نص الشريط
يوم الأربعين: ثقل الذنوب على الإنسان وآثارها
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الرسول الأعظم - مطرح
التاريخ: 20/2/1433 هـ
مرات العرض: 2822
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1625)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ

صدق الله العلي العظيم

المعصية ثقل، نحن نتصور أن المعصية شيء بسيط وشيء عابر، نغتاب الآخرين، نعق الوالدين، نسمع الأغنية المطربة، نعتبر هذه الأشياء سهلة ولكن القرآن يقول المعصية شيء ثقيل، المعصية ثقل، صخرة يحملها الإنسان على ظهره. هذه هي المعصية، فكيف إذا كان الإنسان يوميًا يعصي، يوميًا يذنب، إذن هناك أثقال، هناك صخور، ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ أثقال باهضة، أثقال متعبة. ورد عن النبي : ”إنّ المنافق إذا أذنب كان ذنبُه كذبابةٍ مرّت على أنفه فأبعدها“، نحن هكذا مع الذنوب نذنب ولا نبالي وهذه علامة للنفاق، ”إنّ المؤمن إذا أذنب كان ذنبُه كجبل أبي قبيس على صدره“، كان الذنب كالصخرة الثقيلة يتألم ويتوجع منها المؤمن، لماذا الذنب ثقيل؟ لمذا القرآن يعبر عن المعصية بأنها ثقل؟ لأمور:

الأمر الأول: أن المعصية جمرة من النار.

نحن لا نشعر بلسعة المعصية فنظنها تمر وتذهب، لكن أئمتنا يقولون بأن المعصية جمرة من النار، فالمعصية تتحول وتتجسم إلى حجر يغلي ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ الذنوب تتحول إلى حجارة، فعندما يكون الحجر حارًا يستحيل أن تضع إصبعك عليه، أشد الأجسام حرارةً الحجارة، إذا صار الحجر حارًا يسلخ الجلد إذا وقع عليه ونحن نعصي ولا نبالي، ولو التفتنا لكنا في لهب النيران، في لجة الجمرات الملتهبة.

الإمام زين العابدين يصور الذنوب كيف تحيط بالإنسان، الإنسان إذا كان في الصحراء في حر الظهيرة، الشمس تأكل رأسه والرمال الحارة تلسع رجليه، لا يستطيع الاستقرار على الأرض من شدة اللهب والحرارة، فهذا الانسان ماذا يريد؟ يريد غمامة تظلل عليه وتهون عليه حرارة الأرض والرمل، الإمام زين العابدين هكذا يصور الذنوب: ”اللهم ظلل على ذنوبي غمام رحمتك“، أنا أعيش في لهب، في قطع من النار ملتهبة ولا أشعر بها، تلسعني، ”اللهم ظلل على ذنوبي غمام رحمتك وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك“، خلصني من هذا اللسع وهذا اللهب الذي يغلي.

الأمر الثاني: أن الذنب يتضاعف.

نحن نصنع المعصية من باب أن المعصية ذهبت، لكن لا، فإنها تتضاعف كلما مرت دقيقة، لم نتب تتحول المعصية إلى معصيتين: أصل المعصية، وعدم التوبة معصية ثانية، وكلما مر يوم تضاعفت المعصية، وتضاعف الذنب، فالمعاصي تتضاعف وهي تنمو وتكبر، المعصية الواحدة تتحول إلى مئة معصية نتيجة عدم التوبة والإنابة، ولذلك قال الله: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ، ولم يقل: ثقل، بل أثقال تتوالد وتتنامى، ثقل يولد ثقلًا، فالله يريد منا تعجيل التوبة حتى لا تتحول المعصية إلى مكررة. ”أنت الذي فتحت إلى عبادك بابًا سميته التوبة فقلت: ﴿تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا“، فما عذرنا نحن لو لم نتب؟! ما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه؟! اللهم أجرنا واغفر لنا.

الأمر الثالث: أن الذنب يجرئ على الذنب.

مثلًا: لو كنت أبًا ويراني ابني أستمع إلى أغنية، فهو حتمًا سيتعود على الأغنية أيضًا، لو رآني أكذب سوف يتعود على الكذب، إذن أنا لم أصنع معصية واحدة بل صنعت معصيتين، معصية أنني استمعت إلى الأغنية، والمعصية الأخرى أنني جرأت ابني وربيته على الجرأة على المعصية، وقد ورد عن النبي : ”من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة“.

الأمر الرابع: أن المعصية توجب اسوداد القلب، توجب ظلمة النفس.

ورد عن الصادق : ”إن العبد إذا أذنب خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن عاد عادت، حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبدا“، وذلك قوله عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ، الرين هو الصبغ، أي أصبغ قلبي بصبغة الذنوب والمعاصي وصبغة الرذائل، كل رذيلة تزيد القلب سوادًا إلى أن يصبح القلب فحمة سوداء لا نور فيهاأَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴿قلوبنا كلها ظلمات، ظلمات المعاصي، ظلمات الذنوب وإذا أظلم القلب فلا حياة فيه.

نحن الآن مبتلون بمرض خطير، ألا وهو مرض النفس، والذي بدوره أخطر من مرض الجسد، مرض الروح أشد فتكًا من مرض الجسد، قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقال: ﴿في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا، المرض الذي نحن نعيشه مستفحل ومستحكم علينا مرض القسوة، ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ، لكن قلوبنا أقسى، قلوبنا لا حس فيها، لا نبض فيها، لا حياة فيها، كيف تكون قلوبنا قاسية؟! هنا نذكر علامات لقسوة القلب، فكل مرض له علامات وله أعراض، أعراض قسوة القلب موجودة.

العرض الأول: أننا لا نشعر بطعم العبادة.

نقرأ القرآن ولا نرى له طعمًا، نقرأ الدعاء ولا نحس بطعم للدعاء، نصلي النافلة ولا نرى فيها طعمًا، إذن العبادة لا نشعر بطعمها ولا نتذوقها، وهذا يعني أن قلوبنا ميتة، بل لا نحس بالموعظة أبدًا، كلنا نحتاج إلى الموعظة، الإنسان الذي يحاول أن يصد سمعه أو يغيب ذهنه فإنه لا يعيش حياة القلب ولا سلامة القلب، ”وانقلني إلى درجة التوبة إليك، وأعني بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري، وقد نزلت منزلة الآيسين من خيري، فمن يكون أسوأ حالًا مني، إن أنا نقلت على مثل حالي، إلى قبر لم أمهده لرقدتي، ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي“، وأنا مملوء بالذنوب والمعاصي، فمن يكون أسوأ مني؟! هذه هي العلامة الأولى.

العرض الثاني: أننا نغفل ذكر الموت.

النبي يقول: ”أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات“، كفى بالموت واعظا، عليك أن تتذكر هذه الحقيقة وهذا المصير دائمًا، فإن حاولت أن تبتعد عن ذكر الموت فأنت تعيش قساوة القلب، حاول أن تذكر نفسك، وأن تلقن نفسك، وتحسس نفسك أنك مسافر فكلنا مسافرون.

ألا إنما الإنسان ضيف لأهله   يقيم  قليلا  بينهم  ثم  iiيرحلُ

حسس نفسك بهذه الحقيقة حتى يتغير مرض قساوة القلب إلى انشراح الصدر، ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، ”وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني“، فالأيام تمشي وأنا في المعاصي، كل يوم أقول غدًا أتوب والفرصة أمامي وهذا هو الخداع، ”وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت“، كل إنسان محاط بملك الموت، ينتظر اللحظة التي تسقط فيها ورقته فيقبض روحه، ”فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لحلول رمسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي“ فكل هذه المظاهر تبكينا وتؤلمنا.

الإعجاز والإسم الأعظم
معالم الأنبياء في شخصية الحسين (ع)