نص الشريط
إعداد الأمة لليوم الموعود
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 6/9/1435 هـ
مرات العرض: 3849
المدة: 01:04:32
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1072) حجم الملف: 14.7 MB
تشغيل:


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ

صدق الله العلي العظيم

وورد عن النبي المصطفى أنه قال: ”لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجورا“.

القضيةُ المهدويه من معتقدات الإماميه قد تُثار حولها بعض الأسئلة وبعض الشُبهات التي تحتاج إلى أن نقف عندها ونتأمل في الإجابة عليها، ونطرحُ هنا ثلاثة أسئلة تتعلق بهذه القضية المُهمه في مُعتقد الإمامية ألا وهي ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

السؤال الأول: أن بقاء الإمام هذا العُمر الطويل إما أن يكون أمراً طبيعياً وإما أن يكون أمراً إعجازياً، فإن كان طول عُمره أمراً طبيعياً فهذا يتنافى مع ماقررهُ كثيرٌ مِن العُلماء أن خلايا البدن لا تصمت لألف سنة فأكثر بل تعرضها الشيخوخه فإن لهذه الخلايا عُمراً إفتراضياً معيناً تعرضه الشيخوخة والهرم وبالتالي لا تقدر هذه الخلايا على الصموت والإستمرار في العطاء والإنتاج، فلو قلنا بأن طول عُمر الإمام أمر طبيعي فيتنافى مع هذا الطرح وهو أن الخلايا لها عمر معين. وإذا قلنا بأن طول عنر الإمام أمر إعجازي أي أن الله تبارك وتعالى أبقاه على سبيل الإعجاز وخرق النواميس الطبيعيه هذا العمر الطويل، إذن فليُبقه ظاهراً لماذا يُبقيه غائباً إذا كان الأمر أمراً إعجازياً فكما شاء الإعجاز أن يُطيل عُمره أكثر من ألف سنه فليشأ الإعجاز أن يُظهره للناس ويجعله بينهم من حيث لا يصله سوء ولا ضرر ولا خطر، فإما أن تقولوا أيها الإمامية أن المسئله طبيعيه فإذن لا يستطيع أن يعيش ألف سنه خلاياه تهرم وتُصاب بالشيخوخه. أو تقولوا المسأله إعجازيه إذاً فاليظهر بين الناس وليعيش واضحاً معروفاً بين الناس وتتدخل يد الإعجاز في حفظه ودفع ظلم الظالمين وجور الجائرين على حياته . فإذاً الجمع بين الأمرين لا يلتقي مع المنظور الطبيعي والمنظور الإعجازي، ماهو الجواب عن هذه الفكرة المطروحه؟

الشق الأول: نعم طول عُمر الإمام قضيه طبيعيه وليس إعجازيه، بقاءُ الإمام هذا العمر الطويل أمرٌ طبيعي وفق العلم وليس إعجازياً، إلى الآن ما إستطاع الطب أن يُقرر عمراً محدداً بأن الخلايا تهرم وتشيخ وتفنى. مادام الإنسان في ظروفٍ وقائيه بمعنى أنه لا يتعرض لعوامل الشيخوخه والضرر وعوامل الضعف فمن المُمكن أن تبقى خلاياه نشطه وغضه وطريه مهما بقي من سنين طويله. وهذا التاريخ لا يختص بالشيعه الإمامية جميع الملل والأديان الأخرى في إصحاحاتهم وتوراتهم حتى المسيح واليهود كُلهم يقولون نوح عاش أكثر من 900 سنه وإدريس.، وبإتفاق أن عيسى بن مريم مازال حياً يرزق.

الشق الثاني: المسأله إعجازيه، أن الله تبارك وتعالى أبقاه هذا العُمر الطويل على سبيل الإعجاز وخرق النواميس الطبيعيه لأنه يريد أن يؤهله إلى ذلك اليوم الموعود فما دام الهدف هو تأهيله وإعداده لذلك اليوم العظيم وهو إقامة الدولة على الأرض كلها ليملئها قِسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجورا بما أنه معد لذلك اليوم إذاً من مقتضيات هذا الإعداد أن الله تبارك وتعالى أمده بالرحمه والتسديد واللطف فحفظ له عمره هذا الزمن الطويل. حتى الإنسان العادي عندما نقول إعجاز هو لطف ورحمه من الله عزوجل كما قال: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ هذا لطف من الله، أيضاًعندما يتعرض الكثير من البشر لبلائات وأخطار الله يدفعها عنه ضمن ظروف وعوامل معينه ومع ذلك تتدخل الرحمة الإلهيه في حفظه ودفع الأخطار عنه إلى مدة معينه بحسب مايراه الله صالحاً له.

إذن تدخل اللطف الإلهي والرحمة في حفظ الإنسان ووقايته من الأخطار ليس أمراً بدعاً هذا أمر واضح والقرآن يرشد إلى ذلك: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ مادام بقاءه العمر الطويل بإعجازٍ وتدخل غيبي إذن فليظهر بين الناس ويقيه الله من الأخطار المُحدقه من أجل أن يبين أنه أمر إعجازي، لماذا لا يكون كذلك؟ الغيبه إما أمرٌ إختياري وإما أمر قسري، هنا إتجاهان عند علمائنا وهذا الإختلاف نتيجة ما يُختلف من النصوص والروايات:

الإتجاه الأول: القائل أن الغيبة أمرٌ قسري، الغيبة أمرٌ فُرض عليه من قِبل الله تبارك وتعالى فالمسألة قسريه وليست إختياريه تارةً نقول بأن الغيبه أمرٌ إختياري، بأن الإمام طوعاً وبإرادته هو إختار سبيل الغيبه وإلا كان بإمكانه أن يظهر لكنه إختار الغيبه، إذا كانت الغيبه بإختياره وبإرادته فماهي الحكمة وراء الغيبه حتى إختارها؟ الإمام نفسه سُأل عن ذلك والجواب؟ والإمام كا ورد عنه في الروايه، ”أجاب: وأما علة غيبتي فإنه لم يكن أحدٌ من آبائي إلا وفي عنقه بيعةٌ لظالم زمانه وأنا إذ أخرج، أخرج ولا بيعة في عُنقي لظالم“ معناه، نحن عندما نقرأ سيرة الأئمة الطاهرين كل الأئمة فلا يوجد إمام لم يعش تحت ظل حكومة إنسان ظالم، سواءاً بايع حاكم زمانه على أي حال عاش تحت حكومة لا يراها شرعية.

كونُ الإمام المعصوم تحت ظِل حُكومه غير شرعيه وهو غير قادر على مُقاومتها، حتى الإمام الحُسين بعد إستشهاد أخيه الإمام الحسن الزكي عام 50 هـ ، والإمام الحُسين بقي إلى 61 هـ  تحت ظل حُكومة معاويه عشر سنوات لم يُقاوم معاويه وإنما قاوم يزيد بن معاويه بعد هلاك معاويه بن أبي سفيان. كل الأئمة بلا إستثناء عاشوا تحت حُكومات لم يكن يرونها شرعيه والإمام لم يكن قادراً على مُقاومتها إلا أن هذا الوجود قد يُعطي بنظر الناس أن الحكومه شرعيه، يُتوهم بنظر الناس يُقال بأن هذا الإمام المُفترض الطاعه ومع ذلك لم يُقاوم إذاً معناه أن الحُكومة شرعيه، هذا الإنطباع قد يحصل لقسمٍ من الناس ولو على سبيل الإحتجاج والتوهين.

المهدي المُنتظر يقول أنا مُهيئ ومُعد لدور إقتلاع الظُلم والظلمه ولقطع دابر الظلمه وأُعددت من قِبل الله لإجتثاث الظُلم والظالمين ولأملئ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظُلماً وجوراً، بما أن هذا الدور مُنيطاً بي فلا ينسجم مع هذا الدور أن أعيش لحظه واحده تحت حُكومةٍ ظالمه.

ثانياً: الغيبه مشروعٌ تربويٌ للأمة الإسلامية لاحظوا آيات القرآن الكريم عندما تأملها تُرشد أنه من المشاريع التربويه التي يؤكد عليها القرآن الكريم مشروع الإمتحان والإبتلاء، لايوجد إنسان يصل إلى الكمال إلا بعد فترة إمتحان وإبتلاء، لا بد أن يتعرض إلى فترة الإمتحان والإبتلاء وهي طريقه إلى الوصول إلى الكمال الروحي، لاحظوا القرآن الكريم عندما يقول﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا يخضع إلى الإبتلاء، وقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وقال في آيةٍ ثالثة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الإمتحان والإبتلاء مشروع تربوي قرآني وهو طريقٌ إلى صقل النفس والوصول إلى الكمال الروحي، لأجل ذلك إختار الإمام الغيبة فإن فيها إمتحان للأمة وإبتلاءً لها، الإمام أراد أن تعيش الأمة هذا المشروع ليتميز الصادق من الكاذب والصابر من المتزلزل، وسوف يزداد البيان ويزداد صنوف العذاب حتى تُمحص الأمة تمحيصاً والروايات نطقت بذلك كما ورد عن الإمام الصادق ”لتُغربلن ثم تُغربلن ثم تُغربلن حتى لا يبقى إلا النزر القليل“ تمر الأمة بصنوف من الإضطهاد والبلاء إلى أن تتهيأ الأرضيه المعده بقناعه وصدق وخلاص بإستقبال ظهور المهدي المنتظر «عج» ولذلك ورد عنهم أيضاً ”يغيبُ غيبة لا يثبت على الإيمان به فيها إلا من إمتحن اللهُ قلبه بالإيمان“ وورد عنهم ”يغيبُ غيبةً طويله حتى يُقال مات أو هلك في أي وادٍ سلك“

فنحن نقول الغيبه وطول العمر أمر طبيعي ولا ينافيه الطب ولا العلم أبداً، هذه الجينات التي منها يتشكل الجسد قادره على البقاء، وهذه الخلايا قادره على النهوض والحيويه والنشاط لمددٍ طويله ولو كان طول العمر أمراً إعجازياً فالغيبة إنما حصلت لهدفيين:

الهدف الأول: أن لا يكون الإمام تحت ظل حكومةٍ شرعنةً لها.

الهدف الثاني: أن تمر الأمة الإسلاميه بمشروع تربويٍ روحيٍ ألا وهو مشروع الإبتلاء والإمتحان والتمحيص، نسألُ الله حسن الخاتمه وأن يجعلنا من الصابرين الثابتين، وقد ورد في الروايه ”إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، المنتظرين لقدومه هُم خيرُ المؤمنين في كل زمان“ هؤلاء الثله المُنتخبه الذين يتحملون ألوان المظلومية وألوان العذاب لأنهم ثابتون على إمامة الإمام ولأنهم مُنتظرون ليومه وقدومه هُم خيرُ المؤمنين في كل زمان.

السؤال الثاني: عندما نقوم بالمقارنه بين دور الأئمة ودور الإمام المهدي «عج»؟

نحن عندما نقرأ الآيات والروايات التي تتحدث عن اليوم الموعود ترى العدد بآلاف الروايات التي تؤكد على مسألة الظهور والإنتظار، القضية المهدويه حُشدت لها الروايات والنصوص حتى لا يبقى لأحدٍ شكٌ أو ريبٌ أو تزلزل. إذا نظرنا إلى الدور الذي يقوم به الإمام «عج» دور عظيم ما قام به إنسان لا نبي ولا رسول ولا إمام إستطاع أن يملئ الأرض كلها قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجورا، الدور الذي سيقوم به أحد لن يقوم به أحد.

نأتي إلى الدور الذي قام به الأئمة منذ زمان الإمام علي وحتى زمان الإمام العسكري، هل يتناسب هذا الدور مع هذا الدور؟ قد يُطرح هذا السؤال ويقولون الأئمة ماقدموا شئ بالنسبه إلى دور الإمام المهدي، فإما يقوم الأئمة السابقون لا دور لهم في التمهيد لظهور الإمام أو لهم دور في التمهيد.

إذا قلتم بأن الأئمة السابقين لا دور لهم في التمهيد لدولة الإمام ولظهوره؟ إذاً هذا يعني قطع العلاقة بين الإمام الثاني عشر وبقية الأئمة لأنه لا دور لهم في التمهيد والإعداد لظهوره وهذا يتنافى مع الروايات في الإستعداد من أن كل إمامٍ سابق للإمام اللاحق، الإمام علي مهّد للإمام الحسن، الحسن مهد للحسين والحسين مهد لزين العابدين....

وإذا قلتم، لا الأئمة الطاهرون كان لهم دور تمهيدي إعدادي لدور المنتظر، يقول لا يوجد إنسجام أو تناسب للإمام علي أو الإمام الحسن أو الحسين.. عاشوا فترات قصيرة من العمر كانوا لهم دور الإرشاد لنشر بعض المعلومات فهذا الدور إذا تم مقارنته بالدور الذي إنيط بالمهدي المنتظر «عج» نراه دوراً بسيطاً جداً لا يناسب ولا ينسجم أن يكون تمهيداً وإعداداً للأمة لكي تتحمل إستقبال دولته العظيمه، دولة المهدي المنتظر «عج»، فماهو الجواب عن هذه الفكره؟

أولاً: دور الأئمة الطاهرين بالنسبة إلى الإمام المهدي هو دور التمهيد، وهو التمهيد التشريعي.

دولة الإمام المنتظر نظام والنظام يحتاج إلى دستور وقانون فالإمام يأخذه من تراث آبائه وأجداده، إذا قرأنا الروايات التي تتعرض للأحكام الشرعيه، مذهبنا يختلف عن المذاهب الأخرى فإذا تستقرأ روايات التشريع وهي روايات الأحكام الشرعيه في الصحاح الستة لا تزيد عن خمسة آلاف روايه. بينما إذا تجد تراثنا الروايات التي تتعرض للأحكام الشرعيه لا تقل عن خمسه وثلاثين ألف روايه. نحن لدينا ثروة من روايات التشريع والتي تتعرض لتفاصيل ولدقائق الأحكام وجزئياتها، هذا التراث الذي صدر عن الأئمة الطاهرين من عليٍ إلى الحسن العسكري، هذا التراث العظيم هو المادة القانونية والدستوريه التي تستند إليها دولة المهدي المنتظر، فإذاً صار دور الأئمة دور التمهيد، لم يُصبح دوراً ضئيلاً بسيطاً بل دورٌ أساسي فهم الذين شكلوا العصبة الأساسي لدولة المهدي المنتظر لأن ماصدر عنهم من تراث وروايات في مجال التشريع بتفاصيله كافٍ بأن يكون مادة دستوريه قانونيه للنظام المهدوي في الحضارة المهدويه للمهدي المنتظر «عج».

ثانياً: كيف تُعد الأمة للإستقبال دولته؟ الأئمة وشيعتهم لم تنحصر بالأئمه ”شيعتنا منا، خُلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا“ المجموع من الأئمة وشيعتهم هم الذين شكلوا الدور الإعدادي، إعداد الأمة لإستقبال ظهور المهدي المنتظر «عج».

أعظم عامل في إعداد الأمة كربلاء بمعنى أن الحسين قدم للمهدي المنتظر أعظم عامل في إقامة دولته الفضل للحُسين سيد الشهداء صلوات الله عليه وعلى آله، شهادةُ الحُسين حولت الأمة إلى مُنعطف آخر لم يكن قبل شهادة الحُسين بشهادته إنطلقت الثورات والإنتفاضات في الأمة الإسلامية، بشهادة الحُسين أقيمت الشعائر في كل عامٍ في عشرة محرم، بشهادة الحُسين خفت الملايين لقبر الحُسين في يوم عاشوراء ويوم الأربعين والزيارات الأخرى، بشهادة الحُسين إمتلئت قلوبُ الشيعة إرادةً وصبراً، بشهادة الحُسين إرتبطت الشيعه تحت ظلٍ واحد وراية واحده راية كربلاء وراية الحُسين. فثورة الحُسين وشهادته وحركة الحُسين نستطيع أن نقول هي التي مهدت الأرضيه وأعدت الأمة الإسلاميه لإستقبال دولة المهدي المنتظر «عج». كيف يُقال بأن دور الأئمة كان دور بسيط وهامشي، شهادة الحُسين هي التي خلقت هذه الحرارة وهذا ماذكره الإمام الصادق ”إن لجدي الحُسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً“ ليس حرارة حزن ودمع فقط بل حرارة عزم وإرادة وصبر، فإذاً الحُسين وما أدراك مالحُسين. الحُسين بن علي هو الذي مهد الأرضيه وفرشها لدولة المهدي المنتظر وبثورته أصبح للشيعةِ وجود عزم وصبر وأصبحت ركناً في العالم وأصبحت هذا الوجود الظاهر ببركة ثورة الحُسين لأجل ذلك كان دور الأئمة وخصوصاً الحُسين سيد الشهداء الدور التمهيدي الواضح لدولة المهدي. وأعان على ذلك شيعتهم الصابرون وقد ضحوا من يوم الحُسين إلى يومنا هذا فقد بذلوا الدماء ونفوس وأموال هذه التضحيات التي لم يخلوا منها زمن ولا جيل ولم تخلوا منها أمة كانت عاملاً مُساعداً مُؤكداً لإعداد الأرضية لدولة المهدي المنتظر «عج».

السؤال الثالث: ماهو الأثر الذي نتلمسه لوجود الإمام؟ هل أن غيبة الإمام المهدي غيبه إنفصاليه أو غيبه إتصاليه؟ غيبة عيسى بن مريم هي غيبه إنفصاليه فهو لا يخالط الناس ولا يجتمع معهم لأنه رُفع من على الأرض ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ متوفيك: معناه إستيفاء المدة، مدتك لك مدة على الأرض ورفعتك إلى السماء. كما في قوله تعالى ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا حتى التي لم تمت الله يستوفي قدرتها وجهدها. بينما غيبة الخضر غيبة إتصاليه فهو كان يعيش بين الناس يُخالطهم ويُعاشرهم.

هل أن غيبة المهدي غيبه إنفصاليه أم غيبه إتصاليه؟ هل أن المهدي معزول عن الناس أم أنه يعيش بينهم؟ وإنما الغائب عُنوانه فقط؟

إذا قلنا بأن المهدي غيبته إنفصاليه فإذا دوره مُعطل في زمان الغيبه لأن غيبته إنفصاليه فلا يستطيع المُعاشره والإتصال بين الناس، فلماذا أبقاه الله مع هذا الدور المُعطل؟

وإذا كانت غيبته إتصاليه بمعنى أنه يُخالط الناس كما الروايات بأنه يعيش بين الناس يأكل ويشرب، يذهب ويجئ. فإذا هو يعيش عيشة إتصاليه مُقتضى ذلك أن الناس تلمس أثره ونحن لا نرى له أثراً مادياً وأثراً ملموساً، فكيف يقال أن غيبته غيبه إتصاليه، إذن أنتم الشيعة إما أنت تقولوا الإمام معزول هنا دوره معطل، وإما أن تقولوا الإمام متصل بالناس إذن أين دوره وأثره، أين الأثر الحسي الملموس للمهدي المنتظر «عج» إذا كان يعيش بين الناس عيشةً إتصاليه؟ ماهو الجواب عليه؟

نعم، المُستفاد من النصوص أن غيبة الإمام هي إتصاليه ومن الدلائل على أنه ليس غائب وإنما حاضر، الغائب عنوانه وليس شخصه بمعنى أنه لا يُعرف أن هذا الرجل هو مُحمد بن الحسن، هو حاضر لكنه ليس ظاهراً بعنوانه وبإسمه فغيبته إتصاليه. ”وإن إمامكم ليحضر الموسم كل سنه“ الإمام كل سنه في عرفه يوم التاسع من ذي الحجه فهو حاضر. ومن دلائل ذلك هذه الأدعية التي تستحب قراءته في كل وقت خصوصاً في ليلة القدر ويوم القدر ”اللم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً ودليلاًو عينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا“ سيدنا الخوئي «قدس سره» كان يلتزم بهذا الدعاء في كل صلاة.

هذا الدعاء يكشف على أن الإمام يعيش بيننا وأنه في معرض الخطر ووصول الظالمين إليه فهو يعيش في حالة حذر، لذلك شاء الله أن يكون دُعاء المؤمنين سبباً من أسباب حفظه ”ولياً وحافظاً“. إذن لماذا لا نرى له أثر فكل من عاش نرى له أثراً مادياً فلماذا لا نرى له زوجه وبيت.. الخ.

أين الأثر المادي للمهدي إذا كانت علاقته علاقه إتصاليه؟... علاقة الله بنا علاقه إتصاليه أو إنفصاليه؟

أين الأثر الحسي بالله مع أن علاقة الله بنا علاقة حسيه يحي ويميت ويرحم كل حياتنا هي مددٌ عطاءٌ ورزقٌ منه لكن أين الأثر الحسي؟ واحد يقول الله غير موجود أنا لا أرى له أثر حسي لا أسمع له صوت ولم أرى صوره... إذن دام أنه ليس له أثر حسي إذن ليس موجوداً. ليس كل موجود فوجوده يعني أن له أثر حسي وإن كانت العلاقة علاقة إتصاليه، لا يوجد علاقةٌ حسيه أعظم من علاقة الله بمخلوقاته ولو وقف معك إنسان كافر لا يؤمن بالله يقول لك أرني أثر حسي بالله؟ مع أنك تؤمن أن علاقة الله بك علاقه إتصاليه

هذا النقض، وأما الحل.

نلاحظ أنه لا يوجد موجود إلا وقد تزاوج فيه عالم الملكوت وعالم الملك، الله تبارك وتعالى يقول ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ كل شئ له ملكوت ولكل شئ له ملك ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ فما دام كل شئ له عنصر ملكوتي وعنصر ملكي إذن كل شئ له نوعين من الأثر: ملكوتي بمعنى غيبي، وله أثر ملكي بمعنى مادي. مثلاً: روح الإنسان هذه الروح لها عنصر ملكوتي وعنصر ملكي لأن للروح عُنصرين فاللروح أثران: أثرٌ ملكوتي وأثرٌ ملكي.

الملكي المادي: المشي والكلام والقدرة للروح. أين الأثر الملكوتي للروح؟ الغيبي؟.

ماهو الأثر الغيبي للروح؟ هي الرؤيه الصادقه في المنام. وقد إعترف بها كل عُلماء الموضوعيين بأن هناك غيب وهو الرؤى الصادقه، أوقات ترى رؤى تتحقق بعد أيام كما رأيتها وأحياناً ترى مناظر تقول بأنك رأيتها من قبل أو رأيت أشخاص فأنت رأيتهم في رؤى صادقه سبقت رأيتهم. هذه الرؤى الصادقه التي تحدث عنها الإمام الصادق قال: ”الرؤيا ثلاثة أنواع: تحذيرٌ من الشيطان وتبشيرٌ من الرحمن وأضغاث أحلام“ أنت ترى رؤيا بتفاصيلها وبعدها تحدث بعد شهر أو شهرين، وترى رؤيا مُفزعه ثم تحدث بعد ذلك. هذه الرؤى قبل أن تحقق هل كانت ماده؟ لم تكن شئ مادي لأنها لم تتحقق. الشئ المادي هو الشئ الذي تحقق على الأرض، الرؤى قبل أن تتحقق ليست شيئاً مادياً. إذن ماهي حقيقة الرؤى؟

الرؤى الصادقه قبل أن تتحقق إذا لم تكن شيئاً مادياً فما هي؟ هي شئ ملكوتي للروح الماديه، فالروح الإنسانيه لها أثران:

أثر ملكوتي غيبي وهو الرؤى الصادقه، وأثر ملكي مادي وهو حركة البدن.

الله تبارك وتعالى موجود فهذا الموجود هو الذي برأ عالم المُلك وعالم الملكوت، الله له آثار ملكوتيه وهو خلق الأرواح والنفوس، وآثارٌ ملكيه وهو هذا العالم المادي الذي نعيش فيه. أيضاً الإمام المنتظر «عج» موجود من الموجودات فله عنصر ملكوتي وله ملكي، له آثارٌ:

روحيه وهي: من توجه للإمام المنتظر أمده بلطفه، نحن نقرأ هذه الآيه ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الإمام المهدي ذكر الله بعض الروايات تفسير للآيه، ذكر الله هو الإمام المعصوم ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ الآيه القرآنيه تدل على أن الذكر هو النبي ﴿لقد أرسلنا إليكم رسولا ذكراً ذكر الإمام المعصوم ذكرٌ لله وذكره يزرع الطمأنينة والمدد والإستقرار في النفوس ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ومن قوى علاقته بالمهدي سيجد هذا الأثر. يتصدق عن الإمام المهدي، يطوف عن الإمام المهدي ويزور عنه، يُحدث علاقه ويصنع علاقه بينه وبين المهدي هذه العلاقه سوف ينعكس أثرها عليه.

مثل علاقتك بالله علاقه روحيه، ماهو الفرق بينك وبين المُلحد الذي لايؤمن بالله؟ فهو يأكل ويشرب ويمرض ويتزوج ويُنجب لكنه لا يؤمن بالله... فأنت نفس حالاته لكنك تؤمن بالله. الفرق بينكما في العلاقة الروحيه. ذاك لم يصل إلى الله فليس بينه وبين الله علاقة روحيه لذلك لا يجدُ الأثر الروحي لله وبما أنه يُنكر الله فهو لا يجد أثر مادي ولا أثر روحي فيضل على إنكاره. لكن أنت تؤمن بالله فتجد الأثر الروحي لله في قلبي نفس ذاك مع الإمام.

أيضاً شخص سُني وآخر شيعي كلاهما يشربان ويأكلان..... ماهو الفرق بينهما؟ الفرق أن المُعتقد بالمهدي يجدُ الأثر الروحي للمهدي وذاك لايجده لأنه لم يصل إليه أو لم يعتقد به.

فإذاً لا ينحصر الأثر في الأثر المادي كي يقول المُنكر أنا لم أجد أثر مادي إذاً لا يوجد مهدي، قد يكون الأثر روحياً ملكوتياً.

الأثر المادي فيعرفه أهله: وكما ورد عن السيد بحر العلوم «رحمه» ”إني لأعرف نحنحته من بين الناس“ صوت نحنته أميزه. ولذلك ورد عن الإمام نفسه ”ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته كانوا على إجتماع من القلوب في الوفاء بعهدنا لما تأخر عنهم اليُومّن بلقائنا ولتعجلت لهم السعاده بمشاهدتنا“ يتكلم عن الشيعه الإماميه.

المطلوب من الشيعه شيئين: الوحده في النفوس وليس التفرق، كلٌ يقلد من يريد وأنتم الشيعه كلكم مُعرض للإضطهاد والظُلم، الجميع لابد أن يصب في بوتقه واحده وركبٍ واحد ومسار واحد وهو مسار محمد وآل محمد.

”ولو أن أشياعنا كانوا وفقهم الله لطاعته كانوا على إجتماع من القلوب في الوفاء بعهدنا“ نحن لدينا وفاء بعهدنا على كل شيعي أن ينصرنا ويُدافع ويذب عنا، همّ الشيعي ليس ضرب الشيعي الآخر، إنما أن تذبّ عن محمد وآل محمد.

”لما تأخر عنهم اليُومن بلقائنا ولتعجلت لهم السعاده بمشاهدتنا“ فمن يبحث عن الأثر المادي سيجده إذا سار في طريقه وكان من أهله، وهذه الأحداث التي تمر بالشيعة الإماميه في كل مكان هذا خير وليس شر، هذه الأحداث لها أولاً: أثر إجتماعي وهو أنها وحدة الشيعه نحو هدف ونقطه واحده.

ثانياً: لها أثر روحي وهي أنها شحدة الشيعه بالعزيمه والصبر وقوة الإرادة والتحدي.

ثالثاً: لها أثر إعلامي وهو أن هذه الأحداث أظهرت عظمة المرجعيه وقوتها، وهو أن المرجعيه ركن عالمي يحذر منه الشرق والغرب.

رابعاً: لها أثر إداري للشيعه فهم بدأوا يخططون للمستقبل والفعل وبُعد النظر. إذن هذه الأحداث لها نتيجة الإعداد لظهور المهدي المنتظر «عج».

في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي «ج6»
في رحاب دعاء أبي حمزة الثمالي «ج7»