نص الشريط
الثقافة الفلكية في القرآن الكريم
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: حسينية الشخص بالقارة
التاريخ: 16/1/1434 هـ
مرات العرض: 3182
المدة: 00:53:34
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1710) حجم الملف: 12.2 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

  • المحور الأول: الثقافة الفلكية في القرآن الكريم.
  • المحور الثاني: مسيرة نظام الوجود.
  • المحور الثالث: علاقة الإنسان بالأرض التي يمشي عليها.

المحور الأول:

القرآن الكريم تحدث عن عدة معلومات تتعلق بالقضايا الفلكية وهذه المادة استفاد منها بعض الباحثين التشكيك في وحيانية القرآن الكريم حيث ذهب بعض الباحثين إلى أن القرآن ليس بتمامه وحياً من السماء بل بعض القرآن يعبر عن ثقافة النبي وليس وحي منزل بمعنى أن النبي كإنسان عاش في وسط ثقافة معين أكتسب ثقافة من زمانه ومن بيئته وانعكست ثقافة النبي التي استقاها من بيئته ومن زمانه على القرآن الكريم فما في القرآن ليس كله وحي بل بعض القرآن يعبر عن ثقافة للنبي أكتسبها من بيئته ومن الوسط الذي عاش فيه والدليل على ذلك بنظر هذا الباحث المعلومات الفلكية فأننا إذا تأملنا في المعلومات الفلكية التي طرحها القرآن نجدها معلومات قديمة فندتها الفيزياء الحديثه هذه المعلومات تتطابق مع نظرية «بطليموس» في الفضاء والتي كانت هذه النظرية هي الثقافة السائدة أيام النبي فأكتسب النبي الثقافة الفلكية من نظرية «بطليموس» السائدة آن ذاك وانعكست ثقافته على ما ذكر من الآيات المتعلقة بعالم الفلك.

وهناك شواهد تؤكد لنا بنظر الباحث أن القرآن لم يأتي في هذا المجال بوحي من الله وإنما عكس ثقافة زمانه:

الشاهد الأول: أن القرآن قسم الكون على أساس العدد فذكر سبع سموات وسبع أرضين وهذا ما يتطابق مع نظرية بطليموس وإلا فالفيزياء الحديثة لا ترى هذا التقسيم ولا وجود لما يسمى بسبع أرضين.

الشاهد الثاني: أن القرآن ركز على الأرض ما ذكر السماء إلا وذكر الأرض مع أن الأرض بحسب علم الفلك الحديث ليست ذا قيمة لماذا؟! لأنه نسبة الأرض إلى الكون نسبة واحد إلى المليار نسبة الأرض للكون نسبة ذرة من التراب إلى الأرض كلها فالأرض لا تشكل وزن وقيمة في الكون فتركيز القرآن على الأرض معناه أنه يحكي نظرية بطليموس الذي يرى أن الأرض مركز الكون ومحور الكون.

الشاهد الثالث: نرى أن القرآن عندما تعاطى مع المعلومات الفلكية لم يتحدث إلا عن ما يخص مجرتنا تحدث عن الشمس: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ «38» وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ وتحدث عن النجم﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى تحدث كل عن معلومات ضئيلة ترتبط بمجرتنا وبمجموعاتنا الشمسية التي نعيش فيها لو كان القرآن وحياً لتحدث عن معلومات وأسرار أخرى غير ما يرتبط بعالم مجرتنا الذي نعيش فيه.

فهذه الشواهد تؤكد أن ما تحدث به القرآن في مجال الفلك مجرد ثقافة بشرية كان يحملها النبي وانعكست على القرآن الكريم وليست أمور وحيانية من السماء، هذه هي الفكرة التي طرحها بعض الباحثين.

نحن نجيب عن هذه الفكرة بثلاثة وجوه:

الوجه الأول: ليس القرآن كتاب في علم الفلك ولا كتاب في علم الطب ولا كتاب في علم الرياضيات لو كان القرآن كتاب فلك لكان المناسب أن يتعرض لتفاصيل الدقيقه لنظام الفلك نظام الفضاء لكن القرآن كتاب هداية الهدف منه: «هداية المجتمع البشري» كما قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ بما أن القرآن كتاب هداية لذلك فأن القرآن لا يتعرض للتفاصيل العلمية إلا بمقدار ما يخدم هدفه وبمقدار ما يخدم غرضه فيقتصر القرآن على بعض الأسرار بعض المعلومات بعض النظم الطبيعية أو النفسية إذا كان ذكرها يؤدي إلى الاعتبار بها ويؤدي إلى الاستفادة منها في تحصيل هدف الهداية كما قال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وقال: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يعني المهم هو النظر المهم هو التفكير وليس المهم هو الإحاطة بالمعلومات التفصيلية عن نظام الطبيعية.

الوجه الثاني: عندما يقال بأن القرآن لم يأتي بشيء في مجال علم الطبيعية وأن البضاعة التي عرضها القرآن في هذا المجال بضاعة ضئيلة وقليلة لا تعكس كون القرآن وحي نازل من السماء وإنما هو ثقافة بشرية انعكست على القرآن الكريم عندما يقال هذا المعنى هذا غير صحيح وغير دقيق القرآن الكريم لم يقتصر حديثه على المجرة التي نعيش فيها لم يقتصر حديثه عن هذه المعلومات المستهلكة من وجود شمس أو قمر أو نجم «لا» تعرض القرآن وأشار إلى أسرار في نظم الطبيعة وفي هيكلية الفضاء لم يفقه من عاصر القرآن ولم يفقه الإنسان إلا في العصور المتأخرة.

أضرب لك أمثلة: القرآن الكريم عندما يقول﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ هذه اللغز لم يكن يفقهه من عاش مع القرآن، كيف السماء تتوسع؟! كيف السماء تتمدد؟! لم يفقه هذا اللغز وهذا الرمز وهذه الإشارة إلا عبر مئة سنة سابقة عندما أكتشف نظرية التمدد في الفضاء وهذه الأجرام المضيئة كلما ابتعدت عن الأرض كانت أكثر ارتداداً في عمق الفضاء فالفضاء في حالة أتساع وتمدد عندما تقرأ قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ «75» وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ولم يقل فلا أقسم بالنجوم بل﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِترجع إلى كتب التفسير كلها لماذا مواقع النجوم كتب التفسير القديمة لم يكن إنسان في ذلك العصر يعرف ما معنى الإصرار على موقع النجم لا النجم إلى أن أكتشف الإنسان أن هذه المواقع ليست أمكنة وإنما هي سنين ضوئية تفصل بيننا وبين مسيرة هذا الجرم وبين مسيرة هذا النجم.

عندما تقرأ قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ إنسان ذلك العصر كيف عرف؟! ما معنى﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ؟! الإنسان لو لم يكتشف حركة الأرض لما أستطاع أن يفسر هذه الإشارة في الآية المباركة: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ عندما تقرأ قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ أنظر إلى كتب التفسير القديمة لا تدرك الربط ما هو الربط بين ضيق الصدر والصعود في السماء؟!

لم يكن هذا الأمر واضح إلى أن التفت الإنسان باكتشافاته أن هذا الغلاف الجوي المحيط بالأرض متى ما تجاوزه الإنسان لم يقدر على التنفس﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ عندما تقرأ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ أو قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ عندما يقرأ القارئ قبل مئات السنين مثل هذا الكلام يفكر الدخان هذا الدخان مثل الدخان الذي يخرج من النار﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ يعني مثل هذا الدخان الذي يتحلل من النار «لا» القرآن أراد أن يعطي أشارة رمزية لتلك الطاقة التي هي طاقة مرنة قابلة إلى أن تتحول إلى المادة هي أساساً الطاقة كتلة تضرب في مربع سرعة الضوء أراد أن يشير إلى هذه المرونة في الكتلة تتحول إلى طاقة والطاقة تتحول إلى مادة فعبر عنها بهذه المادة الهلامية ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ.

إذن لا يمكن أن يقال القرآن أقتصر في الحديث على معلومات بسيطة عن مجرتنا التي نعيش فيها وبالتالي لم يشكل ما ذكره القرآن على ما يدل أنه وحي من الله تبارك وتعالى تبين أن هذا الكلام غير دقيق أطلاقاً.

الوجه الثالث: الشواهد التي استشهد بها على أن الثقافة الفلكية في القرآن هي ثقافة بشرية، نأتي إلى هذه الشواهد:

الشاهد الأول: أن القرآن ذكر سبع سموات وسبع أرضيين وهذه «نظرية بطليموس» التي تبين بطلانها وفسادها هذا غير صحيح القرآن لم يقل سبع أرضين القرآن تعبيره دقيق﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ ولم يقل سبع أرضين لا توجد عندنا آية «سبع أرضين» ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَيعني الأرض تتشكل من سبع طبقات جيولوجيا تساهم في حفظ الحياة على الأرض ولم يقل أن هناك «سبع أرضين» ومسألة سبع سموات إلى الآن الفيزياء الحديثة لم تلغي هذا الأمر لم يكتشف لا أنه أمر باطل إلى الآن العلم لم يتصل إلى أن الامتدادات الفضائية تعني سبعة امتدادات عدم توصل العلم إلى هذا الأمر لا يعني أنه كلام كان مبني على نظرية بطليموس وهو كلام زائف «لا»

الشاهد الثاني: القرآن ركز على الأرض صحيح مع أن نسبة الأرض للكون نسبة واحد بالمليار مثلاً، لماذا ركز القرآن على الأرض؟! هل لأن الأرض هي المحور كما يرى بطليموس؟! «لا» إنما ركز القرآن على الأرض لوجهين:

الوجه الأول: أن الأرض هي موطن الخليفة الكون وجد لأجل الإنسان هذا الكون كله بطاقاته وبركاته وكنوزه خلق لأجل هذا الإنسان سخر لأجل هذا الإنسان﴿سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وقال تعالى: ﴿الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ «33» وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ «34» وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ الإنسان هو محور الوجود الإنسان هو المخلوق الذي أنيطت به حضارة الكون وأعمار الكون﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً فبما أن الإنسان هو المحور وهو الخليفة وهو يعيش على الأرض من هنا جاء التركيز على الأرض ذكر الأرض في القرآن لا لأن الأرض أهم من غيرها بل لأنه الأرض موطن الإنسان الذي على يديه سيتم أعمار الكون وإقامة الحضارة الكونية الشاملة.

الوجه الثاني: نحن من نلاحظ الآيات القرآنية نستفيد منها أن للأرض دور مادي في النظام الأخروي طبعاُ النظام الأخروي مثل النظام الدنيوي هو نظام مادي إنما له أجهزته وأنظمته الخاصة التي تكفل بقائه وخلوده واستمراره وعدم نهائيته فهذه المادة الآن التي نعيشها من أرض ومجموعات شمسية وكتل وجسيمات نفس هذه المادة هي ماد للنظام في الدنيا وهي مادة للنظام في الأخرى الأرض إنما ذكرت في القرآن بعتبار محوريتها في النظام المادي الأخروي، أضرب لك أمثلة من القرآن:

القرآن الكريم عندما يقول يتحدث عن أهل الجنة: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء يعني ماذا؟! يعني الأرض هي مادة الجنة في يوم القيامة من هذه الأرض تتكون مادة الجنة ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء.

وعندما تقرا قوله تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبّهَا عندنا تفسيران لهذه الآية تفسير أن الأرض تشرق بالنور في زمن دولة الإمام القائم «عجل الله تعالى فرجه الشريف» حيث تخرج الأرض بركاتها وخيراتها وتشرق بنوره ونور دولته، وعندنا تفسير أخر «لا» ﴿وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبّهَاكما في بعض الروايات تتحول الأرض التي نحن عليها إلى نور ويكون هذا النور مقعد صدق للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إذن الأرض لها ربط محوري بالنظام المادي في الآخرة أن لم يكن لها ربط محوري بالنظام المادي في الدنيا.

بالنتيجة: ذكر الأرض لا لأجل الموافقة نظرية بطليموس بل لوجوه أخرى، اسباب أخرى، نخلص من هذا الكلام كله في هذا المحور إلى أن الثقافة الفلكية التي عرضها القرآن الكريم عرضها طريق للوصول إلى الهداية فهي وحيانية نازلة من الله تبارك وتعالى من أجل تحقيق هذا الهدف.

المحور الثاني: في مسيرة نظام الوجود: هناك آيتان عندما نقراهما نتوقف عندهما:

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ما معنى﴿تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِأو عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا «1» وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا «2» وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا «3» يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا «4» بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ما معنى﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا «4» بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا؟!

من هنا نأتي إلى ما طرحه القرآن في مسير نظام الوجود، نظام الوجود يرتكز على عنصرين:

العنصر الأول: الحركة: لا يوجد شيء في الوجود ساكن لا تتوهم أن هناك وجود ساكن في هذا الكون من الذرة التي تعيش حركة من الجسيمات تحت الذرية إلى المجرة التي تسير في مدار معين تحكم أبعاده الجاذبية من اصغر ذرة إلى أكبر مجرة الكون في مسار حركة في مسار متحرك هذه الحركة﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ هذه الحركة يعبرون عنها الفلاسفة بأنها انتقال من الأجمال إلى التفصيل كل حركة لابد أن تنتقل من وجود أجمالي إلى وجود تفصيلي، أضرب لك أمثلة:

مثلاُ: هذه الشجرة شجرة التفاح المثمرة أين كانت؟! كانت مختصرة في البذرة الصغيرة إذن البذرة الصغيرة تحركت وخرجت من الوجود الاجمالي إلى وجود تفصيلي وتحولت إلى شجرة مثمرة البذرة تحركت وبعدين ترد ترجع مرة أخرى وتتحول إلى بذرة هذا الإنسان العملاق الذي غزا الفضاء الذي قدم الإنجازات والإبداعات على مستوى تاريخ البشرية، هذا الإنسان أين كان؟!

كان مختصر ضمن حيوان منوي صغير جداً هذا الإنسان العظيم كان ضمن حيوان منوي صغير يعني ذلك الحيوان المجهري تحرك وأنتقل من وجود أجمالي إلى وجود تفصيلي وأصبح إنسان ثم يرجع مرة أخرى ويصبح سيدي صغير ملقى في التراب يرجع هذا الإنسان كله يختصر في ذرة صغيرة تفنى في التراب﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ «5» خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ «6» يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ «7» إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يرجع بتلك الذره ثم يفصل مرة أخرى﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ «8» يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ.

إذن كل موجود في الكون يعي حركة من وجود أجمالي إلى وجود تفصيلي ثم يرجع إلى الوجود الاجمالي مرة أخرى، هذا الكون كذلك شوف هذه المجموعات الشمسية الهائلة كلها كانت مختصرة كل هذا الكون بتفاصيله كان مختصر في طاقة كانت مختصر في مبدأ معين كل هذا الكون القرآن يشير إلى ذلك﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ كل هذا الكون كان مطوي في مبدأ صغير ثم فصلناه فخرج من الوجود الاجمالي إلى الوجود التفصيلي ويرجع مرة أخرى يطوى مرة أخرى﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ وقال تعالى: ﴿وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، إذن من هنا نفهم معنى الآية المباركة: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ هي تسير الآن هي وجود تفصيلي ترجع وجود أجمالي مرة أخرى ثم تعود إلى وجود تفصيلي مرة ثالثة.

العنصر الثاني لمسيرة نظام الكون: الوعى: كيف يعني الوعى؟! لا يوجد جز من الكون إلا وهو يملك مقدار من الوعي حتى الصخرة حتى الحجر حتى الجبل الأصم هو يملك مقدار من الوعي كل ما في الكون عرف نظامه الذي يسير فيه وعرف الهدف الذي سيصل إليه﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى هداه إلى النظام وهداه إلى النهاية التي يصل إليها ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى «2» وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى فلكل شيء في الكون وعي ولكل شيء في الكون نطق: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ يعني عنده وعي لماذا خلق وإلى أين يسير عنده وعي لنظامه وهدف نظامه ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ولذلك الجوارح تشهد على الإنسان يوم القيامة الأرض تشهد على الإنسان يوم القيامة هذه الشهادة لم تأتي اعتباط هذه الشهادة لأنه هذه الموجودات التي نحسبها صماء عمياء تمتلك عنصر ملكوتي يسمى بعنصر «الوعي والإدراك» وهذا العنصر هو الذي يجعلها متحملة لشهادة لذلك ورد في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق «: ”إذا تاب الإنسان غفر الله له وتاب عليه ويستر عليه قال له معاوية أبن وهب وكيف يستر عليه؟ ينسي الملكين ما كان يكتبان عليه ويوحي إلى جوارحه وإلى الأرض الذي أذنب فيها فيستران عليه فيلقى الله يوم يلقاه وليس من شاهد عليه بالذنب“ من هنا نفهم قوله عز وجل: ﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَ «2» وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا «3» يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا «4» «تدلي بشهادتها» بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا.

المحور الثالث: علاقة الإنسان بالأرض: علاقة الإنسان بالأرض نوعان:

النوع الأول: علاقة تكوينية.

النوع الثاني: علاقة تشريعية.

النوع الأول: العلاقة التكوينية: ما هي العلاقة التكوينية للإنسان بالأرض؟!

من هنا نحن نرجع إلى علمين من العلوم الإنسانية ليتحدثا لنا عن العلاقة التكوينية بين الإنسان والأرض، نأتي إلى علم النفس، علم النفس يقول: أقوى علاقة في الوجود علاقة الأمومة علاقة الأبوة علاقة الأخوة علاقة الزوجية كلها أقل من علاقة الأمومة أقوى علاقة هي الأمومة هذه العلاقة التي تعني الحنان واللين والاحتضان والاستيعاب هذه العلاقة علاقة الأمومة جعلها الله بين الإنسان والأرض، الأرض أمك أم الإنسان﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى الأرض أم الإنسان، لماذا خلق الله هذه العلاقة؟!

لأنه الهدف يقتضي ذلك الهدف من وجود الإنسان اعمار الأرض لأنه خليفة الله في هذا الكون﴿هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا الهدف من وجود الإنسان أعمار الأرض وهذا الهدف يحتاج إلى علاقة نفسيه بين الإنسان وبين الأرض عندما تكون الأرض أم للإنسان ومصدر للإنسان فهذا يشكل حافز لذا الإنسان يدفعه لعمارة الأرض وللإخلاص لها وللاستفادة منها لأنه يشعر بالعلاقة الوشيجة النفسية بينه وبين الأرض ولذلك القرآن الكريم يركز على هذه العلاقة علاقة الحنو والخدمة﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ.

نأتي إلى علم أخر إلا وهو علم القانون: علم القانون من يتحدث عن الحقوق يقول للإنسان حقوق المواطنة لكل إنسان حقوق المواطنة، ما هو الأصل لحقوق المواطنة؟! الأصل لحقوق المواطنة الوطن يعني قبل أن نقول لكل إنسان حقوق المواطنة لابد أن نقول لكل إنسان وطن أولا نثبت الوطن ثم نثبت حقوق المواطنة لكل إنسان وطن إذن لكل إنسان حقوق المواطنة، من بحث عن الأصل القانوني للوطن، يعني ما هو الميزان في نشأ الوطن وفي تكون الوطن كيف يصبح لك وطن؟!، ما هو الميزان في نشأ الوطن وفي تكون الوطن؟!

يأتي علماء القانون ويقولون لك: النشا هو الأرض التي ولدت عليها هذه العلاقة بينك وبين الأرض التي ولدت عليها هي المفتاح لئن تكون هذه الأرض وطنك هي المفتاح لئن تشكل هذه الأرض الوطن

بلادٌ  بها  نيطت  عليَّ iiتمائمي   وأول أرضٍ مس جلدي ترابها

أول تراب يمسك هو تراب أمومي تراب هذه الأرض التي تحتضنك تكون مسرح لك ولذلك أنت تجد علاقة نفسية بينك وبين هذه الأرض التي ولدت عليها وتربيت عليها هذه العلاقة التكوينية.

النوع الثاني: العلاقة التشريعية: ما ورد عن النبي محمد : ”جعلت ليّ الأرض مسجداً وطهوراً“ مسجد يعني مكان للسجود يشترط في موقع السجود أن يكون من الأرض أو من أجزائها التي لا تأكل ولا تلبس فالأرض مسجد للإنسان وطهورا﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الأرض مسجد وطهور والأرض تتفاضل بلحظ الهدف كيف؟!

يعني هل بقاع الأرض متساوية أو بينها تفاضل؟! هناك تفاضل تبع للهدف الذي من أجل الإنسان وجد كل أرض تسهم في وصولك للهدف هي أفضل من الأرض الأخرى وكل ما كانت الأرض أكثر أسهاماً في وصولك للهدف كانت أفضل من أي بقعة أخرى.

أضرب لك أمثلة: الهدف من وجود الإنسان وصوله إلى الكمال عبر العبادة﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ أعمار الأرض من العبادة التهجد إلى الله من العبادة، العبادة طريق الإنسان للوصول إلى الكمال الهدف أن يصل الإنسان إلى الكمال كل أرض توصلك إلى الكمال فلها فضل المسجد أفضل من غيره، لماذا؟! لأنه المسجد أرض تسهم في وصولك إلى الكمال الروحي الذي يليق بك.

عندما نأتي مثلاُ إلى الكعبة المشرفة هذه البقة المقدسة لها من الفضل ما لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى لماذا؟! لأنه هذه البقعة المقدسة تسهم في وصولك إلى الكمال الروحي﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ الهدف هو الناس يعني هذا البيت ليس لموضوعية فيه وإنما لأجل بناء الإنسان﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ «96» فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا.

نأتي أيضاً إلى الروايات الشريفة تذكر أفضل تربة «تربة الحسين أبن علي» والسجود عليها يخرق الحجب السبع، لماذا هي أفضل تربة؟! لأنه هذه التربة أسهمت في وصول الإنسانيه إلى كمالها لأن هذه التربة ضمت بين ثنياها دم سال دون الإنسانية سال من أجل الإنسانية سال من أجل كرامة الإنسان سال من أجل عدالة الإنسان هذا الدم المطهر الذي ضم ثقل رسول الله وذرية رسول الله لأنه أسهم في إيصال الإنسانية إلى كمالها لذلك كانت هذه التربة أفضل تربة لما تسهم فيه وهذا ليس فقط عند الامامية يتحدثوا بهذا الحديث حتى في بعض الكتب الأخرى أبن حجر يروي في الصواعق المحرقة أن جبرائيل نزل من السماء بتربة حمراء ناولها النبي قال النبي ما هذه التربة؟! قال أنها التي يقتل عليها ولدك الحسين.

وصلى الله على محمد وآل محمد

الليبرالية والمعرفة
ظمأ القلب ومعين العرفان