نص الشريط
الدرس 8
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/11/1434 هـ
مرات العرض: 2808
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (376)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في ثمرات القول بالجمع بين الجزئية والاستحباب، وكان الكلام في الثمرة الأولى وهي جريان قاعدة التجاوز عند الشك في الجزء السابق، مثلاً: من دخل القنوت وشك في إتيانه بالسورة وعدمه فهل تجري قاعدة التجاوز في السورة المشكوكة بعد التلبس بالقنوت أم لا؟

وذكرنا سابقاً أنّ بعض الأجلّة في كتابه «قاعدة الفراغ والتجاوز» أفاد بأنّ المستفاد من صحيحة زرارة - التي قال فيها -: «رجل شكّ في الأذان وقد أقام؟ قال: يمضي، قلت: شك في الاقامة وقد كبّر؟ قال: يمضي» أنّ المناط في جريان قاعدة التجاوز هو الجزئية من المركب الأوسع، حيث إنّ الأذان والإقامة ليسا جزئين من الواجب جزماً وإنما جرت فيهما القاعدة بلحاظ جزئيتهما من المركب الأوسع، أي الصلاة المشتملة على المستحبات.

والمتحصّل - في مناقشة هذا الوجه -: أنّه إمّا أن يكون المناط في جريان قاعدة التجاوز الترتب الشرعي، بمعنى اللاحق دخيلاً في صحّة السابق، ولأجل ذلك إذا تجاوز السابق تجاوز محله، فمقتضى هذا جريان قاعدة التجاوز في المستحبات المترتبة شرعاً وإن لم نقل بجزئيتها، فحيث بين الأذان والإقامة ترتب شرعي، إذ يعتبر في صحة الأذان لحوق الإقامة، ويُعتبر في صحة الإقامة لحوق التكبير، فلأجل الترتب الشرعي بينهما جرت القاعدة لا لأجل الجزئية، فمقتضى هذا المناط، أنّه متى حصل ترتب شرعي جرت القاعدة عند الشك في السابق، كانا من الأجزاء أم لم يكونا.

نظير: ما إذا شك في الطواف وقد دخل في صلاته، أو شك في صلاة الطواف وقد دخل في السعي، فإنّه لأجل الترتب الشرعي بين الطرفين جرت القاعدة وإن لم يكونا من الأجزاء، إذاً فالصحيحة حينئذ أجنبية عن محل كلامنا وهي الجزئية الاستحبابية.

وإن قلنا: أنّ المناط هي الجزئية من المركب الاسع، أي أنّ القاعدة إنما جرت في الأذان عند الدخول في الإقامة، أو جرت في الإقامة عند الدخول في التكبير؛ لأن الأذان جزء من المركب الاوسع، وهذا هو المناط، فبناءً على هذا المناط سوف تجري قاعدة التجاوز في السورة إذا دخل في القنوت لا بلحاظ المركب الأخص بل بلحاظ المركب الاوسع، بمعنى إذا دخل في القنوت فشك في السورة، جرت قاعدة التجاوز لأنه دخل في جزء من المركب الاوسع، وغاية ذلك: أن قاعدة التجاوو تتعبدنا بحصول السورة المشكوكة لا بما هي جزء من المركب الأخص وهو الواجب، بل بما هي جزء من المركب الأوسع، وهذا لا يفيدنا.

فالذي يُفيدنا هو إثبات وجود المشكوك بقاعدة التجاوز بلحاظ سائر آثاره، أي أن مفاد قاعدة التجاوز أنّ السورة وُجدت فيترتب عليها سائر الآثار، ومن آثارها سقوط الوجوب الضمني المتعلّق بها، وهذا لا تفيده قاعدة التجاوز بهذا المناط الذي أفاده، بل غايتها أنّ السورة وقعت ووجدت لا من حيث هي، بل من حيث إنها جزء من المركب الأوسع، وهذا لا يعني ترتب سائر آثار وجودها، ومن تلك الآثار سقوط الوجوب الضمني، فيبقى الوجوب الضمني مشكوكاً، إذاً فعلى أية حال لا تنفعه الرواية، سواء اُستفيد من الرواية - صحيحة زرارة - أنّ المناط في جريان قاعدة التجاوز الترتب، إذاً لا ربط للجزئية بالموضوع، سواء كان جزء او لم يكن جزء المهم انه مترتب.

وإن استفاد من الصحيحة أن في جريان القاعدة الجزئية لكن من المركب الأوسع، فغايتها إثبات الجزئية بما هي في ضمن المركب الأوسع، لا إثبات الجزئية في نفسها كي ترتب عليها سائر الآثار.

فتبين بذلك: أنّ هذا الثمرة التي عُقدت في منتقى الأصول وغيره عن الجزئية الاستحبابية غير تامّة.

الثمرة الثانية: أفاد سيد المنتقى «قده» أنّه لو فرضنا أن المكلف شك في صحة الصلاة وهو في التسليم، وبنينا ولو بلحاظ بعض الروايات أن التسليم مستحب وليس لازم، فحينئذ يأتي البحث هل تجري قاعدة الفراغ في الصلاة بالدخول في التسليم المستحب أم لا؟ فإن قلنا بأنّ المستحب ليس جزءاً بل هو مجرد مستحب ظرفه الصلاة لا انه جزء منها، إذاً بدخوله في التسليم فرغ من الصلاة؛ لأن التسليم ليس جزءاً من الصلاة ففي الدخول فبالدخول فيه يتحقق الفراغ من الصلاة، فيستطيع أن يُجري قاعدة الفراغ في الصلاة بدخوله في التسليم.

وأمّا، إذا قلنا: بأن التسليم وإن كان مستحباً ألّا أنه جزء، فمقتضى جزئيته أنه لم يفرغ بعد من الصلاة؛ إذ ما زال متلبساً ببعض أجزاءها، وحيث إنّه لم يفرغ من الصلاة فلا مجرى لقاعدة الفراغ لانتفاء موضوعها.

فتبيّن أنّ هناك ثمرة للجزئية المستحبة، أنه في بعض الموارد إذا كان المستحب جزءاً لم تجري قاعدة الفراغ وإن كان مجرد مظروف جرت.

ولكنّ ما أفاده محل تأمّل، والسرّ في ذلك: أنّ العنوان المستفاد من الروايات هو عنوان من مضى، فقد ورد في صحيحة محمد بن مسلم «كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه» فموضوع جريان قاعدة الفراغ هو صدق ما مضى، فبما أنّ هذا هو الموضوع، فسواء قلنا التسليم جزء أم قلنا التسليم مجرد مظروف، على أية حال الصلاة إلى حين التسليم ممّا قد مضى، فلتجري قاعدة الفراغ فيه.

إذاً؛ ليس هذا موطن لبيان الثمرة، قلتم بأن التسليم مجرد مستحب ظرفه الصلاة، فما قبل التسليم ممّا قد مضى، قلتم بأن التسليم وإن كان مستحباً إلّا انه جزء، أيضا الصلاة التي قبله ممّا قد مضى، فما دام المناط على ما قد مضى، فقاعدة الفراغ جارية على كل حال.

الثمرة الثالثة: ذكر سيّد المنتقى «قده» أنّ هناك ثمرة ثالثة تترتب على البحث في الجزئية الاستحبابية، وهي: لو فرضنا أنّ القنوت الذي أتى به كان قنوتاً فاسداً، كما لو افترضنا أنّه يعتبر في صحة القنوت أن يكون الدعاء بباطن الكفين، فلو كان بظاهرهما فإن هذا قنوت فاسد مثلاً، فلو أتى بقنوت فاسد فهل يلزم منه فساد الصلاة أم لا؟

أفاد «قده»: إن قلنا إنّ القنوت مجرد مظروف ليس إلّا وليس بينه وبين الصلاة عُلقة إلا عُلقة الظرفية، فالصلاة صحيحة لأنه لم يخل بجزء من أجزائها ولا بشرط من شرائطه.

وأمّا، إذا قلنا بأن القنوت في عين كونه مستحباً هو جزء، فهنا فصّل، قال: هل أتى بالصلاة مع القنوت الفاسد بقصد الأمر على نحو التقييّد أو اتى بالصلاة مع القنوت الفاسد بقصد الأمر على نحو الخطأ في التطبيق، فهنا حالتان:

الأولى: أن يقول: لقد توجه إلي - طبعاً على مبناه في تصوير الجزئية المستحبة، مضى هذا الكلام - وجوب للصلاة مؤكّد، والوجوب المؤكّد متعلقه الصلاة مع القنوت، فأنا الآن آتي بالصلاة مع هذا القنوت الذي هو قنوت فاسد، أنا آتي بالصلاة مع هذا القنوت بقصد ذلك الوجو بالمؤكّد، بحيث لو لم تكن هذ الكيفية - أي الصلاة مع هذا القنوت - هي المتعلق لذلك الوجوب المؤكّد لم امتثله، فأنا لا امتثل الوجوب المؤكد إلا إذا كان متعلقه الصلاة المشتملة على هذا القنوت الفاسد، فصار قصد الامتثال معلّقا على هذه الكيفية، وهذا وهذا ما يُعبر عنه بكلماتهم ب «التقييد» والمقصود به «التعليق» أي ان المكلف علّق قصده للامتثال على أن تكون الكيفية المأمور بها هي هذه الكيفية، بحيث لو لم تكن هي المأمور بها لما قصد الامتثال أصلا.

وحيث إنّه في الواقع ليست هذه الكيفية هي الكيفية المأمور بها، وقد علّق امتثاله على ذلك، فإذاً ما أتى به فاسدٌ؛ إذ ليس متعلقا للأمر الوجوب المؤكد.

وأمّا، إذا افترضنا أنّه قال: أنا رجل مسكين ممتثل للأمر الوجوب المؤكد على كل حال، لكن بما أنّي اعتقد أنّ متعلقه الصلاة المشتملة على هذا القنوت الفاسد أتيت به، وإلّا أنا ممتثلٌ على كل حال، إذاً فما أتى به من صلاة مشتملة على قنوت فاسد لم يكن على نحو التقييد؛ لأنه ممتثل على كل حال، بل على نحو الخطأ في التطبيق، حيث اعتقد أنّ هذا هو متعلق الأمر فتبين أنّ متعلق الأمر غير ذلك، فصلاته صحيحة؛ لأنه بالنتيجة قصد امتثال الأمر على كل.

فتبيّن بذلك وجود ثمرة بين كون القنوت مجرد مستحب وليس جزءاً، فساده لا يُخل ولا يوجب فساد الصلاة، وبين كون القنوت جزءاً ففساد في الصورة الأولى وهو أن يأتي بالصلاة المشتملة على القنوت الفاسد بقصد امتثال الأمر الوجوبي المؤكد على نحو التقييد، هنا يلزم من فساد القنوت فساد الصلاة، ويكفي في انعقاد الثمرة بعض الفروض.

وما ذكره «قده» محل تأمّل، والسرّ في ذلك: أنّه إذا أتى بالقنوت الفاسد فإن ما لا ينطبق على صلاته ليس هو الأمر الوجوبي، إنّما الذي لا ينطبق هو خصوصية التأكد؛ لأنه هناك أمرٌ وجوبي مؤكّد، الأمر الوجوبي ينطبق على ما أتى به، إنما الذي لا ينطبق على ما اتى به هو العنصر الثاني ألّا وهو التأكد؛ لأن متعلّق الأمر الوجوبي ذات الصلاة، ومتعلّق الأمر الوجوبي المؤكد الصلاة مع القنوت، فالذي تخلّف ولم ينطبق على صلاته هو عنصر التأكد لا ذات الأمر الوجوبي، فبناءً على ذلك إمّا أن يُقال أن التأكد مقوم للوجوب، بحيث إذا انتفى انتفى الوجوب، أو أنّ التأكد ليس مقوماً، بمعنى أنّ المطلوب ينحل إلى مطلوبين وجوب وتأكد، فإن قلتم بأن التأكد مقوم للوجوب فهذا خُلف كون العمل مستحباً؛ إذ لا يزيد فساد القنوت على فرض عدم الإتيان به من الأصل، ماذا تقولون لو أتى بالصلاة من دون قنوت أصلاً؟ قطعاً تقولون الصلاة صحيحة، فلا يُحتمل أن يكون فرض فساد القنوت أسوأ حالاً من فرض عدم إتيانه بالمرة، إذاً لو اُدعي أنّ خصوصية التأكد مقوم للوجوب، هذا خُلف كون الوجوب مستحباً؛ إذ لازم ذلك عدم صحة الصلاة حتّى مع عدم القنوت، وإن قلتم أنّ التأكد ليس مقوماً للوجوب، بل ما صدر من المولى ينحل لمطلوبين: أصل الواجب والتأكد، انتفت الثمرة حينئذ، فحينئذ سواء بنيتم على أنّ القنوت مستحبٌ في فرض الصلاة أو بنيتهم على أن القنوت جزء من الصلاة، أتيتم بالقنوت الفاسد بقصد التقييّد، أتيتم بالقنوت الفاسد من باب الخطأ في التطبيق، على أية حال امتثل الأمر الوجوب؛ إذ ما دامت خصوصية التأكد ليس مقومة للوجوب إذاً على جميع الصور امتثل الأمر الوجوبي، ومقتضى امتثال الأمر الوجوبي صحّة صلاته، فلا يُتصوّر فرضٌ تكون الصلاة فيه فاسدة بالقنوت الفاسد كي يكون ثمرة لمبنى الجزئية الاستحبابية.

فتبيّن بذلك: أنّ الثمرات التي رُتبت على القول بالجزئية الاستحبابية غير تامّة، فإننا وإن صرنا إلى إمكان تصوير الجزئية الاستحبابية بنحو دخلها في الفرد لا في الطبيعي المأمور به، لكن لا ثمرة عملية لذلك، انتهى هذا البحث.

البحث الجديد:

ثم إن صاحب العروة «قده» أفاد بانّ الخلل تارة يكون بالزيادة وتارة يكون بالنقيصة، ووقع البحث في الخلل بالزيادة، في جهات ثلاث:

الأولى: هل يُتصوّر الزيادة أصلا في المأمور به أم لا يُتصوّر؟

الثاني: وعلى فرض تصوّر الزيادة هل يُعقل مبطلية الزيادة للصلاة أم لا؟

الثالث: ما هو المستفاد من الأدلة في مقام الإثبات على فرض معقولية الزيادة ومعقولية مبطليتها؟

الجهة الأولى: هل أنّ الزيادة في المأمور به أمر معقول أم لا؟

الشيخ عبد الكريم الحائري «قده» في «صلاته» بحث ذلك، السيّد الإمام في «خلله» بحث ذلك، السيّد الخوئي ما أشار إلى هذا البحث لأنّه بحثه في الأصول، فهناك في الأصول في «مصباح الأصول» في شرائط جريان البراءة عند الشك في مانعية الزيادة هناك حيث إنّ صاحب الكفاية أشكل أنّ الزيادة قد يُقال غير معقولة، بالمناسبة هناك تعرّض سيّدنا الخوئي للكلام، وتعرّض للمطلب السيّد الشهيد «قده» في الجزء الخامس من «بحوث في علم الأصول» في نفس هذا الموضع، وتبنّى كلام المحقق العراقي وإن لم يُشر إليه.

فالنتيجة: أنّه هل يُتصوّر الزيادة في المأمور به أم لا؟ هذا هو محل البحث.

وهنا وجهان في كلماتهم:

الوجه الأوّل: ما ذكره المحقق الشيخ عبد الكريم الحائري، قال: أنّه لا يُعقل الزيادة في المأمور به من حيث إنه مأمور به.

هذا كلام غير معقول، طبعاً هذه برقية لم يبين النكتة فيها ماذا؟ ما هو معناها؟ يأتي البحث غداً.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 39
الدرس 40