نص الشريط
الدرس 59
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/3/1435 هـ
مرات العرض: 2608
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (355)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

تنبيه يتعلق ببعض الاثار المترتبة على فرض الاضطرار وهنا اثران:

الاثر الأول: هل يجوز للمكلف أن يوقع نفسه في الاضطرار سواء كان اضطرارا مستوعبا أم لا؟ مثلاً هل يجوز للمكلف بعد دخول الوقت وفعلية وجوب الصلاة عن طهارة مائية أن يتلف الماء المنحصر فيكون مضطرا للتيمم أو يجوز له بعد فعلية الوجوب أن يعجز نفسه عن القيام للصلاة بابرة أو نحوها؟ أو لا يجوز ذلك؟

والنتيجة تتبع ما ذكرناه سابقا وهو هل أن الصلاة الاضطرارية وافية بالملاك أم ليست وافية؟ فإذا قلنا بأن الصلاة الاضطرارية كالصلاة بتيمم أو الصلاة جلوسا وافية بالملاك فحينئذ يجوز له ايقاع نفسه في الاضطرار ما دامت الصلاة عن اضطرار وافية بالملاك، واما إذا قلنا بأن الصلاة الاضطرارية مفوتة للملاك بمعنى انه متى صلى الصلاة عن جلوس لم يتمكن من استيفاء ملاك الصلاة عن قيام، ومتى ما صلى بتيمم لم يتمكن من استيفاء ملاك الصلاة بالطهارة المائية فالصلاة الاضطرارية متى حصلت منه كانت مفوتة للملاك التام وهو الملاك في الصلاة الاختيارية، فبناء على هذا المحتمل لا يجوز له ايقاع نفسه في الاضطرار فإن اتلاف الماء أو تعجيز النفس عن القيام تفويت للملاك التام في الصلاة الاختيارية، وتفويت الملاك قبيح باعتبار أن مقتضى حق المولوية للمولى الحقيقي رعاية تكاليفه وملاكاته واغراضه فليس للمكلف تفويت ملاك ملزم بتعجيز نفسه عن استيفاء وذلك بايقاع نفسه في الاضطرار، إذن جواز الايقاع يبتني على كون الصلاة الاضطرارية مفوتة للملاك أم لا؟ فإن كانت مفوتة للملاك لم يجز ايقاع النفس في الاضطرار وإن لم تكن مفوتة للملاك بحيث لو أتى بها ادرك تمام الملاك أو ادرك بعضا مع امكان استيفاء البعض الباقي فهنا يجوز له ايقاع نفسه في الاضطرار، واما لو شك المكلف بأن الصلاة الاضطرارية مفوتة للدرس أو لمقدار من الدرس أم لا فهل أن الصلاة الاضطرارية مفوتة للملاك الملزم أم ليست مفوتة فحينئذ يجوز له أن يوقع نفسه في الاضطرار بمقتضى أصالة البراءة.

هذا هو الاثر الأول.

الاثر الثاني: لنفترض أن المكلف مضطر الآن لا انه اوقع نفسه في الاضطرار بل دخل عليه الوقت وهو عاجز عن القيام للصلاة أو دخل عليه الوقت وليس واجدا للماء هل يجوز له البدار تكليفا للصلاة الاضطرارية أم لا يجوز له البدار للصلاة الاضطرارية؟ فهنا فرضان:

الفرض الأول: أن لا يعلم بارتفاع اضطراره أثناء الوقت فهو يحتمل بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت فإذا احتمل بقاء الاضطرار إلى الآخر امكن باستصحاب الاضطرار على نحو الاستصحاب الاستقبالي اثبات انه مضطر لتمام الوقت فيجوز له البدار بناء على صحة الاستصحاب الاستقبالي في موارد عدم القدرة وهذا قد سبق الاشكال فيه من المحقق العراقي «قدّس سرّه».

الصورة الثانية: أن يكون ملتفا إلى انه سوف يزول اضطراره بعد ساعة أو ساعتين فهل يجوز له البدار للاصلاة الاضطرارية مع التفاته إلى انه يزول اضطراره أثناء الوقت وانه سوف يصبح قادرا على الصلاة الاختيارية فالبحث حينئذ تارة في الجواز التكليفي وتارة في الجواز الوضعي.

اما بالنسبة إلى الجواز التكليفي فهو منوط بما ذكرنا قبل قليل بمعنى إن كانت الصلاة الاضطرارية مفوتة لملاك بحيث متى صلى عن جلوس عجز عن استيفاء الملاك ومتى صلى عن تيمم عجز عن استيفاء الملاك التام إذن لا يجوز له البدار تكليفا لأن البدار يعني تفويت الملاك الملزم وتفويته قبيح فلا يجوز له عقلاً البدار في مثل هذا الفرض.

واما إذا كانت الصلاة الاضرارية غير مفوتة للملاك اما انها وافية أصلا بتمام الملاك أو لاقل وافية ببعضه مع امكان استيفاء البعض الآخر فهنا يجوز له البدار بلا اشكال ومع الشك في ذلك فإن كان هناك دليل لفظي دال على جواز الصلاة جالسا إذا اضطر لذلك وكان مقتضى اطلاقه شموله للاضطرار غير المستوعب فمقتضى الاطلاق لهذا الدليل جواز البدار، وإن لم يكن هناك دليل يدل باطلاقه على جواز البدار فمع الشك تجري البراءة - كما ذكرنا امس - عن حرمة البدار فيجوز له ذلك.

واما بالنسبة إلى الجواز الوضعي وهذا هو المهم أي انه لو بادر فصلى وكانت صلاته مفوتة للملاك كما لو فرضنا أن هذا الكملف لا يجوز له البدار تكليفا لكنه بادر وصلى الصلاة الاضطرارية وكانت الصلاة الاضطرارية في علم جبرائيل مفوتة للملاك فهل صلاته صحيحة أم لا؟ وهذا ما نسميه بالجواز الوضعي.

فقد أفيد في بعض الكلمات بأن الصلاة فاسدة مع انه إذا صلى فلا يمكنه أن يصلي الصلاة الاختيارية لأنه بصلاته الاضطرارية تعذر عليه استيفاء الملاك بالصلاة الاختيارية ولا يمكنه بعد ذلك أن يصلي الصلاة الاختيارية بل صدورها لغو.

ذهب جمع من الاعلام والاقلام إلى أن هذه الصلاة فاسدة، والوجه في الفساد: أحد بيانات ثلاثة:

البيان الأول: أن يقال كما في كلمات السيد الامام «قدّس سرّه» انه كانت الصلاة الاضطرارية مفوتة للملاك فهي مبعدة عن المولى لأن العمل المفوت لملاكات المولى واغراضه مبعد عنه فإذا كانت الصلاة الاضطرارية مفوتة للملاك كانت مبعدا والمبعد لا يصلح أن يكون مقربا فالصلاة فاقدة للعبادية والمقربية فهي فاسدة وكاسدة.

ولكن يلاحظ على ذلك أن المفوت للملاك المتصف بالمبعدية هو الارادة، ارادة عدم الصلاة الاختيارية لا الصلاة الاضطرارية فإن هذا نظير من نذر أن يصل صلاة الظهر جماعة فصلاها فرادا فإن حنث النظر ليس بالصلاة فرادا بل بارادة عدم الصلاة جماعة ولذلك لو لم يصل أصلا لكان حانثا أيضاً كما لو لم يصل أصلا حتى فات الوقت، فالحنث لا يتحقق بكون الصلاة فرادة بل بارادة المجاندة عن الصلاة جماعة وبالتالي ليس التفويت مستندا إلى الصلاة فرادا بل مستند إلى ارادة عدم الجماعة والكلام في المقام كذلك فإن المكلف إذا التفت إلى أن الملاك الملزم في الصلاة الاختيارية وبامكانه أن ينتظر حتى يزول اضطراره فيصلي الصلاة الاختيارية لكنه اراد عدم ذلك فصلى الاضطرارية فإن من الواضح حينئذ أن تفويت الملاك الملزم مستند لاختياره وارادته للترك لا لنفس الصلاة الاضطرارية كي يقال لها مبعد والمبعد لا يقع مقربا.

الوجه الثاني: انه إن كانت الصلاة الاضطرارية موجبة

تم الكلام في هذا البحث.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 58
الدرس 60