نص الشريط
العلم دليل الإنسانية
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الرسول الأعظم - مطرح
التاريخ: 16/2/1434 هـ
مرات العرض: 3007
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (778)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا

آمنا بالله صدق الله العلي العظيم

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:

المحور الأول: هل العلم ثابت أم متغير؟

العلم ما هو؟ العلم هو انكشاف الحقائق، اذا انكشفت الحقيقة أمامك فهذا الانكشاف علم. مثلا أنا لا أعلم هل أن الحديد يتمدد بالحرارة أم لا؟ إذا أجريت هذه التجربة على مئات من الأجسام الحديدية ورأيت أن الحديد إذا تعرض لدرجة معينة من الحرارة يتمدد، إذن سوف أصل إلى حقيقة كنت أجهلها، قبل أن أقوم بالتجربة. كنت أجهل هذه الحقيقة وببركة التجربة توصلت واكتشفت الحقيقة أن الحديد يتمدد بالحرارة. هذه الحقيقة التي انكشفت تسمى علم، العلم انكشاف الحقيقة.

هل العلم ثابت أم العلم متغير

هنالك اتجاهان: اتجاه الماديين واتجاه المسلمين. الاتجاه المادي يقول: أن العلم متغير، لماذا؟ لأن العلم ينطبع في الدماغ، والدماغ متغير فهو لا يثبت على حال. الدماغ في كل آن يفقد الآلاف من الخلايا ويكتسب الآلاف منها. في كل آن، الدماغ في حالة تغير وفي حالة تجدد. بما أن العلم ينطبع في الدماغ والدماغ متغير وليس ثابتا على حالة إذن العلم متغير، فالعلم ليس شيئا ثابتا بل هو متغير، بالتالي نحن نعتبر العلم أمر نسبي، لماذا؟ لأنه يتغير ولا يثبت على حالة. بينما الاتجاه الديني يقول: لا، العلم ثابت لا يتغير. انكشاف الحقيقة أمر ثابت لا يتغير ولا يتبدل. فلذلك لا يصح أن يقال أن العلم أمر نسبي، لا العلم حقيقة ثابتة وليس أمرا نسبيا، لماذا؟ وذلك لأمرين:

الأمر الأول: العلم ليس ماديًا.

لو كان العلم شيئا ماديا لتغير، لأن كل مادي يتغير. لكن العلم ليس شيئا ماديا، لماذا؟ لو كان العلم ماديا لكان محدودا بالزمان والمكان كما يقول الفلاسفة بالزمكان يعني الزمن والمكان. بينما العلم ليس محدودا بالزمن والمكان. مثلا: لو أنك اكتسبت معلومة وعمرك عشرين سنة، وأنت في الجامعة اكتسبت معلومة معينة وصار في ذهنك هذه المعلومة، أن الكثافة تساوي الكتلة ضرب الحجم، معلومة فيزيائية اكتسبتها في الجامعة. هذه المعلومة بعد أن يصبح عمرك خمسين سنة، أو سبعين سنة أو مئة سنة، تجد أن المعلومة ثابتة لم تتغير ولم تتبدل. إذن العلم لا يحده زمن ولا يحده مكان. تعلمت هذه المعلومة وأنت في عمان ثم سافرت إلى أوروبا هل تتغير المعلومة؟ أو إذا سافرت إلى الهند مثلا هل تتغير المعلومة؟ إذن لو تنقل بك المكان أو تنقل بك الزمان تظل المعلومة ثابتة لا تتغير بتغير الزمن ولا تتغير بتغير المكان، هذا يدل على أن العلم شيئا ليس ماديا وإلا لتغير عندما يتغير الزمن وعندما يتغير المكان.

الأمر الثاني: العلم لا يقبل اختلاف الصورة.

هذه الصورة التي انطبعت في ذهنك يوم كنت صغيرا، وجدت صورة انسان يموت أو وجدت انسانا يصاب بحادث أو يصاب بغرق أو يصاب بحريق - والعياذ بالله - هذه الصورة تبقى في ذهنك. صورة الإنسان الغريق أو المحترق أو الميت تبقى في ذهنك، الصورة لا تختلف مهما حاولت. لو كانت صورة فوتوغرافية - مثلا - أو كانت صورة على لوحة تستطيع التغيير فيها، يمكنك ان تغير الصورة الورقية، الصورة الخارجية، لكن هذه الصورة الذهنية كلما أردت أن تمحوها من ذهنك ليس باختيارك أن تمحوها، كلما أردت أن تغير ملامحها لا ترى تغيرا في ملامحها، كلما أردت أن تضفي عليها ألوانا وضمائم لا تأتيها الألوان والضمائم، إذن عدم اختلاف الصورة شاهد على أن الصورة أمر ثابت لا يقبل التغير والتبدل، إذن بالنتيجة العلم ثابت وليس متغير.

المحور الثاني: في الفرق بين العلم النظري والعلم الضروري.

هنا يوجد اتجاهان: اتجاه المدرسة الوضعية واتجاه المدرسة الإسلامية.

المدرسة الأولى: المدرسة الوضعية.

هي المدرسة التي تقرر أن كل معلومة لا يمكن أن تنال بالتجربة هذه المعلومة ليس لها قيمة. كل معلومة تخضع للتجربة إذا هي معلومة ذات قيمة، وكل معلومة لا تخضع للتجربة لا قيمة لها أي لا قيمة علمية لها. مثلا - الفلاسفة يقولون: كل شيئ له جوهر وله عرض، كيف ذلك؟ نأتي للتفاحة - مثلا - لها جوهر ولها عرض، لونها عرض، حجمها عرض، طعمها عرض، ووراء هذه الأعراض ووراء هذه الصفات - أي اللون، الطعم، الرائحة، الحجم - يوجد شيء يسمى جوهر التفاحة، وحقيقة التفاحة، فهناك جوهر وراء هذه الصفات كلها. إذن لو أردنا أن نثبت وجود الجوهر، كيف نثبته؟ ليس لدينا طريق لذلك.

لو قال لنا إنسان أثبتوا لي أن للتفاتحة جوهرا، أنا لا أرى شيئا إلا اللون والطعم والرائحة والحجم، لا أرى شيئا وراء ذلك، أثبتوا لي بالتجربة أن للتفاحة وجودا جوهريا وراء هذه الصفات، هل تستطيع؟ لا، لأنه لا يمكن بالتجربة إثبات ذلك. فيأتي أرباب المدرسة الوضعية فيقولون أن هذه المعلومة ليس لها قيمة، أن التفاحة لها جوهر وراء صفاتها، هذه المعلومة ليس لها قيمة علمية، لماذا؟ لأن هذه المعلومة لا يمكن أن تثبت بالتجربة، لا يمكن أن نثبتها بالمقاييس وبالأدوات التجريبية العلمية، فإن لم يمكن أن تثبت بهذه الأدوات التجريبية، إذن هذه المعلومة لا قيمة لها، هي خيال ليس إلا.

وهذا الكلام، كلام أرباب المدرسة الوضعية هم ينسبوه إلى الله عز وجل، يقولون: عندما تقول أن لهذا الكون إله، هذه المعلومة لا قيمة لها، كيف يمكنك أن تثبت هذا الإله؟ لا تستطيع أن تثبته بالتجربة. بما أن فكرة الإله لا يمكن إثباتها بالأدوات التجريبية ولا يمكن إثباتها بالمقاييس التجريبية، إذن هذه الفكرة لا قيمة لها هي مجرد خيال.

المدرسة الأخرى: المدرسة الإسلامية.

المدرسة الدينية تقول: لا، هذا الكلام والمعنى غير صحيح، كيف ذلك؟ لملاحظتين:

الملاحظة الأولى: انقسام العلم إلى علم بديهي وعلم نظري.

العلم البديهي لا يحتاج إلى التجربة، العلم البديهي ينقدح في ذهن الإنسان وينطبع في ذهن الإنسان من دون الحاجة إلى التجربة، كيف؟ - مثلا - علم الإنسان بنفسه هل يحتاج إلى التجربة أيضا؟ أنا أعلم بنفسي وأعلم بما في داخلي من مشاعر ومن عواطف، أنا أعلم بما في ذهني من خواطر ومن أفكار، علمي بكياني وعلمي بنفسي هذا علم، مع ذلك لا يحتاج إلى التجربة. هذا علم بديهي والعلم البديهي لا يحتاج إثباته إلى التجربة. العلم الذي يحتاج إثباته إلى التجربة هو قسم من أقسام العلم النظري.

إذن ما هو معنى هذه الآية؟ بعض الإنسانيين ينخدع عندما يقرأ هذه الآية مثلا - ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، فيقول هذه الآية تؤكد كلام المدرسة الوضعية، أن الإنسان خرج من بطن أمه وليس لديه أية معلومات، واكتسب المعلومات بواسطة التجربة، بواسطة السمع، بواسطة البصر، بواسطة الفؤاد. إذن القرآن يؤكد منطق المدرسة الوضعية التي تقول كل معلومة لا تخضع للتجربة فليس لها قيمة، والقرآن أتى يقرر ذلك فيقول: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا.

فيأتي الجواب: أن هذه الآية ناظرة للعلم النظري وليست ناظرة للعلم البديهي، بدليل أن الإنسان يعلم بنفسه منذ ولادته، حتى هذا الجنين بمجرد أن يخرج من بطن أمه يعلم أن له نفس، يعلم أن له حب، يعلم أن له بغض، يعلم أن له صورة معينة. إذن هذا الجنين بمجرد أن يخرج من بطن أمه يعلم بنفسه ويعلم بمشاعره وهذا علم لا يكتسبه الإنسان لا من السمع ولا من البصر ولا من الأفئدة. علم فطري انقدح في ذات الإنسان. إذن الآية ليست ناظرة للعلم البديهي الفطري بل ناظرة للعلم النظري. المعلومات التي تحتاج إلى اكتساب والمعلومات التي تحتاج إلى استنتاج تسمى معلومات نظرية. هذه المعلومات التي تحتاج إلى اكتساب واستنتاج هي التي تعتمد على المقاييس التجريبية وليس العلم البديهي والفطري.

الملاحظة الثانية: احتياج التجربة إلى البديهيات.

أنه حتى التجربة لا يمكن أن تنتج ما لم نضم إليها معلومات بديهية، وكيف ذلك؟ المثال الفيزيائي الذي ذكرناه سابقا - الكثافة تساوي الكتلة مضروبة في الحجم. هذه معلومة قد اكتسبتها من التجربة، فإن وجدت مادة جديدة لم يكن لها وجود، اكتشف العلماء - كعلماء الجيولوجيا أو الأحياء مثلا - مادة جديدة ما سبق لها وجود، وهذه المادة إذا قسنا كتلتها وقسنا حجمها هل نستطيع أن نعرف كثافتها؟ الجواب: نعم، بما أننا قسنا الكتلة وقسنا الحجم نستطيع أن نقول أن كثافتها كذا لأن كتلتها وحجمها معلوم إذن كثافتها معلومة. كيف عرفت ذلك من غير أن تخضع هذه المادة الجديدة إلى التجربة؟

أنت اكتسبت هذه المعلومة بالتجربة على مواد أخرى أما هذه المادة الجديدة لم تخضع للتجربة فمن أين عرفت أن الكثافة في هذه المادة الجديدة تساوي الكتلة ضرب الحجم، من أين عرفت ذلك من غير أن تخضعها للتجربة؟ عرفت ذلك بضميمة معلومات بديهية، ماهي هذه المعلومات البديهية؟ من مبدأ العلية ومبدأ الحتمية، ما هو مبدأ العلية وماهو مبدأ الحتمية؟ لا يمكن لأية تجربة من أن تنتج مالم تنضم إليها معلومات بديهية معلومات لا تخضع للتجربة، مثل ماذا؟ مثل المبدأين المذكورين آنفا.

مثلا: تقول أن الحديد يتمدد بالحرارة، أنت الآن أقمت التجربة على مليون جسم حديدي ووجدت أن كل فرد من هذا المليون إذا تعرض لدرجة معينة من الحرارة فإنه يتمدد. أنت هنا أقمت التجربة على مليون جسم فقط فكيف تعمم بأن تقول كل جسم حديدي، فأنت أقمتها على عدد معين فمن أين أتى هذا التعميم؟ حتى تكون نتيجة التجربة نتيجة كلية، نتيجة عامة، حتى تستطيع أن تقول كل جسم، لابد من أن تعتمد على معلومات أخرى، ليست معلومات تجريبية بل معلومات بديهية، وهي العلية. فتقول أنا اكتشفت من مليون جسم أن بين الحرارة وبين التمدد علية. يعني أن الحرارة علة للتمدد، لأنني اكتشفت من مليون جسم أن بين الحرارة وبين التمدد سببية وعلية، متى ما حدثت الحرارة بدرجة معينة حدث التمدد، ولأنني اكتشفت السببية والعلية لذلك عممتها لكل جسم.

ومبدأ الحتمية ما هو؟ لو أحدهم قال: صحيح أن الحرارة علة للتمدد، لكن ذلك غير دائم فمن الممكن أحيانا أن يقع التمدد على الجسم أو لا يقع، حتى وإن وجدت الحرارة. فالجواب: أن ذلك غير معقول، لأن بين العلة والمعلول حتمية، يعني متى ما وجد السبب وجد المسبب، ومتى ماوجدت العلة وجد المعلول، ومتى ما وجد الملزوم وجد اللازم. فبين العلة والمعلول والسبب والمسبب حتمية.

إذن هذا الفيزيائي وهذا العالم التجريبي لا يستطيع أن يتخلى عن هذه المعلومات البديهية، ولا يمكنه أن يجري تجربة حتى يعتمد على معلومات بديهية ليس لها علاقة بالتجربة كمعلومة العلية والحتمية. لو لم يعتمد على هذه المعلومات البديهية لكانت التجربة عقيمة وغير منتجة وفاشلة. إذن بالنتيجة توصلنا إلى ماذا؟ توصلنا إلى أن الصحيح هو رأي المدرسة الدينية.

المدرسة الدينية تقول: ليس كل معلومة لابد أن تخضع للتجربة. بعض المعلومات يؤمن بها الإنسان، ويذعن لها الإنسان مع أنها لا تخضع للتجربة كالمعلومات البديهية. إذن بالنتيجة إذا أردنا أن نحقق فكرة الخالق عز وجل، هل أن فكرة وجود الإله وفكرة وجود الخالق هل هي فكرة لها قيمة علمية أم لا؟ لا يمكن أن تثبت أن لها قيمة علمية أم لا عن طريق التجربة، فتقول: بما أن هذه الفكرة لا تخضع للتجربة إذن هي فكرة ليست ذات قيمة. لا تنحصر القيمة في الخضوع للتجربة لأن المعلومات على قسمين: قسم يخضع للتجربة وهي المعلومات الحسية وقسم لا يخضع للتجربة وهي المعلومات العقلية. وفكرة وجود الخالق هي معلومة عقلية تثبت عن طريق البرهان العقلي، وتثبت عن طريق الدليل العقلي.

المحور الثالث: المستند الوحيد لدى الإسلام هو العلم.

الآية تقول: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا، وتقول آية أخرى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ، وتقول آية ثالثة: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. المستند الوحيد لدى العاقل هو العلم، إن لم يكن لديك علم فليس لديك مستند وليست لديك حجة. وهذا يتجلى في موردين:

المورد الأول: العلاقة مع الناس.

العلاقة مع الناس لا تبتني على الظنون بل تبتني على العلم. نحن مع الأسف في مجتمعنا الإسلامي، مجتمع يبني علاقاته على الظنون ولا يبني علاقاته على العلم وعلى الحجج، وكيف ذلك؟ يعني أننا نحن في مجتمعنا الإسلامي، متى ما نقل لنا خبر عن إنسان، أخذنا به من دون التحقيق هل أن هذا الخبر صحيح أم غير صحيح؟ كثير منا يتهم الناس بلا دليل، بمجرد خبر قيل، ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا، لمجرد أن قضية تنقل يتهم المؤمن ويعتدى على حرمته، يساء الظن به ويعتدى على شخصيته بالغيبة وبنقل هذه الأحاديث التي لا صحة لها.

هنا يتدخل العلم، بأي دليل أنت تتهم فلانا؟ وبأي دليل أنت تغتاب فلانا؟ وأنت بأي دليل تسيئ الظن في فلان؟ أين حجتك؟ أين برهانك؟ أين العلم الذي تعتمد عليه؟ هذه مع الأسف قضية جدا خطيرة، مرض ووباء خطير، أن نعتمد على علاقاتنا مع الآخرين على الظنون. بمجرد أن تنقل لنا أخبار سيئة عن الآخرين، يساء الظن بهم ويتهمون وينم عليهم ويغتابون، لمجرد نقل خبر. هذا مرض خطير جدا، ورد عن النبي محمد أنه قال: ”من روى على مؤمن رواية، يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ثم لا يقبله الشيطان“، ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وورد عنه : ”من بهت مؤمنا أو مؤمنة - أي يختلق قضية على إنسان في سبيل تشويه صورته أمام الناس، أو في سبيل أن يؤخره ويزيحه لكي يصبح مكانه - أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله يوم القيامة على تل من النار حتى يخرج مما قاله فيه“.

الإمام الصادق يقول لأبي بصير: يا أبا بصير، كذب سمعك وبصرك عن أخيك - إذا هو مؤمن فلا تسمع كلاما في حقه - فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال كذا وقال: لم أقل، فصدقه وكذبهم، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير سبيلا - أو وأنت تجد لها في الخير محملا - ولا تذيعن على أخيك - إذا سمعت خبرا لا تذعه، الآن يوجد الواتساب، وتأتيك رسائل على الواتساب ”كما وصلني“، ثم تقوم بنشره وتكتب «كما وصلني»، كيف ذلك؟ إذا وصلك هذا الخبر وأنت لا تعلم أهو صحيح أم لا، لا يجوز لك نقله أصلا، ولا يفيد في ذلك كلمة «كما وصلني»، هذه الكلمة «كما وصلني» لا تبرر هذا الذنب. أي خبر يأتيك على الجوال، على الواتساب وأنت لست متأكدا من صحته، لا يجوز لك نقله أصلا - ولا تذيعن عليه شيئا فتكون من الذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.

إذن الأخوة في المنظور الإسلامي لا تعني المجاملة، بما أنك أخي إذن أجاملك، وإذا رأيتك ابتسمت في وجهك وانتهى الأمر، لا هذه ليست هي الأخوة. الأخوة مجموعة من الحقوق:

الحق الأول: ألا يساء الظن به. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.

الحق الثاني: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا. لا يجوز أصلا تتبع عيوب المؤمن. افترض أنه نقل إليك عن مؤمن وقيل لك ترى أن فيه شيئا من العيوب، لا يجوز لك أن تسأل ما هي عيوبه، ولا يجوز لك أن تتبع عيوبه، ولا يجوز لك أن تدقق في عيوبه أبدا، هذا تجسس، ورد عن النبي محمد : ”من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في بيته“. اذن اشتغل بعيبك أنت، لماذا تتبع عيوب الناس؟ اشتغل بتهذيب نفسك، اشتغل بإصلاح نفسك، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، أي عليكم بتهذيب أنفسكم وعليكم باصلاح أنفسكم فإذا اهتديتم لا يضركم وجود من ضل، إذن تتبع العيوب من أشد الأمراض.

لسانك  لا  تذكر  به عورة iiامرء
وعينك  إن  أبدت  إليك  مساوئًا
  فكلك   عورات   وللناس  iiألسنُ
فصنها وقل يا عين للناس أعينُ

الحق الرابع: عدم الغيبة.

حتى لو كان الأمر صحيحا، لو أنك اكتشفت عيبا في هذا الإنسان المؤمن، واكتشفته بالدليل القطعي لا يجوز لك نقله ولا يجوز لك غيبته مادام متسترا بعيبه لا يجوز لك نقل ذلك، ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ، والغيبة لا فرق فيها بين الجد والهزل، هناك من الناس من يغتاب الآخرين فتقول له لماذا؟ فيقول: إني أمزح، وكيف تمزح؟ الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره في مضمون الرواية ”قلت ما الغيبة: قال: ذكرك أخاك بما يكره“. هذه المعلومة، أخاك يكره أن تنقلها عنه، يكره أن تنقلها للآخرين، إذن ذكرها غيبة سواء في الجد أم في هزل أم في مزاح فهي غيبة.

المورد الثاني: تشويه سمعة الدين.

نقل المعلومات ليس خطرا على دين الإنسان فقط، يعني نقل المعلومات عن الآخرين، أو الكذب على الآخرين، أو البهتان للآخرين، ليس خطره منحصرا على الإنسان نفسه، بأن يلوث دينه وبأن يلوث سلوكه وبأن يلوث شخصيته بغيبة الآخرين بل خطره على الناس أيضا. ولذلك أنت ترى الإعلام، الإعلام خطره كبير لماذا؟ لأن الإعلام يغير أمم، فإذا كان إعلاما كاذبا فإنه يصوغ أمما ويصوغ ثقافات وهو إعلام كاذب. من أشد أنواع الخطر هو الخطر الإعلامي. الإعلام يصوغ الآراء يصوغ الأفكار ويصوغ الثقافات وهو إعلام كاذب.

فلا تتعجب أنه مثلا يقال: الشيعة في سوريا قتلوا كذا من الناس، معلومة كاذبة. الإعلان عندما يروج هذه المعلومات، يعبئ الرأي العام من المسلمين ضد هذه الفئة، وضد هذا المذهب وهذا يبقى خطره سنين طويلة، لأنه إذا تعبأ الرأي العالم بصورة مشوهة عن مذهب معين أو جماعة معينة لا يمكن إزالة هذه الصورة لا بعشر سنين ولا بخمسين سنة ولا مئة سنة. الإعلام من أشد معاول الخطر على الأمة الإسلامية.

لذلك لا غرابة في أن ترى الآن أمما تتحدث بتاريخ مشوه عن أهل البيت «صلوات الله عليهم» نتيجة الإعلام الأموي. الذي ضلل هؤلاء الأمم هو الإعلام الأموي، الإعلام الأموي منذ يوم معاوية بن أبي سفيان أخذ هذا المسار وهو تشويه صورة أهل البيت وطبعا لم يكن لأهل البيت دعاة ينتشرون في الأصقاع ليدافعوا عنهم وليدافعوا عن حقائقهم وليدافعوا عن تاريخهم لذلك تلوثت النفسية الاجتماعية لدي كثير من المسلمين بمفاهيم خاطئة عن أهل البيت .

ذكر ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة أن بني أمية كانوا يشيعون على الإمام علي أنه يتسلق على زوجات رسول الله . هل لك أن تتصور أن الإمام علي يتسلق الجدار لكي يرى زوجات رسول الله ؟ وأن الأمويين نقلوا عنه أنه أحدث في الدين وأنه وأنه إلى آخر ما نقلوا. هذه المعلومات نحن ننفر منها ولكنها كانت في وقت تنطلي على الناس لأنه لم يكن هناك من يدافع عن أمير المؤمنين علي نتيجة الضغوط الأموية ونتيجة الخوف الذريع ونتيجة قسوة السلطة الأموية آنذاك، كانت هذه الأباطيل تنطلي على الناس فتصدق بها. ولذلك الإنسان يقول أنا أتعجب كيف يعني المسلمين، يقتل الحسين بن علي وتسبى نساءه ويؤخذ رأسه، أين المسلمين؟ انطلت عليهم الأباطيل.

وقس ذلك الزمان على زماننا هذا، ترى نفس الأمر. كما تنطلي في زماننا الأكاذيب والأباطيل على كثير من المسلمين فيصدق بها ويعتقد بها لأن الإعلام نقلها، تقوله هذا علم؟ القرآن يقول لك: ”ولا تقف ما...“ هل لديك علم؟ لا، إنه الإعلام. كما تنطلي كثير من الأباطيل على المسلمين في زماننا هذا، بسبب الإعلام انطلت كثير من الأباطيل في أزمنة الأئمة الطاهرين نتيجة للإعلام الأموي.

ولذلك صدق الشاميون وكثير من أهل العراق بأن الحسين خارجي وبأنه كما ذكر شريح القاضي، وهو الذي أفتى بقتل الحسين ، ولذلك قال ابن حزم: الحسين قتل بسيف جده، يعني أن الحسين ما قتلوه فقط لأجل المصلحة، بل قتل بفتوى من قاض وبفتوى من مفتي، قتل بفتوى شرعية، إذن الحسين قتل بسيف جده، لأنه قتل بفتوى شرعية. فالمسلمون في ذلك الوقت انطلت عليهم هذه الأباطيل وهذه الأكاذيب وصدقوا ذلك في الحسين لذلك من هنا يتبين عظمة زين العابدين وعظمة العقيلة زينب في الدور الإعلامي الذي قاما به. فالعقيلة زينب في كل مجلس تتكلم وتفضح جرائم الأمويين وتفضح ألاعيبهم وتفضح الأكاذيب والأباطيل التي ينشرونها من أجل تضليل الناس، فما قامت به من دور إعلامي جهاد عظيم، جهاد كبير.

”أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، أن بك على الله كرامة وبنا عليه هوانا؟ فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحيث صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا مهلا لا تطش جهلا، أما سمعت قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ، أمن العدل يابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا على ظهور المطايا، يستكشفهن القريب والبعيد والدنيء والشريف، حيث لا من حماتهن حمي ولا من ولاتهن ولي“.

بنات زياد في القصور مصونة
وآل رسول الله تسبى iiحريمهم
وآل رسول الله نحف iiجسومهم

 
وآل  رسول  الله  في  iiالفلوات
وآل    زياد   حفل   iiالقصرات
وآل   زياد   آمنوا   iiالسربات

ليلة 17: وفاة الإمام الرضا (ع)
ليلة 15: الكتاب في المنظور القرآني