نص الشريط
حقوق الإنسان في دولة أمير المؤمنين
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الرسول الأعظم - مطرح
التاريخ: 9/2/1427 هـ
تعريف: الليلة 9 من شهر صفر1427
مرات العرض: 2777
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (933)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

الآية المباركة من الآيات التي نوهت بعظمة الإمام أمير المؤمنين الذي إكتسب هذه العظمة من عظمةِ رسول الله فكان يتحدث عن عُمق عِلاقته برسول الله والذي أكسبته هذه العظمة وهذه المكانة الكبيرة "وَلقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ؛ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ، يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْقهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ، وَلا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ.

وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ مِنْذ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَتِهِ؛ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاقِ الْعَالَمِ؛ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، وكان يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاقِهِ عَلَماً من أخلاقه وَيَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلا يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا؛ أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ.

وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ"

حديثنا حول شخصية الإمام أمير المؤمنين حديثٌ حول الإمام علي وحقوق الإنسان، فإن من أعظم مفاخر الفكر العلوي والإمامي أنه فكر آفلٌ بحقوق الإنسان وهو إهتم بمبدأ حقوق الإنسان، نتحدث في محورين:

  • المحور الأول: فلسفة حقوق الإنسان.
  • المحور الثاني: حقوق المواطن المُسلم في فكر الإمام أمير المؤمنين .
المحور الأول: فلسفة حقوق الإنسان.

منذ 10 ديسمبر 1948 نادت جمعية الأمم المتحدة بالإعلام العالمي بحقوق الإنسان وكتب الحقوقيون والقانونيون في هذا المجال كتابات وافرة تتحدث عن حقوق الإنسان، نحن نُركز على هذه الفلسفة، لماذا للإنسان حقوق، مالذي يفرض هذا الأمر، ومن أين يكتسب الإنسان هذه الحقوق؟ عندما نراجع علماء القانون يرون أن حقوق الإنسان ترتكز على أربع ركائز: الموضوعات، الشكل المنطقي، الأساس، الشكل الإجتماعي.

الركيزة الأولى: ماهي الموضوعات والمجالات التي تثبت فيها حقوق الإنسان؟

أهم الحقوق والموضوعات الأولية والرئيسية، أربعه: الصحة، التعليم، إمتلاك الثروة، الحُكم.

الصحة: من حق الإنسان أن يعيش في بيئة نقية غير ملوثة، ومن حقه أن توفر له مرافق الصحة والعلاج.

التعليم: من حق الإنسان أن يُعطى فرصته في مواصلة التعليم إلى أن يحصل عليه والمستوى الذي يريده.

إمتلاك الثروة: من حق الإنسان أن يجد فرصة للعمل، وأن يمتلك الثروة بالوسائل الإقتصادية المتعارفة وأن يحصل على أجرٍ يتناسب مع طاقته وجهده الذي يبذله في مجال العمل.

الحُكم: من حق الشعوب تقرير مصيرها في مجال الحُكم بالأساليب التي تختلف بإختلاف المجتمعات وبإختلاف المناطق.

هذه المجالات التي يثبت للإنسان حقوقٌ فيها.

الركيزة الثانية: الشكل المنطقي لحقوق الإنسان.

أنت عندما تسمع كلمة حق، مامعناها؟ عندما يقال الإنسان له حق الحياة والحريه وحق الصحافة والإعلام، الحق بحسب النظر القانوني كلمة تستبطن عناصر ثلاثة: الحرية، وواجب، سلطة.

الحرية: مثلاً، عندما نقول للإنسان حق إمتلاك الثروة بمعنى أن له الحرية في تملك الثروة بالأساليب المعقولة والقانونية.

الواجب: لايوجد حريةٌ إلا وبإزائها واجب، حريةٌ لطرف وواجبٌ على طرفٍ آخر. مثلاً: عندما نقول بأن الصحفي له حريه في مجال الصحافة بمعنى أنه كما أن للصحفي له حريةً في مجاله فإن على الدولة أن تحمي هذه الحرية وأن تدافع عنها وأن تحميها وتدعمها وأن تضع الأطر التي يضمن بقائها، فمتى ماثبتت حرية في طرف، ثبت واجب في طرفٍ آخر.

مثلاً: الزوجة لها حقُ النفقة على الزوج؟ بمعنى أن الزوجة تمتلك ديناً على ذمة زوجها إذن متى ماثبت حقٌ للزوجة ثبت واجبٌ على الزوج، مقابل حق يقابله واجب.

وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين قبل 1300 سنة، قال: ”الحق أوسعُ الأشياء في التواصف وأضيُقها في التناصف“ بمعنى أننا عندما نريد أن نحدد الحق هناك سعة في تحديده لأن الحق يستبطن حريه، بما أنه يستبطن حريه إذن هناك سعة. ”وأضيقها في التناصف“ أي عندما تتزاحم الحقوق، حق الفرد مع حق المجتمع، حق الزوج مع حق الزوجه، عندما تتزاحم الحقوق فلابد من تضييق كل حقٍ بحيث لا يكون على حساب الحق الآخر. ”لايجري على أحدٍ إلا جرى له، ولا يجري لأحدٍ إلا جرى عليه“ بمعنى أنك لاتقدر على تصور حق إلا وهناك واجب بإزائه إذا يستطيع أن يثبت حق لأحد يثبت عليه واجب من طرفٍ آخر، وإذا يثبت عليه واجب من جهة يثبت له حق حق من جهةٍ أخرى. عندما نقول الزوجة لها حق بمعنى أن عليها واجب أيضاً إتجاه الزوج، عندما نقول الدولة لها حق بمعنى أنه على المواطن واجب إتجاه الدولة وعلى الدولة واجبٌ إتجاه المواطن. إذن هناك حرية وهناك واجب بإزاء هذه الحرية.

السلطة: نحن نحتاج إلى السلطة عند تزاحم الحقوق. مثلاً: الإنسان من حقه أن ينمي ثروته ونتاجه من خلال تأسيس مصنع، لكن لو فرضنا أن تأسيس هذا المصنع تسبب في تلويث البيئة فهنا يحصل تزاحم بين الحقوق، حق هذا الفرد في تنمية ثروته عن طريق تأسيس مصنع، وحق المجتمع في أن يعيش في بيئة غير ملوثه وبيئة صحية نقية. كيف نحل هذا التزاحم والتعارض؟ هنا السلطة تتدخل هذا في المفهوم الإسلامي، ولي الأمر يتدخل للجمع بين الحقين المتزاحمين فيُحدث تضييقاً في كل من الحقيين بحيث يرفع التزاحم بينهما وهذا ما نقلناه عن الإمام أمير المؤمنين : ”وأضيقها في التناصف“ إذن عنصر السُلطة ضروري في رفع التزاحم بين الحقوق.

الشكل المنطقي في كلمة الحق عند علماء القانون ثلاثة عناصر: حريه لطرف - واجب على طرف آخر - سلطة وظيفتها رفع المزاحمه والمعارضه بين الحقوق.

الركيزة الثالثة: الأساس، ما هو الأساس الذي على طِبقه إنتزعنا الحقوق وتصيدنا مفهوم حقوق الإنسان؟

الحقوق العامة لها أساس، والحقوق الخاصة لها أساس آخر.

الحقوق العامة: أساسها الطبيعة، بمعنى هي التي خُلق عليها الإنسان هي التي أملت هذه الحقوق، الإنسان ولد حياً إذن من حقه الحياة، الإنسان ولد حراً إذن من حقه الحريه، الإنسان ولد وهو يساوي غيره في العقل والعاطفة صحيح هناك تفاوت في درجات العقل والعاطفة لكن كل إنسان له عقل وعاطفة إذن يثبت له حق المساواة، بما أنه خُلق وهو يمتلك القدرة على حيازة الأشياء وتملكها إذن له حق الإمتلاك، فهذه الحقوق الأربعة: الحياة - الحريه - المساواة - إمتلاك الثروة. ثبتت للإنسان هذه الحقوقالأربعه من خلال الطبيعة.

الحقوق الخاصة: كيف يكتسبها؟ الأساس الذي على طِبقه يحصل الإنسان على حقوقه الخاصه، هناك مبدأن: مبدأ العلية الفاعلية، مبدأ العلية الغائية والذي على أساسه يكتسب الإنسان الحقوق الخاصة.

مثلاً: أنا عندما أكتب رسالة إلى صديقي أو إلى والدي هذه الرسالة لها عِلتان:

علة فاعلية: بمعنى أن يدي هي التي كتبت الرساله، وهناك علة غائية: بمعنى أن الغرض والهدف من كتابة الرساله، ماهو؟ الإطمئنان على حاله أو بر والدي في إيصال أخباري إليه. كل شئ له علتان فاعلية وغائية.

الحقوق الخاصة إنما تأتي للإنسان عن طريق إحدى هاتين العلتين. مثلاً الإنسان إذا كتب مؤلف معين ثبت له حق الطبع، أو إخترع إختراع معين ثبت له حق البراءة العلمية. هذا الحق كيف ثبت له؟ ثبت له بعلتان الفاعليه لأنه صنع جهداً وطاقةً، مثل ما لدينا في الفقه ”من أحيا أرضاً مواتاً فهي له“ إذا يُحي الأرض ويزرعها أو يبنيها يمتلكها فهنا ثبت له حقها بعلة فاعليه. وأحياناً يثبت الحق على أساس علة غائية لا على عله فاعليه. مثلاُ: الإعلام ماهو الهدف منه؟ عندما نأسس مؤسسات إعلامية أو وسائل من قنوات أو صحافه أو مواقع إنترنت...، ماهو الغرض من هذا الإعلام؟ هو الدفاع عن حقوق المواطن بما أن الغاية والهدف منها هي خدمة المواطن فللمواطن حق في مجال الإعلام ثبت له الحق إذن هذه من باب العلة الغائية. إذن الحقوق الخاصه قد تثبت بعلة فاعليه وهي بذل الجهد وقد تثبت بالغائية وهي الهدف والغاية المترتبة على وسيلة الحق

الركيزة الرابعة: العقد الإجتماعي

مستحيل يكون الحق أمر فاعل وثابت إلا إذا كان هناك عقدٌ إجتماعي، لاحظ أن جمعية الأمم المتحدة نادت بحقوق الإنسان عام 48 م لكن بقيت لائحة حقوق الإنسان حبر على ورق إلى عام 1966 م إتفقت أغلب دول العالم على هذه اللائحة وبدأ تفعيل هذه الحقوق من عام 1966 م، بينما هي شُرعت من عام 48 م.

هذا معناه أن الحق لايمكن أن يكون فاعل ولا يمكن تطبيقه ولا يمكن ضمان إستمراره إلا بوجود عقدٍ إجتماعي إذا وجد العقد بين الدول لتفعيلها أو بين أبناء مجتمع واحد، قام ذلك العقد الإجتماعي كفيلاً لفاعلية هذه الحقوق وضمان إستمرارها وحيويتها.

المحور الثاني: الإمام علي وحقوق الإنسان

الإمام أمير المؤمنين تراثه حافل بمبادئ وبأصول وبجذور حقوق الإنسان، سيتم التعرض إلى حقوق المواطنه في نظر الإمام وهي ثلاثه:

الحق الأول: أن الإمام لايرى حداً ولوناً للمواطنه، مثلاً عندما نرى علماء القانون وتعريفهم للمواطنه في علم القانون: المواطنه هي عضوية تنشأ عن علاقه بين الدولة وبين الفرد، إذا هذا الفرد يمتلك جنسية تثبت له حقوق «حق الصحه والتعليم وإمتلاك الثروة..» وتثبت عليه واجبات «واجب الدفاع عن الوطن والإخلاص له...».

أما المواطنه في تراث الإمام أمير المؤمنين: هي المواطنه في التراث الإسلامي الإيمان بالله، كل من آمن بالله فلهُ حق المواطنه سواء كان مسلم أو يهودي أو نصراني أو أي مله أخرى، القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَأعبدون هذا تعريف أمير المؤمنين للمواطنه في عهده لمالك الأشتر ”وأشعر قلبك الرحمة للرعيه، والرقة بهم واللطف إليهم ولا تكونن عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكُلهم، فإن الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين «بمعنى مسلم»، أو نظيرٌ لك في الخلق“ «بمعنى إنسان مثلك» وهذه الكلمة الذهبية التي ذكرها الإمام أمير المؤمنين سُجلت ضمن لائحة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

الحق الثاني: مايُركز عليه الإمام أمير المؤمنين من أن الإنسان بما هو إنسان لهُ الكرامة بقطع النظر عن لونه أو لغته أو دينه أو مذهبه أو رؤيته، وهذا مانص عليه القرآن الكريم ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.

الإمام أمير المؤمنين رأى رجُلاً يتسول يطلب المساعدة من الناس، قال: ماهذا، الإمام كان يحارب ظاهرة التسول في دولته، قالوا: هذا رجلٌ نصراني كبُر سِنه، وعجز عن العمل أصبح يتسول. قال : ويحكم إستخدمتموه حتى إذا كبُر سِنه تركتموه يتكفف الناس، أعطوه من بيت المال «أعطوه راتب من بيت المال» لماذا يُعطى هذا النصراني من بيت مال المسلمين؟ لأنه إنسان ومواطن لذلك تثبت له حقوق المواطنه كامله، الإنسان بما هو إنسان موضوعٌ للكرامه وسائر الحقوق.

الحق الثالث: المساواة في العطاء. لايوجد لون أو دين يُفرق شخص عن شخص من حيث العطاء.

أقبلت إليه إمرأة قرشيه وعندها جاريتها «تملك هذه الجارية» لما وصلت إلى مكان بيت مال المسلمين وهو توزيع العطاء أعتقت جاريتها، دخلت إلى بيت المال حتى تأخذ عطائها، أعطاها الإمام راتباً وأعطى جاريتها راتباً مساوياً لها، قالت: يا أبا الحسن هذه جارية، كيف تساويني معها في العطاء أنا قرشية وهي عجمية وقال لها الإمام: ماوجدتُ في كتاب الله فضلاً لبني إسماعيل على بني إسحاق ولا فضلاً بعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، لها مالكي ولكي مالها.

الإمام أمير المؤمنين خطب في الناس وقال: ”أيها الناس لقد جائني أخي عقيل ومعه وُلده شعث الوجوه غبر الألوان كأنما سُودت وُجوههم بالعِظلم «معناه من شدة الفقر» وقد إستماحني صاعاً من بُركم فأحميتُ له حديده وأدنيتها من بدنه ففزع منها، فقلت له: ثكلتك الثواكل ياعقيل أتفرُ من نارٍ أوقدها إنسانها للعبه وتجرُني إلى نارٍ سجّرها جبارها لغضبه، أتأنُ من أذى وتجرني إلى لضى“ إذاً لم يكن هناك تفاضلٌ بالعطاء

كان يقول: ”والله لو أعطيتُ الأقاليم السبعه بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نمله أسلبها جُلب شعيرة مافعلت، والله لو كان المال لي تساويت بينهم فكيف وهي أموالهم“ هذا تراث علي .

وأنظر إلى تراث بني أميه الذي يتحدث عنه المؤرخون كيف كان المجتمع الإسلامي في عهد معاويه ابن ابي سفيان، معاويه ركز على أمور ثلاثة: الطبقية، فترى ناس عندهم ثروات مكدسه وآخرين يرزحون تحت خط الفقر. عبد الرحمن ابن عوف لما توفي كانت عنده من الذهب والفضه مايُكّسر بالفؤوس غير مايملك من بساتين وعقارات وأموال أخرى. عمرو بن العاص كان عنده في مصر وحدها خمسمائة ألف دينار ذهبي في ذلك الوقت وكانت تشكل نصف ميزانية إقليم مثل مصر وغير مايمتلك في مناطق أخرى. وهذا ماذكرها المسعودي في مروج الذهب.

الأمر الثاني: كان هناك تجويع طائفي بمعنى أنه كانت عنصريه طائفية مارستها الدولة الأمويه آنذاك، يذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج، يقول: لما تولى معاويه كتب إلى عماله على البصره والكوفه، أنظروا إلى كل من ثبت عليه أنه يُحب أبا تراب فأقطعوا رزقه وأمحوا أسمه من الديوان، والإمام الباقر يقول: ”فقتلت شيعتنا في كل أرضٍ ومِصر وقُطعت الأيدي والأرجل والألسُن وكان كل من يُعرف بحبنا نُهبت داره أو سُلبت أمواله أو قُتل أو حُبس“ هذه السياسة مارسها النظام الأموي آنذاك.

الأمر الثالث: القضاء على النخبة الواعية في المجتمع الإسلامي فمعاويه كان يقضي على النخبه الواعيه، حجر بن عدي الكندي، عمرو بن حنف الخزاعي، رشيد الهجري، ميثم التمار أي شخص يُعد من النخبه الواعية مصيرهُ القتل والفناء حتى كتب الحسين بن علي إلى معاويه ألست القاتل حجر بن عدي أخا عنده والمُصلين العاديين من أصحابه غيلةً وعدوانا بعد أن أعطيتهم مواثيق الأمان، ولذلك الإمام الحسين في ثروته ركز على هذه المظالم الأمويه التجويع الطائفي والطبقية والقضاء على النخبة الواعيه، وقال : ”ولعمري مالإمام إلا العاملُ بالكتاب القائل بالحق، الدائن بالقسط، الحابس نفسه على ذات الله“ وقال: ”يا أمير إن يزيد لرجلٌ فاسق شاربٌ للخمر قاتل للنفس المحترمه، ومثلي لا يبايع مثله“

القيادة الإنسانية في سيرة أمير المؤمنين
تأملات في شخصية الإمام الحسن