نص الشريط
الدرس 57
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 19/3/1435 هـ
مرات العرض: 2504
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (351)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في بيان ما هو مقتضى الأصل العملي فيمن أتى بالفعل الاضطراري ثم ارتفع الاضطرار أثناء الوقت كما لو افترضنا أن المريض صلى جالسا ثم زال مرضه أثناء الوقت وأصبح قادرا على القيام فما هو مقتضى الأصل العملي في حقه؟ هل هو البراءة عن وجوب إعادة الصلاة أم هو قاعدة الاشتغال بحيث عليه أن يعيد الصلاة قائما؟

وذكرنا فيما سبق أن في المسالة صورا:

الصورة الأولى: أن يدور الأمر بين وفاء الفعل الاضطراري بتمام الملاك فيكون مجزيا عن الصلاة المأمور بها أو وفائه ببعض الملاك مع إمكان استيفاء البعض الباقي في الصلاة الاختيارية فإذا شك المكلف هل أن صلاته الاضطرارية وفت بتمام الملاك أم أنها لم تف إلا ببعضه ويمكنه أن يستوفي البعض الآخر من الصلاة الاختيارية، فإذا دار الأمر بين هذين المحتملين فهو من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخير؛ لأنه إن كان فعله الاضطراري وهو الصلاة جالسا وافيا بتمام الملاك إذن فهو من الأول ليس مكلفا بخصص الفعل الاختياري بل من الأول هو مكلف بالجامع فإنه سواء أتى بالفعل الاضطراري وهو الصلاة جالسا أو انتظر إلى أن يزول اضطراره ثم أتى بالاختياري على كل حال حقق الملاك فبناء على هذا المحتمل وهو أن الفعل الاضطراري كالاختياري في الوفاء بالملاك إذن فهو مكلف بالجامع بينهما ومقتضى تكليفه بالجامع انه مخير في مقام العمل بين أن يأت بالفعل الاضطراري أو ينتظر إلى أن يزول اضطراره ثم يأتي بالفعل الاختياري، وأما إذا كان الفعل الاضطراري غير واف أتى به أم لم يأت به لابد أن يأت بالاختياري بعده فمقتضى ذلك أنه مأمور تعيينا بالفعل الاختياري فمع الشك بينهما إذن فالمسالة من دوران الأمر بين التعيين والتخيير هل انه مخير بين الفعل الاضطراري والاختياري لكونه مأمورا بالجامع أم يتعين عليه خصوص الفعل الاختياري؟

وعلى المختار في الأصول وفاقا لسيدنا «قدّس سرّه» أنه إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في التكليف فمقتضى الأصل البراءة عن التعيين إذ بعد ما أتى بالفعل الاضطراري يشك هل انه مأمور بالفعل الاختياري تعيينا أم لا فيجري البراءة عن هذا الأمر التعييني ونتيجة جريان البراءة إجزاء ما أتى به من الفعل الاضطراري.

ولكن إن قلت - وقد طرح هذا الاحتمال صاحب الكفاية «قدّس سرّه» في بحث الإجزاء - إن هناك أصلا حاكما على أصالة البراءة ألا وهو استصحاب الوجوب التعييني على نحو الاستصحاب التعليقي، لأن هذا المكلف في أول الوقت قبل أن يأت بالفعل الاضطراري هذا المكلف قبل أن يأت بالفعل الاضطراري كان يعلم انه لو زال اضطراره قبل أن يأت بالفعل الاضطراري لوجب عليه الاختياري تعيينا، فهو يقول: أنا وان كنت مريضا الآن ولي أن آتي بالصلاة جالسا لكني أعلم أنه لو ارتفع مرضي قبل أن آتي بالصلاة جالسا لكان اللازم علي تعيينا هو الصلاة قائما الصلاة الاختيارية فهو يعلم بوجوب الصلاة الاختيارية عليه لو زال اضطراره قبل مزاولة الفعل الاضطراري فهذا الوجوب المعلق على زوال اضطراره قبل أن يأت بالفعل الاضطراري يستصحبه فيشك انه بعدما أتى بالفعل الاضطراري الآن هل أن ذلك الوجوب التعيين في الصلاة الاختياري الذي علم به معقل لازال باقيا في حقه أم لا؟ فيستصحب بقاء الوجوب التعيين في حقه ومقتضى استصحاب بقاءه أن لا أثر لجريان البراءة عن وجوب الصلاة الاختيارية تعيينا ما دام هناك أصل حاكم على البراءة.

والجواب عن هذا الإشكال وهو أن أصالة البراءة محكومة بالاستصحاب التعليقي انه: الأمر يختلف باختلاف المباني - وقد سبق أن بينا أن هناك مسالك ثلاثة في الدرس السابق - فتارة نقول بأن المكلف مخاطب ابتداء بالجامع بين الفعل الاضطراري والفعل الاختياري وتارة نقول لا بأن المكلف إن كان مختارا فهو مختارا بالفعل الاختياري فقط وإن كان مضطرا اضطرارا مستوعبا فهو مخاطب بالفعل الاضطراري فقط وإن كان برزخا بينهما بأن كان مضطرا أول الوقت مختارا آخر الوقت فهذا هو محل الشك هل انه منضم إلى الثاني أو منضم إلى الأول، فإن اخترنا أن المكلف مخاطب ابتداء بالجامع بين الفعل الاضطراري والفعل الاختياري وليس مخاطبا بالفعل الاختياري وحده إذن فبالنتيجة ليس له أن يستصحب الوجوب التعييني لأنه أصلا ليس مخاطب بالوجوب التعييني هو مخاطب الجامع ابتداء بين الفعل الاضطراري والفعل الاختياري وأما الوجوب التعييني للصلاة الاختيارية فهو مجرد حكم علقي وليس حكما شرعيا، بمعنى لو افترضنا أن هذا المكلف ما صلى جالسا وانتظر إلى أن ارتفع عذره وبعد أن ارتفع عذره تعين عليه أن يصلي قائما لا انه يجب عليه شرعا الصلاة قائما الذي يجب عليه شرعا هو الجامع لكن لأنه انحصر فرد الجامع بعد زوال الاضطرار بالصلاة الاختيارية تعينت عليه الصلاة الاختيارية عقلا فالمكلف أساسا لا يعلم بوجوب الصلاة الاختيارية عليه تعيينا لا من أول الأمر ولا بعد ارتفاع عذره فكيف يستصحب الوجوب التعيين للصلاة الاختيارية على نحو الاستصحاب التعليقي وهو لم يثبت في حقه أصلا بل الثابت في حقه وجوب الجامع فإن زال اضطراره تعين مصداق الجامع بالصلاة الاختيارية وإلا لم تجب عليه الصلاة الاختيارية من أول الأمر.

وأما إذا أنكرنا هذا المبنى وقلنا بأن هذا المكلف لا يمكن أمره بالجامع بين الفعل الاضطراري والفعل الاختياري إذ لو كان مأمور بالجامع لصح له أن يعجز نفسه فينقل نفسه من فرد إلى فرد إذ ما دام مكلفا بالجامع بين الصلاة الاختيارية والصلاة الاضطرارية إذن يجوز له ابتداء أن يتلف الماء الذي لا ماء غيره فينتقل إلى الصلاة الاضطرارية أو يضرب نفسه إبرة تعجزه عن القيام فينقل نفسه من صلاة اختيارية إلى الصلاة الاضطرارية والحال أنهم اتفقوا على عدم جواز التعجيز عن الصلاة الاختيارية بعد دخول الوقت إذن فليس مخاطبا بالجامع وإنما هو مخاطب بأمرين أمر بالصلاة الاختيارية إن كان مختارا ولو في جزء من الوقت بين الحدين وأمر بالصلاة الاضطرارية إن كان اضطراره مستوعبا فإذا شك هذا المكلف هل انه مأمور في الواقع وفي علم الله بخصوص الصلاة الاختيارية وان ما أتى به كان لغوا وعبثا أو انه مأمور في علم الله بالجامع بينهما بناء على إجزاء الفعل الاضطراري عن الفعل الاختياري فهذا من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ولكن هل يجري الاستصحاب التعليقي في حقه أم لا؟

وهنا ذكرنا في بحث الاستصحاب التعليقي ما طرحه المحقق النائيني «قدّس سرّه» من انه بناء على جريان الاستصحاب التعليقي فهناك فرق بين قضيتين بين أن يقول: العنب يحرم إذا على وبين أن يقول: العنب المغلي حرام، فإنه إذا قال: العنب يحرم شربه إذا على فإن موضوع الحرمة ذات العنب والغليان شرط في تنجيزية الحرمة لا في أصل ثبوتها إذن فقبل الغليان كان للحرمة وجود بوجود موضوعها ألا وهو العنب إلا انه وجود معلق مشروط، فبجرد أن يوجد العنب خارجا ويكون في محل ابتلائه ثبت له حرمة الشرب لكن هذا الثبوت يبقى ثبوتا تعليقيا بحيث لا يصبح تنجيزيا إلا بتحقق الغليان خارجا فهنا في مثل هذا الفرد إذا تحول العنب إلى زبيب وشك أن تلك الحرمة التعليقية ما زالت باقية أم لا؟ فبناء على أن الزبيبية صورة من صور المادة وان موضوع الحرمة مادة العنبية لا العنبية العرفية وان الزبيبية حالة من حالاتها وطور من أطوارها فيصح له استصحاب تلك الحرمة التعليقية لما بعد تحول العنب إلى الزبيب فإذا استصحب الحرمة التعليقية ثم على هذا الزبيب أصبحت تلك الحرمة فعلية بفعلية شرطها ألا وهو الغليان.

وأما إذا قال المولى: العنب المغلي حرام فالموضوع مركب من جزأين العنبية والغليان فلا ثبوت للحرمة قبل الغليان أصلا لا تنجيزا ولا تعليقا فإن الحكم لا يوجد بوجود أحد جزئي موضوعه وهذا القضية «اللوية» أن يقول: لو - الآن وجد أحد الجزأين وهو أنه صار بين أيدينا عنب - غلى هذا العنب لكان حراما هذه القضية «اللوية» مجرد تحليل عقلي ليس إلا وليست قضية شرعية كي يقال بأن الحرمة ثبتت بثبوت أحد جزئي الموضوع فبناء على الصياغة الثانية وهي العنب المغلي حرام لم تثبت الحرمة قبل الغليان لا ثبوتا تنجيزيا ولا ثبوتا تعليقيا فلو تحول العنب إلى زبيب ثم على لا يصح استصحاب الحرمة لعدم اليقين بها سابقا.

وهذا الذي ذكره الميرزا نأتي به في المقام فقول: الوجوب التعييني بصلاة الظهر اختيارا في حق هذا المكلف الذي صلى الصلاة الاضطرارية هل أن موضوعه ذات المكلف وزوال الاضطرار مجرد شرط فكأنه قال: المكلف مخاطب بالصلاة الاختيارية إن زال اضطراره فزوال الاضطرار مجرد شرط إذن الوجوب التعيين للصلاة الاختيارية ثبتت من أول الوقت ثبوتا تعليقيا فبعد زوال الاضطرار يصح استصحابه ومقتضى استصحابه حكومته على أصالة البراءة عن التعيين بالصلاة الاختيارية.

وأما - كما هو الظاهر - إذا قلنا بأن الموضوع مركب من جزأين المكلف الذي زال اضطراره تجب عليه الصلاة الاختيارية فقبل زوال الاضطرار لم يكن لوجوب الصلاة الاختيارية ثبوت لا تنجيزا ولا تعليقا كي يستصحبه بعد زوال الاضطرار.

فالصحيح عدم جريان الاستصحاب التعليقي ليترتب عليه حكومته على أصالة البراءة والسر في عدم جريانه أن وجوب الصلاة الاختيارية لم يثبت فعليته في حق هذا المكلف الخاص وهو من كان مضطرا أول الوقت لا ثبوتا تعليقيا ولا ثبوتا تنجيزيا.

فتلخص بذلك أن الصحيح في مثل هذا الفرض إجراء البراءة عن تعين الصلاة الاختيارية في حقه ومقتضى إجراء البراءة إجزاء ما أتى به من الصلاة الاضطرارية.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى ويأتي الكلام في الصورة الثانية إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 56
الدرس 58