نص الشريط
دور المرأة في الحركة المهدوية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/1/1431 هـ
مرات العرض: 2747
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (9536)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَبِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏

الآية المباركة تدلنا على أن هناك عذاباً يتوعد الكافرين من آمة النبي، ولكن هذا العذاب لم ينزل في زمن النبي لقوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم إلا انه أخر العذاب ليوم معين ولأجل معين قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ أي ان هناك أجل معيناً هو موعد نزول العذاب عليهم الذي لم ينزل عليهم في حياة النبي صل الله عليه وآله، فماهو ذالك اليوم؟ الذي هو يوم نزول العذاب على الكافرين من أمة النبي كما نزل العذاب الدنيوي على الأمم السابقة التي كذبت أنبيائها، المفسرون حارو في تحديد ذالك الأجل، لأنة الآية تتحدث عن عذاب دنيوي وليس عن عذاب اخروي، فماهو موعد العذاب الدنيوي الذي سيحل على الكافرين من أمة النبي؟!

الروايات الشريفة في كتبنا من عدة كتب كالكافي، تفسير القمي، الغيبة للنعماني واكمال الدين للشيخ الصدوق، دلت على ماهو موعد العذاب، ورد في الرواية عن الباقر والصادق «عليهما السلام» قال: ”الأمة المعدودة القائم وأصحابة، إذا ظهر نزل العذاب على الكافرين من آمة النبي صلى الله عليه وآله“. والعذاب، عذاب النفس من خلال ظهور الدين على الأرض كلها، وعذاب مادي من خلال صيحة السماء والخسف الذي يحصل قبل ظهوره «عج».

هناك سؤال يثار، وهو أنه إذا قرأنا التاريخ، أو قرأنا التراث الاسلامي، خصوصاً التراث الذي يتحدث عن المهدي، ظهوره، أصحابه، دوره ودولته، لا نجد للمرأة ذكراً في هذا التاريخ! فهل ليس للمرأة دورٍ في التاريخ الاسلامي؟ وهل ليس للمرأة أي فاعليه في اليوم المهدوي الموعود أم لا؟

هذا السؤال قد يتسع ليشمل التراث الاسلامي بصفة عامة، بأن يتسأل، أين دور المرأة في التراث الإسلامي؟ فالخطاب الاسلامي غالباً موجة للذكور، الأحكام الإسلامية تميز الرجل عن المرأة في عدة موارد، فشهادة رجل يعدل شهادة إمرأتين، سهم المرأة من الميراث نصف سهم الرجل وأمثال كثيرة من الأحكام الإسلامية التي تميز الرجل على المرأة، فهل أن التراث الإسلامي تراث ذكوري؟ أم أن هناك شيئً آخر؟

هناك محورين:

المحور الأول:

إذا قرأنا التشريعات الإسلامية وجدنا أن هناك تميزاً للمرأة على الرجل، مثلاً قوله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وقال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وقال تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فماهي القراءة الصحيحة لهذه الخطابات التي تميز الرجل على المرأة؟

هناك إتجاهان:اتجاه حداثي، واتجاه فقهي.

الاتجاة الحداثي:

الاتجاة الحداثي، كثيراً من الإسلامين في زماناً الحاضر تبنو هذا الاتجاه، الاتجاه الحداثي في قرأة النصوص القرآنية والنبوية، فالاتجاه الحداثي يعتمد على ركيزتين:

الركيزة الأولى:

انه هناك فرقاً بين الدين وبين التراث الفقهي، هناك فرقاً بين الدين وبين فتاوى الفقهاء، الدين: هو الوحي الذي نزل على النبي محمد «صلى الله عليه وآله»، أما التراث الفقهي: الموجود في الرسائل العملية وفي كتب الفقة، فهو عقل فكر بشري وليس هو الدين الواقعي.

التراث الفقهي، هو مافهمة الفقهاء من النصوص وهذا فكر بشري، والفكر البشري ليس مقدس، القداسة للدين الذي نزل على النبي وليس للفكر البشري الذي صنعة فقهاء المسلمين منذ ألف سنة إلى يومنا هذا، لذلك لا يجوز لنا إذا أنكر شخصاً شيءً من التراث الفقهي أن نعتبره منكر للدين، لو فرضا أن شخصاً أنكر شيءً من فتاوى الفقهاء، أو أنكر شيءً من التراث الفقهي المسطور في كتب الفقة، لا يجوز لنا أن نعتبره خارجاً عن رقبة الدين، لأن هناك فرقاً بين الدين وبين ما فهمة الفقهاء وما سطر كتبهم الفقهيه، الشاهد على ذالك تعدد القرأت الفقهيه، تعدد القرأت الفقهيه شاهد واضح على وجود فرق بين الدين وبين التراث الفقهي، كم من فقيه خالف التراث الفقهي؟

مثلاً: الإمام الخميني «قدس سره»: أفتى بحليه الشطرنج إذا خرج عن كونه أداه قمار وهو بذالك خالف التراث الفقهي المعروف بين الإمامية.

السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر «قدس سره»: أفتى بأنه يجوز لك أن تقرض مالاً بزيادة تساوي النقص الداخل نتيجة تضخم العملة، مثلاً عندما اقرضك مئة ألف دولار لمدة سنة، وأنا أعلم بأن الدولار بعد سنة سينخفض، فلو قلت اقرضك مئة ألف دولار بمئة وألف، بحيث تكون الألف معادلة للنقص الناتج عن تضخم العملة، هذا ليس ربا، خالف التراث الفقهي وأفتى بأن الشرط إذا كان بنسبة معادلة للنقص الوارد نتيجة تضخم العملة لا يعد هذا ربا، وقد خالف بذالك التراث الفقهي.

المرحوم الشيخ فاضل اللانكراني «رحمه الله»: أفتى بأنه يثبت الهلال بالرؤيا بالعين المسلحة، وتعني الرؤيا بالمجاهر، وقد خالف التراث الفقهي في ذالك.

إذاً مخالفة الفقهاء أنفسهم للتراث الفقهي دليلاً على أن التراث الفقهي شيء والدين شيء آخر. فمن خالف التراث الفقهي لا يجوز اعتبارة خارج عن الدين، وإنما خالف ماهو المعروف من فتاوى الفقهاء، وفتاوى الفقهاء فكري بشري وليس هو الدين الإلهاي النازل من السماء.

الركيزة الثانية: تسمى بنظرية تاريخية النص، ما معنى تاريخية النص؟!

الحداثيون يقولون، هذا النص القرآني الموجود هل هذا هو الوحي؟ «لا» الوحي الذي نزل من السماء، هو معاني وتجليات نزلت على النبي، ثم صدر خطاب من النبي بلسان عربي يترجم ذالك الوحي، الوحي قبل أن يترجمه النبي كان مقدساً، مطلقا، ولا محدود، ولكن عندما ترجمة النبي بالسان العربي أصبح ظاهرة بشرية وليس شيئً سماوياً، خرج من كونه سماوياً إلى كونة أرضياً بشرياً، لأنة تحول إلى كلام بشري وبلغة بشرية وهي اللغة العربية، فخرج عن كونه أمراً سماوياً مقدساً ومطلقاً، إلى كونه خطاباً بشرياً وبلغة بشرية، لذلك القرآن الموجود بين أيدينا والذي نقرأه، هذا خطاب بشري. بما انه خطاب بشري اذاً هو ظاهرة بشرية، كل ظاهرة بشرية لا يمكن قرأتها منفصلة عن ظروفها التاريخية، هذا معنى تاريخية النص.

مثلاً: صلح الحديبية، صلح الحديبية ظاهرة بشرية بين النبي والمشركين، لا يمكننا أن نقرأ صلح الحديبية مالم نقرأ الظروف التي أدت إلى صلح الحديبية، إذاً الظاهرة البشرية لا تنفصل عن ظروفها ومحيطها.

مثلاً: هزيمة المسلمين يوم احد، ظاهرة بشرية وليست سماوية، لا يمكن لنا قرأتها مالم نقرأ ظروفها المحيطة بها.

النتيجة: كل خطاب بشري فهو ظاهرة بشرية، والظاهرة البشرية تقرأ من خلال ظروفها، إذاً الخطابات القرأنية تقرأ من خلال ظروفها لا بنفصل الخطاب القرآني عن ظروفه الذي نشأ فيها، عندما نرجع للخطابات القرآنية، قوله تعالى: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ هذا يتحدث عن ذاك الزمن، لأن هذا خطاب صدر في ظرف معين، كيف صدر في زمن معين؟

يعني هذا الخطاب صدر في زمن كانت المرأة فيه قليلة الوعي والثقافة، كانت مهمتها الأولى والأخيرة أنها ربة بيت، أما بعد أن أصبحت المرأة استاذ في الجامعة، عضواً في مجلس الشورى، وزيراً أو حاكماً، فالمعادلة تتغير لايمكن أن تكون شهادة رجل بشهادة امرأتين، إذا هذا الخطاب القرآني ناظرٍ لظروف خاصة ولحقبة تاريخية معينة، وليس خطاباً مطلقاً لكل زمان.

مثلاً: قوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، القضية ليست خاصة بالنساء، حرم الربا في تلك الأزمنة التي لم يكن هناك مشكلة في تضخم العملة، أما بعد أن أصبحت العملة بمرور الوقت تتعرض لفرض التضخم، فلا يكون الربا حين إذاً أمراً محرماً، هذا نص ناظر لظروف تاريخيه معينة، إذا نظرية تاريخية النص الذي يطرحها الاتجاة الحداثي، هي ربط النصوص بظروفها، وعدم تعميمها كقاعدة عامة لكل جيل ولكل زمان.

نسجل مناقشات على هذا الاتجاة الحداثي:

المناقشة الأولى:

إذا كان الوحي قد نزل على النبي معاني، والنبي قام بصياغته، يعني هذا القرآن هو صياغة من النبي حين إذا يجوز لنا أن نقول الخطاب القرآني ظاهرة بشرية، لأنها صياغة النبي والنبي بشر، الوحي نزل معاني ومضامين وقام النبي بصياغته، لأن النبي هو الذي قام بالصياغة، إذا هذه الصياغة جهداً بشري تجري عليه قواعد النقد البشري؟ خطاب بشري كأي خطاب بشري آخر؟!

الصحيح أن الوحي نزل معناً ولفظاً من السماء، يعني اللفظ ليس من قبل النبي والصياغة ليست من قبل النبي، نزل الوحي مصوغاً، نزل الوحي بلفظه من السماء، القرآن الكريم إن اعتبرتموه من النبي أو من غيره، القرآن الكريم يؤكد ذالك. مثلاً قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ «194» بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ، وقال تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «16» ِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ «17» فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «18» ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ وقال تعالى: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ. هذه الآيات إن نزلت من السماء فهي واضحة الدلالة على أن القرأن نزل بلفظه، وإن لم تنزل من السماء فالنبي صاغها فهو صادق أمين عند الحداثيين، إذاً مقتضى صدقه وأمانته أن يؤخذ بهذا الكلام، أي أن القرآن نزل بمعناه وبلفظه من السماء.

النتيجة: القرآن صياغة إلهيه وسماوية وليست صياغة بشرية حتى نقول هذة صياغة بشرية تجري عليها قواعد النقد الأدبي لكل ظاهرة بشرية.

المناقشة الثانية: تعتمد على مقدمتين:

المقدمة الأولى:

نفرض بأن هذه الخطابات القرآنية كلام بشر وظاهرة بشرية، النبي هو الذي قال، نحن كيف نصل إلى الدين؟ الدين، معاني نزلت من السماء على النبي، والنبي صاغها بهذا الخطاب البشري بلغة بشرية وهي اللغة العربية، كيف يمكن لنا أن نصل إلى الدين الذي نزل من السماء؟ كيف يمكن فهمه؟ هل المرجع في فهم الدين إلى النخبة؟ النخبة من المثقفين هم المرجع في فهم الدين؟ أو النخبة من الأدباء هم المرجع في فهم الدين؟ أو النخبة من الفقهاء هم المرجع في فهم الدين؟ من هو المرجع في فهم الدين؟ يعني الوصول إلى حقائق الدين التي نزلت من السماء؟ كيف نقتنص هذه الحقائق من خلال هذا الخطاب المحمدي الذي صدر من النبي محمد صل الله عليه وآله؟ عندما نرجع للمجتمع العقلائي، اسألو العقلاء، إذا ورد عليكم نص فترجعون لمن في فهم النص؟ المجتمع العقلائي يقول هذه النصوص تصدر سنوياً من هيئة الأمم المتحدة، لمن يرجع العقلاء في فهمها؟ القانون الفرنسي، المصري لمن يرجع العقلاء في فهمه؟ َ!

المجتمع العقلائي يقول: المرجع في فهم أي نص إلى العرف من لغة ذالك النص، يعني اذا كان عندك نص من الأدب الإنجليزي، المرجع في فهم هذا النص أهل اللغة الإنجليزية، إذا كان عندك نص من الأدب الفارسي، المرجع في فهمه أهل اللغة الفارسية المرجع في أي نص إلى العرف العام من اللغة، إذا، هذه الخطابات القرآنية خطابات عربية، المرجع في فهمها العرف العربي العام لأنه أهل هذة اللغة.

بما أن العرف العربي هو أهل اللغة العربية، إذاً هو المرجع في فهم الخطابات العربية خصوصاً وأن القرآن الكريم لم ينزل للنخبة، القرآن لم ينزل للمثقفين فقط!، ولا للفقهاء فقط! نزل للعرف العربي بجميع مستوياته وطبقاته.

اذاً المرجع في فهم خطابات القرآن إلى العرف العربي العام.

المقدمة الثانية:

كيف نصل للعرف العربي؟ المرجع هو العرف العربي، ولكن كيف نصل للعرف العربي؟

العرف العربي ليس فهمه فهماً تلقائياً واسترسالياً، العرف العربي مبني على قواعد معينة، فالعرف العربي لا يفهم من غير قواعد العربي بفطرته لا يشعر بقواعد، ولكن هناك قواعد الفهم العربي لأي نص يستند إلى عناصر، وتلك العناصر بعضها عام وبعضها خاص.

العناصر العامة: مثل، أحكام المطلق والمقيد، أحكام العام والخاص، هيئات الأفعال، هيئات الحروف.

العناصر الخاصة: وهي المادة اللغوية في كل كلمة بحسبها.

إذاً الفهم العربي مستند لعناصر عامة وخاصة بما أن الفهم العربي مستند لعناصر عامة وخاصة، اذاً نرجع للخبير بتلك العناصر كل شخص النص مفتوح أمامة، كل شخص يستطيع أن يفهم القرأن بكيفه؟! كل شخص يستطيع فهم الحديث النبوي بكيفه؟! «لا»، المرجع في فهم القرآن إلى العرف العربي، والعرف العربي مبني على عناصر فمن هو فهمه المعتبر؟

العمدة، فهم الشخص الخبير بتلك العناصر التي يعتمد عليها العرف العربي في فهم النصوص، من هنا يرجع للفقيه، نحن لا نجعل للفقيه قدسية، لا نقول فهم الفقيه مقدس، نحن نقول الفقيه خبيراً بعناصر اللغة العربية، الفقيه خبيراً بالعناصر العامة والخاصة التي يستند إليها فهم العرف العربي.

كما نرجع في مجال الطب إلى الطبيب، وكما نرجع في مجال الهندسة إلى المهندس نرجع في مجال فهم القرآن والسنة إلى الفقيه، لماذا؟ لا لقدسيه في الفقيه، أو موضوعية في الفقيه، بل لأن الفقيه خبير بالعناصر العامة والخاصة التي يعتمد عليها فهم العرف العربي لأي نص وارد.

المناقشة الثالثة: قلنا المرجع في فهم النصوص إلى العرف العربي، العرف العربي يملك قرائن مختلفة من جملة تلك القرائن، قرينة تسمى قرينة السياق، من خلال قرينة السياق نستطيع أن نحدد هل الخطاب خطاب تدبيري، أو خطاب قانوني، الخطابات على قسمين سواء كانت خطابات قرآنية، أو خطابات السنة النبوية. هناك خطابات تدبيريه، خطابات قانونية.

ونميز بين الخطابين من خلال سياقة الخطاب، نفهم بأنه خطاب تدبيري أو خطاب قانوني؟

الخطاب التدبيري:

الخطاب التدبيري، هو الخطاب الذي صدر لمعالجة مشكلة معينة، ولمعالجة ظروف معينة. هذا يسمى خطاب تدبيري. مثلاً: قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً هذا ليس قانوناً، هذا تدبير لرفع مشكلة معينة، كان المسلمون يتجاسرون على النبي، فالله تبارك وتعالى أراد أن يحد من هذة المشكلة ويضع هذا الخطاب، إذا شخصاً أراد أن يتحدث مع النبي، يدفع صدقة وهذا يسمى خطاب تدبيري، لأجل ذالك هذا الخطاب لا ينفصل عن ظروفه.

هذا خطاب خاص بظروفة وليس قانوناً عاماً، لأنة خطاب تدبيري مثلاً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ هذا خطاب تدبيري وليس عام لكل زمن، فهذا يرتبط بظروف معينة، اذاً بعض الخطابات التدبيرية حتى في السنة مثلاً: في رواية معتبرة عن محمد ابن مسلم عن الباقر : ”سألته عن لحوم الأضاحي، أتخرج من منى؟ قال: كنا ننهى الناس عن اخراجها لحاجة الناس إليها أما الآن وقد كثر الناس، فلا بأس في أخراجها“ يعني نهي الإمام عن اخراج لحوم الأضاحي من منى كان نهياً تدبيرياً، لمعالجة حاجة معينة.

مثلاً: مسألة الخظاب، الأمام أمير المؤمنين لم يكن يخضب شيبته. سئل الإمام علي : ”لم لا تخضب شيبك وقد أمر رسول الله بالخطاب؟ فأجاب: كان ذالك والإسلام قل، اما وقد ضرب الأرض يجرانه فمرءً واختار“ يعني أمر النبي بالخطاب كان امرأ تدبيرينا، ولم يكن قانونياً، فنتهى هذا الأمر بنتهاء ظرفه.

اذاً الخطاب التدبيري، هو الخطاب المرتبط بظروف معينه ولا يسري بسائر الظروف.

الخطاب القانوني:

نفهم من سياق الخطاب أنه خطاب قانوني اذا كان الخطاب قانونياً لا تستطيع حصره في ظروفه تقول هذا الخطاب صدر في يوم كانت المرأة ربة منزل والآن المرأة أصبحت وزير، الخطاب انتهى؟!!، هذا الخطاب صدر يوم كان النقد لا يوجد فيه تضخم، والآن النقد فيه تضخم، حرمه الربا انتهت؟!

«لا»، الخطابات القانونية مقتضى اطلاقها أنها قانون عام لسائر الأزمنة، وسائر المسلمين. هذا مقتضى اطلاقها تقول بأنها خاصة، تحتاج إلى قرينة التخصيص. تقول بأنها خاصة بذاك الزمان فتحتاج انت بأن تقيم قرينة نحن نتمسك بإطلاقها.

مثلاً: الآن اذا أنت رأيت وصية عمرها خمس مئة سنة، أو وقف عمره ألف سنة. فالنفرض أن شخص قال، وقفت النخل الفلاني، الذي له حدود فلانيه وقفته على الفقراء وهذا الوقف من مئة سنة، الآن ألا نستطيع العمل بالوقف؟ نعم نعمل بهذا الوقف، فلا يستطيع أحد القول بأنه خاص بذالك الظروف فهو أوقف هذا النخل على الفقراء، والنخل مازال موجود والأرض مازالت موجودة، إذاً الوقف باقي إلى يوم القيامة.

لا تستيع القول بأن هذا الوقف صدر في ظروف معينة، إذاً هو ناظر لتلك الظروف وليس عاماً!. لا، فالوقف يؤخد به العقلاء لا يتوقفوا، فترى في المحاكم لا تتوقف عند هذة النقطة وتقول هذا خطاب بشري، والخطاب البشري صدر في ظروف معينة، إذاً لابد أن يختص بتلك الظروف.

«لا»، يؤخد بظاهر الخطاب أنه وقف، فالوقف عام لكل زمن مادام لم تقم قرينة، يؤخد بإطلاقه أو الوصية، يقول إنسان أوصيت ببيتي الفلاني إلى عائلة فلان. الآن هذة الوصية أصبح لها أربع مئة سنة، والبيت لا يزل موجود نسلمه لمقتضى الوصية، نسلمة للموصى إليه عملاً بالوصية، وإن كان مضى على الوصية أربع مئة سنة.

إذاً الفهم العربي لا يتوقف، الفهم العربي يقول إذا ورد عندنا خطاب مطلق لم يقيد بزمن، لم يقيد ببرهة معينة، يؤخد بإطلاقة كذالك الخطابات القرآنية الواردة في المرأة أو غير المرأة خطابات مطلقة لم تقيد بفترة زمنية ولا بجيل معين يؤخد بإطلاقها. الخطابات القانوينة يؤخد بإطلاقها ولايتوقف عندها.

لذلك ورد عن الامام الباقر ”“ قال: ”لو أن الآية اذا نزلت في قومٍ فمات أولائك القوم ماتت الآيه، لم يبقى من ذالك شيء“ ”إن القرآن مجرى الشمس والقمر يجري أوله على أخره مادامت السموات والأرض“.

وقالت رواية أخرى: ”إن الله أنزل على النبي شريعته ومنهاجه، فحلال محمد حلالٍ إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرامٍ إلى يوم القيامة“.

بعض الحداثيين، اذا تكون الآيه مدلولها جيد يقولون بإنها عامة إلى كل زمن، اذا مان الآيه مدلولها ليس جيد يقولون بإنها خاصة بتلك الظروف!

مثلاً: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، قوله تعالى: ﴿َمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً يقولون هذة الآيات عامة لكل زمن وقوله تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، قوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا يقولون لا، هذة الآيات خاصة بذاك الزمن.

اذاً في جميع الخطابات يتمسك بإطلاقها لكل زمن مالم تقم قرينة السياق على كونه خطاباً تدبيرياً خاصاً بظروف معينة، ولذلك جاء القرآن آيات تدل على العموم، مثلاً: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ.

الاتجاة الفقهي:

الاتجاة الفقهي الحوزوي، يستند على ركيزتين.

الركيزة الأولى: لا توجد قاعدة بأن المرأة أقل من الرجل، القاعدة بأن الأحكام مشتركة بين الرجل والمرأة قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ إلا أن يأتي حكم، الأحكام التي ميزت الرجل على المرأة كما في الشهادة، والميراث، والديه، هذة تعتبر استثناء وليست قاعدة. القاعدة هي الاشتراك ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ. اذا كان هناك تميز، فهو يعد استثاءً وليس هو القاعدة. كيف استثناء؟

فقهائنا يقولون، المصالح ليست دائماً مصالح واقعية قد تكون مصالح اعتبارية، اجتماعية مثلاً: حرمة شرب الخمر ترجع لمصلحة واقعية، وهي ابعاد المسلم عن السكر، هذة مصلحة واقعية، وجوب الصلاة يرجع لمصلحة حقيقية، وهي النهي عن الفحشاء والمنكر ولكن هناك أحكام لا ترجع لمصالح حقيقية، ترجع لمصالحة اجتماعية اعتبارية.

مثلاً: إذا قذف إنسان امرأة، يحد حد القذف، لماذا؟ ربما كان هذة المرأة راضية؟، لعل هذه المرأة تعتبر بأن الزنا ليس عيباً!؟ فليقذفها من يشاء!، لعل هذة المرأة تعيش في مجتمع إباحي لا يرى الزنا عيباً أصلاً، اذاً بالنتيجة المصلحة ليست حقيقية، مصلحة اجتماعية.

الإسلام يقول، أنا أراعي حرمة المرأة، راعت هي حرمتها أو لم تراعي، من قذفها يحد حد القذف هنا حد القذف ليس لمصلحة حقيقية، لمصلحة اجتماعية.

مثلاً: المرأة إذا مات زوجها، تعتد أربعة أشهر وعشراً، ليس هناك مصلحة حقيقية وراء ذالك، هناك مصلحة اجتماعية.

مثلاً: المرأة المطلقة عدتها ثلاثة قروء، متى ما طرقها الحيض الثالث خرجت من العدة، بينما إذا توفي زوجها اربعة أشهر وعشراً، لماذا؟ لمصلحة اجتماعية، يعني الإسلام يقول أنا أراعي ميثاق الزواج، ميثاق الزواج ميثاق غليظ ومهم، فاذا مات الزوج فحتراماً لهذا الميثاق تعتد المرأة أربعة أشهر وعشراً احتراماً لميثاق الزواج، هذة مصلحة إجتماعية.

اذاً ليست كل الأحكام لمصلحة حقيقية، بعض الاحكام لمصلحة اجتماعية.

الركيزة الثانية:

التفضيل في الحكم الشرعي لا يعني التفضيل الواقعي بين الاشخاص، يعني اذا كنت أنا أفضل منك في الحكم الشرعي، لا يعني أنا أفضل منك في الواقع. لماذا؟! مثلاً: الشهيد الذي يقتل بين الصفين، اذا قتل في معركة، ترفع كلمة لا إله إلا الله قتل بين الصفين، ماهو حكمة؟

لا يغسل ولا يكفن. هل هذا يعني أنه أفضل من ذاك المؤمن الذي مات على فراشه؟ «لا»، قد يكون ذاك المؤمن الذي مات على فراشه أفضل من هذا الشهيد عند الله تبارك وتعالى، مع أن حكم الشهيد أفضل من حكم المؤمن.

مثلا ً: حمزة سيد الشهداء قتل بين الصفين، حكمه أن لا يغسل ولا يكفن. لكن النبي مات على فراشة، حكمه أن يغسل ويكفن. هل هذا يعني أن حمزة أفضل من النبي؟ هذا تفضيل في الحكم الشرعي وليس تفضيلاً واقعياً، التفضيل في الحكم الشرعي لا يعني التفضيل الواقعي.

مثلاً: في الفقه المرأة الحائض إذا انتهت من حيضها تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، هل هذا يعني أن الصوم أفضل من الصلاة؟ «لا»، هذا مجرد تميز في الحكم الشرعي لمصلحة اعتبارية، لا أنه تفضيل واقعي وأن الصوم أفضل من الصلاة.

مثلاً: في باب الميراث الأم اذا توفي الولد، الأم فريضتها في القرآن الثلث إن لم يكن لهذا الولد المتوفى ولد، ولم يكن هناك حاجب، يكون للأم الثلث، بينما فريضة الأب اذا لم يكن لهذا المتوفى ولد السدس، هل يعني هذا بأن الأم أفضل من الأب؟ بينما الأب قد فضل في أمور آخرى، هذا مجرد تفضيل في الحكم، لا يعني التفضيل الواقعي.

هذا يعني، التفضيل في الأحكام الشرعية يرجع لمصالح اعتبارية، لا يرجع لمصالح واقعية، فلا يعني التفضيل بين الاشخاص، قد يكون أشخاص أفضل من بعض ولكن بحسب التفضيل الشرعي يتفاوت ويختلف الأمر ويكون عكس ذالك.

التفضيل، تفضيل الرجل على المرأة بأن شهادته تعدل شهادتين المرأة، أو أن ميراثة يعدل سهمين من ميراث المرأة، لا يعني أن الرجل أفضل من المرأة قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْوقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْليس الرجل أفضل من المرأة، هذا تفضيل في الحكم الشرعي لمصالح اعتبارية ليس إلا.

المحور الثاني: هل للمرأة دورٍ في الحركة المهدوية في يوم الظهور أو ماقبل الظهور؟ أم لا؟ نحن نؤكد أن للمرأة دوراً بطولياً، قيادياً في الحركة المهدوية، وذالك من خلال عدة طرق:

الطريق الأول:

الرواية الأولى: عن المفضل ابن عمر عن الباقر قال: ”الأمة المعدودة أصحاب القائم، وفيهم ثلاثة عشر أمرأة“.

الرواية الثانية أصح منها سنداً، عن جابر الجعفي عن الإمام يقول: ”ويجتمع له بمكة ثلاث مئة وبضعة عشر كعدة أصحاب بدر، وفيهم خمسون أمرأة“ من غير ميعاد يجتمعون قزعاً كقزع الخريف فيبايعونه، خمسون أمرأة هن من خلص أصحاب المهدي، لأن الثلاث مئة والثلاثة عشر وزراءة، اقطاب حكومته، خلص أصحابة، خواص انصاره. هؤولاء الخواص فيهم خمسون امرأة.

الطريق الثاني:

المطلقات، الأدلة مطلقة عندنا ولم تختص بالرجل قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، الزوجة ولية على الزوج والزوج ولي على الزوجة.

الزوجة اذا رأت زوجها لا يصلي، أو يفرط في الصلاة، أو يسمع الأغاني، أو يشاهد الافلام الخليعة، لها الولاية على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وزجرة، كما له الولاية عليها لها الولاية عليه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.

الأدلة مطلقة، ماورد عن النبي صل الله عليه وآله: ”أفضل أعمال الأمة انتظار الفرج“، لا يختص بالذكور، المرأة الطبيبة المخلصة في الطب منتظرة للفرج، المرأة المدرسة المخلصة في تدريسها منتظرة للفرج، المرأة الخطيبة المخلصة في خطابتها منتظرة للفرج، كلهم منتظرون للفرج.

لذلك علينا أن ندعم الفعاليات والنشاطات النسائية على مستوى الحقول الخيرية أو الثقافية، لأنهن كالرجال من حيث الأعداد والانتظار ليوم الخروج من الجيد أن تدخل المرأة الجمعية الخيرية كعضو مدام مسموحاً، وتبرز طاقتها وفعاليتها ومواهبها بإخلاص حتى تكون من المنتظرين للفرج، كل عمل مخلص فهو انتظار للفرج.

الطريق الثالث:

التاريخ الاسلامي لم تقتصر صناعته على الذكور، كما شارك الذكور في صناعة التاريخ الاسلامي، شارك النساء في صناعة التاريخ الإسلامي كما كان لمقداد، وأبي سلمان، وعمار دوراً في صناعة التاريخ، كان للنساء ايضاً دوراً في صناعة التاريخ، خديجة بنت خويلد وهل دعم النبي شخص كخديجة؟

كانت الداعم المالي والداعم الروحي لشخصية النبي صل الله عليه وآله في مسيرته الاسلامية والدعوية.

فاطمة بنت محمد في موقفها النضالي، ضحت ببدنها، ووقتها، وجهودها في سبيل الدفاع عن حق الأمة الاسلامية في الخلافة الراشدة.

زينب بنت علي ودورها الإعلامي، لولا دور زينب لنطوت ثورة الحسين وانقضت ثورة الحسين.

حكيمة بنت الامام الجواد كانت فقية، عالمة واسطة بين الأئمة وبين الشيعة آن ذاك.

هذة الأدوار التي قمن بها هذة النسوة ليست أدوار اطرارية أو استثنائية، هي ادوار تأسيسة، بمعنى أن هؤلاء النسوة قمن بهذة الأدوار لتأسيس خطٍ للمرأة المسلمة أنها يمكن لها أن تصنع التاريخ، وأن تنهض ببطولة وإرادة حازمة، يمكن لها أن تقوم في موقعها وفي مقامها بمثل بهذة الأدوار.

والحمد لله رب العالمين

اليوم الموعود وَ الحضارة الكونية
مَن ينتظر مَن