نص الشريط
مفاتيح اسرار القرآن الكريم
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/1/1434 هـ
مرات العرض: 3667
المدة: 01:01:10
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3605) حجم الملف: 14 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.

أمنا بالله صدق الله العلي العظيم

انطلاقا من الآية المباركة التي تتحدث عن معرفة الكتاب نتكلم في محورين:

  • في بيان أقسام المعرفة بالكتاب.
  • وفي نظرية تأويل الكتاب.

المحور الأول: معرفة القرآن الكريم: على ثلاثة أقسام:

  1. معرفة تدبرية.
  2. معرفه تفسيرية.
  3. معرفة تأويلية.

المعرفة التدبرية: هي التي أشارت إليها الآية المباركة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا التدبر في القرآن: بمعنى الاتعاظ بظواهر القرآن، فالقرآن لفظ عربي ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ «194» بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فبما أن القرآن عربي إذن الذهن العربي يستطيع أن يتدبر ظواهر القرآن وأن يعتبر بظواهر القرآن الكريم، فالدهن العربي عندما يسمع قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ يفهم من هذا الكلام أن هذه محرمات محظورات في الشريعة.

المعرفة التفسيرية: وهي أعمق من المعرفة التدبيريه التفسير هو عبارة عن تحديد المعنى الواقعي للآية تارة انا أقول ظاهر الآية هكذا، أما ما هو المعنى المقصود لله عز وجل من الآية؟! هذه مرحلة أكبر فالتدبر هو الجري على الظاهر الأخذ بالظاهر أما التفسير فهو تحديد المعنى والمقصود الواقعي الله تبارك وتعالى لأجل ذلك التفسير لا يصح إلا بأدواته وليس كل إنسان يستطيع أن يفسر القرآن لأنه التفسير ليس الأخذ بالظاهر وإنما تحديد المقصود الإلهي من الآية المباركة من هنا كان التفسير يحتاج إلى أدوات:

الأداة الأولى: الرواية.

إذا وجدت رواية صحيحة يؤخذ بها بمجال تفسير الآية بمقتضى حديث الثقلين ”إني مخلف فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“ مثلاً تأتي إلى قوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا لا نأتي نحن ونتفلسف ونقول ما هو المراد بأهل البيت أهل بيت النبي زوجاته أهل البيت الحرام بعد أن جاءت رواية صحيحة من الشيعة والسنة، ما هو المراد بأهل البيت؟! نفسر الآية على طبق الرواية كما ورد في صحيح مسلم عن أم سلمه قالت: دخل رسول الله وأشتمل بالكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: " اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، وحامتي، لحمهم لحمي، ودمهم دمي: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا.

الأداة الثانية:

أن لا نجد لدينا رواية يعني لا توجد عندنا رواية تفسر الآية، كيف نحدد المعنى الواقعي للآية؟! نرجع هنا إلى حكم العقل الأحكام البدهيه للعقل هي قرائن تستخدم في تحديد المعنى الواقعي للآية مثلاً: عندما نأتي لقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ «22» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ نحن لو أخذنا بالظاهر مشينا على المعرفة الأولى وهي «المعرفة التدبرية» يعني الأخذ بالظاهر لقنا ظاهر الآية أن الله ينظر إليه لأنه ظاهر الآية تقول: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌولكن القرينة العقلية موجودة يقول لك لا لابد أن تفسر الآية ليس معناها هو الظاهر منها هذا ظاهر ولكن ليس هو المعنى الواقعي كيف؟!

القرينة العقلية تقول: الله لا يعقل أصلاً النظر إليه الله ليس جسم النظر لا ينال إلا الأجسام والله ليس جسم حتى ينال بالنظر.

إذن بالنتيجة: حكم العقل البديهي يفترض علينا أن معنى الآية مقدر: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ «22» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني إلى آيات ربها ناظره أو إلى رحمة ربها ناظرة.

الأداة الثالثة:

أفترض نحن لا توجد عند رواية ولا يوجد عندنا حكم عقلي كيف نفسر؟! نفسر القرآن بعضه ببعض كما ورد عن الإمام علي : ”أن هذا القرآن ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض“ نأتي الآن نحن نجمع عقولنا للجمع بين الآيات القرآنية لننتزع منها معنى واحد، مثلاً ما ورد عن الإمام علي في زمن الخليفة الثاني أوتي بامرأة ولدت لستة أشهر من زفافها بعد ستة أشهر من زفافها ولدت شك فيها قيل بأنها زانية كيف تولد بعد ستة أشهر من دخول زوجها بها؟! رفعت القضية إلى الإمام علي قال: حملها صحيح ولدها ولد شرعي والأشكال لا يوجد من أين؟! قال من كتاب الله قال كيف من كتاب الله؟! قال من آيتين: أية تقول: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وآية تقول: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ إذا أسقطنا الحولين من ثلاثين شهر تبقى مدة الحمل ستة أشهر هذا كلام مستند إلى الكتاب، إذن الجمع بين آيتين تفسير للكتاب بالكتاب، هذه تسمى «أدوات التفسير» أما الرواية أو العقل أو الآية يشهد بعض الكتاب على بعض هذه تسمى «معرفة تفسيريه».

المعرفة التأويلية: ما هو الفرق بين التفسير والتأويل؟!

التأويل يطلق على معنيين في الروايات الشريفه:

المعنى الأول: أن المراد بالتأويل معرفة الباطن، ما هو معرفة الباطن؟!

بعض الآيات يكون لها معنيان معنى يمكن استفادته من الظاهر ومعنى لا يمكن اقتناصه من الظاهر يسمى «باطن» ولذلك ورد عن الإمام علي : ”ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله تأويل“ الظهر والبطن يعني ماذا؟! يعني معنى يقتنص من الظاهر معنى لا يمكن اقتناصه من الظاهر، أضرب لك أمثلة:

مثلاً: عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ليلة القدر لها معنيان:

معنى يمكن اقتناصه من الظاهر وهو الزمن الذي نزل فيه القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك ليلة القدر، والمعنى الذي لا يمكن اقتناصه من الظاهر ويسمى باطن ما ورد عن الصادق ”ليلة القدر أمي فاطمة الزهراء“ هذه المعاني الباطنه التي لا يستطيع العقل أن يصل إليها مهما تدبر في الآية ولا يمكن اقتناصها إلا بالرواية هذه تسمى «بطون القرآن» فالتأويل أحياناً يعبر بالتأويل تأويل القرآن والمقصود به معرفة بطون القرآن، أقرأ لك بعض الروايات التي تنسجم مع هذا المعنى ما ورد عن الإمام علي : ”قال من كتاب الله عز وجل ما يكون تأويله على غير تنزيله“ تنزيله يعني الظاهر ظاهره شيء لكن باطنه شيء أخر ما يكون تأويله على غير تنزيله ولا يشبه تأويله بكلام البشر سأنبئك بمثال لذلك هو الإمام أتي يمثل لذلك.

قال تعالى عن إبراهيم : ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ما هو معناها «تأويلها»؟! قال وذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده إلا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ كيف أنزل وهو لم ينزل من السماء ثمانية أزواج؟! لأنه هذه الأنعام تولد وهي على الأرض لم تنزل من السماء ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ وقال: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ الحديد لم ينزل من السماء إذن الإمام يبين فإنزاله خلق إياه هذا الإمام يعتبره تأويل، تأويل على خلاف ظاهر التنزيل وكذلك قوله عز وجل: ﴿إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ كيف إذا كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين؟! قال أي أول الجاحدين والتأويل باطنه مضاد لظاهره.

مثلا كل الأمثلة من الإمام علي يطرحها لتأويل مثلاُ قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ «هذا واضح» أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ «كيف يأتي ربك؟!» أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ الإمام يؤول الآية قال إنما خاطب نبيناً محمد قال هل ينظر المنافقون والمشركون إلا أن تأتيهم الملائكة فيعاينوهم ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ يعني أمر ربك أو بعض آيات ربك هي العذاب في دار الدنيا، إذن هذه كلها أمثلة ذكرها الإمام لتأويل والمراد بالتأويل في هذه الأمثلة: بطون القرآن يعني المعاني التي لا يصل إليها العقل لو خلي وحده.

التأويل له معنى ثاني ما هو؟!

الفرق بين التفسير والتأويل: بيان المضمون يسمى «تفسير» أما بيان الغاية يمسى «تأويل» الفلاسفة يقولون: لكل شيء علتان: 1 - علة صورية، 2 - وعلة غائية هذا الكرسي له علة صوريه وهو شكله شكل أنيق مرتب وله علة غائية لماذا هذا الكرسي صنع؟! الغاية من صنعه الصعود عليه إذن هو له علة صورية وله علة غائية، عندما تشرح العلة الصورية يسمونه هذا «تفسير» عندما تشرح العلة الغائية يسمونه «تأويل».

أضرب لك مثال: أنت الآن تفتح شاشة التلفزيون قناة الأنوار قناة الفرات قناة كربلاء قنوات تستعرض كربلاء يوم العاشر من المحرم وتجد مسيرات ضخمة في كربلاء المشرفة وهذه المسيرات ترفع صوتها لبيك ياحسين أنت من تأتي إلى شخص غير مسلم يقول لك فسر لي هذه الظاهره؟! تارة تشرح له العلة الصورية يعني هؤلاء ماذا يقولون؟! تقول له هؤلاء يعتقدون بالإمام الحسين ويأتون إلى قبره ويلعنون نصرتهم له بقولهم «لبيك ياحسين» هذا شرح للصورة هذا يسمى «تفسير».

أما عندما يسألك سؤال أخر ما هي غايتهم؟! إلى ماذا يريدون أن يصلوا إليه؟! أنا فهمت الآن ماذا يريدون، ما هي الغاية التي يريدون أن يصلوا إليها بهذا العمل؟! تقول له الغاية من ذلك الاحتجاج على الظلم يعني دولا الشيعة ربوهم أئمتهم من زمن الحسين على اللطم ليس لأجل اللطم ربوهم على اللطم كطريقة للاحتجاج على الظلم للاحتجاج على الظالمين هناك غاية من وراء هذه العملية.

الإمام الصادق يسأل عبدالله أبن حمادة يقول له الإمام الصادق سمعت أن قوم من الكوفة وناس من غيرها يأتون إلى قبر جدي الحسين فمنهم نادب يندب ومنهم قارئ يقرآ «يعني يقرأ زيارة يقرأ قرآن» ومنهم راثي يرثي المراثي «شاعر يقرأ الشعر على قبر جدي الحسين» ومنهم قاص يقص «شخص يقوم ويقص قصة كربلاء وما حصل فيها» إذن هناك أدوار شخص يقرأ القرآن وشخص يندب وشخص يقص وشخص يقرأ المراثي الإمام يتحدث عن شيء في زمنه زمن الإمام الصادق قال له أبن حمادة: نعم سمعت عن بعض ما تقول قال: الحمدالله الذي جعل من شيعتنا من يفد إلينا ويمدحنا ويرثينا وجعل من عدونا «مثل ما جعل الشيعة تفد إليهم جعل أيضاً أعداء بالمقابل» وجعل من عدونا ما ينتقصون منهم ويقبحون ما يصنعون" شيعيتنا تقوم بهذا العمل وأعدائنا يستقبحون العمل ويقولون ما هذا؟ والحسين رضوان الله عليه مات قبل ألف وثلاثمائة سنة والبكاء عليه بدعة واللطم عليه هذا كله كلام أعدائنا، كلام شيعتنا هذا يندب ويرثي ويقص زكذا ووأما كلام أعدائنا يقبحون ما يصنعون ويستنكرون.

إذن تارة نشرح الصورة لرجال غير مسلم هذا يسمونه تفسير وتارة نشرح الغاية، الغاية من هذه المسيرات أن هؤلاء الشيعة ربوا على رفض الظلم والطغيان وهذه طريقة يمارسونها للاحتجاج على الظلم هذا يسمى «تأويل» فالتفسير غير التأويل، نأتي الآن مثلا إلى قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي أو مثلاً: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا هذه الآية تحتاج تفسير وتأويل تفسير ما هو معنى اليد؟! هذه يسمونه تفسير لأنك تريد أن تبين معنى اليد تقول المراد باليد أصول الأصابع إلى أربعة كما ورد في الرواية عن الصادق لماذا تقص الأصابع هذا أصبح ماذا؟! تأويل لأنك تتكلم عن الغاية وتتكلم عن السبب والعلة، ما هو السبب وراء هذا القانون؟! ووراء هذا المضمون؟!

إذن التفسير شيء والتأويل شيء أخر، التأويل سوا فسرناه بالمعنى الأول وهو بيان بطون الآيات أو فسرناه بالمعنى الثاني بيان العلل والغايات للآيات المباركة على أي حال التأويل خاص بأهله يقول القرآن الكريم: ﴿هوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ التأويل خاص بفئة معينة، هذا كلامنا في بيان أقسام المعرفة في القرآن.

المحور الثاني: وهو الحديث عن نظرية التأويل:

هناك بعض الباحثين من الشيعة الاماميه أبتكر نظرية سماها «نظرية لتأويل» وهذه النظرية تدرس لذا بعض المجاميع الشبابية، ما معنى نظرية التأويل؟! هذه النظرية تعتمد على عناصر العنصر الأول أن التأويل هو التفسير وليس شيء أخر لماذا؟! لأنه نحن من نراجع لفظ التأويل في القرآن الكريم نجد أن القرآن يطلق التأويل على التفسير مثلاً: عندما يتكلم القرآن عن النبي يوسف﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ «4» قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ بعد ذلك قال في آية ثانية: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ «99» ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قال تأويل والحال بأنه تفسير يعني يوسف فسر الرؤية السابقة وسمى تفسيره لها تأويل هذا معنى التفسير هوالتأويل.

مثلاً: في قضية الخضر مع موسى أبن عمران موسى أصطحب الخضر﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا «66» قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا مشي معه ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا «مشي معه» ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا بعد ذلك بدأ الخضر يفسر الأفعال التي صدرت منه ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا «78» أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا «79» وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.... إلى أخره الخضر سمى تفسيره لأفعاله ماذا؟! تأويل إذن هذا معناه أن التأويل هو التفسير وليس شيء آخر فلماذا نحن نقول أن التأويل يختص بالراسخين في العلم «لا» التأويل هو التفسير والتفسير عملية متاحة.

هذا العنصر الأول للنظرية غير صحيح، لماذا غير صحيح؟! لما بيانه الآن في المحور الأول أن التفسير غير التأويل، التأويل أما بيان بطون القرآن وهذا لا يتأتى إلا بالرواية الصحيحة وأما بيان غاية الآية قلنا التفسير شرح الصورة والتأويل شرح الآية وفرق بينهما بين شرح الصورة وشرح الغاية حتى في هذه الآيات التي أنا قرأتها لك كيف؟!

يعني الآن يوسف عندما رأى هذه الرؤية﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَهذه الرؤى رؤى المنام رموز ترى في علم الرؤى يعبرون عن الرؤية رمز الرؤى هذه كلها رمز ترمز إلى أشياء معينة ولذلك يسمون شرح الرؤية تأويل لأنه يفك رمز الرؤية وليس يشرح الرؤية هو يشرح الرمز مثلاً سجود الكواكب والشمس والقمر لمن؟! ليوسف هذه العلة الصورية واضحة كواكب وشمس وقمر يسجدون ليوسف هذه لا تحتاج إلى تفسير لأنه صورتها واضحة الذي تحتاج ماذا؟! تأويل يعني ما هي الغاية أن الله يري يوسف هذا المعنى ما الغاية؟! تأتي الآية الأخرى توضح لنا كانت الغاية من إراءة يوسف هذه الروية أن يبن الله له أن سيبلغ من الملك والعزة والعظمة أن يخضع له أبواه وأخوته فيوسف عندما قال هذا تأويل لم يقل تفسير، لماذا؟! لأن ما رآه كان بيان للغاية من تلك الرؤية التي أرائه الله إياه تبارك وتعالى.

كذلك في الآية الثانية الخضر خرق السفينة لا يحتاج إلى تفسير هو خرق السفينة لا يحتاج إلى تفسير، تفسير ماذا؟! الخضر قتل الغلام لا يحتاج إلى تفسير يعني الصورة واضحة لا تحتاج إلى تفسير الذي يحتاج إلى شرح ماذا؟! الغاية، ما هي غايتك من خرق السفينة؟! ما هي غايتك من قتل الغلام؟! لذلك لما بين الخضر الغاية من أفعاله عبر عنه بأنه تأويل وليس تفسير، فهناك فرق بين التفسير والتأويل كما شرحنا في المحور الأول، إذن دعوه أن التأويل هو التفسير هذه الدعوة غير صحيحة.

العنصر الثاني من هذه النظرية: يقول بأن الله تبارك وتعالى جعل الكتاب مرجع لكل المسلمين قال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا يقول ظاهر هذه الآية أن الكتاب هو المرجع يعني إذا أختلف المسلمون يرجعوا إلى الكتاب، كيف يرجعون إلى الكتاب؟! بأي طريقة؟!

يرجعون إلى الكتاب عبر عملية التأويل لأنه الله قال في ذيل الآية: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًايعني أن رجوع المسلمين إلى الكتاب عبر التأويل ومعنى الآية أن المسلمين يتمكنون من التأويل إذا لم يتمكن المسلمون من التأويل لما أمرهم الله بالرجوع إلى الكتاب عند اختلافهم عبر عملية التأويل هذا العنصر الثاني من النظرية هذا العنصر أيضاَ غير صحيح لماذا؟!

صحيح الآية التي قرناها ترشد إلى أن وظيفة المسلمين عند الاختلاف والتنازع الرجوع إلى الله وإلى الرسول يعني الرجوع إلى القرآن وإلى أحاديث النبي محمد لكن لا دلالة في الآية على أن الرجوع عبر عملية التأويل أصلاً لا توجد فيها دلالة، لماذا؟! لأنه ما ذكرته الآية في الذليل﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًامن باب المفاضلة، ما معنى من باب المفاضلة؟!

بمعنى أن الآية تقول أيها المسلمون إذا اختلفتم في أي حكم إذا اختلفتم في أي قانون بدل أن تطرحوا تأويلاتكم للأحكام بدل أن تطرحوا تخميناتكم للقانون أرجعوا إلى القرآن ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًايعني الرجوع إلى القرآن خير من تأويلاتكم الأخذ بالقرآن خير من تأويلاتكم وتخرصاتكم لا أنها تقول بأن الرجوع إلى القرآن إنما يتم عبر عملية التأويل إنما يتم الرجوع إلى القرآن عبر عملية التدبر التي طرحناها في المحور الأول إلا وهو الأخذ بظواهر القرآن لا عبر عملية التأويل.

العنصر الثالث: صاحب هذه النظرية نظرية علم التأويل أستدل بروايتين:

عن الباقر قال يوماً لأصاحبه الإمام الباقر يخاطب أصحابه: إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله يعني أسالوني ما هو دليلك من كتاب الله على ما تقول؟! ثم قال الإمام الباقر أن النبي نهي عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال فقيل له يا بنى رسول الله أين هذا من كتب الله؟! أنت الآن أتيت لنا بحديث أين هذا الحديث من كتاب الله؟! فقال : قوله: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ هذا معناه نهى عن القيل والقال، قوله تعز وجل: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا هذه معناه النهي عن فساد المال، قوله: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ هذا معناه نهي عن كثرة السؤال فكل ما قلته موجود في الكتاب.

من يأتي صاحب نظرية التأويل يقول هذه الرواية واضحة أن الأئمة لا يتحدثون إلا بشيء في الكتاب إذن هذا معناه أن أحاديث الأئمة لم تأتي بشيء جديد الأئمة لم يأتوا بشيء جديد كل ما عندهم هو من الكتاب إنما يحتاج اقتناصه من الكتاب إلى عملية تأويل وتدبر وإلا فليس لذا الأئمة ولا لذا النبي شيء جديد كل ما عندهم هو موجود في الكتاب ولذلك السنة تفصل الكتاب ليس بمعنى السنة تأتي بشيء جديد لا السنة مأخوذة من الكتاب هذه الرواية الأولى.

ورد عن النبي : ”إذا جائكم الحديث عني فما وافق كتاب الله فهو عني «إذا رأيتم حديث موافق للقرآن فهو عني» قلته أم لم أقله“ أي حديث ترونه يوافق القرآن خلاص قولوا قاله النبي حتى لو لم أقله، قلته أو لم أقله ما دام يوافق القرآن إذن مني قلته أم لم أقله، هناك حديث أخر: ”حدثوا عني ولا حرج“ المهم يوافق كتاب الله.

إذن يستفاد من هذه الروايات أنه ليس لذا النبي شيء جديد وليس لذا الأئمة شيء جديد ما عندهم هو في الكتاب إذن إذا رجعنا إلى الكتاب، ماهي النتيجة؟! النتيجة أننا إذا رجعنا إلى الكتاب استغنينا عن أحاديث النبي وأحاديث أهل البيت كل هذا لا نحتاج إليه نتيجة هذا الاستدلال صاحب النظرية يريد أن يصل إلى هذه النتيجة: نتيجة هذا الاستدلال تأويل الكتاب ميسور لكل المسلمين ولا يخص فئة معينة لا المجتهدين ولا حتى الأئمة ولا حتى النبي تأويل الكتاب عملية ميسورة لكل المسلمين بل لا نحتاج إلى أحاديث النبي ولا إلى أحاديث الأئمة لأنه أحاديثهم مأخوذة من الكتاب إذا استطعنا عبر عملية التأويل أن نستفيد كل هذه الأحكام وكل هذه المفاهيم الاسلامية لم تعد هناك حاجة إلى أحاديث النبي والأئمة «حسبنا كتاب الله».

بعد ذلك يذكر صاحب النظرية أمثلة على ما يقول هنا أضرب لك أمثلة: مثال من النبي نفسه النبي نفسه أول القرآن سأل النبي : ما معنى قوله تعالى: ﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ما معنى العدل؟! قال يعني الفدية يعني يوم القيامة لا يطالبون أحد بفدية خلاص عقوبة الفدية لا تفيد ﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ قال العدل يعني الفدية هذا السائل يقول كيف عرف النبي أن العدل هو الفدية؟! لأنه النبي قام بعملية تأويل لأنه قام يراجع القرآن يربط بعضه مع بعض ورأى آية تشابه هذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ فسر العدل بمعنى أخذ الفدية فالنبي جالس يمارس عملية تأويل.

الشيء الثاني أضرب لك مثال حي: عندما تسمع قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴿السِّرَّعرفناه ﴿وَأَخْفَى كيف؟! ما معنى﴿وَأَخْفَى؟!: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى؟! يقول لك نحن لا نحتاج أن نرجع إلى رواية ولا نحتاج نرجع إلى فقهاء ولا إلى مفسرين ولا إلى الاحاديث نحن بأنفسنا نستطيع أن نفهم الآية: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىكيف؟!

نقارنها بآيات أخرى مثلاً قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ مثلاً قوله تعالى: ﴿يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ مثلاً قوله تعالى: ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ من نجمع هذه الآيات نفهم الآية معنى السر ما هو؟ ما تخفي الصدور، الأخفي هو ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِلماذا؟! لأنه العين إذا نظرت بخدعة أو نظرت مثلاً أنت ترى شخص ينظر أنت تفكره ينظر مستقيم لا هو ينظر على جنب ولكن لا تحس له، نظرة العين عندما تكون نظرة خادعة تسترق البصر هذه تسمى «خيانة الأعين» هذه النظرة الخادعة التي تسترق البصر هي الأخفى، إذن: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى السر ﴿مَا تُخْفِي الصُّدُورُالأخفي هي ماذا؟! ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِلأنه هذه النظرة الخفية من العين أخفى مما هو في الصدر، إذن عملية تأويل القرآن عملية بسيطة ميسروه نستطيع أن نقارن بين الآيات ونوصل إلى نظرية التأويل ولا نحتاج إلى هذه الجهد كله ونستطيع أن نستنبط الأحكام الشرعيه والمفاهيم الإسلامية من خلال هذه العمليات التأويلية بلا حاجة إلى معين أخر. ما هو تعليقنا على هذه النقطة؟!

عندنا عدة تعليقات:

التعليقة الأولى: ذكرنا لكم أن صريح الآية المباركة ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِأن التأويل يخص فئة معينة هذه معناه أن التأويل غير التفسير وهذا معناه أن التأويل غير الأخذ بالظاهر إذا لو كان كذلك لما أختص بفئة معينة، دخل قتادة على الإمام الباقر قال يا قتادة بلغني أنك تفسر كتاب الله قال: بلى قال: أن كنت تفسره من عندك فقد هلكت وأهلكت وأن كنت تفسره من الرجال فقد هلكت وأهلكت إنما يعرف القرآن من خوطب به» من خطوب به هو: النبي بعد النبي من هو يعرفه؟! وما هو إلا عند الخاصة من ذرية نبينا محمد هذه التعليقة الأولى.

التعليقة الثانية: نلاحظ هذا المفكر وهذا الكتاب أستند أصلاً إلى روايات ضعيفة السند الرواية الأولى الواردة عن الباقر : ”إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله“ رواها أبو الجارود، وأبو الجارود لم يوثق كيف يعتمد عليها؟! وعلى فرض أن هذه الرواية تامة السند لم تأتي الرواية وتقول ليس عند الأئمة شيء وأن كل ما عندهم موجود أين؟! في الكتاب، لماذا؟! تفاصيل أغلبها لا توجد في الكتاب وردت في أين؟! في سنة النبي وسنة أهل البيت.

يعني الآن أضرب لك مثال: سأل الإمام الصادق قيل له أنهم «أنهم يعني أهل السنة يعترضوا علىيك» يقولون ذكرت إمامتكم في القرآن فلو كانت إمامتكم في القرآن لذكر الله أسمائكم، أسمائكم غير موجودة في القرآن لم يذكر الله محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين... إلخ الأسماء لم تذكر في القرآن تقولون إمامتكم في القرآن لو كانت إمامتكم في القرآن لذكرت أسمائكم، أسمائكم غير موجودة في القرآن أجاب الإمام الصادق : قال قل له أن الله قال في كتابه ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ولم يبين صلاة المغرب ثلاث ولا صلاة الفجر ركعتان ولا صلاة الظهر اربع فمن أين عرفنا أعداد الصلوات؟! وهي لم تذكر في القرآن! إنما عرفناها بلسان نبيناً محمد فكما أن الله ذكر الصلاة ولم يذكر أعدادها في القرآن وإنما عرف بذلك النبي فكذلك ذكر إمامتنا في القرآن والنبي هو الذي أشار بأسمائنا إذن ليس كل التفاصيل في الكتاب في حديث النبي والأئمة تفاصيل كثيرة في العقائد وفي الفروع لم يتعرض لها الكتاب الكريم هذا أولاً، إذن معنى الرواية: ”إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله“ بمعنى أننا لا نقول خلاف قول ربنا لا أن جميع التفاصيل موجودة في الكتاب كما ورد عن الصادق : ”لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا“.

الرواية الثانية: الواردة عن الرسول: ”إذا جائكم الحديث فما وافق كتاب الله فهو عني قلته أو لم أقله“ هذا الحديث لم نجد له مصدر، كيف نستند إلى حديث ليس له مصدر معروف؟! عندنا حديث أخر شبيه به هو ”إذا حدثتم فأن كان موافق للحق فحدثوا عني حدثتوا به أم لم أحدث“ هذه الرواية الثانية موجودة عند إخواننا أهل السنة ولا توجد عندنا في كتبنا وعلماء أهل السنة يقولون هي من الموضوعات ولا يعتمد عليها إذن هذا المضمون أصلا مضمون موضوع لا يعتمد عليه، فكيف تأسس عليه قاعدة وتبني عليه مفاهيم؟!.

التعليقه الثالثة: أن قول النبي : "عندما سأل ﴿لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ قال العدل هو الفدية من أين عرفنا أن النبي أستند في هذا التفسير إلى التأويل؟! بمعنى أنه جمع بين آيتين وأستنتج منهما أن المراد بالعدل الفدية، لماذا لا يكون قد أستند إلى الوحي المباشر من قبل الله تبارك وتعالى؟! والله قد قال عنه ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى «3» إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ليس أنه قام بعملية تأويل، وأما الآية التي أستشهد بها كمثال وهي قوله عز وجل: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىقال ﴿السِّرَّ: هو ما تخفي الصدور ﴿َأَخْفَىهو خائنة الأعين جمع بينها وبين الآية الأخرى ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُهذا غير صحيح لماذا؟!

لأنه لا ربط بين الآيتين ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وهو ما يسره الإنسان من أحاديث في قلبه وخاطره وأخفى من السر هو العقل الباطن، والعقل الباطن وهو الميول التي تختزن داخل الإنسان وإن كان غافل عنها، مثلاً هذا الإنسان عنده ميول نحو الخطابه لكنه غافل بمجرد أن يحدث حدث شوف لا عنده قدرة على الخطابة هذا إنسان عنده ميول للشعر ولكنه غافل عن ميوله بمجرد أن تحدث مناسبة يشعر أنه له ذوق وإعجاب وقدرة على إنشاء الشعر الميول المختزنة تمسى «بالعقل الباطن» هي أخفى من السر وليس المراد بالأخفى هو: ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ليست أخفى من السر بلا أشكال صحيح أحياناً أنت لا تستطيع أن تفسر النظرة شخص ينظر نظرة ولكن لا تعلم هل نظرته سليمة او نظرة مكر وخداع لا تدري صح أحياناً لا يمكن تفسير النظرة لكنه أحياناً يمكن تفسيرها فخيانة الأعين والنظرة المسترقة يمكن تفسيرها وما دام يمكن تفسيرها فهي ليست أخفى من السر حتى تفسر بها الآية المباركة ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىيعني المراد بالأخفى ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ.

فالنتيجة: من خلال مناقشتنا لنظرية التأويل تبين لنا أن التأويل علم يختص بأهله والتفسير علم يعتمد على أدواته والذي نستطيع أن نقوم به نحن الذين لا نملك علم التأويل ولا أدوات التفسير هو التدبر بمعنى الاستئناس بظواهر القرآن والأتعاض والاعتبار بظواهر القرآن وهذا ما مدح به الله تبارك وتعالى عبادة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «1» قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا «2» نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا «3» َوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ترتيل: هو أن تقرأ القرآن بحزن بأسى لتستمد العظة والعبرة من آياته الإمام أمير المؤمنين يصف المتقين يقول: ”أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ القرآن يستثير به الفكر الماحي للجهل. بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا البكاء فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ“.

والحمدالله رب العالمين

الفلسفة وآفاق المعرفة
القيم الروحية في عاشوراء الحسين (ع)