نص الشريط
ابليس
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 15/1/1407 هـ
مرات العرض: 4354
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (876)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ

هذه الآية تعرضت إلى شخصية إبليس من خلال دورين:

الدور الأول: دور إبليس مع الإنسان

بدأ منذ أول يوم خلق فيه الإنسان، منذ أن خلق الله آدم، فالقرآن الكريم يصور لنا شخصية إبليس بأنها شخصية ذلك الكائن الحي الذي كان يعيش زهوا وفخرا بعنصره وهو عنصر النار، ويرى أن عنصره أفضل العناصر، وأنه أرقى وأسمى من عنصر التراب الذي خلق الإنسان منه، ونحن نستفيد من خلال الآيات القرآنية أن إبليس كائن من الكائنات أي أنه موجود من الموجودات، وليس أن إبليس كما يصوره بعض الكتاب المسلمين الجدد، بأن إبليس هو شهوات الإنسان، نفس شهوات وغرائز ودوافع الإنسان هي إبليس، إبليس مخلوق من المخلوقات، وليس أنه غرائز وشهوات الإنسان، على أنه لا يوجد فرق بين إبليس وبين الشيطان، البعض يحاول أن يجعل فرق أن الشيطان شيء وأن إبليس شيء آخر، لا بل إبليس والشيطان شيء واحد، وهو مخلوق من الجان، وهو شيء آخر غير غرائز الإنسان وشهواته.

ومن المقرر في علم الحكمة أن الجان مخلوقين من نار، يعني أنهم ذووا أجسام شفافة مثالية، هذه الأجسام تستطيع أن تتلبس بكل جسم، يعني بأن هذا الجان يستطيع أن يتلبس بجسم الشجرة، بجسم الحمار، بجسم إنسان، الجان له القدرة على هذه الأمور كلها، له قدرة بأن يتلبس بأي جسم فيلتصق به، ويحرك الجسم بحسب ما يريد، وهذا موجود مثلا الرجل الفلاني لديه صرع أو المرأة الفلانية لديها جان، أن الجان يتلبس الجسد ويحركه بحسب ما يريد لا بحسب ما يريد الشخص، وإبليس من الجان فهو يملك هذه القوة، يتلبس بجسم أي إنسان ويحاول أن يبعث فيه الوسوسة، والميول الشريرة، ويحاول أن يوجهه إلى الجهة التي يريدها.

فالقرآن يصور لنا شخصية إبليس، أنه كان من الجن، وكان يرى عنصره من أفضل العناصر ولذلك اعترض على السجود لآدم بأنه أفضل من آدم وبأن عنصره خير من عنصر آدم، عنصره عنصر النار، والنار أفضل من التراب، لأن النار تحرق التراب وتتلفه، فالنار أقوى من التراب، كما قال بشار ابن برد: النار مشرقة، والأرض مظلمة، والنار معبودة مذ كانت النار.

فالنار أفضل فهي مشرقة ومعبودة تعبد من دون الله، خلاف الأرض فالأرض مظلمة، نحن لسنا في مقام مفاضلة بين النار والأرض، وإلا الأرض بخيراتها ومعادنها وما استودعه الله فيها من الكنوز والثمرات، فهي خير من النار، النار مصدر إماتة وإبادة، بكن الأرض مصدر عمران وخيرات وبركات وحياة.

فإبليس عندما رأى أن عنصر أفضل من عنصر آدم طغى وتكبر، والقرآن يصور لنا العقدة المرضية التي كان يعيشها إبليس والتي يعيشها كثير من الناس، هذه العقدة المرضية كانت مزيج مؤلف من الحسد ومن الكبر، يعني أن إبليس ضرب المثل الأعلى في الحسد، وضرب المثل الأعلى في التكبر وعدم الخضوع، فكانت عقدة إبليس ومرضه يتألف من الحسد والكبر، مرض الحسد مرض يفتك بأمم فضلا عن أشخاص، ليس بأنه يفتك بأشخاص معينين، بل الحسد يفتك بأمم كاملة، وقد ورد عن الرسول : ”الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب“

هناك شخص بخيل وآخر حاسد، هذا البخيل ضرب به المثل في البخل ليس هناك من هو أبخل منه.

يحاسب الديك على نقرة
يكتب  في كل رغيف له
  ويطرد  الهر  من iiالدار
يحرسك  الله  من iiالفأر

والآخر ضرب به المثل في الحسد، يقال بأن الرشيد جمعهما، فقال: أنت أبخل زمانك شرف لك، وأنت أشد زمانك حسدا وهذا شرف لك، ولكن أنا أريد أن أطلب منكما طلبة، أنتما تقدما إلي بطلب، وأنا مستعد لأن ألبي طلبتكما، ولكن إن طلب واحد منكما طلب أعطيه إياه، لكن أعطي الثاني أكثر مما أعطيه، يعني لو يتقدم واحد منكما ويقول: أريد خمس مئة دينار أعطيه، لكن أعطي صاحبه ألف دينار، فاحتارا، فقال لهما: إن لم يتقدم أحدكما فسوف أضرب عنقكما، فتقد الحاسد فقال: أطلب منك أن تقلع عيني اليسرى، حتى إذا قلعت عيني اليسرى، تقلع عيناه الاثنتين.

الكبر الذي تجسد في شخصية إبليس، تجسد بأبشع مظاهره ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا سلمان الفارسي صار بينه وبين شخص من الصحابة مشادة، فهذا غضب وقال: ما أنت يا سلمان وإنما أصلك فارسي، فالتفت إليه سلمان، قال: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فجيفة منتنة، وإذا جمعنا الله يوم القيامة فمن ثقلت موازينه فهو الكريم، ومن خفت موازينه فهو اللئيم.

فالكبر والحسد تجسدا في شخصية إبليس تجسدا واضحا دفعه إلى عدم السجود لآدم، وبعد أن أخرجه الله ﴿قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فطلب من الله الخلود ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان إِلَّا مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْغَاوِينَ فإبليس طلب من الله أن يخلده لكي يغوي البشر، غواية إبليس للبشر نابعة من حسده وحقده، لأنه عندما رأى بأن الله كرم آدم وعظمه وأجله، وأمر الملائكة بأن تسجد له، هذا أثار حفائظ وغرائز إبليس، كيف أن الله يكرم الإنسان إلى هذا المستوى بأن يأمر الملائكة بالسجود له، إذا أنا سوف أسير مع الإنسان إلى يوم القيامة حتى أضل كثير من بني الإنسان، وآخذ بيد كثير من بني الإنسان إلى طريق الانحراف، فيأتوا يوم القيامة وإذا هم أذل المخلوقين، وأرذلهم، وهم أصحاب النار.

فإبليس لكي يشبع نهمه، ولكي يغطي على حقده على الإنسان، أراد أن يذل الإنسان ويأخذ به إلى الانحراف والضلال، حتى يلبي غريزته، غريزة الحسد والحقد، فإبليس لم يطلب الخلود، وإضلال الإنسان، إلا لهذا الغرض، والله عز وجل عندما أعطاه ذلك، ما أعطاه وهو يريد عز وجل أن يضل الإنسان، فهذا مناف لعدالة الله، الله عز وجل عندما سلط إبليس، ما جعل له ذلك وهو يريد أن يضل الإنسان وأن ينحرف، وإنما أراد الله أن يوقع الإنسان موقع الامتحان والاختبار، كما بين ذلك في الآية القرآنية ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ فالله لم يرد للإنسان أن يتأثر بمقام الإيمان، لا ببيئة، ولا بوراثة، ولا بوالدين، ولا بشيء آخر، كل هذه العوامل يتجرد منها، أراد أن ينطلق الإنسان في مسيرة الإيمان من إرادته، من هيمنته، من عقله، ينطلق بعد أن صارع شهواته وغرائزه، بعد أن صارع إبليس ووسوسته وميوله، الله عز وجل أراد من الإنسان أن يحصل على المرتبة السامية، أن يحصل على الجنة بعد أن يمر بهذه المرحلة الامتحانية، وهي مرحلة صراع الشهوات، والغرائز، ومقاومة إبليس بكل أصابعه وأنامله، إذا تسليط إبليس كان فخر للإنسان، لم يكن ضعف للإنسان، الله عندما يسلط إبليس على الإنسان، يعني بأن الله واثق بأن الإنسان بقوة عقله وإرادته سينتصر على إبليس، وسيتحكم في الميدان، وسين\لق لإيمانه بمنطلق الإرادة والدافع الإيماني القوي.

فإذن عدالة الله اقتضت أن يكون إيمان الإنسان نتيجة اختبار وامتحان، فالإنسان يملك عقل، ويملك إيمان برسالات سماوية، ويملك علم ومعرفة، كل هذه الوسائل يملكها الإنسان، وإبليس يمتلك الوسوسة فقط والإتيان بالأماني المعسولة، الكاذبة، المزيفة، أو خلق الأجواء المغرية للإنسان، لكن الإنسان إذا ضعف أمام ذلك، وما عاشت عداوة إبليس في قلبه، فسوف ينجذب إلى إبليس، أما إذا رجع الإنسان إلى نداء الإيمان، ونداء الفطرة، والعقل والمعرفة تحكم في مقام الصراع وتقوى على إبليس، فإبليس لا يجبر الإنسان على المعصية، الإنسان بتمام اختياره وارادته، ولذلك إبليس يوم القيامة يلقي بالمسؤولية على الإنسان نفسه، وليس كما يتصور البعض أنه إذا قام بعمل ما يقول أنه بسبب إبليس، مثلا عندما يعصي الإنسان والده، أو استمع إلى الأغاني، يقول كله بسبب إبليس، لا تلقي المسؤولية على إبليس، أنت ذو عقل وإرادة، فالمفروض أن تحكم عقلك وإرادتك.

إبليس يوم القيامة كما يروي عنه القرآن ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم فإذا دور إبليس مع الإنسان دور الوسوسة فقط، ودور خلق الأجواء المغرية للمعصية، وليس دور القسر والجبر والهيمنة على الإنسان، وهذا دور فخر للإنسان أن يكون معه من يصارعه ويقاومه في الميدان، فالإنسان إذا مر بمرحلة الاختبار والامتحان وخرج بالنتيجة الامتيازية أنه مؤمن صالح جسد أروع معاني الإنسانية، وكان أفضل من سائر الملائكة ومن سائر المخلوقين.

الدور الثاني: دور إبليس مع الله عز وجل

إبليس اعترض وقال أنا لا أسجد لآدم ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ والنار أحسن من الطين، هناك بعض الأقلام تقول أن اعتراض إبليس كان في محله وفي موقعه، لأن الله عز وجل يحرم السجود لغيره، الله بنفسه يقول ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ويقول في آية أخرى ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فإذا كان الله يقول لا تسجدوا لغيري، فإبليس اتبع هذا الأمر، لا يجوز السجود لغير الله، فعندما قال الله عز وجل: اسجدوا لآدم، قال إبليس: كيف أسجد لغيرك وأنا المتعبد بأوامرك ونواهيك، وما دمت تحرم السجود لغيرك فأنا لا أستطيع السجود لآدم، فاعتراض إبليس على الله كان من منطلق الإيمان، لحبه وفنائه في عبادة ربه، يقول: يا رب أنا لا أعبد غيرك أبدا حتى لو تحرقني بالنار، حتى لو اعتبرتني غاوي وعاصي أنا لا أعبد غيرك ولا أسجد لآدم، فهذا كان من إبليس أروع مثال للعبودية وليس أن هذا معصية.

في الواقع هذه النظرة وهذه المغالطة التي تصورها بعض الأقلام، أن إبليس إنما اعترض على الله من موقع الإيمان واعتراضه كان في محله، باعتبار أنه لا يجوز السجود لغير الله، فإبليس تعبد بهذه القاعدة، ما دام أنه لا يجوز السجود لغير الله، فإذا لا أسجد لآدم.

هذه المغالطة نكشف زيفها بأمور:

الأمر الأول:

نحن من أين عرفنا قصة إبليس، من أين عرفنا أن هناك جان اسمه إبليس، كذا وكذا صدر له مع الله ومع آدم؟ عرفناه من القرآن، وإلا لولا القرآن لما عرفنا قصة إبليس، نحن إذا عرفنا أصل قصة إبليس من القرآن، فالمفروض إذا أردنا أن نحلل شخصية إبليس واعتراضه نستفيده من القرآن أيضا، لأن أصل قصة إبليس استفدناها من القرآن، ولذلك إذا أردنا أن نحلل شخصية إبليس على ضوء الاعتراض الذي اعترضه على الله عز وجل المفروض أن نستفيد ذلك من القرآن، فنرجع إلى القرآن، نرى كيف طرح القرآن اعتراض إبليس، طرحه اعتراض من موقع الإيمان، أو من موقع الكبر والحسد، القرآن طرح اعتراض إبليس ليس من موقع الإيمان، قال ﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ القرآن يعبر عن إبليس بأنه مستكبر، معترض، عاص لله، بأنه غاو، منحرف، إذا أصل قصة إبليس استفدناها من القرآن، فكذلك شخصية إبليس المفروض أن نستفيدها من القرآن، والقرآن يصرح بأن شخصية إبليس اعترضت على الله لا من منطلق الإيمان، ولا من منطلق الثبات والفناء في ذات الله وعبادته، وإنما من منطلق الحسد والكبر والمعصية والغواية، وهذه الشخصية هي التي جعلته يطلب الخلود ليضل الإنسان وليأخذ بيده إلى الانحراف.

الأمر الثاني:

أنت عندما تدافع عن إبليس وتقول أن إبليس اعترض على الله من موقع الإيمان، فهذه القضية تستمر دفاع عن كل مجرم بإجرامه، مثلا هذا القاتل لم يقتل فلان ابن فلان إلا لأن المسكين ثار به غضبه وغريزته وقتله، فتقتلوا القاتل، فبدل أن تذهب نفس واحدة تذهب نفسين! فهذه المغالطات أيضا فيها دفاع عن القاتل واعتراض على القصاص الذي جعله الإسلام، مثلا: مثلما كتب البعض في البحرين قبل سنوات، الزنا واللواط خدمة اجتماعية، دفاع عن الجرائم بصيغة مغالطات وأكاذيب لا ينكشف زيفها على السذج والبسطاء من الناس، هناك رواية تروى عن الإمام الصادق : ”إن الله لما أمر إبليس بالسجود لآدم قال ربي إني أحب أن تعفيني عن ذلك وإذا أعفيتني من السجود لآدم سأعبدك عبادة لم يعبدك مثلها أحد قط، فأرسل إليه الله، إني أحب أن أطاع حيث أريد لا حيث تريد“ فهذا يكشف لنا أن اعتراض إبليس لم يكن من موقع الإيمان، بل كان اعتراضه من موقع الكبر والخيلاء، ولذلك العبادة ليست أمور شكلية أنا أسير عليها، وإنما العبادة هي ما يريده الله عز وجل، إذا أراد الله مني أن أعبده بطريقة أعبده، أي طريقة يريدها مني علي أن أجيب دعوته سواء قبلتها أم لم أقبلها، رضيت بها نفسا أم لم أرضى، ما يريده الله أنا سار عليه لا ما أريده أنا.

الأمر الثالث:

سجود إبليس لآدم لم يكن عبادة لآدم حتى يعترض عليه إبليس، وإنما كان تكريم لآدم، مثل قضية يوسف ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا واضح أنهم سجدوا ولكن ما كان عبادة ليوسف، وإنما كان تكريما له، والعبادة لله وحده.

سجود الملائكة لآدم، وسجود إبليس لآدم لو تم كان عبادة لله وتكريم لآدم، عبادة الإنسان تتحقق بقصده، مثلا: أنا أصلي أمام صنم إذا أنا قصدت عبادة الصنم هذا يكون شرك بالله، وإذا قصدت عبادة الله وحده، لا تهم صلاتي أمام ألف صنم، فالقضية ليست قضية وجود صنم أمامي، بل القضية قضية القصد، إذا كان القصد هو عبادة الصنم هذا شرك، أما إذا كان القصد عبادة الله فلا يهم يجود الصنم فهذا لا يخل بالعبادة، مثلا: عندما تقبل الحجر الأسود، ليس عبادة له بل العبادة لله وإنما قصدت تكريم هذا الحجر، لأن الله اعتبره رمزا من رموز القداسة، وشعيرة من شعائر الإسلام، الله أمر بتكريم هذا الحجر لا عبادة وخضوع للحجر وإنما العبادة والخضوع لله عز وجل.

فإذن السجود لآدم كان بأمر الله، من الذي منع من السجود لغير الله؟ هو الله نفسه، نفس الله الذي منعنا من السجود لغيره هو الذي أمرنا بالسجود لآدم، هو نفسه الذي أمر ونهى، مثلا: عندما أقول لك إذا رأيت الناس فلا تسلم على أحد غيري، وفي اليوم الثاني أراك فأقول لك سلم على فلان، فأنا نفسي الذي نهيت، تنازلت وقلت سلم على فلان، إذا كان نفس الذي نهى هو الذي أمر فلا إشكال في القضية، فالناهي والآمر هو الله جل وعلا، فالسجود لآدم في الواقع لم يكن خضوع لآدم، وإنما كان خضوع لأمر الله، واتباع لإرادة الله، ولذلك لما عصى إبليس فهو لم يعصي آدم، وإنما عصى الله عز وجل، فالسجود لآدم كان عبادة، وكان امتثال لأمر الله، ولذلك لما عصى إبليس اعتبر عاصيا لله، منافيا لعبادة الله عز وجل.

فإذن نستفيد من هذا أن المدار في العبادة على القصد، إذا قصدت عبادة شيء معين فتعتبر مشرك بالله، وإذا قصدت عبادة الله عز وجل ولو كان أمامك ألف شيء لا تعتبر مشركا بالله، فأنت عندما تضع التربة الحسينية أمامك، ويأتي شخص يقول لك كيف تعبد التربة وليس هناك فرق بينك وبين الجاهلي الذي يعبد الحجر، فكما أن الجاهلي مشرك، أنت أيها الشيعي مشرك لأنك تضع أمامك تربة الحسين وتعبدها، وهذا شرك بالله، كيف يكون السجود على التربة شرك بالله عز وجل؟

أولا: الشيعة تسجد على التربة وليس للتربة، أنت عندما تسجد على السجادة هل يعني ذلك بأنك تعبدها، هل أشركت بالله؟ أو إذا سجدت على الأرض هل تعبدها؟ التربة يسجد عليها وليس يسجد لها.

ثانيا: السجود على التربة ليس شيء خرج عن مرحلة النص الشرعي والأحكام الشرعية، الحديث المتواتر بين الشيعة والسنة عن الرسول : ”جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا“ هذا الحديث ألا ينطبق على السجود على التربة الحسينية؟ أليست التربة الحسينية من الأرض؟ إذا كانت التربة الحسينية من الأرض والرسول يقول: ”جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا“ يعني أن التربة الحسينية مسجد وطهور، السجود على ما هو مسجد وطهور يعتبر شركا بالله؟ لا فهذا ليس شركا بالله، ابن حجر يروي في صواعقه المحرقة أن المسلمين كانوا يأخذون من تراب قبر الحمزة سيد الشهداء ويسجدون على تراب قبره بمرأى ومسمع المعصوم ، فإذا كان المسلمين يأخذون تراب قبر الحمزة ويسجدوا عليه والرسول يراهم، والسحابة تراهم، وكل هؤلاء المعنيين يراهم، لم يعترض منهم معترض، ولم يتكلم منهم متكلم، فما هو الفرق بين السجود على تربة الحمزة، وبين السجود على تربة الحسين ، إذا كان الحمزة سيد شهداء عصره، فالحسين بإجماع المسلمين سيد الشهداء.

يروي كتاب السلافة في أمر الخلافة لمحمود المراغي من علماء السنة، أن فاطمة الزهراء كانت عندها قبضة من تراب قبر عمها الحمزة وكانت تسجد عليه بمرأى ومسمع من رسول الله ، فالقضية ليست قضية فعل سائر المسلمين بل أعظم من فعل سائر المسلمين، فعل فاطمة الزهراء التي يروي البخاري في حقها أن رسول الله قال: ”فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“ إذا كانت الزهراء التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها تسجد على تراب قبر الحمزة، إذا والعياذ بالله فاطمة عاصية وأنها مخالفة ذلك بمرأى الرسول لماذا لم يعترض ولم ينكر عليها ذلك؟

ثالثا: أنت عندما تريد أن تصلي تريد أن ترتبط بالله بجميع جوانحك ومشاعرك، بجميع عواطفك وما عندك تريد أن ترتبط بالله عز وجل، فإذا كانت الأجواء التي تصلي فيها تساعد على الارتباط بالله، والانجذاب لأمر الله عز وجل، فحبذا تلك الأجواء، صلاتك في البيت تختلف عن صلاتك في المسجد، لأن المسجد جو يبعث على الارتباط بالله، صلاتك في المسجد تختلف عن صلاتك أمام الكعبة المشرفة، لأن الصلاة أمام الكعبة المشرفة جو يبعث على الارتباط بالله، فأنت في مقام العبادة، كلما كانت الأجواء محفزة على الارتباط بالله عز وجل، كلما كانت العبادة أسمى وأفضل.

فتربة الحسين من الأجواء المساعدة على الارتباط بالله عز وجل، عندما تسجد على تربة الحسين وتتذكر أن هذه التربة الزكية تدفقت عليها دماء الشهداء وسالت عليها تلك الدماء التي آخر قطرة منها تجري على الأرض وهي تنادي: ”إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني“ إذا كنت تعلم أن هذه التربة ضمت بين ثناياها وحواشيها تلك الكلمات وتلك الصرخات وتلك الأشلاء المطهرة، وتلك الدماء الزاكية، التي سالت دون المبدأ ودون العقيدة، تلك الدماء التي سالت وهي تقول: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“ هذه التربة تربة تضحية وفداء وتفاني وإخلاص وثبات، تربة إصرار وصمود وتحدي أمام جميع المغريات وجميع النوازع وأمام جميع أعداء الدين، هذه التربة ستربطك بالمبدأ والعقيدة لأنها تذكرك بتلك المواقف الرائعة، وبتلك الصور صور البطولة والتضحية والفداء التي سجلها الحسين وأصحاب الحسين وأبناء الحسين يوم كربلاء، ولذلك تربة كربلاء تربة مقدسة.

له   تربة   فيها  الشفاء  iiوقبة
له القبة البيضاء بالطف لم iiتزل
  يجاب بها الداعي إذا مسه الضر
تطوف  بها  طوعا  ملائكة iiغر

العلم والعلماء
الاجتماع والترابط