نص الشريط
الدرس 32
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 17/12/1434 هـ
مرات العرض: 2595
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (364)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام فيما استدل به الأعلام ومنهم صاحب المستمسك وسيدنا الخوئي «قدس سرهما» بالروايات الدالة على أن الزيادة العمدية للأجزاء غير الركنية مبطل للصلاة، وذكرنا أن الرواية الأولى هي صحيحة زرارة وبكير: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد به، واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا.

وذكرنا أنه نوقش في المتن والدلالة ووصل الكلام إلى مناقشة الدلالة، وهي ما ذكره سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» بقوله: لو سلمنا أنهما روايتان أو أن الصادر عنه ما كان خالياً عن تلك الزيادة، لكن الإطلاق غير مراد لتقييده «يعني إطلاق هذه الصحيحة التي قرأناها» بما دل على عدم قادحية الزيادة في غير الركن سهوا، من حديث لا تعاد وغيره، فيختص مورد الصحيحة لا محالة بالأركان أو خصوص الركعة، فلا دلالة فيها على الإعادة في الجزء غير الركني كي يستفاد منها حكم صورة العمد بالأولوية القطعية.

وبيان مراده: أن وجه الاستدلال بالرواية كان هو أن مفاد الرواية أن الزيادة السهوية في الأركان أو غيرها مبطل للصلاة، فإذا دلت على أن الزيادة السهوية مبطل للصلاة، فقد دلت على مبطلية الزيادة العمدية بالأولوية، هذا محصل الاستدلال.

فأشكل سيدنا «قدّس سرّه» على الاستدلال بأنه أساساً هذه الرواية لا تشمل زيادة غير الأركان بلحاظ ما ورد في حديث لا تعاد وغيره من أن الزيادة السهوية في غير الأركان غير مبطلة، فإذا كانت الزيادة السهوية في غير الأركان خارجة عن مورد الرواية فكيف يستدل بها على مبطلية الزيادة العمدية بالأولوية؟

وهنا جوابان:

الجواب الأول: ما ذكره صاحب المستمسك «قدّس سرّه» من أنه لا شاهد على اختصاص الصحيحة بالزيادة السهوية، بل لفظ الوارد فيها شامل للزيادة العمدية، حيث قال: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد به، والاستيقان أعم من السهو؛ إذ المقصود من الاستيقان ما قابل الشك، بقرينة قوله في الذيل: إذا كان قد استيقن يقينا، فمقصوده أن الزيادة تارة تكون محل شك فلا عبرة بها، وتارة تكون متيقنة فتكون مبطلة، وأما أن الزيادة وقعت سهوا ثم التفت إليها، فهذا مما لا ظهور للرواية فيه، فمجرد التعبير بقوله: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة، أعم من أن الزيادة وقعت منه سهوا أو عمدا، المهم أنه ليس شاكا في الزيادة، وإنما هو متيقن بها، فمقتضى كون الزيادة يقينية إبطالها للصلاة.

لو أننا حملنا «إذا استيقن» على خصوص العمدية ربما يقال: لا معنى له، نحن ندعي شموله كلمة إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة مطلق يشمل ما إذا وقعت منه الزيادة سهوا أو وقعت منه عمدا، فخروج الزيادة السهوية بمقيد كحديث لا تعاد وغيره لا يمنع من صحة الاستدلال بهذه الرواية من باب الإطلاق لا من باب الأولوية، من باب أنها مطلقة ومقتضى إطلاقها شمولها للزيادة العمدية في غير الأركان.

ليس الكلام في اختصاص بالمتعمد، بل الكلام في إطلاقه وشموله للمتعمد. رجعتم إلى الاختصاص تريدون أن تستظهروا من لفظ استيقن المتعمد يقول: لا يتحمل اللفظ، كلامنا في الإطلاق، إذا كان المراد بالاستيقان في الصحيحة ما قابل الشك، الذيل يقول: إذا كان قد استيقن يقينا، يعني إذا كانت الزيادة مقطوع بها، هذا مقابل إذا شك فيها.

فكأنه قال: إن لم تكن الزيادة مشكوكة فهي مبطلة.

هذا الجواب الأول على السيد الخوئي.

الإشكال الثاني: بأنه قد يقال: بأن لهذه الصحيحة مدلولان: مدلول مطابقي ومدلول التزامي، فالمدلول المطابقي أن من زاد في صلاته سهوا «طبعا على استظهار السيد الخوئي» ركنا أو غير ركن بطلت صلاته، هذا المدلول المطابقي.

المدلول الالتزامي أنه إن زاد في صلاته عمدا بطلت صلاته بالأولوية، جاء مقيد للمدلول المطابقي، فأخرج منه الزيادة السهوية لغير الأركان، فهل ورود المقيد للمدلول المطابقي يوجب تقييد المدلول الالتزامي أم يبقى على إطلاقه؟ فالمشكل يقول: لماذا لا نتمسك بإطلاق المدلول الالتزامي، لأنَّ المقيد إنما ورد على خصوص المدلول المطابقي وهو من زاد سهوا بطلت صلاته، فتقيد هذا المفاد بما إذا لم تكن الزيادة ركنية، ويبقى المدلول الالتزامي على إطلاقه وهو أن من زاد عمدا بطلت صلاته سواء كان ركني أو غير ركن.

لكن سيدنا «قدّس سرّه» أفاد أنه تقرر عندنا في الأصول تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الوجود والحجية، فإذا سقطت الدلالة المطابقية عن الحجية، فلا حجية للمدلول الالتزامي، والمفروض هنا أن إطلاق الدلالة المطابقية قد سقط عن الحجية، فيسقط بتبعه إطلاق المدلول الالتزامي، وقد ذكرنا في هذا البحث في الأصول كلاما للمحقق النائيني «قدّس سرّه» وأشار إليه أيضاً السيد الصدر «قدّس سرّه» بأن هذا الذي قيل «من تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الوجود والحجية» إنما يتم إذا لم يكن المدلول الالتزامي بمثابة خبر آخر للجملة، وأما إذا كان المدلول الالتزامي بمثابة خبر آخر للجملة، فكأن المتكلم اخبر بخبرين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، فسقوط المدلول المطابقي عن الحجية لا يستلزم سقوط المدلول الالتزامي عن الحجية، لأنّه بمثابة خبر آخر، فتجري فيه أصالة عدم الغفلة والخطأ كما تجري في المدلول المطابقي، وهناك ذكرنا كيف نتصور لأنَّ الأعلام لم يبحثوا هذه النقطة كيف يكون المدلول الالتزامي خبرا آخر فذكرنا هناك تنقيح لهذه النقطة، وهي إنما يكون المدلول الالتزامي بمثابة خبر آخر وراء المدلول المطابقي إذا توفرت له ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن يكون المدلول الالتزامي من اللزوم البين بالمعنى الأخص، والسر في ذلك أن الإشكال المطروح في بحث المداليل الالتزامي وقد ذكروه في بحث مفهوم الشرط ومفهوم الوصف، أن المتكلم ليس في مقام البيان من جهة المدلول الالتزامي، وإنما هو في مقام البيان من جهة المدلول المطابقي، وقلنا: إن هذا إنما يتم إذا لم يكن المدلول الالتزامي لازما بينا بالمعنى الأخص، فإن كونه واضحا يرشد إلى أن المتكلم في مقام بيانه كما هو في مقام بيان مدلوله المطابقي، فمتى ما كان المدلول الالتزامي بينا بالمعنى الأخص فالمتكلم في مقام بيانه كما هو في مقام بيان المدلول المطابقي نظير مفهوم الغاية حيث عد أنه أوضح المفاهيم كما إذا قال: صم، أتموا الصيام إلى الليل فإن ظاهره أن الأمر ينتفي بدخول الليل، وهذا من أوضح المفاهيم فهو لازم بين بالمعنى الأخص.

الأمر الثاني: أنه إنما يكون المدلول الالتزامي بمثابة ظهور آخر إذا كان قابلا للإفادة استقلالا عن المدلول المطابقي.

بيان ذلك: هناك مداليل ليست إلاّ لوازم فلا تستقل بالإفادة عن المدلول المطابقي، نظير مورد علاقة المعلول بالعلة، ونظير مورد علاقة الضدين، مثلا، إذا قال المتكلم: اشتعلت النار في الثوب، فالمدلول الالتزامي هو الاحتراق إلاّ أن الاحتراق ملزوم لاشتعال النار بمعنى أن علقته باشتعال النار علقة المعلول بالعلة، فإذا كانت علقة المعلول بالعلة فحتى لو كان المتكلم في مقام بيانه فهو بيانه كمعلول للمدلول المطابقي وليس في مقام بيانه مطلقا لذلك متى ما سقط المدلول المطابقي عن الحجية فالحصة من المدلول الالتزامي المترتبة على هذا المدلول المطابقي تسقط عن الحجية، وكذلك في فرض علاقة التضاد، كما ذكروا ذلك في بحث هي أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فقالوا «أول من قال المحقق الكركي»: إن الأمر بالشيء إن لم يقتض النهي عن ضده فلا أقل يقتضي عدم الأمر بضده، فالأمر بالضد يقتضي عدم الأمر بضده، فهذا مقتضى التضاد أن لا يجتمعا في الأمر، وبناء على ذلك متى ما أمر المتكلم بشيء كان اللازم البين بالمعنى الأخص له عدم الأمر بضده، إلاّ أن ذلك يسقط عن الحجية بسقوط المدلول المطابقي عن الحجية فلو انكشف لنا بأن هذا المدلول المطابقي ليس بحجة، فعدم الأمر بالضد يسقط عن الحجية لأنّه ملازم للأول مترتب عليه إذ لو لا الأمر بضده لما كان لهذا العدم تحقق وهو انعدام الأمر بضده، فحينئذ إذا كان المدلول الالتزامي مترتبا على المدلول المطابقي بحيث لا يكون يستقل عنه بالإفادة، فأي دليل يقوم على سقوط المدلول المطابقي عن الحجية يوجب سقوط المدلول الالتزامي عن الحجية، أما إذا كان قابلا للاستقلال بالإفادة، كما إذا كان أمراً ثابتا بالأولوية فإذا قال: ولا تقل لهما أف، واستفدنا منها حرمة الضرب، فليست حرمة الضرب هي مسببة عن حرمة قول «أف»، بل هي حكم لأنَّ الحرمة انحلالية، بل هي حكم آخر فهي أمر قابل بالاستقلال بالإفادة لا أنه لا تقرر له إلاّ مترتبا على الأول.

والأمر الثالث وهو المهم: أنه تارة يسقط المدلول المطابقي عن الحجية لقيام قرينة على أنه ليس بحجة بعد لا مفر، إذا قامت قرينة على أن هذا المدلول المطابقي ليس بحجة سقط المدلول الالتزامي عن الحجة حتى لو كان مستقلا بالإفادة لأنّه لا طريق لنا لتحصيل حجيته إلاّ المدلول المطابقي والمدلول المطابقي قامت قرينة على أنه ليس مرادا للمتكلم، وأما إذا لم تقم قرينة، وإنما سقط عن الحجية للتعارض، فالمدلول المطابقي في نفسه حجة إنما سقط عن الحجة الفعلة لوجود المعارض له، فسقوطه عن الحجية الفعلية لوجود المعارض له لا يوجب سقوط المدلول الالتزامي عن الحجية إذا كان لازما بينا بالمعنى الأخص أي أن المتكلم كان في مقام بيانه، وكان قابلا للاستقلال بالإفادة فهو بمثابة خبر آخر تجري فيه أصالة عدم الغفلة والخطأ كما تجري في المدلول المطابقي أيضاً، وحينئذ لا موجب لسقوط المدلول الالتزامي عن الحجية، فما ذكره سيدنا «قدّس سرّه» من تبعية المدلول الالتزامي للمدلول المطابقي في الوجود والحجية ليس على إطلاقه، لكن هل أن الضابط الذي ذكرنا ينطبق على محل الكلام؟ وهو أن المدلول المطابقي لصحيحة زرارة وبكير أن من زاد في صلاته سهوا «بناء على استظهار السيد الخوئي» بطلت صلاته، ومقتضى إطلاق المدلول المطابقي إطلاق المدلول الالتزامي وهو أن الزيادة العمدية مبطلة للركن وغير الركن، وهما كما ترى، أولاً المدلول الالتزامي لازم بين بالمعنى الأخص لأنَّ مناط ثبوته هو مفهوم الأولوية، وهو إن كانت الزيادة السهوية مبطلة فمن باب أولى في الزيادة العمدية.

وثانيا: أنه قابل للاستقلال بالإفادة بأن يقول المولى: الزيادة السهوية مبطلة والزيادة العمدية مبطلة أيضاً، إنما الكلام في العنصر الثالث: وهو أنه جاءنا مقيد للمدلول المطابقي وكان مقتضى هذا المقيد أن الزيادة السهوية المبطلة لا تشمل غير الركن فهل هذا يوجب سقوط إطلاق المدلول الالتزامي عن الحجية أم لا؟

المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي فرع وجود ظهور للمدلول المطابقي وألا لو لم يكن ظهور فلا بحث.

قال بأنه هنا يسقط المدلول الالتزامي عن الحجية؛ لأنَّ نسبة المقيد نسبة القرينة لذي القرينة فبعد قيام القرينة على أن هذا الإطلاق غير مراد للمولى فإذا انكشف أنه غير مراد للمولى فلا يكون كاشفا عن إطلاق المدلول الالتزامي.

فظهر عدم تمامية الاستدلال بهذه الصحيحة.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن محمد عن أبي الحسن والظاهر أنه الرضا بقرينة كون الراوي من طبقة أصحاب الرضا قال: الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليه، فعليك الإعادة وكذلك السعي، فإن تشبيه الطواف بالصلاة من حيث مبطلية الزيادة دال على أن مبطلية الزيادة للصلاة أمر مفروغ عنه، ومقتضى إطلاقه شموله للزيادة العمدية والسهوية، وللأركان وغير الأركان.

ثم أشكل سيدنا «قدّس سرّه» بأنه لا إشكال في السند كما أشكل به البعض حيث إن عبد الله بن محمد مردد بين الحجال والحضيني وكلاهما ثقة، إنما الكلام في الدلالة. قال: لا يبعد ظهورها في زيادة الركعة، لا كل زيادة حتى لو كان زيادة تشهد أو زيادة سجدة؛ لأنها في مورد التشبيه بالطواف حيث إن مفاد الرواية تشبيه الطواف بالصلاة وحيث إن الزيادة المعقولة في الطواف هي زيادة الشوط، فمقتضى احتفاف السياق بما يصلح للقرينية عليه عدم إطلاق الزيادة في قوله: وكذلك الصلاة المفروضة أو مثل الصلاة المفروضة لما يشمل زيادة غير الركعة، خصوصا «تأييداً للسيد الخوئي» أنه قال: إذا زدت عليها ولم يقل إذا زدت فيها، حيث قال: الطواف المفروض إذا زدت عليه «يعني أتيت بأشواط زيادة» مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها، فإن ظاهر التعبير بعليها زيادة ركعة في الصلاة لا أنه زيادة في الصلاة بتشهد أو سجدة، فعليك الإعادة وكذلك السعي.

الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها، لو قال: الطواف المفروض إذا زدت مثل الصلاة المفروضة إذا زدت، فلا بأس، لكن الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها.

نحن نقول: احتف السياق بما يصلح للقرينة، واحتفاف السياق بما يصلح للقرينية مانع من الإطلاق، فلا نتحرز الإطلاق.

الشوط ركن، الزيادة شوطا في الطواف مبطل للطواف وإن كانت الزيادة سهوا.

ولو سلمنا بشمول هذه الرواية بزيادة الأجزاء والأبعاض فهي لا تصلح لأنَّ تكون قاعدة عامة؛ لأنّه ليس في مقام البيان من جهة المشبه به وهو مبطلية الزيادة في الصلاة، وإنما هو مقام البيان من جهة المشبه فمبطلية الزيادة في الصلاة ذكره لأنّه مفروغ عنه، لا أنه مقام بيانه، وإذا لم يكن في مقام بيانه فلا ينعقد له إطلاق، فلو شككنا في أنه مطلق يشمل السهو أم لا؟ لم نتمسك به، ولو شككنا أنه مطلق يشمل مثلا الزيادة بقصد الجزئية أو لا بقصد الجزية، لم يصح التمسك به، فهي دليل على أصل مبطلية الزيادة، لا أكثر من ذلك.

يأتي الكلام في بقية الروايات يوم السبت إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 31
الدرس 33