نص الشريط
الخشوع في الصلاة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/1/1407 هـ
مرات العرض: 3725
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1118)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ

صدق الله العلي العظيم

القرآن الكريم يثني على المؤمنين، وفي نفس الوقت عندما يثني على المؤمنين يذكر صفتين بارزتين للمؤمنين، هاتان الصفتان إذا رأيناهما تجلتا في شخص من الأشخاص علمنا بأن هذا الشخص يملك معنى الإيمان، ما هما هذان الوصفان؟ ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ.

الصفة الأولى: الخشوع في الصلاة.

الخشوع والخضوع في الصلاة يعني اللذة بقرب الله عز وجل، الإنسان عندما يخشع في صلاته، وعندما تقف جوارحه وجوانحه برهبة وبإعظام وقت الصلاة وحين أذكار الصلاة، يعني أن هذا الإنسان يلتذ بقرب ربه، بمناجاة ربه، بدعاء ربه، ولولا لذته بذلك لما أطال الصلاة، ولما خشع وخضع في الصلاة، فالخضوع والخشوع دليلان على أن هذا المصلي يملك لذة في قربه من ربه عز وجل. قد ترى إنسانًا عندما يصلي يدمج الركوع في السجود والسجود في القيام وانتهت الصلاة في دقيقة أو دقيقتين! ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ هذا الوصف لا ينطبق على هذه العملية ولا ينطبق على هذه الكيفية.

ورد عن أمير المؤمنين : ”أسرق الناس من سرق صلاته“، ليس الذي يسرق أموال الناس، هذا الذي يسرق أموال الناس ليس بسارق حقيقي، السارق الحقيقي هو الذي يختلس العبادة اختلاسًا، هذه أعمالك، أفعالك، يوم القيامة لا ينفعك غير صلاتك إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها، وتأتي يوم القيامة مجسمة مجسدة، فتقف أمامك وتقول: ضيعتني ضيعك الله! ونظر الرسول إلى رجل يخبط الركوع في السجود، قال: ”أما يخاف هذا أن يلقى الله وهو معرض عنه! قيل: لماذا يا رسول الله؟ قال: لأنه أعرض عن ربه“.

أنت متى تلتقي بربك؟ متى تناجي ربك؟ هذه هي الأوقات التي تلتقي فيها بربك، أوقات خمسة في اليوم تلتقي فيها بربك وتناجيه بكل ما عندك، فإذا أنت وقت لقائك بربك تكره هذا اللقاء، وتتكاسل أمام اللقاء، إذا أردت ملاقاة فلان المعين، الشخصية، كيف تتزين وتتطيب وتذهب بإجلال وإعظام إلى هذا الإنسان، وتكن له الاحترام والإجلال، وأما إذا أريد منك أن تلاقي ربك قمت كسلان متعبًا منهكًا، وتلاقيه بذلك اللقاء الجاف السريع، وأنت تريد أن تنهي صلاتك وتستريح منها.

انظر إلى أولئك الذين تجسد فيهم معنى الخشوع والخضوع.. أمير المؤمنين يقول: ”ركعة لي في دنياكم أحب إلي من الجنة وما فيها“، ليس نعيم الجنة الذي ألتذ به، ليس الحور والولدان والقصور والأنهار وغيره، بل لذتي جوار ربي، مناجاة ربي ولقاء ربي، ولذلك هذه اللذة الروحية خلقت من أمير المؤمنين ذلك العابد المنقطع النظير الذي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، اللذة التي تجسدت في أمير المؤمنين ، لذته بجوار الله، بلقاء الله، جعلت منه يصلي يوم صفين والحرب قائمة على قدم وساق، كيف تصلي يا أبا الحسن والآن وقت قتال وحرب؟! قال: ”علام نقاتلهم؟! إنما نقاتلهم لأجل الصلاة“، وكان يصلي والسهام تنفذ إلى ثيابه وهو ماض في صلاته، وقال الإمام الحسن : ”ما رأيت أعبد من فاطمة ، كانت إذا قامت إلى الصلاة ما انفتلت عنها حتى تتورم قدماها“.

أشعر نفسك وقلبك بروحية الخشوع والخضوع، أشعر قلبك بالخوف والرهبة، وأنك واقف أمام عظيم العظماء وجبار الجبابرة وملك الملوك، أنت واقف أمام القدرة والقوة والرحمة والعلم اللامتناهي، أشعر نفسك بالصغر والحقارة أمام ربك عز وجل، أشعر نفسك بالخضوع والخشوع، كان الإمام الحسن إذا وقف على باب المسجد ارتعشت أعضاؤه وقال: ”مسكينك ببابك، أسيرك بفنائك، يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم“.

الصفة الثانية: الإعراض عن اللغو.

اللغو تارة يكون في القول، وتارة يكون في الفعل، يعني تارة يكون الكلام كلام لغو، وتارة الفعل فعل لغو، أما فعل اللغو فهو ما لا فائدة فيه، إنسان ليس عنده فائدة في أن يفرقع أصابعه مثلا، فهذا عندما يفرقع أصابعه يسمى لغوًا؛ لأنه لا توجد فائدة في هذا الفعل، وأما اللغو في نظر الشريعة الإسلامية فهو ما لم يكن واجبًا ولا مستحبًا، أنت تفعل فعلًا ليس بواجب ولا مستحب، يعني أنك لا تحصل عليه بأي ثواب من الله عز وجل، فعل لا يرتبط بالآخرة، هذا يسمى لغوًا.

مثلا: أنا أشاهد المسلسل التلفزيوني، هل هذا عبادة؟ واجب؟ أو مستحب؟ لا، هذا لغو تشمله الآية ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، لو كنت مؤمنًا حقا، لو كان معنى وطعم الإيمان قد غمر روحك ومشاعرك وجوانحك لكنت معرضًا عن هذا اللغو وهذه الأمور، فما دمت غير معرض عن مشاهدة المسلسل، بل تكون محبًا ومقبلًا.. إذا تتعارض الصلاة مع مشاهدة المسلسل أقدم المشاهدة! فأنا محب ومقبل متشوق لمشاهدة المسلسل، فهل هذا من صفات الإيمان؟ الله تعالى يقول أن تعرض عن مشاهدته، وأنت المرئي والمشاهد منك أنك بالعكس تماما: مقبل ومتشوق على مشاهدته.

وأما اللغو في الأقوال، ورد عن الإمام أمير المؤمنين : "كل قول ليس فيه ذكر لله فهو لغو وكل صمت ليس فيه فكر فهو سهو وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو لهو“ كل قول تتحدث به ليس فيه ذكر لله عز وجل يعتبر لغوا، ومن أجلى مصاديق اللغو كما ورد عن المفسرين الغناء، الغناء يعتبر لهوا بكل معنى الكلمة، فالمتعاطي للغناء والمصر على الغناء تقصده الآية بأنه ليس من المؤمنين الذين من صفاتهم أنهم ﴿عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ.

آيات تحريم الغناء:

لا تقل بأن الغناء شيء لم يحرمه القرآن، ولا تقل بأن الغناء شيء لم يتعرض له القرآن، وإنما القرآن حمل كثيرا من الآيات التي نظرت إلى تحريم الغناء والعقوبة الشديدة عليه، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ، يعني أننا لسنا في مقام جهل ومقام سفه حتى نمشي وراء سماع اللغو، ونمشي وراء المحافظة على ترتيل اللغو وتسجيله وبيعه وشرائه، ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ، نحن نقلنا عن أهل البيت أن من جملة مصاديق اللغو الغناء، فإذا كان الغناء من مصاديق اللغو فإن القرآن يريد منا الإعراض عن هذا اللغو، عن هذا الغناء.

وقال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، ما هو معنى هذه الآية؟ نرجع إلى الإمام الصادق ، يقول: ”الرجس من الأوثان هو الشطرنج، وقول الزور هو الغناء والملاهي“، ألعاب وآلات القمار كلها تعتبر رجسًا من الأوثان، وقول الزور هو الغناء.

وفي آية ثالثة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ، أيضا يرد عن أبي جعفر الباقر أن المراد بلهو الحديث هنا هو الغناء، وأن الآية نزلت بمناسبة النضر بن الحرث، عندما اشترى جارية تغني، وهذه الجارية كانت تسبب إعراض الناس عن القرآن الكريم، فنزلت هذه الآية. ما الفرق بين هذا والذي يشتري أشرطة غناء؟! لا يوجد فرق! هذا اشترى جارية تغني، القرآن قال له: ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ، أيضا الذي يشتري أشرطة غناء في سبيل أن يأنس بها، أو في سبيل أن يعلم أطفاله وصغاره على سماع الغناء، وعلى المواظبة على سماع الأغاني، هذا أيضا تشمله الآية؛ لأنه اشترى لهو الحديث، أو شخص مثلا لديه زفاف، ويأتي بالمغني الفلاني أو المغنية الفلانية في بيته، ويقومون بدق الطبول والدفوف، هذا أيضا تشمله الآية: ﴿أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ.

﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا، يرد عن الإمام الباقر : يعني لا يحضرون مجالس الغناء، المؤمنون هم الذين لا يحضرون مجالس الغناء. ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ما معنى سامدون؟ ورد عن المفسرين سمد فلان يعني غنى، ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ يعني منغمرون في سماع الأغاني وفي المواظبة على الملاهي.

ويخاطب الله الشيطانَ: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ، من تقدر على استفزازه وإضلاله عن الصراط المستقيم من عبادي، وتستطيع أخذه بيده إلى الانحراف، فإنه يتبعك ويسير وراءك، وورد في الأحاديث أن صوت الشيطان هو صوت الغناء واللهو.

روايات تحريم الغناء:

أحد أصحاب الإمام الصادق يقول له: إن جيراننا لديهم جارية تغني، وأنا ربما دخلت الخلاء فأطيل الجلوس في الخلاء استماعا للجارية، قال له الإمام: لا تفعل، قال: لم أقصده برجلي، قال: ويحك! ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا، قلت: أستغفر الله، قال: ”اذهب واغتسل وصل ما بدا لك؛ فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما أسوأ حالك لو مت على هذا! استغفر الله عن كل ما يكره، وعن فعل القبيح؛ فإن الله يكره القبيح ولكل قبيح أهله“، ثم قال له:“ إن السمع مسؤول عما سمع، والبصر مسؤول عما نظر، والقلب مسؤول عما عقد عليه".

وورد عن الرسول : ”إن الغناء ينبت في القلب النفاق كما ينبت الماء الزرع“. وورد عن الصادق : ”ما للمؤمن والملاهي! إنها تورث قساوة القلب، وتورث النفاق“، الإنسان إذا قسا قلبه أصبح كالحجر الصلب، أصبح منافقًا؛ لأن المنافق هو الذي لا يشعر بآلام الآخرين، ولا يشعر بأحزان الآخرين، يجامل الناس على غير ما يبطن، يراك متألمًا، يظهر بأنه متألم لك، وهو يبطن خلاف ذلك، يراك متعبًا بقضية، يظهر خلاف ما يبطن، وهذه القوة التي لدى المنافق أنه يظهر خلاف ما يبطن لا يحصل عليها إلا بقساوة القلب الناتجة عن المواظبة على سماع الأغاني والملاهي.

ورد عن الإمام الرضا أنه سئل عن بيع الجواري والمغنيات، قال: ”ثمنهن ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار“، وعن الإمام الصادق : ”بيعهن وشراؤهن حرام، واستماعهن نفاق، وتعليمهن كفر“. لا تقل: أنا لم أشتر مغنية، أنت اشتريت شريطًا، أنت لم تشتر مغنية، ما الفرق؟ ذاك يشتري مغنية وأنت تشتري شريطًا، ذاك يشتري مغنية أنت تشتري فيديو تعرض فيه أفلاما معينة، الأحاديث تشملك.

ورد عن الإمام الصادق : ”المغنية ملعونة، وملعون من أكل من كسبها“، الذي يعيش على الكسب والأموال الحرام ملعون، وسئل سلام الله عليه عن السفلة: من هم السفلة؟ قال: ”من يشرب الخمر ويلعب بالطنبور“. وورد عن الإمام الصادق : ”إن بيت الغناء بيت تحل فيه الفجيعة وتهجره الملائكة“ يعني بيت غير مبارك، غير مأمون، معرض للمصائب والفواجع، وتهجره الملائكة. وورد عن الرسول : ”إن الإنسان إذا سمع القيان صب في أذنه الآنك يوم القيامة“، الآنك هو الرصاص، كناية عن شدة التعذيب يوم القيامة.

رأي علماء الغرب:

على كل حال، مجموعة هذه الآيات ومجموعة هذه الروايات كلها ترشدنا إلى مدى حرمة الغناء، وإلى أن الشرع الشريف يكره هذا الأمر، وينظر إليه بنظرة شذرة، ويراه أمرا بعيدا عن مقتضى الإيمان، وبعيدا عن مقتضى الارتباط بالله، وبعيدا عن مقتضى الالتزام، ولا نحتاج هنا إلى سرد مثل ما تسرد بعض المجلات، ويسرد بعض الخطباء، أنه العالم الغربي قال كذا والعالم الغربي قال كذا! هذه الأشياء ليس لها اعتبار، نحن نعتبر بالقرآن والسنة، القرآن يقول بأن الغناء حرام، والسنة تقول بأن الغناء حرام، أنت بما أنك مؤمن ملتزم، بما أنك تسير على طريق الإيمان والشريعة الإسلامية، يجب عليك أن تلتزم سواء قال العالم الغربي أن الغناء فيه أضرار كذا أو لم يقل، حتى لو لم يقل ما قيمة هذا العالم الغربي؟! لكن أنت قيمتك بقيمة التزامك، أنت يجب عليك أن تنظر إلى كتاب ربك أولا وسنة أهل البيت ماذا تقول عن هذا الأمر بما أنك مؤمن ملتزم.

فمن جملة ما تذكره بعض المجلات عن أضرار الغناء مثلا: أن عالمًا أوروبيًا أخذ آلة مراقبة ضغط الدم، وجعلها على ذراعه، وشغل الراديو، وصار يسمع الراديو، فوجد أنه كلما ازداد سماعه إلى الموسيقى وكلما ازداد إقباله عليها كلما ارتفعت درجات الضغط، مما أثبت له أن من جملة الأسباب القريبة لزيادة الضغط ولارتفاعه هو كثرة الاستماع إلى الموسيقى وكثرة الاستماع إلى الغناء.

والطبيب لوتر «طبيب نفساني» يقول بأن مفعول الأغاني في الأعصاب أكثر من مفعول المخدرات، الأغنية تؤثر على الأعصاب أكثر مما يؤثر الحشيش وأكثر مما تؤثر المسكرات والمخدرات الأخرى، مفعول الأغاني على الأعصاب أشد من مفعول المخدرات. وأيضا طبيب آخر هو روبرت «طبيب نفساني» أيضا يقول بأن المرأة الحامل إذا استمعت إلى الغناء وإلى الموسيقى يحصل عند جنينها الاضطراب والتزلزل والهيجان، مما يسبب أمراضا عصبية لهذا الجنين، فينصح بعدم سماع الأغاني في حالة الحمل.

مجلة سويسرية شددت على أمر الغناء، وشددت على السينمات والملاهي، نتيجة لأن 150 ألف شاب وشابة في ساحة من ساحات باريس اجتمعوا ليلة من الليالي على الرقص والغناء، وكان نتيجة انفعالهم وهيجانهم وشدة ارتباطهم بالغناء أن خرجوا عن شعورهم، فخرج الكثير منهم إلى المحلات وضربوا الناس وسفكوا الدماء ونهضوا البضائع والأمتعة بلا شعور وبلا إدراك، وهذا كله نتيجة سماع الغناء والموسيقى. بل اكتشف أن له أثرا على الدماغ، وأن له أثرا في الصداع النصفي، وأن له أثرا على كثير من الأمراض، ويذكر عن عدة مغنين أنهم ماتوا نتيجة إصرارهم على الموسيقى والغناء، وأن بعضهم مات على خشبة المسرح، مات في مسرح الرقص. إذن، نتيجة هذا كله نستكشف أن الغناء أمر مبغوض شرعا، مبغوض عند الله وعند أهل البيت ، وأمر هو منبع ومؤدٍ إلى عدة أضرار عصبية ونفسية على الإنسان.

قصة بشر مع الإمام الكاظم:

يقال بأن بشر بن الحارث - أو بشار، على حسب اختلاف الروايات - ورث من أبيه مالا كثيرا، وهذا من الترف والغنى والثروة اشترى المغنيات والجواري، وصار بيته محل رقص ومحل غناء، الإمام الكاظم ذات يوم من الأيام كان خارجا، فمر على بيت بشار بن الحارث، فرأى صوت الأغاني وصوت الجواري، تألم الإمام ، كانت جارية من هذه الجواري واقفة على الباب، فاستدعاها، قال لها: من صاحب هذا البيت؟ قالت: بشار بن الحارث، قال لها: هو حر أم عبد؟ ضحكت، قالت: هو حر، قال لها: ”نعم، لو كان عبدا لخاف من مولاه، وهو الله عز وجل“.

دخلت على سيدها بشار وهو جالس على مائدة الخمر، سألها: ما أبطأك؟ قالت: رجل من الناس سألني، قال لي: صاحب هذا البيت حر أم عبد؟ فقلت له: حر، قال: ”نعم لو كان عبدا لمولاه لخاف من ربه عز وجل“، هذا الكلام نفذ إلى أعماق بشار وملكه وطغى عليه، قال: من هذا؟ قالت: لا أعرفه، فخرج حافيا يريد أن يرى هذا الرجل الذي أبلغ الجارية هذه الكلمة، لقي الإمام الكاظم في الطريق، سلم عليه، قال: سيدي، أنت الذي مررت على البيت وقلت كذا وكذا؟ قال: نعم.

ثم الإمام لما رأى منه الإقبال عليه انحدر عليه بالنصائح، وانحدر عليه بالترهيب والتخويف من عذاب الله عز وجل، ومن سعير جهنم ومن حميمها، إلى أن ملكه الإمام، وجذب مشاعره، وكانت كلماته تأخذ بأنفاس بشار، انكب على رجلي الإمام وصار تائبا، وطرد الجواري والمغنيات، وصار من الزهاد العباد المشهورين، حتى ورد عن أهل بغداد أنهم كانوا يقولون: ما أخرجت بغداد رجلا أتم عقلا وأوثق قولا كمثل بشار بن الحارث، وظل طوال عمره حافيا لا يمشي على نعل، لأنه خرج وقت التوبة حافيا فظل حافيا إلى آخر عمره، وله قبر إلى الآن موجود ببغداد «قبر الشيخ بشار» مشهور ومعروف بين الناس نتيجة لزهده وعبادته وتوبته إلى ربه، ﴿فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.

العلاقة بين الخشوع في الصلاة والإعراض عن الغناء:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، الواقع أن هناك امتزاجا واندماجا تاما بين الخشوع في الصلاة وبين ترك الأغنيات، أي أن هناك رابطة قوية بين الخشوع في الصلاة وبين الإعراض عن الملاهي وعن الأغاني، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ، ”الصلاة معراج المؤمن“، ”الصلاة قربان كل تقي“، فلذلك الصلاة غذاء روحي، عندما تواظب على الصلاة وتحاول أن تشعر نفسك بمعاني وعظمة وعطاء الصلاة، نفس هذا الغذاء الروحي هو الذي سيبعدك عن المعاصي والذنوب والرذائل.

شرح حديث الثقلين ج8
الجانب الغيبي من الشريعة