نص الشريط
في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي «ج4»
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 4/9/1435 هـ
مرات العرض: 3079
المدة: 00:32:12
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1284) حجم الملف: 7.37 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين

مما ورد عن أبي حمزة الثمالي عن مولانا زين العابدين علي أبن الحسين أنه قال: ”وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي أُنادِيهِ كُلَّما شِئْتُ لِحاجَتِي وأَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي بِغَيْرِ شَفِيعٍ فَيَقْضِي لِي حاجَتِي“ ولإمام ركز هنا على ملتقى الخلوة قال ”وأَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي“ الله عز وجل فتح لنا هذا الباب وهو باب الخلوة به ”وأَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي“ أي أن الهدف والداعي من الخلوة هو أباحة أسرار لا يمكن إباحتها لغيرة مهما دقق الإنسان ومهما فحص وبحث فلن يجد من يستقبله ويخلوا به إلا الله لا يتصور أن يخلوا الإنسان بغير الله مهما خلى الإنسان بأخيه بزوجته بولده فأن هذه ليست خلوة حقيقية.

الخلوة الحقيقية مع الموجود الذي إذا وقفت بين يديه أستقبلك بكل ما عندك وهذا لا يتحقق بالخلوة مع غيره أبدا مهما خلوة بأحد غيره حتى لو كان أقرب الناس إليك حتى لو كان زوجتك ولدك أخاك فأنه يحمل تصورات أخرى غير الذي تتكلم، إذا خلوة بصديقي أو خلوة بأخي وأردت أن أحدثه عن ذنوبي وعن معاصيّ وأردت أن أحدثه عن أخطائي وعن شناعتي جرمي فهل سيستقبلني؟ أني أخاف أن أفصح له عن ذنوبي فتكون له ردت فعل اتجاهي بالرفض والنبذ والاشمئزاز أنني أخاف أن أبوح له بذنوبي فيسلط عليّ لسان الوم والسخرية والاحتقار أني أخاف أن أبوح له بذنوبي فيحمل عن صورة مقيتة يذكرني بها متى شاء ومتى أراد.

فإذن الخلوة بأخي ليست خلوة حقيقية فأن معنى الخلوة الحقيقة التي تخلوا من كل ردت فعل ”أَخْلُو بِهِ“ ”والحمدلله الذي أَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي“ بمعنى أنني إذا وقفت بين يديه باكياً تائياً منيبناً تحققت خلوة وليست معنى الخلوة، الخلوة المكانية وإنما معنى الخلوة: أنني إذا وقفت بين يديه خلى من أي رفض ليّ خلى من أي نبد ليّ خلى من أي ردت فعل اتجاهي ولم يكن دوره اتجاهي إلا القبول والاحتضان ومسح الآثار السيئة والمسح لما مضى من الذنوب المقيتة فأي لقاء مع أخ أو صديق أو زوجة أو ولد ليس خلوة إذا لا يستطيع هذا الإنسان المقابل مهما أحبني مهما قربني لا يستطيع أن لا يتصور صورة سيئة عني لا يستطيع فلا تحقق خلوة مع إنسان وإنما تحقق الخلوه مع الموجود الذي وهبني الحياة وأفاض عليّ النعم وقربني وآذناني وناداني في كل حين﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[1] .

فالله هو ملتقى الخلوه لقاء الله هو الخلوه لأن لقائه ستر لذنوب أبوح بذنوبي فيمحوها وأتكلم بعيوبي فيسترها حتى عن ملائكة حتى عن المكان الذي فعلت فيه الذنب حتى عن الزمن الذي صنعت فيه الرذيلة يمحو كل رقيب عليّ وهو الذي يحتضنني ويستقبلني ويقول ليّ أنا الموجود الوحيد الذي يغير حالك إلى أحسن الحال لو شكوت إلى غيري شكوت إلى مخلوق عاجز مثلك لا يستطيع تغير أوضاعك لو شكوت ذنوبك ومعاصيك وعيوبك إلى غيري من المخلوقين حتى لو أستقبلك فأنه لن ينفعك بشيء لأنه ليس بيديه أن يغير أوضاعك إلى وضع أخر فأنا الوحيد الذي أستقبلك وأنا الوحيد الذي أمحو ذنوبك وأنا الوحيد الذي أغير وضعك إلى أحسن الحال فالخلوة بغيري خلوة صوريه شكلية، وأما لقائي فهوة الخلوة الحقيقية ”أَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي“ الذي لا أريد أن يعرفه غيري، فما هي معالم الخلوة الحقيقية؟ كل واحد منا يريد أن يخلوا مع الله خلوة حقيقية، فما هي معالم الخلوة الحقيقية؟

للخلوة معالم:

المعلم الأول: استذكار المعصية: إذا جلست بين يدي ربيّ فلأستذكر معاصي حتى المعاصي التي تبت منها حتى المعاصي التي استغفرت منها حتى المعاصي التي تبت منها حتى المعاصي استغفرت منها فلأمر على شريط المعاصي معصية معصية معصية استذكار المعصية والذنب.

المعلم الثاني: استشعار الحسرة: لأخرج من قلبي شيء يخيم على قلبي وهو وجع الذنب آلم المعصية الفرق بين المؤمن والمنافق أن المؤمن يتألم إذا عصى والمنافق لا يغير من وضعه شيء أن المؤمن إذا أذنب كان ذنبه كصخرة ثقيلة على صدره وأن المنافق إذا أذنب كان ذنبه كذبابة مرت على أنفه فإطارها، المؤمن من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن، المؤمن هو الذي يتألم يتوجع من المعصية إذا أردت أن تخلوا مع الله فأخرج هذا الوجع من القلب إلى العين إلى اللسان حاول أن تستشعر الحسرة حاول أن تستشعر الآهة حاول أن نستشعر الندم.

أمير المؤمنين علي عندما يصف المتقين

أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلا يحزّنون به أنفسهم، تحزين لا يوجد مؤمن لا يحمل حزن المؤمن يحمل رصيد من الحزن منغمس في قلبه المؤمن يستثير ذالك الحزن ”يحزنون به أنفسهم وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ“ استثاره الخلوة تحتاج إلى استثارة، استثارة الحسرة والآهة والندم ليطغى عليك الحزن والألم ”إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإنْ كَانَ الاسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَإنِّي لَكَ مِنَ الُمُسْتَغْفِرِينَ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى“.

المعلم الثالث: استمطار الدمعة: ربما يجد الإنسان نفسه جاف قاسي حجر صلدا كلما حاول أن يستنزف دمعة لم يستطع كلما حاول أن يستجلب عبرة عجز.

ما هو سبب جفاف العين؟ ما هو سبب جذب الدمع؟ أنه قسوة القلب، هل وراء العين نبع ينبض بالحياة كي تدمع العين؟ أم وراء العين حجر جاف؟ ما هو الذي أحمله في صدري؟ هل أحمل في صدري نبع ينبض بالحياة؟ أو أحمل في صدري حجر صلد جاف؟

هناك من يحمل في صدره نبع فيه حياة فيه شعور بالله فيه شعور بالآخرة لأنه يحمل قلب ينبض بالحياة فعلامة نبض الحياة نزول الدمع من جفنيه هذه العلامة على أنه يحمل بين أضلاعه نبع الحياة لكن أنا أحمل بين أضلاعي صخرة أمشي وأنا أشعر في صدري صخرة قاسية لا نبض فيها﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً[2]  جرب ان تضع حجرة على صدرك هل ترتاح؟ حجرة لا حياة فيها حجرة تخنقك تضيق أنفاسك القلب القاسي أشد من هذه الحجرة التي تخيم على صدرك القلب القاسي يضيق أنفاسك يمنعك من الدمعة يمنعك من الحسرة يحجب عنك الآهة.

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُلكن قلبي ليس كذالك وسبب قساوة قلبي ترادف الذنب على الذنب كلما قلت انتهيت خلصت ارعويت عدت لذنب مرة أخرى ترادف الذنب على الذنب ملئ قلبي قسوة وتحجر بل جعل قلبي جيفته ممتنة لا تطاق لذالك لم أستطع استمطار الدمعة مع شدة محاولاتي لم أستطع استمطار الدمعه المعلم الثالث من معالم الخلوة الحقيقة استمطار الدمعة.

المعلم الرابع: جلب العفو: يا عفو يا غفور اللهم أعفوا عنا جلب العفو، كيف تجلب العفو؟ هنا تحتاج إلى حالة التدلل أهل المعرفة يقولون أجمل القيا ساعة التذلل أجمل لقاء التذلل، التذلل بعد الحسرة بعد الدمعة أجمل لقاء التذلل هو تذلل الطفل على والده أما رأيت طفل يتذلل على والده، أما رأيت طفل يمسك بثوب أبيه يلح يصر يلح يصر إلى أن يستجيب له والده أن الله يريد بك هذه الحاله من معالم الخلوه أن تصر تلح تتذلل تترجى تتوسل تكثر من الكلام تكثر من الإلحاح أشعر نفسك بأنك متذلل﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ[3]  لولا هذا الإصرار والإلحاح والتذلل لماذا يخلوا بك دون غيرك؟ ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فنحتاج إلى حالة التذلل.

المعلم الخامس: رجاء الزلفى: إذا عفوت عني فأزلفني لديك قربني منك أدنني منك رجاء الزلفى ورجاء الزلفى يتم بحالة الصعق، هل وجدت إنسان مصعوق؟ نعم تحتاج إلى أن تعيش حالة الصعق مع الله عز وجل لاحظ الإنسان الذي إذا فقد عزيز كيف يصعق لفقد عزيزة لاحظ الإنسان الذي إذا فقد ولد أو أب أو صديق عزيز كيف يصعق يصاب بالهستيرية يصرخ يلطم يضرب هذه حالة الصعق يفقد شعوره لأنه فقد عزيز، لاحظ الإنسان الذي يصاب بإحباط في الحياة نتيجة فقد الرزق نتيجة فقد المستقبل كيف يصعق كيف يصاب بالهستيرية هذه الحالة لو حصلت لنا مع الله لكانت مقرب ومحقق لزلفى أن الإنسان يصعق أمام ربه.

إذا جلس في صلاة الليل وتذكر الذنب واستشعر الحسرة واستمطر الدمعة وجلب العفو بالتذلل ووصل إلى هذه الحالة الأخيرة حالة الصعق صار يصرخ يبكي يتألم يتوجع إذا وصل إلى حالة الصعق وصل إلى شيء ورشحه من رشحاه أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب الذي كان يصعق كل ليلة وكان يغشى عليه من شدة البكاء وهو سيد الموحدين وأمير المؤمنين فيحرك فإذا هو كالخشبة اليابسة أمير المؤمنين يحاسب نفسه إذا خلى ويقلب كفيه على ما مضى أمير المؤمنين يمثل هذه الحالة حالة الصعق.

موسى رأى نور ربه: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا[4]  ولكن أمير المؤمنين لم يحتج إلى أن يرى الجبل دكا حتى يخر صعقا بل كان في كل لقاء مع ربه يخر صعقا فلو عشنا هذه الحالة ليلة من ليال رمضان يوم من أيام السنة الكاملة دقائق من الدقائق عشنا حالة الصعق لمحت كثير من الذنوبنا وأزالت كثير من أوساخنا وطهرت كثير رذائلنا ”أَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي“.

والإمام زين العابدين علي في دعاء أبي حمزة يركز على مبادئ الصعق مقدمات الصعق ”ومالي لا أبكي“ البكاء هو المقدمة هو الطريق لحصول حالة الصعق ”وَمالي لا اَبْكي وَلا اَدْري اِلى ما يَكُونُ مَصيري، وَاَرى نَفْسي تُخادِعُني، وَاَيّامي تُخاتِلُني، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأسي اَجْنِحَةُ الْمَوْتِ، فَمالي لا اَبْكي اَبْكي، لِخُروجِ نَفْسي، اَبْكي لِظُلْمَةِ قَبْري، اَبْكي لِضيقِ لَحَدي «هذا الضيق الذي أراه في الحياة نتيجة الذنوب سأراه في القبر ضيق مادي»، اَبْكي لِسُؤالِ مُنْكَر وَنَكير اِيّايَ، اَبْكي لِخُرُوجي مِنْ قَبْري عُرْياناً ذَليلاً حامِلاً ثِقْلي عَلى ظَهْري، اَنْظُرُ مَرَّةً عَنْ يَميني وَاُخْرى عَنْ شِمالي، إِذِ الخَلائِقُ فِي شَأْنٍ غَيْرِ شَأْنِي لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ“

اللهم أرزقنا حسن الخاتمة، اللهم أرحمنا برحمتك اللهم أغفر ذنوبنا، كفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار اللهم تقبل توبتنا وارحم عبرتنا اللهم أرحم ذلتنا بين يديك، اللهم وفقنا في هذا الشهر لصيامه وقيامة برحمتك يا أرحم الرحمين.

والحمدلله رب العالمين

[1]  سورة الزمر، آية 53،
[2]  سورة البقرة، آية 74.
[3]  سورة الفرقان، آية 77.
[4]  سورة الأعراف، آية 143.

دفع الشبهات في العصمة
أقسام العلم في القرآن الكريم