نص الشريط
القرآن والعلم متعارضان أم متلاقيان
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 1/9/1435 هـ
مرات العرض: 3338
المدة: 00:51:06
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1380) حجم الملف: 11.7 MB
تشغيل:


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ

صدق الله العلي العظيم

هناك كثير من الآيات القرآنية التي تنفي الريب والشك عن القرآن الكريم، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل ونحو ذلك من الآيات المخالفه التي تصرح بنزاهة القرآن عن الشك والريب، ولكن هناك مجموعة من الشبهات والأفكار التي تُطرح مقابل حقانية القرآن العظيم منها:

المقارنة بين منطق القرآن الكريم ومنطق العلم الحديث:

هناك سؤال يتردد على لسان كثير من الباحثين، وهو إما أن نأخذ بظواهر القرآن الكريم أو نرفع أيدينا عن الأخذ بها؟

وفي كلا المحاولتين محذور، فإن أخذنا بظواهر القرآن ومشينا على مايستفاد من ظواهره فإنا نجد التعارض بين ظواهر القرآن وبين نظريات العلم، وإن رفعنا أيدينا عن ظواهر القرآن الكريم وقلنا أن ظواهر القرآن لا يُأخذ به فهذا إلغاء لمبدأ إتفق عليه الأصوليون في مقابل المدرسة الإخبارية بأن ظواهر القرآن حُجة يأخذ بها ويُعمل بها، فنحن بين محذورين إما أن نأخذ بظواهر القرآن وظواهره تتعارض وتتباين مع منطق العلم الحديث، وإما أن نرفع يدنا عن ظواهره ونلغي العمل بها وهذا يتعارض مع مبدأ سلم به الأصوليون من أن ظواهر القرآن حُجة لا بد من العمل به.

أننا إذا نظرنا إلى بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الطبيعة أو عن المخلوقين... نجدها تتعارض مع نظريات العلم مثلا قوله عزوجل ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ

عند الرجوع إلى نظريات العلم يقولون أنها لا توجد سبع سماوات وليس هناك إلا هذا الفضاء الذي لاحد ولامنتهى له وهو يعج بالمجرات والمجموعات الشمسية فأين السبع السماوات المتطابقة وأن فيها دنيا وفيها أخرى ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ.

قال تعالى ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ وفي الروايات الشريفة أن هناك سبع أراضين ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبِّ الْاَرَضينَ السَّبْعِ ولا يوجد سبع أرضين.

فإذن ظاهر الآيه التي تتحدث عن طبيعة الكون أن هناك سبع سماوات متطابقه وأن من الأرض مثلهن، وفي نظريات العلم نجد أنه لا يوجد إعتراف بوجود سبع سماوات متطابقة فإما أن نعمل بظواهر القرآن فنعارض منطق العلم أو إلغاء العمل بظواهر القرآن ونقول بأن هذا الظاهر لا يعمل به ولا يؤخذ به فبذلك نعارض مبدأ وقّع عليه الأصوليون من أن ظواهر القرآن حجة ويستند عليها، فما هو الحل؟

وهناك الآيات عن الجن ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا

ثم يقول ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا فإن ظاهر هذه الآيه أن العلاقة بين الإنس والجن توجب أثراً مادياً ينعكس على الإنس، وعندما نرجع إلى منطق العلم يقول لا يوجد للجن أثر مادي، لا ندري أن الجن موجودون أم لا، لكن ليس لهم أثر مادي حتى يقال بأن العلاقة بين الإنس والجن توجب ظهور أثر مادي على الإنس.

كذلك قوله عزوجل ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ*وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ*وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ظاهر القرآن بأن الحسد يؤثر على أجسام الآخرين وعلى حياتهم بينما منطق العلم لا يوجد هناك حسد بينما يقول بأن هناك إضطرابات نفسية، هذه الآيات التي يكون ظاهرها معارضاً لنظريات العلم هل نعمل بها أم لا؟ إن أخذنا بها عارضنا منطق العلم وإن لم نأخذها عارضنا مبدأ متفق عليه الأصوليون من أن ظواهر القرآن حجة.

نطرح هنا أموراً لا بد من الإلتفات إليها:

الأمر الأول: لا ريب أن ظواهر القرآن بحسب المدرسة الأصوليه حجة ظاهر القرآن يعمل به إلا أن تقوم روايةٌ معتبرة على خلافه فيؤخذ بالرواية لأنها مفسرة للقرآن وقرينةٌ على المراد الجدي من القرآن وهذا هو الفرق بين المدرسة الأصولية والمدرسة الإخبارية.

المدرسة الإخبارية تقول: لا يعمل بظاهر القرآن فإن وردت عندنا رواية أخذنا بها، وإن لم ترد عندنا لا نأخذ بظاهر الآية فإن القرآن لايعرفه إلا الأئمة الطاهرون .

المدرسة الأصوليه تقول: قال السيد الخوئي بأن ظواهر القرآن حُجة فيؤخذ ويعمل بها، إلا إن وردت رواية تخصص وتبين لنا ماهو المراد الجدي من هذا الظاهر أخذنا بها، أما إذا إفترضنا أنه لا توجد روايه وليس هناك روايه مُقيده أو مُخصصه هنا نأخذ بظاهر الآية المباركه.

أولا: لأن القرآن أمرنا أن نتدبر في الآيات ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا نفس الأمر الخاص بالتدبر الذي ذكر في الآية يوضح بأن ظواهر القرآن يأخذ بها ويعمل بها مالم تقم رواية معتبرة على تقييدها أوتخصيصها.

ثانياً: الأئمة أنفسهم أعرف بالقرآن ومحكماته ومتشابهاته إحتجوا بظواهر القرآن.

في موثقة عبد الأعلى مولى آل سام أحد أصحاب الأئمة قال ”عثرت فإنقطع ظفري فوضعت على إصبعي مرارة بمعنى خرقة، كيف أتوضأ؟ قال الإمام: هذا وأشبابهه يعرف من كتاب الله ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه“، الإمام نفسه إستدل إلى ظاهر القرآن.

وكذلك عندما دخل عليه زرارة قبل أن يكون إمامياً، قال للإمام الصادق : من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟ فقال له الإمام من الآيه ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فلو كان يمسح الرأس كله لقال وامسحوا رؤوسكم كما قال واغسلوا وجوهكم ولم يقل اغسلوا بوجهكم، فعلمنا أن الوجه يُغسل كُله لكن عندما جاء الى الرؤوس لم يقل امسحوا رؤوسكم إنما قال إمسحوا برؤوسكم، فعلمنا أن المسح ببعض الرأس لا بتمامه لمكان الباء لأن الباء تفيد التبعييض بمعنى بعض كأنه قال امسحوا بعض رؤوسكم.

فالإمام الصادق أرشد إلى أن ظاهر القرآن حجة كما أن الأئمة أرجعونا في الأخبار والروايات المتعارضه إلى الكتاب، فعند وجود روايتين متعارضتين نرجح إحدى المتعارضتين على الأخرى بالرواية التي توافق الكتاب.

الأمر الثاني: ظواهر القرآن حُجة ولكن لو حكم العقل القطعي بحكمٍ لا ينسجم مع ظاهر القرآن الكريم، بماذا نعمل؟

مثلا الآيات التي ظاهرها التجسيم:

قوله عزوجل ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ**إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ظاهر الآيه أن الله يُرى، بينما القرآن يقول﴿لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.

قوله ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ظاهرها معناه أن الله جسم يتصور فيه الحركه مع أن الله عزوجل يقول ﴿ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.

وكذلك قوله ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ معناه أن هناك يد لله توضع على أيدي المبايعين كأنه صافحهم، فلو أخذنا بظواهر الآيات القرآنية الجسمية نقول بأن الله جسم ويتحرك كما يقول الفكر السلفي: له يد لا كالأيدي وله رجل لا كالأرجل.

ولكننا أرباب الفكر الإمامي نقول لا: ظاهر القرآن حُجة إن لم يعارضه حكمٌ عقليٌ قطعي، فالحكم العقلي القطعي يكون قرينة على القرآن إذن هنا أخذنا بمنطق العقل.

بما أن المنطق العقل القطعي يقرر أن الله قوة، ليس من أسماء الله قوة، أن الله أبدع هذا الوجود فليس الله ليس بجسم ولا محدود ولا يعقل في حقه الرؤيا أو الحركة والمجئ، موجود وجوده عين ذاته وهذا الموجود وهو عين الكمال والحياة وهو عين القدرة، هذا الكمال كله هو الذي أبدع وفجر هذا الكون، بعد أن يحكم العقل القطعي أن الله ليس بجسم إذن حكم العقل يكون قرينة على ماهو المُراد الجدي من الآية المباركة.

هذا معنى أن تحديد المراد من الآية لا ينحصر بالظواهر اللفظية بل تحديد المراد من الآية يتقوم بمجموعه من العناصر والقرائن منها القرائن اللفظية والسياقية والعقلية، فالأحكام العقلية الإمامية قرائن في تحديد المراد الواقعي من الآية المباركة.

الأمر الثالث: نحن نقول لا يُعقل تعارض الدين مع العلم، فإن من شرع هذا الدين هو الخالق البارئ المصور فهو الذي أبدع هذا الوجود فلا يعقل أن يشرع قانوناً يصطدم مع قوانين كونه هناك قانونان: قانون التشريع، وقانون التكوين.

ومصدر التشريع هو نفسه مصدر التكوين، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ فبما أن المصدر واحد فلا محاله بأن هناك إنسجام بين الحقائق الدينية وبين الحقائق العلمية ولا يوجد تعارض.

إذن التعارض إنما هو بين ظاهر الآيه والحقيقة العلميه أو بين ظاهر الآيه والنظريه العلميه.

متى يقال تعارض الدين والعلم؟ إذا وجدنا آيةً صريحه تتعارض مع حقيقة علميه، هناك فرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية.

النظريات العلمية ليست كلها حقيقة لا شك فيها ولا ريب لذلك هي ليست ميزان يحاسب بها القرآن والنصوص الشريفه، إنما الذي يقال بأنه الميزان هو الحقيقة العلمية مثل جاذبية الأرض.

بالنتيجة من جانب العلم نعتمد على الحقائق العلمية وليس النظريات، ولكن من جانب الدين لا نعتمد على كل ظاهر وإنما نعتمد على الآية الصريحه، فلو وجدنا آيه صريحه لا تقبل التوجيه وحقيقة علمية ثابته وتعارضتا حينها نستطيع القول بأن الدين تعارض مع العلم، فالذي يطرحه الباحثين هو تعارض شكليٌ بدويٌ وصوري، وليس تعارض حقيقي واقعي.

الرجوع إلى الآيه مثلا ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ النظرية العلمية تقول لم نجد سبع سماوات مازال العلم في إطار الكشف وفي أول الطريق، وهذا لا يتنافى مع تقرير القرآن الكريم ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا فلا يوجد لدينا حدود، وأما كلمة طباقا: تحتمل أنها بمعنى التوازي وأنها بمعنى متطابقه في الصفات ﴿ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ كما أقول لك إني زرت المشاهد المقدسة فوجدتها متطابقة يعني متفقه في المعالم ليس بينها تفاوت وإختلاف.

وأما قوله عزوجل ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ لم نصل إلى وجود سبع سماوات وسبع أرضين لا أنه ليس هناك سبع سماوات وسبع أرضين هذا منافي للموضوعيه والأمانه العلميه وإلا فنحن نقرر بأنه نعم لو وصل البحث العلمي إلى مستوى الحقيقة العلميه فهي تكون من القرائن على تحديد المراد الواقعي من الآيه المباركة، كما أن الحكم العقل القطعي من القرائن التي نتبعها في تحديد المراد من الآيه التي وصلت إلى الحقائق تعتبر من القرائن التي نتبعها.

﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا يعوذون بمعنى يسألون، يسأل الجان ماهو شفاء هذا المريض، رهقا: ليس إرهاق مادي حتى نقول نحن لم نرى أثر مادي للجن مثلا يأكل الطعام أو يشرب الماء ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا.

القرآن لم يقل بأنه إرهاق مادي، الرهق هو ضيق نفسي فلو كان مادي لقال فزادوهم رهقا جسديا أو مادياً، فالذي يلجأ إلى الجن يعيش حالة تعب ورهق نفسياً، لا يمكن إعطاء قاعده عامة أن الجن ماديا.

كذلك في قوله ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ الحسد هو من يتمنى زوال نعمة الآخرين، ورد عن النبي محمد ”ن المؤمن لا يخلو من ثلاث: من الظن والطيره والحسد فإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فأمضي، وإذا حسدت فلا تبغي“ الظن هو ظن السوء فإذا رأيت بك حالة الظن والسوء لا تبحث عليك محاولة النسيان، الطيره وهي التشائم وعالجه بالتوكل على الله ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، الحسد فلو رأيت أنك تبغي على الآخرين ويصدر منك عمل قبيح.

بالنتيجة أنه لا تعارض بين القرآن والعلم بمعنى أنه لا تعارض بين نص صحيح وحقيقه حقيقيه، فغاية القول إن ظاهرها البدوي نافى مع نظريه علميه.

والحمد لله رب العالمين

في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي «ج1»
في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي «ج2»