نص الشريط
معاني اليد في القرآن الكريم
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 23/1/1421 هـ
مرات العرض: 2978
المدة: 00:24:43
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1278) حجم الملف: 4.25 MB
تشغيل:

أعوذ بالله من الشيطان الغويّ الرجيم

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

لفظ اليد، كلمة اليد اُسْتُعْمِلَت في القرآن الكريم في عدّة معاني لا في معنى واحد:

المعنى الأول لكلمة اليد في القرآن الكريم:

أنّ اليد أطلقت وأريد بها القدرة، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ[1]  اليد هنا بمعنى القدرة، يعني أنّ اليهود تعتقد أنّ الله تبارك وتعالى عندما برأ الوجود وعندما خلق الوجود فوّض الوجودَ إلى نفسه ورفع قدرته وتدخله في مسيرة الوجود﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعني أنّ الله رفع تدخله في هذا الوجود بعد خلقه﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ الوجود يحتاج إلى المدد الإلهي والتدخل الإلهي وانبساط القدرة الإلهيّة في كلّ آن يمرّ على هذا الوجود، كلّ آن يمرّ على هذا الوجود لا يمكن أن يبقى الوجود بأكمله إلا بمددٍ من الله وإفاضةٍ للقدرة الإلهيّة، فهنا اليد اُسْتُعْمِلت في القرآن الكريم في هذا المورد ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ اُسْتُعْمِلت في هذا المكان بمعنى القدرة الإلهيّة، ولذلك في بعض موارد الآيات مثلاً الآية المباركة: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ[2] عندما يتحدّث عن قضيّة خلق آدم﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ «بيديّ» هنا بمعنى: بقدرتي، الذي خلقته بقدرتي.. [؟].. لماذا لم تسجد له؟ ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ اليد هنا أيضًا بمعنى القدرة، هنا استفهام عند المفسّرين أنّه لماذا ثنّى اليّد؟ يعني: لماذا قال ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ لم يقل: «خلقتُ بيدي»، يعني: جعل اليد، عبّر بالمثنى، لم يعبّر بالمفرد، لم يقل: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»، قال: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.

يقولون: التثنية هنا إشارة إلى أنّ آدم «عليه السّلام» يملك بعدين:

بعد مادّي: وهو الجسد.

وبعد مجرّد: وهو الرّوح.

فالله تبارك وتعالى عندما أوجد آدم أفاض إفاضتين:

1 - إفاضة ماديّة.

2 - وإفاضة مجرّدة وهو الرّوح.

لأجل أنّ الله تبارك وتعالى أفاض أفاضتين عبّر بالتثنية، قال: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ولم يقل: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي، هذا المعنى الأوّل.

المعنى الثاني الذي استعملت فيه كلمة اليد في القرآن:

استعملت كلمة اليد بمعنى العطاء وبمعنى البذل، مثلاً قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا[4]  المطلوب هو الاعتدال في الاستهلاك، المطلوب هو الاعتدال في الإنفاق، انظر إلى المجتمع الخليجي الآن كلّ الكتاب يكتبون عن المجتمع الخليجي أنّ المجتمع الخليجي مجتمعٌ استهلاكيٌ وليس مجتمعًا إنتاجيًا، المجتمع الخليجي تطغى عليه روح الاستهلاك من دون ترشيد ومن دون وعي، الاستهلاك من دون ترشيدٍ ومن دون وعي ظاهرة مستحكمة على المجتمع الخليجي، الإنسان منا مثلاً قد يدخل السّوبر ماركت، قد يدخل السّوق، ما يعجبه شكله، وما يحبّ أن يجرّبه، وما رأى الناس أنّها تأخذ منه وتشتري منه يشتري، ظاهرة الاستهلاك ورح الاستهلاك ظاهرة مسيطرة من دون أن تكون هناك حدود ووعي بأن يقتصر في الشّراء على ما يحتاج ويترك ما لا يحتاج فإنّه مسؤولٌ عن هذا الإنفاق ومسؤولٌ عن الاستهلاك، ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ - يعني: عطاءك وإنفاقك - مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، هنا اليد بمعنى العطاء. [3] ، ما معنى اليد؟ معناها: العطاء، يعني أنت لا تحجب العطاء، ولا أنّك تسرف في العطاء، وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا

أيضًا القرآن الكريم بهذا المعنى يعبّر عن الأنبياء: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ[5]  ما معنى أولي الأيدي والأبصار؟ كلّ الناس لهم أيدٍ وكلّ الناس لهم أبصار، لماذا مدح إبراهيمَ وإسحاق ويعقوب بأنّهم أولي الأيدي والأبصار؟ معنى أولي الأيدي والأبصار: أنّهم أصحاب العطاء الوافر، العطاء بواسطة التعليم، العطاء بواسطة الإنفاق على الفقراء، العطاء بواسطة ترويض الناس وتزكيتهم وتعليمهم، أولي الأيدي يعني كان لهم عطاءٌ وافرٌ في خلق المجتمع الصّالح، ﴿أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِالأبصار بمعنى البصيرة، يعني: كان سلوكهم سلوكًا عن بصيرةٍ، الإنسان الذي إذا مشى يمشي في سلوكه دائمًا بارتجال أو دائمًا بتسرّع أو دائمًا بدون تأمّل وبدون رويّةٍ هذا إنسان لا يملك بصيرة.

أمّا الإنسان الذي إذا تلكم وتكلم عن تأمّل وإذا سكت يسكت عن تأمّل وإذا عمل يعمل عن تأمّل وإذا ترك يترك عن تأمّل فهذا الإنسان يقال له صاحب بصيرة، أنت تقرأ في زيارة العبّاس عليه السّلام: ”أشهدك أنّك مضيت على بصيرةٍ من أمرك مقتديًا بالصّالحين ومتبعًا للنبيّين“ عمرو بن الحجّاج الزبيدي عندما رأى معسكر الحسين «عليه السّلام» قال للجيش المقاتلِ: ويحكم! من تقاتلون؟! أتقاتلون فرسانَ المصر وأهلَ البصائر ”يعني: والذين يملكون بصيرة في سلوكهم وفي مشيهم، إذن ﴿أُولِي الْأَيْدِييعني أولي العطاء الوافر﴿وَالْأَبْصَارِ يعني أصحاب البصيرة في سلوكهم وبهذا المعنى ما ورد عن النبي محمّدٍ :“ من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده ”على فرض صحّة الرّواية سندًا المقصود باليد هنا بذل العطاء، وليس المقصود باليد هنا استعمال العنف أو استعمال القوّة،“ من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده - يبذل بذلاً يغيّر به المنكر - فإنْ لم يستطع فبلسانه وإنْ لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" الآن كثير من المنكرات في مجتمعاتنا لا حلّ لها إلا البذل، لا علاج لها إلا العطاء، كثيرٌ من شبابنا قد ينحرف في انحرافاتٍ خلقيّةٍ إلا ملأ الفراغ، إذا أقمنا الأنشطة الخيريّة، إذا أقمنا المسابقات الثقافيّة، إذا حرّكنا المواهب والطاقات الشّبابيّة شغلنا فراغهم نكون بذلك قد غيّرنا المنكر ولكن تغيير باليد يعني تغيير بالبذل وبالعطاء فهنا اليد بمعنى العطاء.

المعنى الثالث:

المعنى الثالث أنّ المراد باليد القوّة، تبارك وتعالى يقول في القرآن: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ «47» وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ[6] ، اليد هنا بمعنى القوّة، بُنِيَت السّماء بقوّةٍ خارقةٍ من الله تبارك وتعالى، ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ إنّما هنا فقرتان ينبغي التأمّل فيهما:

الفقرة الأولى:

لماذا قال بأيدٍ «يعني: عبّر بالجمع»؟ لم يقل: والسّماء بنيناها بيدنا، أو بيدي، قال: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ التعبير بالجمع هنا لماذا؟

يذكر المفسّرون أنّ التعبير بالجمع إشارة إلى أنّ القوّة التي برأت السّماء وبنت السّماء مجموعة من الملائكة، يعني: الله تبارك وتعالى جسّد القوّة الإلهيّة في مجموعةٍ من الملائكة، لأنّهم مجموعة من الملائكة فعبّر عنهم بالأيدي﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، ربّما هنا الإنسان يسأل سؤالاً وهو أنّه لماذا الله تبارك وتعالى لا يخلق السّماء دفعة واحدة وبدون واسطة؟ يعني: لماذا يخلق السّماء في ستة أيام؟ خلق السّماء في ستة أيام، لماذا خلقها في ستة أيام؟ ولماذا اعتمد فيها على الملائكة ولم يخلقها دفعة واحدة ومباشرة من دون واسطة؟

هنا يذكر علماؤنا: أنّ التدريج في الخلق واستخدام الواسطة الماديّة هو بنفسه مظهرٌ من مظاهر قدرة الله تبارك وتعالى، الآن مثلاً أضرب لك مثال الجنين، الجنين بإمكانه أن يُخْلَف دفعة واحدة، الله تبارك وتعالى من أوّل يوم يخلق الجنينَ دفعة واحدة، لماذا الجنين يمرّ بهذا التدريج؟ نطفة فعلقة فمضغة فعظام فلحم فجسد فإنسان كامل.. لماذا يمرّ بهذا التدريج؟ لماذا لكلّ مرحلةٍ - حسب ما في الرّوايات - عندما يكون نطفة هناك ملائكة تعتني به وهو نطفة، عندما يكون علقة هناك ملائكة موكلون به وهو علقة، عندما يكون مضغة هناك ملائكة معتمدٌ عليهم عندما يكون في هذه المرحلة، لماذا؟

يقولون: كلّ مظهر من هذه المظاهر عندما يكون الإنسان نطفة نفس النطفة تشتمل على عجائبَ طبيعيّةٍ وفيزيائيّةٍ لو تأمّلها الإنسانُ لكانت مظهرًا من مظاهر قدرة الله، عندما ينتقل إلى المضغة نفس المضغة تشتمل على عجائبَ طبيعيّةٍ وفيزيائية لو تأمّلها الإنسانُ لكانت مظهرًا من مظاهر قدرة الله، إذن التدريج الله تبارك وتعالى يقسّم سير الوجود إلى طور تدريجي ويضع لكلّ مرحلةٍ ملائكة منسجمين مع هذه المرحلة، هذا التدريج متى يعرف الإنسان أنّ كلّ مرحلةٍ من مراحل هذا السّير تتضمّن عجائبَ من الصنعة لا يُوجِبُ للإنسان الانبهار والتعجّب من قدرة الله عزّ وجلّ وقدرته.

بخلاف ما لو برأه دفعة واحدة، فإذا وُجِدَ دفعة واحدة لم يمر الذهن البشري بهذه المراحل التي تحكي كلُ مرحلةٍ عن عجيب صنعته وبديع قدرته وجلال حكمته تبارك وتعالى﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، فعلاً القرآن مازالت فيه ألغاز إلى يومنا هذا؟ ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ يعني ماذا؟ ليس واضحًا، إلى الآن المفسّرون عندما يقفون أمامَ هذه اللفظة يقولون: ليس واضحًا ما معنى ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ؟ مازال القرآنُ يشتمل على رموز لم تحل إلى الآن، يعني الآن نظريّة فكليّة حديثة ولكن نظريّة تخمينيّة، يقولون: نجد بعضَ الكواكب وبعضَ المجموعات تبتعد عن محيطها إلى حدٍ لا يمكن تقديره، فيُحْدَس - مجرّد حدس وتخمين - فيُحْدَس من هذا الابتعاد «ابتعاد هذه المجموعات عن محيطها بنحو لا يمكن تقديره» أنّ النظام في حالة توسّع، هذا الكون اللامتناهي هو في حال توسّع وامتدادٍ دائم، فربّما يكون هذا منسجمًا مع قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، هذا المعنى الثالث.

المعنى الرّابع لليد: أنّ المراد باليد السّيطرة والاستيلاء.

مثلاً قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ[7] ، وقوله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ[8] ، عندنا عالم الملك، عندنا عالم الملكوت، عالم الملك هو هذا العالم المادّي، هذا العالم المادّي «السّماوات والأرض» نسمّيه بعالم الملك، عالم الملكوت هو عالم الأرواح، الله سيطر على عالم المادّة وعلى عالم الأرواح، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، من هنا أنطلق إلى أمر وقاعدةٍ فقهيّةٍ ذكرها الفقهاءُ ألا وهي قاعدة اليد، قاعدة فقهيّة مذكورة في كتب الفقهاء ويعملون عليها تسمّى بقاعدة اليد، ما معنى قاعدة اليد؟

الفقهاء يقولون: اليد إمارة على الملكيّة واليد إمارة على التذكية، ما معنى اليد إمارة على الملكية؟ يعني الآن مثلاً أنا أرى إنسانًا يستولي على سيّارة، اليد بمعنى الاستيلاء، لا أدري هل هذه السّيارة ملكه حتى أنا أشتريها منه أو ليست بملكه؟ مادام مستوليًا فهو ملكه، الملكيّة إمارة على الملكيّة، إنسانٌ عنده بيتٌ، يملك مفاتح البيت، أو أرض، عنده عمّالٌ يشتغلون في أرض فهو مستولٍ على الأرض، عنده مفاتيح للبيت الفلاني فهو مستولٍ على البيت الفلاني، الاستيلاء إمارة على الملكيّة، يعني: يجوز لي أن أشتري البيت منه، أو أشتري الأرض منه، لماذا؟ لأنّه مستولٍ والاستيلاء إمارة على الملكيّة، طبعًا ما لم تقم بيّنة أو إقرار بالخلاف، يعني: ما لم تأتِ بيّنة عادلة تقول: لا، هذه البيت ليس ملكه، هذه السّيارة ليست ملكه، إذا ما قامت بيّنة عادلة على الخلاف فهي ملكه ما لم تقم بيّنة، أو هو يقرّ، يقول: أنا أقرّ أنّ السّيّارة ليست ملكي، إذا أقرّ خرجت عن ملكه، ما لم يقر أو تقوم بيّنة على الخلاف فاليد إمارة على الملكيّة، حتى لو شكّ الإنسان نفسه، نفس الإنسان يشكّ، يعني: الآن مثلاً أنا أرى أموالاً في داري، في غرفةٍ توجد أموال، لا أدري هذه الأموال ملكي أو ملك غيري، خصوصًا الذين يكون عندهم أمانات أو يكون عندهم أشياء أخرى، لا يدري أنّ هذا المال له أو أنّ هذا المال أمانة.

الفقهاء يقولون: له، إذا شكّ أنّ هذا المال له أو أنّ هذا المال لغيره يبني على أنّه له ويتصرّف فيه تصرّف المالك إلى أن تقوم بيّنة على الخلاف، هذه يسمّوها قاعدة اليد، اليد إمارة على الملكيّة، حفص بن غياث أحد أصحاب الإمام الصّادق «عليه السّلام» يقول للإمام: إذا رأيتُ شيئًا بيد شخص أأشهد أنّه له؟ «أقول: هذا لفلان لأنّه كان تحت يده»، قال: نعم، قال: لعله لغيره «كيف أشهد أنّه له؟! لعله لغيره» قال له الإمام الصّادق: أتشتريه منه؟! قال: نعم، قال: لعله لغيره! كيف تشتريه منه؟! أفيحل لك أن تشتريه منه ثم يصير ملكًا لك وتنسبه لنفسك وتحلف على ذلك ولا يحلّ لك أن تنسبه إلى من صار ملكه من قِبَلِه إليك؟! لولا ذلك - لاحظوا هذه الفقرة الدّقيقة - لولا ذلك لما قام للمسلمين سوقٌ «أصلاً السّوق قائمة على اليد، وإلا نحن لو نشك السّوق ما تصير، هذا فاتح دكان، ما أدرانا أنّ الدّكان له؟! هذا واضع بضاعة، ما أدرنا أنّ البضاعة له؟! هذا مثلاً راكب سيّارة، ما أدرانا أنّ السّيارة له؟! لولا قاعدة اليد لما قام للمسلمين سوقٌ، أصلاً سوق البيع والشّراء قائمة على قاعدة اليد» لولا ذلك لما قام للمسلمين سوق.

إذن اليد إمارة على الملكيّة مثلاً أنا الآن عندي وقف، هذا النخيل كان وقفًا، ثم رآني الناس لا، النخيل تصرّفتُ فيه تصرّفًا آخر، لا يدرون أنّه النخيل صار ملكي أو أنّه مازال وقفًا، كانت اليد سابقًا يد أمانة، الآن لا ندري تحوّلت اليد.

اليد إمارة على التذكية تحت يده جبنه، تحت يده لبن، تحت يده أيّ شيءٍ حيواني، جلد حيواني إذا شككت أنّه مذكى أو ليس بمذكى، المسلم على أنّ ما تحت يده مذكى ومذبوح على الطريقة الشّرعيّة، بل توسّع الفقهاءُ من اليد إلى السّوق وإلى الأرض، قالوا: سوق المسلمين إمارة على التذكية، لو شفت لحمًا في السّوق سوق المسلمين، أو رأيتُ جبنًا في سوق المسلمين حتى لو لم يكن تحت يد رجل مسلم لكنه موجودٌ في سوق المسلمين، إذا كان في سوق المسلمين سوق المسلمين إمارة على أنّه لحمٌ مذكى، على أنّه جلدٌ مذكى، على أنّه مثلاً من حيوان مثلاً حي، وهكذا ما أشبه ذلك من الأمور.

إذن هنا اليد إمارة على التذكية، بل أرض الإسلام، ليس من اللازم سوق، أرض الإسلام تكون إمارة على التذكية، في رواية إسحاق بن عمّار عن الإمام الصّادق «عليه السّلام» يقول: إذا وجدتُ لحمًا في أرض الإسلام أفيحل لي أكله؟ قال: نعم، قال: إنّ فيها غير المسلمين «يعني: أرض الإسلام فيها مسلمين وفي غير مسلمين، لاحظ الإمام وضع قاعدة لنا» قال: إذا كان الغالِبُ عليها المسلمون فلا بأس، طبعًا ليس المقصود بالغلبة يعني غلبة الوجود، غلبة السّيطرة لا غلبة الوجود، افترض هذه بلاد مثل إندونيسيا، لنفترض أنّهم 200 مليون مسلم لكن لا حول لهم ولا قوّة، الثروات الحيوانيّة بيد غيرهم، الثروات الطبيعيّة بيد غيرهم، هناك لا تجري القاعدة، الغالب عليها المسلمون، الغالب عليها يعني ما سيطر على ثرواتها المسلمون فهنا السّوق، إذا البلاد أكثر من يملك الثروة الحيوانيّة فيها من المسلمين، أكثر من يملك هذه الثروة الحيوانيّة من المسلمين إذا كان، الأغلب من المسلمين هنا قاعدة السّوق إمارة على التذكية، قاعدة أرض الإسلام إمارة على التذكية، قاعدة يد المسلم إمارة على التذكية، هذا ما أردنا بيانه.

[1]  سورة المائدة، آية 64.
[2]  سورة ص، آية 75.
[3]  سورة الإسراء، آية 29.
[4]  سورة الفرقان، آية67.
[5]  سورة ص، آية 45.
[6]  سورة الذاريات، آية 47 - 48.
[7]  سورة الملك، آية 1.
[8]  سورة يس، آية83.

الإعجاز بين العلة والتجربة
أحكــام الأسهــم