نص الشريط
الدرس 35
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/1/1435 هـ
مرات العرض: 2534
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (398)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وصل البحث إلى هذه النقطة وهي النسبة بين دليل «لا تعاد» والموثقة «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» وهنا تعرض السيد الإمام قد سره لعدة مطالب في كتابه الخلل:

المطلب الأول: لا شك في شمول الزيادة في قوله: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» للزيادة السهوية والعمدية، وأما شموله للزيادة التشريعية بأن يزيد في المأمور به بقصد التشريع فلا؛ والسر في ذلك هو عدم معقولية الزيادة التشريعية، بيان ذلك: أن التشريع عنوان قصدي فهو متقوم بقصد أن يدخل في الدين ما ليس منه، والقصد الجدي نحو غير المقدور غير معقول، فلا يعقل من الإنسان الملتفت لعدم قدرته على الطيران أن يقصد الطيران، فإن القصد الجدي نحو غير المقدور من الملتفت غير معقول، وفي المقام إذا التفت المكلف إلى أن هذه الزيادة ليست من الدين، مثلا: إذا أراد أن يزيد ركوعاً في الركعة الواحدة، فهو إذا التفت إلى أن هذه الركعة ليست من الدين فلا يعقل أن يقصد جداً إدخالها في الدين، فإن أمر الدين بيد مشرعه وجاعله فإذا كان بيد جاعله فعيره لا يمكن أن يدخل فيه ما ليس منه، فإن هذا غير مقدور أصلا، فمتى التفت المكلف إلى أن هذه الزيادة ليست من الدين فلا يعقل أن يقصد إدخالها في الدين فهو ملتفت إلى أنها ليست من الدين، فإن إدخال شيء في الدين بحيث يكون ديناً خارج عن قدرته، فيتبين من ذلك أن التشريع غير معقول، نعم الافتراء معقول لكن الافتراء هو عبارة عن النسبة بأن ينسب للدين ما ليس للدين، وهذا غير عن التشريع وهو أن يقوم بإدخال شيء في الدين ليس منه. نعم، الزيادة في مقام الامتثال أمر معقول لا الزيادة في الماهية المأمور بها، ففي مقام الامتثال قد يعتقد المكلف أن تكرار الركوع يزيده قرباً من المولى وإن كان الركوع المأمور به واحداً ولكن تكراره حسنا أو لا أقل لا مشكلة فيه، فيأتي بالركوع في مقام الامتثال، فالزيادة في المأمور به أو على المأمور به أمر معقول، ولكن الزيادة في المأمور به على نحو التشريع أمر غير معقول، فكيف يقال بأن عنوان الزيادة في الموثقة شامل للزيادة التشريعية مع أنها أمر غير معقول في حد نفسه.

وما ذكره «قدس سره» تام في صورته وهي أن يلتفت المكلف إلى أن تشريعه لا يترتب عليه دين، فإذا التفت إلى ذلك أنه مهما شرع لن يترتب على تشريعه دين، ففي هذه الصورة لا يعقل أن يقصد تحقيق الدين بتشريعه وهو ملتفت إلى أن تشريعه لا يترتب عليه دين، أما لو التفت إلى أن هذه الزيادة كالركعة الثانية أو الركوع الثاني ليس من الدين، ولكن احتمل أو اعتقد أنه لو شرعها لصارت ديناً، نظير ما يقولوه المصوبة من أن الإمارة بتحققها يترتب حكماً واقعياً على طبقها فلو اعتقد المكلف بالسببية وأنه بتشريعه يتحقق ديناً وإن كان ما شرعه ليس من الدين في رتبة سابقه، فحينئذ يتصور الزيادة التشريعية، فمجرد الالتفات إلى أن ما يشرعه ليس من الدين ليس كافياً في استحالة الزيادة التشريعية، بل لابد من الالتفات أيضاً إلى أن الدين لا يتحقق بتشريع، فإذا كان ملتفتا إلى أن الدين لا يتحقق بذلك فلا يعقل أن يتحقق منه قصد التشريع جدا، لذلك فيمكن شمول عنوان الزيادة في الموثقة للزيادة التشريعية بمعنى وبصورة من صورها.

من يلتفت إلى أن الدين الواقعي لا يترتب على تشريعه فلا يعقل منه قصد التشريع لأن التشريع إدخال ما ليس من الدين فيه فمهما شرع لا يدخل في الدين، لأن قصد الإدخال لا يمكن أن يتحقق منه.

المطلب الثاني من كلامه: لا تعارض بين «لا تعاد» وبين الموثقة وهي «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» بناء على محتملين:

المحتمل الأول: أن نقول بأن حديث لا تعاد خاص بالنقيصة ولا يشمل الزيادة، فبناء على هذا المحتمل لا تنافي بين من زاد في صلاته فعليه الإعادة وبين لا تعاد لأن لا تعاد أصلا ناظر إلى النقيصة، وكذلك إذا قلنا بأن لا تعاد شامل لكل خلل عمدي أو سهوي فحينئذ سوف تصبح النسبة بين الموثقة وبين لا تعاد نسبة تخصيص؛ لأنه في لا تعاد يفيد أن كل خلل زيادة أو نقيصة عمدا أو سهوا غير ضائر والموثقة تقول إلا الخلل بالزيادة فإنه ضائر فسوف تكون الموثقة اخص مطلقا من لا تعاد ولا تعارض بين الخاص والعام، فإن ما يتصور التعارض مع عدم كون النسبة هي الأخصية، إذن فموطن التعارض متقوم بأن نقول: إن النسبة بينهما عموم من وجه، بأن يكون قوله: من زاد في صلاته فإن عليه الإعادة شاملا للزيادة العمدية والسهوية وأن يكون لا تعاد عاما لكل خلل زيادة أو نقيصة ولكنه خاص بفرض السهو، فتكون النسبة عموما من وجه، إذ يجتمعان في الزيادة السهوية حيث إن لا تعاد تقول لا ضائرية والموثقة تقول الزيادة ضائرة، وتفترق الموثقة عن لا تعاد في الزيادة العمدية لأن لا تعاد لا تشمل العمد وتفترق لا تعاد عن الموثقة بالنقيصة، فإذا قلنا بأن النسبة بينهما عموم من وجه حينئذ يتصور تعارضهما.

نحن نريد أن نصور التعارض ولو بدوا هذا التعارض بدوا يبتني على أن تكون النسبة عموما من وجه فهل ينحصر ذلك يعني فرض التعارض البدوي هل ينحصر بكون النسبة عموما من وجه كما أفاد وينحصر كون النسبة عموما من وجه في كون لا تعاد خاصا بعدم العمد، هذا مطلبين في كلامه المطلب الأول: لا يتصور التعارض حتى تكون النسبة بينهما عموما من وجه، المطلب الثاني في كلامه: لا تكون النسبة عموما من وجه إلا إذا كان مفاد لا تعاد لا يشمل فرض العمد وإلا لو شمل فرض العمد لكانت النسبة هي الأخصية لا العموم من وجه.

ولكن قد يتأمل في هذين المطلبين بأن يقال: حتى لو قلنا بأن الموثقة اخص مطلقا «من لا تعاد» فذلك لا يعني ارتفاع التعارض حيث إن لسان التعليل المذكور في الذيل وهو قوله: «والتشهد سنة والقراءة سنة والسنة لا تنقض الفريضة» آب عن التخصيص عرفا وبإبائه عن التخصيص عرفا وقع التعارض بينهما.

أو يقال: لو سلمنا بأن التعارض يتصور بكون النسبة عموما من وجه فإن كون النسبة بين الموثق وحديث لا يعاد عموما من وجه لا تتوقف على عدم شمول لا تعاد لفرض العمد بل حتى لو شملت فرض العمد فإن النسبة بينهما عموما من وجه والوجه في ذلك أن لا تعاد لا يشمل الأركان، بينما في الموثقة من زاد في صلاته فعليه الإعادة شامل للأركان، إذن فالنتيجة في الموثق يشمل ما لا يشمله حديث لا تعاد وهو الأركان الخمسة فحيث إنه شمل ما لا يشمله حديث لا تعاد فلا محال تصبح النسبة بينهما عموما من وجه وإن كان لا تعاد عاماً لفرض السهو والعد.

المطلب الثالث الذي أفاد: إذا كانت النسبة بين لا تعاد وبين الموثق عموما من وجه فكيف نحل التعارض فهنا وجوه ثلاثة لحل التعارض كلها محل خدشه بنظره.

الوجه الأول: أن يقال بالحكومة كما هو التعبير الدارج لدى الفقهاء أن لا تعاد حاكم على الأدلة الأولية وقد أفاد قدس سره أن الحكومة هنا غير عرفية، لا بالنظر إلى الصدر ولا بالنظر إلى الذيل، أما بالنظر إلى الصدر فهو قوله: لا تعاد الصلاة فسواء جعلنا مصب الحكم هو الإعادة، أو قلنا بأن لسان لا تعاد وأعاد مجرد كنايه وليس هو مصب الحكم، أما إذا جعلنا مصب الحكم هو الإعادة فمن الواضح تنافيهما حيث إن لا تعاد والموثقة تقول أعاد فكيف تتصور الحكومة وإنما الحكومة متقومة بنظر احد الدليلين للآخر، والنظر متقوم بلسان المسالمة، ولسان المسالمة متقوم بأن يكون احد الدليلين متصرفا في الآخر موضوعا محمولا علة معلولا كما لو قال الأول لا صلاة إلا بطهور وقال الثاني الطواف بالبيت صلاة، أو قال الأول الربا حرام، فقال الثاني: لا ربا أو قال الثاني: لا ضرر لا حرج، حيث إنه ناظر للآثار أو قال: أما انه صوم يوم ما نزل به كتاب، فإن هذه حكومة أيضاً لأنه نفى العلة أصلا نزول الكتاب نفاه من الأصل أما أنه صوم يوما ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة، فالحكومة تعني النظر يحتاج إلى مبرز عرفيا والمبرز العرفي للنظر أن يكون الدليل الثاني متصرفا في الموضوع في المحمول في علة الحكم في معلولات الحكم، وأما إذا كان الدليل الثاني منصبا على ما انصب عليه الأول فإن الاول يقول من زاد أعاد والثاني يقول: لا تعاد، كانا متعارضين، وكذلك إذا جعلنا هذا اللسان كناية فعندما يقول من زاد في صلاته فعليه الإعادة فإن الإعادة لا موضوعية لها، بل المقصود أن الزيادة مانع من صحة الصلاة الزيادة مبطل كما أن قوله لا تعاد كناية عن عدم المانعية والمبطلية فأيضا يقع التنافر حيث إن الموثقة تقول الزيادة مانع وحديث لا يعاد يقول الخلل ليس بمانع.

هذا بالنظر إلى صدر الحديث وأما بالنظر ذيله وهو قوله: لا تنقض السنة الفريضة، فانا إذا جعلنا قوله في الموثقة من زاد في صلاته أعاد كناية فسوف يكون كناية عن الناقضية، فإن معنى الإعادة هو الكناية عن الناقضية كأنه قال: الزيادة ناقض، وهذا لا يجتمع مع قوله: السنة لا تنقض، لذا لا يمكن الجمع بين لسان ناقض، ولا تنقض. نعم، لو قلنا بأن مفاد الموثقة بيان حكم تكليفي وهو أن الزيادة توجب خطابا تكليفيا بالإعادة، فمن زاد في صلاته خوطب بخطاب تكليفي جديد وهو الإعادة، فهنا سوف يكون الذيل في حديث لا تعاد حاكما، لأن صدور خطابا بالعادة فرع الناقضية، إذ لولا ناقضية الزيادة للصلاة لما خوطب المكلف الذي زاد بالإعادة فإذا قال في حديث لا تعاد لا تنقض السنة الفريضة، فقد تصرف في موضوع الحكم في الموثقة، ولذلك يكون حاكما عليه فلا منا فات بين قوله اعد وبين قوله لا تنقض لأن الإعادة فرع النقض وهذه تقول: لا ناقض إلا أن ويعقب على ذلك أن هذا المحتمل خلاف الظاهر فإن ظاهر قوله في الموثقة: من زاد في صلاته فعليه الإعادة ليس بصدد بيان حكم تكليفيا وهو أن الزيادة توجب خطابا جديد بالإعادة إنما هو في بيان حكم وضعي وهو أن الزيادة مانع من صحة الصلاة فتحصل بذلك أنما اشتهر من حكومة لا تعاد على الموثقة وأمثالها غير عرفي أصلا.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 34
الدرس 36