نص الشريط
الإعجاز بين العلة والتجربة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 1/2/1421 هـ
مرات العرض: 2527
المدة: 00:27:35
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1498) حجم الملف: 4.74 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [1] 

صدق الله العلي العظيم

من أجل فهم الآية المباركة لابدّ من ذكر عدّة أمور لفهم مضمون الآية:

الأمر الأول:

ما تعرّض له فلاسفة المسلمين من أنّ الإعجاز الذي يقوم به المعصوم كالنبي أو الإمام هكذا عبارة الفلاسفة أنّ الإعجاز ليس من باب إيجاد المعلول بلا علة ولا من باب تبديل العلة بل الإعجاز من باب تأثير العلة الحقيقيّة بإرادةٍ من النفس القدسيّة، هذه الكلمات تحتاج إلى شرح، ولذلك أذكر أمورًا لشرح هذه الكلمات:

الأمر الأول: أنّ الإعجاز ليس من باب إيجاد المعلول بلا علة.

مثلاً: عندما بإنسان يؤتى بإنسان مريض بمرض خبيث - والعياذ بالله - فيُعْرَضُ على الإمام المعصوم مثلاً، والمعصوم يقرأ دعاءً على ماءٍ ويسقي هذا الإنسان المريض، فإذا شرب الإنسانُ المريضُ ذلك الماء شُفِيَ من مرضه، شفاء هذا المريض من مرضه على نحو الإعجاز والكرامة هل حدث بدون علة «يعني حدث بدون سبب»؟! مستحيل! ليس الإعجاز هو عبارة عن حدوث المسبب بدون سبب، كلّ الكون قائمٌ على علاقة السببيّة والمسببيّة، كلّ الكون مسببٌ وسببٌ، لا يوجد شيءٌ في دائرة الكون مسببٌ يوجد بدون سبب، إذا قلنا أنّ هذا يُوجَد بلا سبب هذا نظير أن نقول بأنّه ماذا؟! بأنّ هذا الكون أيضًا وُجِدَ بلا خالق! إذا قلنا بأنّ الأشياء توجد بدون سبب إذن يصحّ لنا أن نقول بأنّ هذا الكون أيضًا وُجِدَ بدون خالق! يستحيل وجود المسبب بدون سبب، فالإعجاز يرجع إلى سببٍ لا أنه بدون سبب، هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: ليس الإعجاز من باب تبديل العلة.

يعني تبديل على مكان علة، يعني نقول مثلاً: العلة في شفاء المرض هو شرب الدواء لكنّ المعصوم بدّل علة مكان علة، جعل مكان علة شرب الدواء شرب الماء الذي يقرأ عليه الدعاء، فالإعجاز من باب تبديل علة مكان علة أخرى، لا، ليس الإعجاز كذلك، لماذا؟ لأنّ ارتباط السبب والمسبب ارتباط وجوديٌ يستحيل التفكيك بينهما، يعني الآن مثلاً: أنت لا تستطيع أن تستخرج التفاحة من نواة التمر، كما لا تستطيع أن تُخْرِجَ التمر من نواة التفاحة، لكل مسبب سببه الخاص به، يستحيل تبديل علة مكان علة بأن أنا أستخرج التفاحة من نواة التمر يستحيل، يقول الفلاسفة: لابدّ من وجود سنخيّة بين العلة والمعلول، المسبب رشحة من رشحات السبب، فلا يعقل تبديل سبب مكان سبب، لكلّ شيء سببه، سبب وجود التفاحة نواتها وبذرتها، لا يعقل استخراج التفاحة من نواة التمر ولا بالعكس، تبديل علة مكان علة هذا أمرٌ مستحيلٌ، وإلا لوُجِد كلّ شيء من كلّ شيء! وهذا أمر محال، هذا هو الأمر الثاني.

الأمر الثالث: أنّ الإمام المعصوم يقوم باكتشاف العلة الحقيقيّة في الأشياء.

وهذا هو الفرق بين الإعجاز وبين غيره، ما معنى ذلك؟ العلماء يقسمون القضايا إلى قسمين:

1 - قضايا عقليّة: لا تتخلف ولا تختلف.

2 - وقضايا تجريبيّة: يمكن أن تتخلف وتختلف.

مثلاً: عندما نقول: «المثلث تساوي زواياه 180 درجة، المثلث ما كانت زواياه تساوي قائمتين» هذه قضية عقليّة مستحيل أن تتخلف، متى ما الإنسان أدرك المثلث أدرك أن زواياه تساوي قائمتين، قضيّة عقليّة لا تتخلف ولا تختلف، «2 + 2 = 4» مستحيل أن تختلف هذه القضية، القضايا العقلية لا يقع فيها إعجاز، الإعجاز لا يأتي في القضايا العقليّة، لأنّ القضايا العقليّة لا تتغير، يستحيل أن تتخلف وتختلف، يأتي لك المعصوم ويقول لك: «لا! أنا مستعد أوجد لك بمثلث تساوي زواياه 260 درجة!» مستحيل، الإعجاز لا يقع في القضايا العقليّة التي لا تتخلف ولا تختلف.

عندنا قسمٌ ثانٍ من القضايا: وهو القضايا التجريبيّة، القضايا التجريبيّة هي التي يقع فيها الإعجاز، مثلاً: نحن الآن بحكم التجربة نقول بأنّه «الماء إذا بلغت درجة حرارته 100 فإنّه يغلي»، هذه ليست قضيّة عقليّة، قضيّة تجريبيّة، يعني بالتجربة اكتشفناها، «الماء إذا بلغت درجة حرارته 100 يغلي»، هذه قضيّة تجريبيّة، هل هذه القضيّة التجريبيّة لا تتخلف ولا تختلف مثل «2 + 2 = 4»؟! لا، نقول: هذه القضيّة بما أنّها اكتشفت بالتجربة لا يعني أنّ التجربة اكتشفت العلة الحقيقيّة وراء غليان الماء، لا، لعلّ العلة الحقيقيّة وراء غليان الماء ليس هو بلوغ درجة الحرارة مئة، الآن نحن في هذا العصر التجربة أوصلتنا إلى أنّه متى بلغت درجة الحرارة مئة فإنّه يغلي، هذا مقتضى التجربة ولكن لا يعني هذا أنّ العلة الحقيقيّة الواقعيّة لغليان الماء هو وصول درجة الحرارة مئة، لعلّ العلة الحقيقيّة غير ذلك ولكن إلى الآن لم تكتشفها التجربة.

إذن القضايا التجريبيّة لأنّها لا تكتشف العلة الحقيقيّة للشيء وإنّما تكتشف العلة الظاهريّة فالقضايا التجريبيّة يمكن أن تتخلف ويمكن أن تختلف، لذلك يمكن لنا أن نقول: «إذا بلغت درجة حرارة الماء مئة يغلي ما لم يمنع مانع» نستطيع أن نضع هذا القيد: «ما لم يمنع مانع، ما لم ينتفِ شرط من الشروط» بينما هذا القيد لا نستطيع أن نضعه في القضايا العقليّة: «اثنين زائد اثنين يساوي أربعة ما لم يمنع مانع»! لا معنى لمنع مانع أو لم يمنع مانع فإنّ اثنين زائد اثنين يساوي أربعة، فالقضايا العقليّة يكتشف فيها الرابطة الحقيقيّة لذلك لا تتخلف ولا تختلف ولا يمكن وضع قيدٍ فيها فلا يأتي الإعجاز فيها بينما القضايا التجريبيّة قد لا تكتشف العلة الحقيقيّة، فلذلك يمكن أن تتخلف، يصح لنا أن نضع قيدًا فيها، نقول: «كلما بلغت درجة حرارة الماء مئة فإنه يغلي إلا أن يمنع مانع، إلا أن ينتفي شرط من الشروط» وهذا هو موطن الإعجاز.

الآن مثلاً: مشت التجربة البشريّة من أبناء آدم على يومنا هذا أنّ الجنين يتكوّن من تلقيح الحويمن مع ماذا؟! مع بويضة المرأة، لكن هذا هل هو يعني أنه العلة الحقيقيّة؟! التجربة اكتشفت هذا، التجربة إلى يومنا هذا تقول: العلة في وجود الجنين تلقيح البويضة مع الحويمن، هل هذا يعني أنّه العلة الحقيقيّة؟! يمكن باستمرار التجربة أن تُكْتَشف عللٌ أخرى، حتى الآن العلة هي هذه، يمكن أن توجد علة أخرى، يمكن أن يحصل مانعٌ من ذلك، يمكن الآن بواسطة اكتشاف إمكان الاستنساخ: لا، ما نحتاج إلى حويمن منوي، نفس خلية المرأة بإمكاننا تلقيح خلية من خلايا المرأة مع بويضتها وإنتاج جنينٍ.

إذن التجربة في مرور الأيام كشفت لنا علة لا يعني أنّ هذه هي العلة الحقيقيّة بحيث لا يمكن تغيّرها، لا، يمكن أن تكتشف لنا التجربة في المستقبل عللاً أخرى، إذن هنا في القضايا التجريبيّة التي يمكن أن تتخلف ويمكن أن تختلف يقع الإعجاز، لأنّ المعصوم يكتشف العلة الحقيقيّة ونحن لم نكتشف بالتجربة العلة الحقيقيّة، المعصوم بواسطة علمه عرف أنّ العلة الحقيقيّة في إنتاج الجنين ليست هي التلقيح بين البويضة والحويمن، لأنّه اكتشف العلة الحقيقيّة ونحن لم نكتشف العلة الحقيقيّة يستطيع المعصومُ إنتاجَ جنينٍ من دون هذه العمليّة، يُوجِدُ جنينًا من دون هذه العمليّة لأنّه اكتشف العلة الحقيقيّة وراء ذلك ونحن لم نكتشف ذلك.

فالإعجاز لا يرجع إلى إيجاد المعلول بلا علة، ولا يرجع إلى تبديل علة مكان علة، وإنّما الإعجاز يرجع إلى اكتشاف العلة الحقيقيّة في القضايا التجريبيّة، لأنّ المعصوم بواسطة علمه الغيبي اكتشف العلة الحقيقيّة في القضايا التجريبيّة صار يُوجَدُ أشياءً على خلاف ما هو المتعارف بين الناس، على خلاف ما هو المألوف بين الناس، لأنّه اكتشف بعلمه الغيبي العلة الحقيقيّة المؤثرة في القضايا التجريبيّة فصنع الإعجاز، فصنع المعجزة، هذا هو الأمر الثالث.

الأمر الرابع: الإرادة القدسيّة.

أنّ المعصوم عندما يكتشف بعمله الغيبي العلة الحقيقيّة المؤثرة في الأشياء فإنّ هذا الشيء يصنعه هو بذاته لا أنّ الله يفيض عليه، يعني مثلاً كثيرٌ من الناس يتصوّر أنّه لا، أنّ المعصوم مثلاً ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ [2]  عيسى بن مريم ، يتصوّر البعض أنّ عيسى هو لا يفعل شيئًا! هو فقط يدعو! هو يقول: «يا رب أحيي هذا الميّت» الله يحييه! «يا رب أبرئ الأكمه والأبرص» الله يبرئه! فعيسى بن مريم لا يصنع شيئًا! فقط يدعو! الذي يحيي، الذي يبرئ الأكمه والأبرص مثلاً علة أخرى وسببٌ آخر!

لا، نفس عيسى بن مريم لأنّه أعطي قدرة إلهيّة، نفس عيسى بن مريم لأنّه أعطي إرادة، نفس عيسى بن مريم هو الذي يبرئ الأكمه والأبرص ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ [3]  صحيح لولا القدرة الإلهيّة ما استطاع ذلك، الله أعطاه القدرة، لكن بعد أن أعطاه الله القدرة الذي مارس العمل هو عيسى بن مريم نفسه، نفس عيسى بن مريم مارس عملية الخلق، ومارس عملية النفخ، ومارس عملية إحياء الموتى، ومارس عملية إبراء الأكمه والأبرص، نفس عيسى بن مريم مارس العمليّة، مارسها بإرادةٍ من نفسٍ قدسيّةٍ، هذه النفس القدسيّة التي هي لعيسى بن مريم نفسٌ بلغت من الكمال الرّوحي ومن شدّة الارتباط والتعلق بالله تبارك وتعالى بلغت درجة من الكمال صارت بهذه الدرجة قادرة على التأثير في الأشياء، ”عبدي أطعني تكون مِثْلِي «أو: مَثَلِي» أنا أقول للشيء: «كن» فيكون، وأنت تقول للشيء: «كن» فيكون“ إذا بلغ العبد درجة من الكمال الرّوحي ودرجة من التعلق بالله عالية استطاع التأثير في القضايا التجريبيّة بإرادة نفسه القدسيّة، بإرادة درجته الرّوحيّة، فإذن عيسى بن مريم أو غيره من الأنبياء أو الأئمة أو المعصومين هم يقومون بهذه الأعمال بإرادةٍ من نفسه القدسيّة.

فمن جملة ما يقوم به الإمام هو ما ذكرته الآية المباركة: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [4] ، ما معنى «يهدون بأمرنا»؟ هذه التي يعبّر عنها الفلاسفة بالهداية الأمريّة، الهداية الأمريّة تفترق عن الهداية التبليغيّة، الهداية التبليغيّة أن أنا أصعد المنبر وأقول للناس: «أيها الناس دعوا المحرمات، افعلوا الواجبات، اثبتوا على الصراط المستقيم..» هذه هداية تبليغيّة قد تؤثر وقد لا تؤثر، الهداية الأمريّة هي عبارة عن تأثير الإمام في نفوس الناس، يعني الإمام له قدرة على أن يزرع نور الهداية في نفوس الناس، وهذا ما يسمّى بالهداية الأمريّة، نتيجة لكماله الرّوحي كما يستطيع أن يبرئ الأكمه والأبرص، كما يستطيع أن يحيي الموتى بإذن الله أيضًا نتيجة لكماله الرّوحي يستطيع أن يزرع نور الهداية في نفوس الناس ويؤثر في نفوس الناس تأثيرًا مباشرًا، ولا غرابة في ذلك.

يعني الآن أنت تستغرب؟! إبليس ألا يؤثر في نفوس الناس؟! القرآن الكريم يقول عن إبليس: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [5] ، إبليس له القدرة على التأثير في نفوس الناس وزرع الوساوس الشيطانيّة وليس للإمام المعصوم قدرة على أن يزرع الأحاديث الربّانيّة والأحاديث الإلهيّة؟! إذا كان لإبليس القدرة على زرع الوساوس فللإمام المعصوم القدرة على زرع نور الهادية وعلى زرع حديث الهداية في نفوس الناس وفي قلوب الناس، «سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاري، رشيد الهجري، ميثم التمّار، كميل بن زياد» هؤلاء الإمام صنع لهم هداية أمريّة، هؤلاء لأنّهم تربوا على يدي الإمام علي زرع في نفوسهم نور الهداية عن طريق تأثير إشعاعه الروحي فأصبحوا بهذه الدرجة من الكمال ومن الثبات.

هذا ليس أمرًا مستغربًا الآن الموسيقى، واحد يعزف موسيقى، ألا تؤثر الموسيقى في نفوس الناس تأثيرًا مباشرًا؟! مباشر، إنسانٌ يعزف على الكمان، يعزف الموسيقى، الموسيقى لها تأثيرٌ غريبٌ على نفوس الناس بحيث توجب عند الناس حالة الطرب وحالة الهيجان وحالة الإثارة، هذا تأثيرٌ مباشرٌ في النفوس، صح لو لا؟! إنسانٌ مثلاً يملك قدرة خطابيّة يؤثر في نفوس الناس، عنده نوع من الفن الخطابي، عنده نوع من الأداء الخطابي بحيث إذا ألقى كلمة يهيّج الناس، يحرّك عواطف الناس، يبعث مشاعر الناس بعثًا عجيبًا، هذا تأثيرٌ مباشرٌ في النفوس، إذا كان الكلام قادرًا على بعث العواطف وتحريك الهمم، إذا كانت الموسيقى قادرة على تأثير الطرب والهيجان في نفوس الناس أليس الإمام قادرًا بأسلوبه الخاص، بإشعاعه الروحي على بعث الهداية وعلى زرع نور الهداية في نفوس الناس؟!

إذن هذا ما نسمّيه بالهادية الأمرية ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [6] ، يعني يؤثرون في النفوس، والهداية الأمريّة من أعظم الأعمال التي يحبّها الله تبارك وتعالى لأنها تؤثر تأثيرًا إيمانيًا بليغًا، وفي المعاكس الوساوس الشيطانيّة الله يبغضها، من له القدرة على زرع الوساوس الشيطانيّة كمن له القدرة على زرع أنوار الهداية ولكن ذاك مبغوضٌ عند الله وهذا محبوبٌ عند الله، هذا محبوبٌ لأنّه يزرع الهداية في نفوس الناس وذاك مبغوضٌ لأنه يزرع الوساوس الشيطانيّة في نفوس الناس، لذلك ومن هذه النقطة أحبّ أن أنبّه على هذا الأمر: علماؤنا وفقهاؤنا يركّزون على حرمة الإعانة على الإثم تحريمًا مغلظًا، الإعانة على الإثم يعني بأن أشدّ عضدك نحو الأفعال المحرّمة، بأن أحثّك على العمل المحرّم، بأن أرغّب لك العمل المحرّم، بأن أقرّب لك العمل المحرّم، كلّ ما يساعد الآخرين على الإثم وعلى اقترابهم من الرذيلة وعلى اقترابهم من المعصية فهو من أشدّ الكبائر ومن أشدّ المحرّمات، الآن مثلاً يا إخوان الآية المباركة تقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان [7]  يحرم الإعانة على الإثم، ربّما أنا لا أدعو الناس للمعصية لكنّني مثلاً أؤجر دكّاني لشخصٍ ينشر الفسوق من خلال هذا الدّكان، هذا إعانة على الإثم، أيّ فرق؟! أي فرق بين أن أقول للناس: «افعلوا المعصية، المعصية شيء جميل، المعصية شيء محبوب» وبين أن أؤجر الدّكان - عندي عمارة - أؤجر الدّكان لمكانٍ ينشر أشرطة الفساد وينشر أفلام الدعارة وينشر أفلام الفساد؟! هذا من أعظم أنواع الإعانة على الإثم، ومن أعظم الكبائر والمحرّمات الإلهيّة أن تؤجّر مكانًا يستغلّ هذا المكان في نشر الفساد ونشر أسباب الانحراف والانحلال الخلقي، من أعظم أنواع الإعانة على الإثم أنّ الإنسان يسخّر أمواله أو ثروته في وجود المحرّمات أو في وجود الآثام، في الرواية المعتبرة عن جابر عن الإمام الصادق : رجلٌ يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟ قال: ”حرامٌ أجرته“ كلّ مكانٍ يعدّ للمعصية هذا الإعداد يعدّ من أعظم أنواع الإعانة على الإثم.

أيضًا من الإعانة على الإثم أنا الآن أن أترك عائلتي تشاهد القنوات الفضائيّة بلا رقيبٍ ولا حدودٍ، هذا إعانة على الإثم، ألست أنا ربّ الأسرة؟! ألست أنا المسؤول عن وقاية الأسرة؟! ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ [8]  أنا مسؤولٌ عن أسرتي فإذا كنتُ أدعهم يشاهدون التلفزيون في أيّ وقتٍ وبلا رقيبٍ وبأيّ قناة وبأيّ أسلوبٍ وبأيّ طريقةٍ من دون توجيهٍ، من دون رقابةٍ، من دون رعايةٍ، أنا أعدّ أعنت عائلتي على الإثم وأعنت عائلتي على المعصية وأعنت عائلتي على ارتكاب المحرّم، وهذا أشدّ من أرتكب المحرّم، أنا لو ارتكبتُ المحرّم لكان عقابي أقلّ من أن أعين الآخرين على ارتكاب المحرّم، فإذن الإعانة على الإثم من أشدّ أنواع المحرّمات، لذلك لابدّ أن يلتفت الإنسانُ إلى.. الآن مثلاً الفقهاء يذكرون مسألة البنوك، يقولون: لا يجوز لك العمل في قسم القروض الربويّة في البنك، أبدًا لا يجوز لك، لا كتابة المعاملة الربويّة، ولا المساومة عليها، ولا فتح الصندوق لإخراج الأموال التي أعدّت للقرض الربوي، ولا حمل المعاملة الربويّة من الموظف إلى المدير، ولا توقيع المعاملة.. أيّ أيّ أيّ عمل أي خطوة تشترك فيها أنت في عملية القرض الربوي إعانة على الربا، إعانة على الإثم، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي محمدٍ : ”لعن الله كاتبه وشاهديه“، كلّ من يشترك في القرض الربوي بأيّ أسلوب «حمل، نقل، توقيع، مساومة، إخراج أموال» أيّ معاملة تلتقي بالمعاملة الربويّة وأيّ خطوة تشترك في إيجاد المعاملة الربويّة هذا أمرٌ محرّمٌ.

وهكذا كثيرٌ من الصوّر التي تندرج تحت عنوان الإعانة على الإثم.

والحمدلله رب العالمين

[1]  سورة السجدة: الآية 24.
[2]  سورة آل عمران: الآية 49.
[3]  سورة آل عمران: الآية 49.
[4]  سورة الأنبياء: الآية 73.
[5]  سورة الناس: الآيات 1 - 5.
[6]  سورة السجدة: الآية 24.
[7]  سورة المائدة: الآية 2.
[8]  سورة التحريم: الآية 6.

لماذا ثار الإمام الحسين (ع) بينما صالح الإمام الحسن (ع) ج1
معاني اليد في القرآن الكريم