نص الشريط
تعامل الرسول مع الصحابة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/1/1407 هـ
مرات العرض: 4019
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (633)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ

الآية الكريمة توضح لنا كيف كان يتعامل الرسول مع أصحابه وخلطائه، كان بشوشا، مبتسما، يقبل عليهم، يسمع إلى كلامهم، ولذلك خاطبه الله عز وجل بأن يكثر من هذه المداراة وأن يكثر من حسن الخلق مع أصحابه، فاعف عنهم إذا أساءوا أو أخطئوا لك شخصيا واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، المشورة في الأمر تقرب الصديق أكثر من صديقه يعني أنا عندما أطلع أموري إليك وأستشيرك في الأمور التي أقوم بها أنت ترى أني أثق بك ولولا ثقتي بك ما استشرتك في الأمور فإذا أنت عرفت أني أثق بك تقربت إلي أكثر.

الله عز وجل كان يريد من رسوله أن يشاورهم في بعض الأمور ولكن من حيثية المجاملة، من حيثية المداراة، وإلا الرسول لا يحتاج إلى مشورتهم لأنه يسير على خطة مرسومة له من قبل الله عز وجل، هو ليس بحاجة إلى استشارتهم، ولكن استشارته لهم عنوان صداقة، حق الصحبة، حق المعاشرة، حق الخلطة أن يستشيرهم وإن كان مستغنيا عن استشارتهم.

ولذلك يوم الخندق عندما استشار الرسول أصحابه، كيف نقابل القوم والقوم قد قدموا إلينا؟ فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه بحفر الخندق، الرسول في ذهنه أنه يحفر الخندق ولكن طرح المشورة عليهم بما أنهم أصحابه، بما أنهم خلطاؤه لكي يثقوا بأن رسول الله يقربهم ويعتني بأمرهم فإذا ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يعني هذه الأمور الجزئية التي تتعلق بالقتال وبالحرب وتدبير أمور الجيوش والقتال، هناك بعض المفسرين حاول أن يعمم الآية إلى شيئين:

النقطة الأولى:

﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ هذا معناه أنه قضية شورى بين المسلمين وهذا معناه أن القرآن الكريم يحبذ نظام الشورى وأن القرآن الكريم يرى بأن نظام الشورى نظام شرعي ولولا شرعية نظام الشورى لما قال الله لرسوله ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فالله عز وجل عندما يأمر رسوله بأن يشاور الصحابة معناه نظام الشورى نظام شرعي، إلهي، مقرر من قبل الله عز وجل.

فعلى هذا الأساس نقول بأن خلافة الرسول أيضا تكون نابعة من نظام الشورى بين المسلمين، مادام نظام الشورى نظام شرعي إذا يمكن أن نقول بأن من يتصدى للخلافة بعد الرسول لابد وأن تستند خلافته إلى الشورى بين المسلمين، فيجتمع المسلمون والصحابة ويتشاورون فيما بينهم ويختارون من يكون خليفة لرسول الله وهذا ما تعاضده آية أخرى عندما تقول ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ يعني أمر المسلمين شورى بين المسلمين والخلافة أمر المسلمين إذا الخلافة شورى بين المسلمين فأنتم الشيعة تقولون لابد من نص من قبل الله أو من قبل الرسول لماذا؟ فالآيات القرآنية تطرح نظام الشورى كنظام شرعي يقره القرآن ويقره الله عز وجل.

أما الآية الأولى فهي تعني المشاورة في الأمور الجزئية لأنه يتحدث عن أخلاق الرسول الآية الأولى ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ تتحدث عن أخلاق الرسول وتواضعه، وتقول بأن من أخلاقه ومن تواضعه أنه كان يستشير أصحابه في الأمور الجزئية المتعلقة بالقتال والحرب وإدارة الجيوش وكيفية الإعداد للمعركة والقتال، فالآية الأولى تتحدث عن هذه الأمور أن الرسول يستشير أصحابه في الأمور التي تعلق بالقتال، أما أمر الخلافة بين المسلمين ليست شاملة للآية، يعني أن هناك بعض الأمور لا يمكن أن تكون محل الشورى، وإنما يرجع فيها الرسول إلى الله عز وجل ومن جملتها الخلافة، خلافة الرسول بين المسلمين.

وأما الآية الثانية ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ أمرهم يعني أمر المسلمين شورى بين المسلمين أما الخلافة فليست أمر المسلمين، الخلافة أمر الله عز وجل، أمر المسلمين شورى بين المسلمين، أما أمر الله شورى بين المسلمين، لا! الخلافة أمر الله عز وجل هذه امتداد للرسالة، امتداد للرسول ، إذا كانت الخلافة أمر الله فليست شورى بين المسلمين، مثلا بالنسبة للصلاة عندما فرض الله الصلاة، الرسول هل شاور المسلمين في أمر الصلاة؟ لا، عندما أراد الحج هل استشار المسلمين؟ لا، عندما أراد منهم الخمس هل استشار المسلمين؟ لا، الأمور الدينية المتعلقة بالله ليس فيها مشورة، فرض الصلاة رغما عليهم، فرض الصيام رغما عليهم، فرض الخمس رغما عليهم، فرض الحج رغما عليهم، ما استشارهم في ذلك لأن هذه أمور الله وليست أمورهم فكذلك الخلافة أمر الله عز وجل لابد لها من نص من قبل الله عز وجل ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ أما أمر الله فليس شورى بينهم، أمر الله بيد الله والخلافة أمر الله.

النقطة الثانية:

﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يقول لك قول الله عز وجل ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ دليل على أن أقوال الصحابة حجة على الناس لو ما كانت أقوال الصحابة حجة على الآخرين ما أمر الله نبيه بأن يأخذ بأقوال الصحابة، الله تعالى يأمر نبيه يقول له ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يعني إذا أشاروا عليك بشيء فخذ بمشورتهم فإذا الرسول يأخذ بمشورة الصحابة فلماذا نحن لا نأخذ بأقوالهم، بأفعالهم، لماذا لا تكون أقوال وأفعال الصحابة حجة علينا؟

إذا الآية من بعيد أو من قريب تؤكد على أن أقوال الصحابة حجة على الآخرين، كما أن الرسول كان يأخذ بمشورتهم وأقوالهم، فيجب على الآخرين أن يأخذوا بمشورة الصحابة وبأقوالهم، وهذه الآية يعضدها عدة أحاديث واردة عن الرسول من جملة تلك الأحاديث ”تفترق الناس بعدي ثلاثة وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة“ قيل: ماهي يا رسول الله؟ قال: ”ما أنا عليه وأصحابي“ حديث آخر ”أصحابي كالملح لا يصلح الطعام إلا به“ حديث ثالث ”أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم“ فهذه كلها تشير إلى أنه لابد لنا من الرجوع إلى أقوال الصحابة، ولابد لنا من الاستناد إليهم.

نقول في الرد على ذلك:

أما الآية ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ قلنا مسبقا بأن الرسول لم يكن يحتاج إلى استشارة أحد بإجماع المسلمين، المسلمون كلهم يجمعون على أن الرسول يسير حسب أمر الله عز وجل، وكان يسير ضمن خطة مرسومة له من قبل الله عز وجل، إذن إذا لم يكن الرسول محتاج إلى استشارة الصحابة، فقوله تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ يعني من باب الخلق فقط، مجاملة، مداراة، من عظمتك وعظمة أخلاقك أن تستشيرهم في الأمور حتى يشعروا بأنهم أصحابك، بأنهم خلطاؤك، وإلا الرسول لم يكن محتاج إلى استشارتهم.

الشيء الآخر﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ غير معلوم أنها تشمل جميع الصحابة حتى من كان على غير طريق رسول الله ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يعني الصحابة الخيرون الملتزمون بمنهج وطريق الرسول هم اللذين يكونون أهلا للمشورة، أما حتى من انقلب وخرج عن طريق الرسول ليس بمعلوم أن الآية شاملة له، وأما الأحاديث الواردة على أنه ”تفترق أمتي ثلاث وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي“ أو ”أصحابي كالملح لا يصلح الطعام إلا به“ أو الحديث الثالث ”أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم“

أما الحديث الثالث ”أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم“ هذا اطرحه على جانب، لأن ابن حزب الأندلسي من علماء السنة، قال: حديث موضوع، مكذوب، باطل، وابن حنبل قال في مسنده: هذا حديث لا يصح، إذا هذا الحديث غير مقبول وسنده ضعيف.

يبقى الحديثان الأولان على أنه ”أصحابي كالملح“ و”ما أنا عليه وأصحابي“ هاذان الحديثان لا يمكن أن نصدق بصدورهما عن الرسول لأن الرسول يستحيل أن يأمرنا باتباع المتناقضين، يأمرنا باتباع الصحابة، والصحابة متناقضون، نأخذ بقول من؟ بسنة من؟ بسيرة من؟ الصحابة متناقضون كل شخص يختلف مع الآخر، فمن نتبع؟ فالرسول عندما يأمرنا باتباع الصحابة يعني يأمرنا بالمتناقضات! يأمرنا بالسير المختلفة، المتباينة، المتضادة! ليس بمعقول أن الرسول يعددنا بالأمور المتناقضة!

الخليفة الأول قال: بأن الطلاق إذا وقع ثلاثا يقع واحدة، إذا طلق امرأته في مجلس واحد ثلاثا هذا يقع واحدة، الخليفة الثاني قال: لا يقع ثلاثا وأجرى عليه السيرة.

الخليفة الأول ساوى في توزيع الأموال، الخليفة الثاني فاوت في التوزيع بين القواد وبين الجنود وبين العاملين على الزكاة كل واحد أعطاه مقدار ما يناسبه فخالف الأول في السيرة.

الخليفة الثاني حرم المتعتين، الخليفة الأول لم يحرمهما ولم يقل عنهما شيء فالسيرة مختلفة.

نأتي عند سيرة الخلفاء عندما عرضت على الإمام علي اجتمع الستة وأرادوا أن ينتخبوا خليفة بعد موت الخليفة الثاني فقام عبد الرحمن ابن عوف وقال للإمام علي : مد يدك لأبايعك قال: علام؟ قال: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، قال: لا، بس تبايعني على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي، لماذا الإمام علي لم يقبل سيرتهما؟ هو من الصحابة وهم من الصحابة هذا دليل على أن هناك اختلاف في سيرة الصحابة.

الإمام علي لما حكم بعد الخليفة الثالث غير العمال وعزل الولاة كلهم وغير الحكم رأسا على عقب، قلبه بكل مفاهيمه وغير توزيع الأموال وأجهزة النظام بدلها كلها، لماذا؟ مع أن الخليفة الثالث من الصحابة وعلي من الصحابة.

إذا الصحابة متفاوتين في السيرة، كل واحد منهم يختلف مع الآخر، إذا كانوا مختلفين فكيف يأمرنا الرسول باتباعهم وهم في أنفسهم مختلفون، متناقضون!!

إضافة إلى هذا الغزالي من علماء السنة في كتابه «المستصفى» يناقش هذه الأحاديث يقول: كلها باطلة لأنه لم يثبت عصمة أحد من الصحابة حتى يأمرنا الرسول باتباعه على أنهم في أنفسهم مختلفون والمختلفون لا يأمر الرسول باتباعهم فحتى الغزالي من علماء السنة انتبه إلى أن هذه الأحاديث لا يمكن صدورها عن الرسول ثم أنت تأتي إلى هذه الأحاديث فترى روايات أعظم منها وأشكل منها، نفس البخاري يروي ثلاث روايات:

الرواية الأولى: عن أبي هريرة عن الرسول : ”بينما أنا واقف وإذا زمرة فيقبلوا حتى أعرفهم فأبتسم، فيخرج رجل بيني وبينهم، فيقول: هلم، فأقول: إلى أين؟ يقول: إلى النار، أقول: لماذا؟ قال: لأنهم رجعوا على أدبارهم القهقرة، وبينما أنا واقف وإذا بزمرة أخرى فأعرفهم فأبتسم فيخرج رجل بيني وبينهم، ويقول: هلم، أقول: إلى أين؟ يقول: إلى النار، أقول: ما شأنهم؟ يقول: إنهم رجعوا بعدك على أدبارهم القهقرة، وهكذا وهكذا، ثم يقول الرسول :“ فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم"

الرواية الثانية: عن سهل ابن سعد عن الرسول يخاطب أصحابه يقول: ”أنا فرطكم على الحوض يوم القيامة من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ بعد ذلك أبدا وإن الزمر والوفود لتأتيني حتى إذا لقيتهم وعرفتهم يقادون إلى النار فأقول: لماذا؟ وإنهم مني فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك“

الرواية الثالثة: عن حذيفة عن رسول الله : ”أكون على الحوض يوم القيامة فتأتي زرافات من أصحابي فأقوم لهم فيحول بيني وبينهم، ويقال: إلى النار، فأقول: لماذا؟ يقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك“

هذه الروايات التي تقول بأن كل شخص يخضع للمقياس يوم القيامة صحابي أو غير صحابي، هذا المقياس إن سار عليه فهو من أهل الجنة وإلا فلا، إذا القضية ليست قضية صحبة فقط، القضية قضية السير على الحق ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ القرآن يصرح بأنه بعد وفاة الرسول مباشرة سيكون انقلاب وانحراف في الأمة.

وهناك من يقول لا كلهم ملتزمين وكلهم كانوا على الحق سائرين، إذا القضية ليست قضية صحبة وعلاقة فقط، وإنما القضية قضية سير على الحق، فإذا الآية عندما تقول ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ تحكي خلق الرسول مع أصحابه، مع أصدقاءه، الإسلام والشريعة الإسلامية شريعة نظرت إلى الصديق والصاحب نظرا خاصا وأعطته حدودا معينة يسير في ضمنها.

إذا رجعنا للإنسان نفسه فهو مدني بالطبع يحتاج إلى صديق، إلى صاحب، إلى من يخالطه، ورد عن أمير المؤمنين : ”عليك بإخوان الصدق فاستكثر منهم فإنه عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء“.

وورد عن الإمام الصادق يقول: ”لقد بلغ من عظمة الصديق أن أهل النار يوم القيامة ينادون به ويستغيثون به فيقولون ﴿فَمَا لَنَا مِن شافعين وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ“.

سئل أحد الحكماء: أيهما أحب إليك أخوك أم صديقك؟ قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقا لي، ولذلك ورد في الأحاديث: ”رب أخ لك لم تلده أمك“ فالصديق يشكل جانب وطيد ووثيق من العلاقة معك أيها الشخص.

وكثير من الناس يظنوا أن الصداقة هي مثلا الابتسامة وحسن المجاملة وحسن الإقبال إذا أقبل عليك بأريحية وبتواضع، هذا هو الصديق الممتاز، وبعدها تكشفه الظروف وإذا هو أفعى أو عقرب يدس لك الأذى والضرر وأنت لا تشعر به ولذلك كثير من الناس يتأذون، يقول لك صديقي جفاني وآذاني وفعل بي كذا.

هذا ينم عن أمرين: إما الجهل بالصداقة، إنسان يجهل معنى الصداقة ويجهل التمييز بين الأصدقاء الحقيقيين وبين الأصدقاء المزيفين، أو أن المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان مبتلى بهذه الأمراض، الأمراض الخلقية أشد الأمراض وأفتكها، هذه المجاملات الجوفاء وهذا التلون والخداع، هو أشد الأمراض فتكا بالمجتمع.

روي عن الإمام الصادق : ”إن للصديق حدودا فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم تكن فيه فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، أما أولها فإن سريرته وعلانيته لك واحدة وأما ثانيها فأن يرى زينك زينه وشينك شينه وأما ثالثها فأن لا يغيره عليك ولاية ولا مال وأما رابعها فأن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته وأما الخامس فأن لا يسلمك عند النكبات“ هذه هي خصائص الصداقة التي أراد الإسلام أن تتجسد في الصديق والصاحب، وبما أن الإنسان محتاج إلى الصديق والصديق له التأثير الكبير على نفسية الإنسان وعلى روح الإنسان فلذلك ربما كان الصديق رائد هدى ومصدر خير وربما كان الصديق داعية ضلال فالصديق له الأثر الكبير على حياة الإنسان وعلى سيرة الإنسان.

فإذا أراد الإنسان أن يختار صديقا أهل البيت وضعوا لنا التعاليم التي إذا سرنا عليها ميزنا الصديق الحقيقي من الصديق المزيف من جملة تلك الخصائص:

أن يكون الصديق عاقلا، لبيبا، يضع الأمور في مواضعها، وليس أحمقا، متهورا، لا يحسن التصرفات بدل أن يضع الأمور في مواضعها يقلب الأمور رأسا على عقب وبالتالي بدل أن ينفعك يضرك، ورد عن الإمام علي : ”فأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعتك فضرك فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه“

أن يكون الصديق متدينا خليقا، المهم هو الدين والالتزام، فإذا كان سيئا ويعينك على المنكرات فهذا الصديق يجرك إلى النار، إلى العذاب، إلى سخط الله، ألم تسمع نداء القرآن ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا.

وروي عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله : ”المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل“.

وورد عن الإمام الباقر عن آبائه عن أمير المؤمنين قال: ”إن مصاحبة الأخيار للفجار تورث سوء الظن بالأخيار وإن مصاحبة الفجار للأخيار تلحق الفجار بالأخيار وإن مجالسة الأبرار للفجار تلحق الأبرار بالفجار فمن اشتبه عليكم أمره ولم تعرفوا دينه فانظروا إلى خلطائه فإن كانوا أهل دين الله فهو على دين الله وإن لم يكونوا من أهل دين الله فلا حظ له من دين الله فإن رسول الله كان يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخالطن كافرا ولا يخالطن فاجرا فإن من آخى كافرا أو خالط فاجرا كان كافرا فاجرا“.

إلى هذا المقدار يتشدد الرسول حتى يجنبك المرض الخلقي الذي تتلقاه من سيرة هذا الصديق أو من خلال سيرة هذا الصاحب.

وورد عن الإمام زين العابدين أنه نصح ابنه الإمام الباقر قال: ”بني خمسة لا تخالطهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم أما الأول فهو الكذاب فإنه كالسراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب وأما الثاني فهو الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو بأقل منها وأما الأحمق فإنه ربما أراد منفعتك فأضرك وأما البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وأما القاطع لرحمه فلا تصاحبه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله“.

فنحن نحاول أن نختار الصديق الصالح، المتدين الذي ينفعنا، الذي يأخذ بأيدينا إلى طريق الصلاح، طريق الجنة، طريق الطاعة والامتثال، ليس المهم كثرة الأصدقاء، ولكن المهم هو الصديق الخير، الصالح، أبو العتاهية يقول:

فاصحب ذوي العقل وأهل الدين   فالمرء   منسوب   إلى  القرين

ويقول ابن الرومي:

عدوك  من  صديقك  مستفاد

فإن   الداء   أكثر   ما  iiتراه

 
فلا  تستكثرن  من  الصحاب

يكون من الطعام أو الشراب

فلا تصاحب وتصادق أي شخص بدون أن تفحص دينه وخلقه وصلاح سيرته وسريرته، ليس المهم كثرة الأصحاب، وبعد أن تختار لك الصديق الخير، الصالح، فهناك حقوق للأصدقاء يجب عليك أداؤها ويجب عليك القيام بها:

الحق الأول: مراعاتهم المادية

ربما كان الصديق في نكبة، في خسارة، ربما كان معرض للفقر ولتلف المال، فتكون أنت ساعدا له وعضدا له، ابن أبي اسماعيل يقول للإمام الباقر : إن عندنا من الشيعة لكثير، قال له: هل يعطف الغني على الفقير؟ قال له: لا، هل يتجاوز المحسن عن المسيء؟ قال: لا، هل يتواسون فيما بينهم؟ قال: لا، قال: ليسوا بشيعة فإن الشيعة من يفعل هكذا.

وورد رجل من أهل خراسان على الإمام الصادق قال: سيدي أتجلس في بيتك وتجمع أموال المسلمين وعندك شيعة في خراسان يجاهدون بالسيف دونك! التفت إليه الإمام الصادق قال: هل بلغ بكم الأمر أن يضع أحدكم يده في جيب صاحبه ويخرج منها ما أراد فلا يلتفت إليه صاحبه ولا يسأله كم أخذ؟ قال: لا سيدي، قال: إذا لا خير فيكم.

الحق الثاني: مواساته في أفراحه وأتراحه

صديقك قد تمر به موجة حزن، تواسيه، قد يتعرض صديقك لمشاكل اجتماعية، تسوء سمعته مثلا تغتابه الناس، أنت تكون مدافع عنه وعن سمعته تكون له لسانا ويدا، تبرر مواقفه تحاول أن تحسن أموره تحاول أن تخلص له، وليس أن تكون أنت مع الناس تشتم كما يشتمون، وتتكلم كما يتكلمون، يجب عليك مراعاة حق صديقك باللسان وباليد وبالقدرة وبجميع ما تملك، عن أمير المؤمنين : ”لا يكون الرجل صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته وفي غيبته وبعد وفاته“ يقول الطغرائي:

جامل أخاك إذا استربت بوده   واحلم  عليه إذا أذاك iiبسوء
الحق الثالث: أن تحاول أن تغض النظر عن عثرته
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها   كفى  المرء  نبلا  أن  تعد معايبه

إذا صدرت منه زلة، مثلا كلمة جارحة، خلفك في وعد، لم يأتي لك بمناسبة طرأت عليه تحاول أن تغض النظر عن ذلك فإنك محتاج إلى الصديق، محتاج إلى الصاحب.

إذا  كنت في كل الأمور iiمعاتبا

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه

 
صديقك  لم تلق الذي لا iiتعاتبه

مقارف   ذنب   مرة  iiومجانبه

ويقول أبو فراس الحمداني:

لم  أؤاخذك  بالجفاء  iiلأني

فجميل  العدو  غير  iiجميل

 
واثق منك بالوداد الصريح

وقبيح  الصديق  غير قبيح

ثانياً أن تقبل عذره إذا اعتذر إليك تقبل عذره وتقبل عليه وتسمع منه.

ثالثاً تسأل عنه إذا غاب لأنك إذا لم تسأل عنه فسيقول هذا غير مبالي غير مكترث بصداقتي تحاول أن تسأل عنه، تسأل عن أحواله هذا من حقوق الصداقة ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وورد عن الصادق عن جده عن رسول الله أنه قال: ”إن الله فرض علي مداراة الصديق كما فرض علي أداء الفرائض“ وقال : ”أعقل الناس أشدهم مداراة للناس“.

فإذا يجب لكل شابة وشاب أن يختارا الصديق الصالح، الخير، المتدين، أما إذا انحرف صديقك حاول أن تصلحه، أن ترشده، ليس بمجرد أن ينحرف تقرأ ، لا بل حاول أن تصلحه وترشده فإذا أصر على الفساد، وأصر على الرذيلة وكل محاولة لم تنتج في ذلك الوقت اتركه لكي لا يشملك ذنبه ولكي لا تشملك عقوبته.

الجانب الغيبي من الشريعة
العلم والعلماء