نص الشريط
الإمام علي (ع) وعلم الكتاب
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مؤسسة الإمام علي عليه السلام - لندن
التاريخ: 18/9/1435 هـ
تعريف: ليلة 19، ضربة الإمام علي (ع)
مرات العرض: 3599
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1255)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

صدق الله العلي العظيم

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

من أجل أن أتضح لنا مضمون الفقرة الثانية من الآية وهي قول الله عز وجل ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

لابد أن نتحدث عن عدة أمور:

الأمر الأول: الكتاب في القرآن الكريم يطلق على عدة معاني

المعنى الأول:

أن المراد بالكتاب صحيفة الأعمال حيث تجتمع أعمال الإنسان في صحيفة معدة لهذا الهدف، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا

وقال تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً*اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً

المعنى الثاني:

أن المقصود بالكتاب كتاب القضاء والقدر فالإنسان لاينزل إلى هذه الدنيا إلا وهناك مخطط كامل عن مسيرته وسعادته وشقاؤه ورزقه وعمره.

قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ

فكتاب القضاء والقدر عبر عنه القرآن الكريم بالكتاب ايضاً.

المعنى الثالث:

إن المقصود بالكتاب في إطلاقات القرآن الكريم خارطة الكون، هذا الكون كله له خارطة، هذا الكون كله مركز أسرار يشتمل على تفاصيل هذا الوجود وكنوز هذا الوجود.

قال سبحانه وتعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ

الكتاب بمعنى مركز أسرار وخارطة الكون فهو المعبر عنه بالكتاب المبين، هذا الكتاب الذي يشتمل على تفاصيل الوجود عبر عنه القرآن الكريم تارة بالكتاب المبين، وتارة يعبرعنه بالعرش عندما يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. عرش الكون هو خارطته هو مركز أسراره، لكل دولة عرش، وعرش الدولة هو مركز استخباراتها لأنه بهذا المركز يقوم كيان الدولة، هذا الكون كله بسائر تفاصيله بسائر دقائقه أيضاً له مركز معلومات مركز أسرار تنطلق منه الأوامر والنواهي هذا المركز هو المسمى بالعرش، وهوالمسمى بالكتاب المبين﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ وهذا المركز هو الذي عبر عنه القرآن الكريم بالإمام ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ وأيضاً عبر عنه بأم الكتاب ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ يريد أن يقول هذا الكون مؤلف من عالمين عالم هو عالم التغيروالمحو والإثبات هو العالم الذي نعيش فيه ينتقل الإنسان من جنين إلى طفولة وإلى شباب وبعدها إلى شيخوخة.

عالم التغير وعالم الأختلاف تمحي صورة ونثبت صورة.

فعالم المادة هو عالم المحو والإثبات ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ولكن هناك عالم آخر وراء هذا العالم المادي

وذلك العالم الآخر هو المتضمن لأسرار الكون وهو المنظم لتفاصيل الكتاب وذاك العالم الآخر هو المسمى

بأم الكتاب ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، يعني عنده خارطة الكون وتفاصيله وأسرار

الكون في عرشه الذي هو مركز الكون ﴿وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

المعنى الرابع للكتاب في القرآن الكريم:

هو الكتاب السماوي أحيانا يُعبر القرآن بلفظ الكتاب كما في قوله عزوجل: ﴿الم*ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الكتاب في هذه الإطلاقات بمعنى الكتاب السماوي.

بعد أن عرفنا أن عنوان الكتاب ولفظ الكتاب في القرآن الكريم يطلق على أربعة معاني: كتاب الأعمال، كتاب التقدير، كتاب العرش، الكتاب السماوي.

فما هو المقصود في هذه الآية بقوله ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِماهو المقصود بالكتاب في الآية المباركة ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ؟

الأمر الثاني: شرح وتوضيح هذه الفقرة ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ نأتي للقرآن الكريم:

هل القرآن الكريم هو هذا الذي بين أيدينا؟

هل القرآن الكريم هو الوجود المادي اللفظي الحسي الذي نتلوه ونتدبره؟ أم أن للقرآن الكريم وجودات متعددة ومراتب متعددة؟

وراء هذا الوجود المادي الذي نتعامل معه ونتعامل مع ألفاظه، فالقرآن له وجودات أربعة:

الوجود العرشي، الوجود الملكوتي، الوجود المادي، الوجود البياني.

ولكل وجود مرتبة من التعامل معه.

الوجود الأول للقرآن الكريم الوجود العرشي:

ما معنى الوجود العرشي؟ كل شئ في هذا الكون كان له وجود عرشي قبل أن يكون له وجود مادي القرآن يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ كان مختزناً عندنا أنت الإنسان كان لك وجود قبل أن تنزل إلى هذه الدنيا ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا الإنسان كان شيئاً قبل أن ينزل إلى عالم المادة لكنه لم يكن مذكوراً، ماهو هذا الشئ؟

كان هذا الإنسان موجوداً يُسبح الله ويُهلله كان مُختزناً في العرش قبل نزوله إلى عالم المادة ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وإذا نزلنا إلا بأقدار معينة ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ كما أن الإنسان كان له وجود عرشي

صار له وجود مادي كذلك القرآن الكريم كان له وجود عرشي قبل أن يكون له وجود مادي.

كيف كان له وجود عرشي؟

لاحظ الآية المباركة ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ يعني هذا القرآن له وجودان وجود عندنا في أم الكتاب ووجود نزلناه اليكم وجعلناه عربيا ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ «علي» عن الفهم أن تناله العقول محكم الآيات «علي حكيم» في القرآن كما له وجود مادي كان له وجود عرشي وعبرت آية أخرى عن هذا الوجود العرشي بقوله عز وجل ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ فالقرآن كان في كتاب مكنون ثم تنزل علينا في هذا الوجود المادي، هذا المعبر عنه بالوجود العرشي.

الوجود الثاني هو الوجود الملكوتي: الوجود الملكوتي للقرآن في أي عالم؟ في أي أفق؟

وجود القرآن في قلب النبي محمد نحن عندما نتأمل الآيات القرآنية نستكشف منها أن القرآن قبل أن ينزل كان موجوداً عند النبي محمد ، ماهذا الوجود عند النبي قبل أن ينزل عليه؟

وجود ملكوتي للقرآن، القرآن يتحدث عن هذا الوجود ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وقال في آية أخرى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ إنتظر لا تتلفظ بالقرآن حتى ينزل عليك اللفظ من السماء ﴿إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ*فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ إذن القرآن كان موجوداً في قلب النبي : ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ كان القرآن وجوداً ملكوتي في قلب النبي، ماهو الفرق بين الوجود الملكوتي والوجود المادي؟

الفرق بين الوجودين هو الفرق بين الإحكام والتفصيل ﴿كتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ

القرآن مر بمرحلتين أولا أحكمت آياته ثم فصلت، كيف؟ يعني هذا القرآن الكريم كان يشتمل في آياته على مضامين عامة وقواعد عامة ثم فصلت هذه القواعد والمضامين إلى تفاصيل جزئية، كيف؟

مثال عندما يقول القرآن الكريم: ﴿ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ هذه تسمى آية مُحكمة لأنها تتحدث عن قاعدة عامة الله ليس كمثله شئ لكن عندما نأتي للآيات التي تتحدث عن التفاصيل ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ هذه الآيات تتحدث عن تفاصيل العلاقة بين الإنسان وبين الله.

الآية الأولى من القسم المحكم والآيات المفصل الأخرى من القسم ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ إذن هذا القرآن الكريم عندما كان موجوداً وجوداً ملكوتياً في قلب النبي محمد كان محكماً ثم لما أراد الله أن يفصله أنزله الله لمدة ثلاث وعشرون سنة على شكل سور وآيات وتفاصيل لتلك القواعد وتلك المضامين العامة ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.

الوجود الثالث: هو هذا الوجود المادي الذي نحن نقرأه ونتلوه ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا والوجود البياني هو ما قام به النبي المصطفى من شرح للقرآن كما في قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ.

هذه الوجودات الأربعة للقرآن الكريم.

الوجود العرشي والوجود الملكوتي والوجود المادي والوجود البياني.

الأمر الثالث: عندما نأتي لبعض الآيات القرآنية نلاحظ أن بعض الآيات القرآنية ترشدنا الى أن القرآن فيه تبيان لكل شئ مثلا قوله عز وجل: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ

ما معنى تبياناً لكل شئ؟ ما نأخذ فيه قوانين الفيزياء وقواعد الهندسة لا هو كتاب رياضيات ولا هو كتاب طب ولا هو كتاب في علم النفس إذن ما معنى قوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ هنا هذه الفقرة من الآية له تفسيران:

التفسير الأول: ما ذكره جمع من المفسرين منهم السيد الطبطبائي صاحب الميزان قدس قال: معنى ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ يعني لكل شئ من أمور الهدايه لأن القرآن هو كتاب هدايه﴿هُدًى لِّلنَّاسِ كتاب هدايه، مثلا قوله عزوجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ بما أن القرآن كتاب هدايه، لا هو كتاب رياضيات ولافيزياء ولا كتاب طب، إذن لا يُرتجى من القرآن أن يتحدث عن قوانين الفيزياء وقوانين الرياضيات يُرتجى من القرآن أن يذكر كل التفاصيل المرتبطة بعالم الهدايه وبمسألة الهدايه ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ يعني كل شئ من أمور الهدايه هذا التفسيرالأول.

التفسير الثاني: ذُكر سابقاً أن للقرآن وجود عرشي، وجود ملكوتي، وجود مادي، وجود بياني.

القرآن إن لم يكن تبياناً لكل شئ بوجوده المادي فهو تبياناً لكل شئ بوجوده العرشي، القرآن وهو في العرش، القرآن وهو في الكتاب المكنون ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ القرآن وهو في الكتاب المكنون كان تبياناً لكل شئ. صحيح الآن هذا القرآن بوجوده المادي بالألفاظ التي نقرأها ونُرتلها ليس تبياناً لكل شئ لكن القرآن بحسب وجوده العرشي تبياناً لكل شئ، لذلك لم يطلع على هذا القرآن بوجوده العرشي الشامل لكل شئ إلا المطهرون ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ*فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ*لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ الضمير يعود إلى الكتاب المكنون فلا يطلع على الوجود العرشي ولا يحيط به إلا الصفوة المطهرة محمد وآل محمد.

فالقرآن الكريم شفرات ورموز من هذه الشفرات والرموز يوجد ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ولكن لا يحيط بهذه الشفرات والرموز التي ترمز لكل شئ إلا المطهرون لذلك قال القرآن الكريم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وقال في آية أخرى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وقال في آية ثالثة ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ هناك صفوة منتخبة إطلعت على تبيان كل شئفي هذا القرآن لأنها اطلعت على الوجود العرشي في القرآن الكريم.

لذلك كان للقرآن دوران: دور القرآن بالنسبة للنبي، ودورالقرآن بالنسبة للأمة.

دور القرآن بالنسبة للنبي: إنه تبيان لكل شئ دور القرآن بالنسبة للأمة: ﴿هُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ لاحظ التعبيرفي الآية القرآنية وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ بالنسبة لك أنت وليست بالنسبة للمسلمين بعد بيان هذه الأمور الثلاثة التي عرفناها نأتي لهذه الفقرة، قوله عز وجل: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ النبي يستشهد بشخص يعبر عنه القرآن بأن عنده علم الكتاب، ما هو هذا الكتاب الذي لدى هذا الشخص علم به وعلم هذا الشخص به يكون شاهداً صادقاً على نبوة النبي محمد .

ذكرنا أن الكتاب تارة يطلق على كتاب الكون كله ﴿ولا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ وتارة يطلق الكتاب على الكتاب السماوي ﴿ألم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ إذن الكتاب تارة يطلق على كتاب التكوين ويطلق أخرى على كتاب التشريع هذه اللفظة في الآية مطلقة ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ يعني ومن عنده العلم بكتاب التكوين وكتاب التشريع محيط بأسرارالكون وأسرار الشريعة هذا اللفظ مطلق في الآية وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ أي من كان محيط بأسرار الكون ومحيط بأسرار الشريعة ايضاً.... لما؟

لأن النبي يريد أن يستخدمه شاهداً لا يحضر شاهد جاهل أو محيط ببعض الكتاب لا يمكن أن يكون الشاهد على النبي في صدق دعواه إلا شخصاً أحاط بأسرار الكون وأسرار الشريعة حتى يصدق عليه أن يكون شاهدا ًعلى نبوة النبي محمد .

فالنبي قال: أنا نبي والشاهد على نبوتي شاهدان الشاهد الأول: هو الله الذي أنزل علي الكتاب المعجز وهو القرآن الكريم فإنزال القرآن على النبي شاهد من الله لأن النبي صادق في نبوته هذه شهادة الله بأنه أنزل قرآن معجزاً كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ.

الشاهد الثاني: أن عندنا شخصا يعلم أسرار الكون وأسرار الشرائع كله فإذا وجدتم العلم يتدفق من فم هذا الشخص المحيط بأسرار الكون وأسرار الشريعة تعرفون أنني نبي صادق والدليل على صدق نبوتي أن هذا الشخص العالم بالأسرار هو أول من يؤمن بنبوتي وأول من يصدق بدعوتي وأول من يتبعني فمن ذلك الشخص؟ جائت الروايات عن أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين أنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

النبي يعتبر الإمام شاهد على نبوته، كيف يكون الإمام علي شاهد على نبوة النبي؟

شهادة الإمام علي بصدق نبوة النبي المصطفى أن الإمام علي في حد ذاته معجزة لا تقل عن إعجاز القرآن الكريم، يعني أن النبي أقام معجزتين تثبت صدقه وأنه نبي من الله.

المعجزة الأولى: القرآن الكريم.

المعجزة الثانية: القرآن الناطق علي بن أبي طالب، علي في حد ذاته معجزة كثيرمن المسيحين صدق محمد لأن علياً شهد بصدق محمد.

من قرأ علياً في نهج البلاغة من قرأ علياً في فضائله ومناقبه، من قرأ علياً في كل أحواله إستدل بعلي على صدق النبي ، علي شاهد صدق على نبوة النبي، علي معجزة أخرى للنبي ، علي معجزة ناطق والقرآن معجزة صامتة، علي معجزة في حد ذاته لذلك بولس سلامة هذا الشاعر المسيحي المعروف عندما يتحدث عن الإمام علي يقول:

لا    تقل    شيعة   هواة   iiعلي

أنا من يعشق البطولة iiوالألهام

فإذا     لم    يكن    عليا    iiنبيا

ياسماء اشهدي ويا أرض قري





 
إن      كل     منصف     iiشيعيا

والعدل       والخق      iiالرضيا

فقد      كان      خلقه      iiنبويا

واخشعي    إنني   ذكرت   عليا

علي بهذا العلم الجم الذي تدفق في لسانه من خلال نهج البلاغة، علي في بطولاته التي أقامها، علي في زهده وعبادته، علي في عدالته الإجتماعية، علي في كل صفاته، علي شاهد على صدق نبوة النبي المصطفى، علي جمع هذه الصفات كلها.

وتركت    مدحي    للوصي   iiتعمدا

وإذا   استطال   الشئ  قام  iiبنفسه

 
إذ   كان   نورا   مستطيلا   iiشاملا

وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

علي بن أبي طالب الذي تحدث عن نفسه عندما قال: "لقد علمتم بمنزلي من رسول الله بالقرابة القريبة والخصاصة منه كان يُنيمني إلى جانب فراشه ويُلقمني الطعام وكان يضعني كل يوم علماً من أخلاقه، ويأمرني بالأهتداء به، وما وجد لي كذبة في قومي، ولا خطلة في فعلي، ولقد سمعت رنة الشيطان عندما نزل جبرئيل عليه، قلت يارسول الله: ما هذه الرنة، قال: إنها رنة الشيطان يأس من عبادته، إنك لتسمع ما أسمع وترى ما أرى غير إنك لست بنبي، وكان يتحدث عن نفسه ويقول: محمد النبي أخي وصهري، وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي وأنسي يطير مع الملائكة ابن عمي ولحمي، وسبطا أحمد ولداي، منها فمن له سهم كسهمي سبقتكموا إلى الإسلام طراً على ما كان من فهمي وعلمي، وصليت الصلاة وكنتُ طفلاً صغيراً ما بلغني أوان حلمي، وأبلغني ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم فويل ثم ويل ثم ويل لمن يوم القيامة هو خصمي، وصليت الصلاة وكنتُ طفلاً صغيراً".

كان يعشق الصلاة وُلد في بيت الله وسقط صريعاً في بيت الله بدأ حياته بالصلاة وختم حياته بالصلاة، بدأ حياته وليداً في جوف الكعبة وختم حياته بذكر الكعبة، عندما سقط صريعاً، قال: ”فزتُ ورب الكعبة“ إنه أراد أن يشير الى أن الكعبة مولدي وزادي وذكري.

أبعاد نظرية وحدة الوجود
في رحاب عبادة أمير المؤمنين (ع)