظوا أن الحب حبُ النبي وأهل بيته حب فطري، لا تستطيع أن تقول أنه حب لا قيمة له، لماذا؟ الحب يقسمه علماء العرفان إلى ثلاثة أقسام:

1. الحب شهوي: وهو الذي يدور مدار اللذة والشهوة، مثل ماذا؟ يبين لنا القرآن: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ حب المرأة، حب الأولاد، حب الدنيا، كله داخل في إطار الحب الشهوي..

2. الحب الإنساني: وهو حب الإنسان لأبيه، حب الإنسان لأمه، هذا الحب إنساني يدور مدار الألفة، المؤمن يألف ويؤلف..

2. الحب الفطري: وهو حب الكمال، كل إنسان وُلد وهو يحب الكمال، كل إنسان وُلد وهو يحب الجمال، حب الكمال وحب الجمال حبٌ فطري، القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ الخير هو الجمال والكمال..

إذن، لماذا الإنسان يحب الله؟ لأن الله كمال والإنسان بفطرته يحب الكمال، ولماذا الإنسان يحب محمدًا وآل محمد؟ لأن محمدًا كمال والإنسان يحب بفطرته الكمال، فالإنسان إنما يحب الله والنبي وأهل البيت لا لشيء إنما فطرته تدعوه لحبهم، لأنه بفطرته يحب الكمال وهم مظهر للكمال فلذلك يحبهم، لهذا لا معنى لكلام بعض السلفية بأن حبهم لا قيمة له، لأنه حب فطري، حب دعت إليه الفطرة، حب فرضته عليه الفطرة والحب الفطري قيمته بفطرته وبصفائه وبنقائه، لذلك هذا الحب الفطري لا يختص بالشيعة لا، كل إنسان يطلع على سيرة أهل البيت يحبهم بفطرته، بولس سلامة شاعر مسيحي، عندما قرأ شخصية الإمام علي ماذا قال؟ قال:

جلجل  الحق  في المسيحي حتى

أنا  من يعشق الفضيلة والإلهام

فإذا     لم     يكن    عليٌ    iiنبيًا

يا سماء اشهدي ويا أرض قري





 
عُدَّ    من    فرط    حبه   iiعلويًا

والعدل      والخِلاق      الرضيا

فلقد      كان      خُلُقه      iiنبويًا

واخشعي    إنني    ذكرت   عليًا

إذن هذا حب فطري لا مجال للكلام فيه ونأتي للدعامة الثالثة..

الدعامة الثالثة: أنظر اتجاه بعض السلفيين يقول لك لا تتعب نفسك، الحب ليس له قيمة حب النبي وحب أهل بيته ليس له قيمة، بعبارة أخرى لو أن إنسانًا اتبع النبي وقال إن النبي ليس أبي وليس أمي فلماذا أحبه؟! ليس بيني وبينه أي عاطفة، سأتبعه ولن أحبه، هذا الإنسان هل يدخل الجنة؟ هو يقول إذا اتبع النبي دخل الجنة وإن لم يكن في قلبه عاطفة نحو النبي، الحب العاطفي عنده ليس له قيمة..

كما أن العمل له قيمة فإن الحب أيضًا له قيمة، كما أن العمل سببٌ لاستحقاق الجنة الحب أيضًا سببٌ لاستحقاق الجنة، الحب له قيمة كما أن للعمل قيمة، كيف؟ نحن عندنا أدلة من القرآن الكريم..

القرآن الكريم عندما يقول: ﴿قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى لو لم يكن للحب قيمة لقال القرآن: «قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا العمل والاتباع للنبي» ذكر المودة دليل على أن لها موضوعية، وأن لها دخالة، القرآن الكريم يقول على لسان النبي إبراهيم: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ أفئدتهم يعني الحب، إذا كان الحب ليس له قيمة فلماذا يدعو به إبراهيم؟ دعوة إبراهيم دليل على أن للحب قيمة وموضوعية عند الله وإلا لما دعا به نبي صالح يعرف مراد ربه تبارك وتعالى..

آية ثالثة يخاطب القرآن النبي موسى يقول: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَليكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي إذا كان الحب ليس له قيمة فلماذا يعطي الله لموسى محبة خاصة؟ ﴿وَأَلْقَيْتُ عَليكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي يعني أن حب النبي موسى له قيمة ولذلك اعتبره الله نعمة من النعم، وهكذا آيات قرآنية ترشد إلى أهمية الحب..

السنة أيضًا تؤكد على أن للحب قيمة وموضوعية، الثعلب في تفسيره يروي عن النبي محمد : «من مات على حب آل محمد مات شهيدًا»، «من مات على حب آل محمد مات تائبًا»، «من مات على حب آل محمد مات مؤمنًا مستكمل الإيمان»، «من مات على حب آل محمد مات مغفورًا له»، «من مات على حب آل محمد زُفَّ إلى الجنة كما تُزف العروس إلى زوجها»، «من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيسًا من رحمة الله»، إذن تبين أن الحب له قيمة وله موضوعية..

القرآن الكريم يقول: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ما معنى ﴿عَزَّرُوهُ؟ تعزير الشخص معناه إظهار المحبة له، لولا أن إظهار المحبة مطلوب لما ذكره القرآن من جملة الأمور المطلوبة تجاه النبي ، إذن الاحتفال بالنبي وآل بيته مولدًا ووفاةً كله من قبيل التعزير ﴿وَعَزَّرُوهُ يعني أظهروا المحبة له، إذن الحب له موضوعية وله قيمة، وهذا ما أدركه الإمام الشافعي عندما قال:

يا  راكبًا قف بالمحصب من iiمنى

سحرًا إذا فاض الحجيج إلى منى

إن   كان  رفضًا  حب  آل  iiمحمد

 





 
واهتف  بساكن خيفها iiوالناهض

فيضًا   كملتضم  الغدير  iiالفائض

فليشهد   الثقلان   أني   iiرافضي

 

المحور الثاني: حب آل البيت له قيمة وموضوعية عظيمة

لكن هنا شبهة بعض الأقلام ركزت عليها وهي تقول أن التراث الشيعي الإمامي يربي الشيعة على عاطفة سوداء وهي عاطفة الإحساس بالمظلومية والإضطهاد ومناسبات الحزن عند الشيعة أكثر من مناسبات الفرح، وإذا تقرأ أدبياتهم، أدعيتهم، زياراتهم كلها تركز على المظلومية، كلها تركز على الحزن، كلها تركز على الأسى، أدبيات الشيعة، تراث الشيعة، تراثٌ يربي الشيعة على المظلومية، يربي الشيعة على عاطفة سوداوية بغيضة وهي الإحساس بالإضطهاد والمظلومية، علماء الشيعة، خطباء الشيعة، كتب الشيعة، دائمًا يربِّون الشيعة على أنهم فئة مظلومة، فئة مضطهدة، فئة مسلوبة الحقوق، فئة مسلوبة الحياة، يِّربون الشيعة على هذا الإحساس، الإحساس بالمظلومية والإحساس بالإضطهاد، والإحساس بالنقص..

مثلاً، خذ هذا الدعاء الذي الذي يقرأه الشيعة للإمام المنتظر «اَللّهُمَّ اِنّا نَشْكُو اِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا» يعني أننا مضطهدين «وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدّةَ الْفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْح مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍّ تَكْشِفُهُ، وَنَصْر تُعِزُّهُ وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَة مِنْكَ تَجَلِّلُناها وَعافِيَة مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ» أدبيات الشيعة تُربي الشيعة على أنهم فئة مظلومة مضطهدة مسلوبة الحقوق، هي أقل من غيرها وهذه التربية تربية خطيرة جدًا، لماذا؟ لأن في علم النفس الإجتماعي يُقال الإنسان إذا رُبِّي على أنه مظلوم، على أنه مضطهد يعيش عقدة النقص، يشعر أنه ناقص، وإذا عاش عقدة النقص ترتب على ذلك أثران سلبيان:

الأول: العزلة عن المجتمع لأنه ناقص..

الثاني: يعيش روحًا نقِمة والحقد على المجتمع..

عموم الشيعة إذا يُربَّون على أنهم مجتمع ناقص مالذي سيحصل؟ سينعزلون عن المجتمع الإسلامي، وسيتخلفون عن بناء الحياة وبناء الحضارة وسيعيشون روحًا نقمة على المجتمع الإسلامي، بحيث لو أُعطوا فرصة لانتقموا من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى لأنهم رُبُّوا على أنهم فئة مظلومة مضطهدة، لأجل ذلك هم يعيشون روحًا نقمة، يعيشون روح الحقد والضغينة على أبناء المجتمع الإسلامي، إذن هذا التراث الشيعي تراث خطير جدًا، تراث يربي على روح النقمة والضغينة، لاحظتم إذًا أن هذه الشبهة يركز عليها بعض الأقلام..

ونحن في الجواب عن هذه الشبهة نقول:

أولاً: التراث الشيعي يشتمل على الشكوى، صحيح أنه يشتمل على الشكوى ولكن الشكوى إلى الله تبارك وتعالى، لا تُربِّي الإنسان على الإنتقام، وإنما تُربِّي عنده الإرادة والصبر على مصاعب الحياة..

الإنسان عندما يمر بظروفٍ قاسية لمن يشكو؟ يشكو إلى ربه، لماذا يشكو إلى ربه؟ لأن الشكوى إلى ربه تعلمه على أن ينطلق بحيوية جديدة ويصارع الحياة بإرادة حازمة، الشكوى إلى الله شحنة روحية تغذي الإرادة والحزم لدى الإنسان لا أنها تربي الإنسان على روح الإنتقام، ونضرب لكم أمثلة من الأنبياء:

النبي يعقوب يقول القرآن عنه: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ شكوى يعقوب لا لأجل الإنتقام من أولاده وإنما شكوى يعقوب من أجل أن يتجدد عزمه وتقوى إرادته أمام مصاعب الحياة..

النبي محمد ، في البداية والنهاية أبن اثير وأيضًا في السيرة الحلبية قصة معروفة عند الشيعة أيضًا، عندما ذهب النبي إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام أمروا صبيانهم وسفهاءهم أن يخرجوا إليه، خرجوا إليه يلقفونه بالأشواك والقذارة والأوساخ إلى أن دميَ جسده، رجع النبي واستند إلى حائط «يعني بستان» ورفع يديه إلى السماء، وتأمل هذه الكلمات العظيمة من النبي قال: «اللهم إني أشكو إليك  كما أننا نشكو في الدعاء اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا  ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، اللهم يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد فيتجهمني أم إلى عدوٍ ملَّكته أمري، إلهي إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي» خرج إليه ملك كما في الرواية قال: «يا رسول الله أمرني الله بأن أأتمر بأمرك، إن شئت أطبقتُ عليهم الأخشبين» ما هو الأخشبين؟ جبل قينقاع وجبل بني قبيس، قال: «لا، إني أرجو أن يكون في أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» لاحظ الأمل عند الرسول، ليس انتقام إنما أمل، يعني الشكوى إلى الله صارت سببًا للأمل وليست سببًا للإنتقام، صارت سببًا للتفاؤل وليست سببًا للتشاؤم، الرسول استخدم الشكوى إلى الله كسببٍ للتفاؤل لا سببًا للتشاؤم..

إذن نحن الشيعة الإمامية عندما نشكو إلى الله قلة عددنا وضعف قوتنا فهذا سبب للتفاؤل وليس سببًا للتشاؤم، وليست سببًا على تربية أبنائنا على روح النقمة، لا وإنما هو رصيدٌ روحي نستعين به أمام مصاعب الحياة وأمام كوارث الحياة..

ثانيًا: نحن لا نسنتطيع أن ننكر التاريخ ولا يستطيع أحد أن يطلب من الشيعي أن يغمض عينيه عن التاريخ كله، لا أنا عندي تاريخ، منذ زمن بعيد الإمام أمير المؤمنين مضطهد وأنا لاأستطيع أن أنفصل عن تاريخي وهذا تاريخي من زمان علي بن أبي طالب في ظل الحكومة الأموية والعباسية مضطهد مظلوم، كيف تجردني عن تاريخي؟ إنسان بلا تاريخ إنسان فاشل، تاريخي تاريخ المظلومية، تاريخي تارخ الاضطهاد خصوصًا في ظل الحكومة الأموية والعباسية، إذن بالنتيجة التراث الإمامي يركز على الحزن صحيح ونحن دائمًا حزينون، محرم ووفيات الأئمة ولا يخلو شهر من مناسبة حزن، صحيح مناسبات الحزن عندنا هي الطاغية بل في بعض أدبياتنا عن الإمام الجواد:

يفرح هذا الورى بعيدهم   ونحن   أعيادنا   iiمآتمنا

مناسبات الحزن عندنا هي المناسبات الطاغية وعندنا أحاديث ترسخ الحزن في نفوسنا «من ذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة»..

هذا التراث الحزيزن الموجود عندنا ما هو الهدف منه؟ هل الهدف منه تربية الشيعة على الانتقام من المسلمين الآخرين؟ هل الهدف من هذا التراث، تراث الحزن، تراث الأسى، تراث العواطف هل الهدف منه تربية الشيعة على روح الحقد والضغينة على أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى؟ هل الهدف منه تربية الشيعة على الانتقام من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى؟ لا أبدًا، هذا التراث الحزين الذي يتصل بتاريخ الشيعة على مدى من زمان الإمام علي وإلى زمان الآخر، هذا التراث الحزين الهدف منه تربية الشيعي على رفض الظلم والطغيان، تربية الشيعي على رفض الأوضاع الفاسدة، هذه استراتيجية وأهل البيت لم يذكروا هذه الروايات جزافًا، هذه الروايات التي تربينا على الحزن والأسى والعواطف الملتهبة استراتيجية مقصودة وضعها أهل البيت لتربيتنا على رفض الظلم، رفض الطغيان، رفض الأوضاع الفاسدة، هذه استراتيجية وضعها لنا أهل البيت ولم يضع لنا الحقد على المذاهب الإسلامية الأخرى أبدًا، ليس عندنا في تراث الشيعة نص واحد ولا رواية صحيحة تأمرنا بالحقد أو الضغينة والانتقام من المسلمين أبدًا بالعكس..

الإمام الصادق يقول: «كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا، كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم إن الرجل منكم إذا صدق في حديثه وورع في دينه وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري، قيل هذا أدب جعفر فيسرني ذلك»..

الإمام العسكري يقول: «إن الرجل منكم ليكون في القبيلة فيكون زينها، أدَّاهم للأمانة، أصدقهم في الحديث، أورعهم في الدين، عودوا مرضاهم، واشهدو جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا معهم في مساجدهم» كل هذه الروايات بالعكس، تأمرنا بالمعاملة الأخوية التامة مع أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى، أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى لم يجرموا في حقنا حتى نعيش رووح النقمة معهم أبدًا، إنما هذه الروايات روايات الحزن والأسى تربينا على روحٍ رافضة للظلم والطغيان، روح رافضة للأوضاع الفاسدة لا أنها تربينا على أن نتعامل مع أبناء المذاهب الإسلامية بروح نقمة أو بروح الحقد والضغينة، إذن تفسيرك لأدبياتنا وتراثنا تفسير خاطئ جدًا..

المحور الثالث: علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر

هناك مقالة تتحدث عن علاقتنا العاطفية بالإمام المنتظر، وتحدثتُ في الليلة الماضية عن حب الإمام المنتظر، عن عشق الإمام المنتظر، هناك مقالة تقول من قرأ دعاء الندبة وهو دعاء معروف بين الشيعة يتضح له أن هذا الدعاء وأمثاله يربي الشيعة على البكاء والاستغراق في العاطفة والانشغال عن المبادئ والقيم، انشغال الشيعة بعواطفهم أعظم من انشغالهم بمبادئهم وقيمهم، هذا الانشغال والاستغراق العاطفي على حساب المبادئ والقيم تربية سيئة، تربية خاطئة، كيف؟ اقرأ دعاء الندبة، خطاب للإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف: «إِلَى مَتَى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلَايَ، وَ إِلَى مَتَى وَ أَيَّ خِطَابٍ أَصِفُ فِيكَ وَ أَيَّ نَجْوَى، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَ أُنَاغَى، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَ يَخْذُلَكَ الْوَرَى، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَى» ثم يقول: «هَلْ مِنْ مُعِينٍ فَأُطِيلَ مَعَهُ الْعَوِيلَ وَ الْبُكَاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَأُسَاعِدَ جَزَعَهُ إِذَا خَلَا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَيْنِي عَلَى الْقَذَى» إذن كلها تربية على البكاء، كلها تربية على العاطفة، كلها تربية على الدموع على حساب المبادئ، على حساب القيم وهذه تربية خاطئة، والجواب عن هذا:

أولاً: ذكرتُ في إحدى محاضراتي العام الماضي أن ما أُمرنا به هو المودة وليس المحبة، القرآن الكريم يقول: ﴿قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى المودة تختلف عن المحبة، المودة موجودة في النفس، الكثير من المسلمين يقول أنا أحب أهل البيت ولكن هذا ليس المطلوب، المطلوب هو المودة، ما هي المودة؟ هي إظهار الحب، إظهار الحب يسمى مودة والمطلوب إظهار الحب، إشهار الحب، لو شخص يقول هو يحب أهل البيت ولكن ليس لديه عمل تجاه أهل البيت والمطلوب هو المودة لا المحبة والمودة هي إظهار الحب، ومن جملة مظاهر الحب هذا الدعاء، دعاء الندبة يربينا على الإحساس بوجود الإمام، أنه يعيش معنا، أنه يرانا وأنه يراقبنا وأننا نتصل به وإن لم نعرف عنوانه واسمه، هذا الدعاء يربينا على شيء طلبه القرآن منا ألا وهو إظهار المحبة المعبر عنه بالمودة، إظهار المحبة بالبكاء، بالعاطفة، بالشوق، بالغرام، بالتعلق بأهل البيت ، كل هذه ألوان من المودة، كل هذه مصاديق للمودة التي أُمرنا بها..

ثانيًا: لا تقتطع الدعاء فتأخذ بعض فقراته وتترك البعض الآخر، دعاء الندبة هذا الدعاء الشريف العظيم كما يربيك على حب آل البيت، كما يربيك على الإحساس بوجود الإمام المنتظر، كما يربيك على الإحساس بالرقابة من الإمام المنتظر، يربيك على العمل أيضًا، فيه فقرات تأمرك بالعمل، تأمرك بالإطاعة، تأمرك باجتناب المعصية، لاحظ قوله: «اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ، وَ الِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ، وَ الِاجْتِنَابِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ» يتحدث عن الطاعة واجتناب المعصية، ثم يقول: «وَ أَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَ اقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ، وَ انْظُرْ إِلَيْنَا نَظْرَةً رَحِيمَةً» إذن هذا الدعاء لا يتحدث عن الحب فقط، لا يتحدث عن العاطفة فقط، أيضًا يتحدث عن الطاعة وأهميتها ويتحدث عن المعصية واجتنابها ويتحدث عن استمطار الرحمة والعناية من الله وهذه ميزة التراث الشيعي، ميزة التراث الشيعي على التراث الآخر أن التراث الشيعي يؤكد على أمرين: حب وعمل، لا أنه يتحدث عن العمل وحده وكأننا أدوات أتوماتيكية مبرمجة تعمل طبقًا للأوامر بدون أي عاطفة وبدون أي محبة، التراث الشيعي يؤكد على الحب والعمل، على أننا مع النبي وأهل بيته معنا معهم عواطف وعمل، لا مجرد عمل بدون عواطف ولا عواطف بدون عمل، عاطفة وعمل، هذان العنصران استحقاق ثواب الله عز وجل..

وإلا أنت تتعجب ممن يقول أنه يحب آل البيت، ولكن لو تقول له افتح جوالك ستجد فيه بمناسبة أول يوم في السنة الهجرية الجديدة تهنئة، أنت أيها المسلم عندما ترسل تهنئة بمرور السنة الهجرية الجديدة ألا تستطيع أن تقول أيضًا ونعزيك بذكرى استشهاد سبط رسول الله وريحانة رسول الله الحسين بن علي؟ أين المودة وأنت تعتبر هذا الشهر شهر بركة وشهر فرح وشهر عيد، أين المودة؟ هل المودة كلام يُقال؟ فلنكن واقعيين، فنكن موضوعيين ومنصفين، إذا كانت لنا مودة حقيقية مع محمد وآل محمد..

فكما نحتفل بمرور السنة الهجرية ونهنئ بعضنا بعضًا بمرور السنة الهجرية، كذلك نحتفل بذكرى سبط رسول الله، إذا كان الاحتفال بذكرى سبط رسول الله بدعة كذلك الاحتفال بمرور السنة الهجرية بدعة، ما هو الفرق؟! فهذه لم تردنا عن السنة ولا عن الصحابة، فهل سمعت عن الصحابة أنه هنأ بعضهم بعضًا بمرور السنة الهجرية الجديدة؟ أبدًا، كما أن الاحتفال بذكرى سبط رسول الله وذكرى رسول الله مولدًا ووفاةً بدعة، التهنئة بمرور السنة الهجرية أيضًا بدعة..

إذن فلنكن منصفين وموضوعيين، إذا كانت لنا مودة حقيقية لأهل البيت فعلينا أن نعتبر هذه الأيام كما هي أيام مباركة على مرور السنة الهجرية على بعض الآراء، كذلك هي أيام حزن وأسى بذكرى الإبادة الجماعية لعترة رسول الله ، فإن مجزرة كربلاء كانت إبادة جماعية من قِبل السلطة الأموية لرسول الله نفسه لأن إبادة ذريته إبادةٌ للرسول ..

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

النبي(ص) وَالمهدي (عج)
السعادة في لقاء الإمام (عج)