نص الشريط
الدرس 73
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/4/1435 هـ
مرات العرض: 2543
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (413)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

فرغنا من البحث في شمول حديث لا تعاد للجاهل القاصر وندخل في البحث في شمول لا تعاد للجاهل المقصر.

المطلب الأول: وهو أنّ «لا تُعاد» هل تشمل الجاهل المقصر أم لا؟

فقد ذهب السيد الشهيد وشيخنا الأستاذ «قدس سرهما» إلى أن حديث لا تعاد يشمل الجاهل المقصر إذا لم يكن مترددا والسر في ذلك: أن ظاهر قوله: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» أن موضوع لا تعاد من التفت للخلل بعد وقوعه فلا تشمل من كان ملتفا للخلل أثناءه سواء كان عالما أو جاهلا مترددا والنتيجة أن ما ليس ملتفا فهو مشمول لحديث لا تعاد وإن كان مقصرا أي أنه ترك التعلم حتّى وقع في الغفلة وبناء على ذلك فمن ترك جزءا أو أخل بشرط عن جهل تقصيري مادام معتقدا بصحة عمله أو غافلا عن ذلك فصلاته صحيحة.

هذا ما ذهب إليه العلمان «قدس سرهما» وفي المقابل ما سلكه سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» والسيد الأستاذ «دام ظله» وغيرهم من عدم شمول لا تعاد للجاهل المقصر وإن كان غافلا أو معتقداً بصحة عمله، وذلك لوجوه طرحت في تقييد لا تعاد بما لا يشمل الجاهل المقصر:

الوجه الأول: دعوى الإجماع على إلحاق المقصر بالعامد وهو ما حكاه الشيخ الأعظم في الرسائل عن السيد الرضي في نقاشه لأخيه المرتضى «قدس سرهما».

ولكن غاية هذا الإجماع إلحاق الجاهل المقصر للعامد في استحقاق العقوبة لا إلحاقه بالعامد في تمام الآثار ومنها فساد العمل فمن المحتمل أن يكون عمله - يعني المقصر - صحيحا وإن كان مستحقا للعقوبة وليس ذلك عزيزا في الفقه فله أمثلة كثيرة منها: من تزوج امرأة ذات بعل أو تزوج امرأة في العدة عن جهل تقصيري بالموضوع فإنه لا تحرم عليه مؤبدا وإن كان مقصرا إلا أنه لا تثبت الحرمة المؤبدة التي تثبت للعالم، ومنها الجهر في موضع الاخفات أو الاخفات في موضع الجهر أو التمام في موضع القصر فلو فعل ذلك عن جهل تقصيري فإنه وإن كان مستحقا للعقوبة إلا أن صلاته صحيحة وذلك لإطلاق مثل صحيحة زرارة الواردة في الجهل والاخفات «فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه». ومنها أنه لو ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ما سوى الجماع عن جهل تقصيري فليس عليه كفارة لإطلاق صحيحة عبد الصمد بن بشير «أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه». ومنها ما لو حاز أموالا عن طريق الربا جاهلا عن حرمته جهلا تقصيريا ثم التفت إلى الحكم فتاب إلى الله عز وجل فإن الأموال التي ربحها عن طريق الربا تحل له وإن كان رِباه عن جهل تقصيري.

الوجه الثاني: أن لازم صحة عمل الجاهل المقصر اختصاص الأجزاء والشرائط بالعالم والجاهل المتردد لخروج الجاهل القاصر والمقصر غير الملتفت بقاعدة لا تعاد، واختصاص الأدلة الأولية بالعالم والجاهل المتردد يوجب حملها على الفرد النادر وهو مستهجن.

والجواب عن ذلك - كما ذكرناه سابقاً - أن الندرة في طول الأدلة لا في رتبة سابقة عليها والمستهجن حمل المطلق على الفرد النادر في رتبة سابقة على الأدلة أما حمل المطلق على معنى يكون هذا المعنى فرداً نادراً في طول الأدلة نفسها فليس أمراً مستهجناً.

الوجه الثالث: إن مقتضى استحقاقه - الجاهل المقصر - للعقوبة فساد عمله ومقتضى صحة عمله عدم استحقاقه للعقوبة فالجمع بين الأمرين أي مستحق للعقوبة ولكن عمله صحيح جمع بين المتهافتين فإنه إذا صح عمله فقد امتثل الأمر ومن امتثل الأمر فكيف يستحق العقوبة على ترك امتثاله إذن فالتفكيك بين استحقاق العقوبة وصحة العمل تفكيك بين المتلازمين.

والجواب عن ذلك: أنه يمكن تخريج ذلك - كما سبق ذكره في الجاهل القاصر - بثبوت أمرين:

أمر بالجامع بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة لأجل جهل قصوري أو تقصيري أو نسيان. وأمر آخر بالصلاة التامة المتقيدة بمن لم يمتثل الأمر الأول. وبالتالي فهذا الجاهل المقصر مخاطب بالأمر الأول مادام لم يمتثل الأمر بالجامع، أي أنه يخاطب بالأمر بالصلاة التامة مادام بعد لم يأت بالصلاة الناقصة فإذا أتى بالصلاة الناقصة عن جهل تقصيري استحق العقوبة على عدم امتثال الأمر بالصلاة التامة عن تقصير منه وصحت صلاته لامتثاله الأمر بالجامع فإنه بعد امتثاله الأمر بالجامع يسقط الأمر عنه بالصلاة التامة حيث إن متعلق الأمر بالصلاة التامة هو الصلاة التامة التي لم يسبقها امتثال بالأمر بالجامع فهو من جهة صحت صلاته لامتثاله أمراً شرعيا بالصلاة ومن جهة أخرى استحق العقوبة لتركه امتثال الأمر بالصلاة التامة عن تقصير.

الوجه الرابع: إنّ مقتضى صحة صلاته تقيّد الجزئية والشرطية والمانعية بفرض العلم، ومقتضى هذا التقيّد عدم شمول اطلاق ادلة وجوب التعلم لمثله؛ إذ لا يجب على المكلف ايجاد شرط الوجوب وإنما يجب عليه ايجاد شرط الواجب، فإذا كانت الجزئية مقيدة بالعلم، إذن لا يجب عليّ أن اتعلم لأن التعلم حينئذ إيجاد لشرط الوجوب وليس لشرط الواجب، فلو قلنا بصحة صلاة الجاهل مقصراً أو قاصرا للزم تقيّد الجزئية والشرطية بالعلم، وإذا تقيّدت فلا يجب عليه التعلّم، لأنّ التعلم حينئذ سوف يكون ايجادا لشرط الوجوب لا لشرط الواجب، وإذا لم تشمله أدلة وجوب التعلم فليس مستحقاً للعقوبة؛ لأنّه غير مأمور أصلاً بادلة وجوب التعلّم، غير مشمول لها.

والجواب عن ذلك: إنّ صحّة صلاة المقصر لا تعني تقيّد الجزئية والشرطية بفرض العلم؛ لإمكان تخريج الصحة بما ذكرناه، وهو أنّ الأمر بالصلاة التامّة سقط بعد أن امتثل الأمر بالجامع لأجل أنّه لا يمكنه امتثاله، لا لأن الجزئية والشرطية متقيدة بفرض العلم إذن فلا موجب لرفع اليد عن اطلاقات أدلة الأمر بالتعلم. ومقتضى إطلاقها بناء على أنّ مفادها الوجوب الطريقي هو استحقاقه للعقوبة على مخالفة الواقع، فإنّ من خصائص الوجوب الطريقي تنجيز الواقع، فإذا كان الأمر بالتعلّم وجوبا طريقيا كان الغرض منه تنجيز الواقع المجهول؛ إذن فهو مستحق للعقوبة.

أو فقل: إنّ أدّلة الأمر بالتعلّم هي اشتملت على المؤاخذة لأنّ قيل فيها «ما عملت؟ فيقول: ما علمت، فيقال: هلّا تعلمت حتى تعمل، ولله الحجة البالغة» فظاهرها ثبوت المؤاخذة على الجاهل.

الوجه الخامس: إنّ مقتضى ظهور سياق الذيل وهو قوله «لا تنقض السنّة الفريضة» في كونه امضاء للمرتكز العقلائي القائم على عدم المعذرية للجهل التقصيري، انصراف «لا تُعاد» عن الجهل التقصيري؛ لاحتفافها بالمرتكز العقلائي القائم على عدم المعذرية.

وهذا أقرب الوجوه في دفع مختار السيّد الصدر وشيخنا الاستاذ «قدهما»، هذا تمام الكلام في المطلب الأول، وهو أنّ «لا تُعاد» هل تشمل الجاهل المقصر أم لا؟ والأقرب عدم شمولها للجاهل المقصر.

المطلب الثاني: على فرض عدم شمول «لا تُعاد» للجاهل المقصر لو شك المكلف أنّه قاصر أو مقصر، فهو يُحرز أنّه أخل بالصلاة، مثلا ترك السورة، أو ترك الاطمئنان، فهو يُحرز أنّه أخلّ بجزء أو شرط او مانع، لكن لا يدري هل أنّ اخلاله كان عن جهل قصوري أو كان عن جهل تقصيري، أخل جزما، لكن هل اخلاله عن جهل قصوري أو جهل تقصيري، لا يدري، هل يندرج تحت «لا تعاد» أم لا؟ وهل هناك وجه لتصحيح عمله غير «لا تُعاد» أم لا؟

الوجه الأول: هنا ذهب سيّدنا «قده» - هذه من نكاته التي تنّبه لها - إلى إمكان إدراجه تحت «لا تُعاد» بحيث تكون صلاته صحيحة واقعاً، وذلك باستصحاب عدم التقصير، حيث إنّ موضوع الصحّة الإخلال وعدم كونه مقصرا، الجزء الأوّل الإخلال محرز بالوجدان عدم كونه مقصرا بالاستصحاب، قطعا هو لما كان طفل غير مميز كان غير مقصر، فيستصحب عدم كونه مقصراً فيلتئم بذلك موضوع «لا تُعاد».

الوجه الثاني: وهو تصحيح صلاته تصحيحا ظاهريا، بأن نقول:

هو ترك السورة جزما، ولكن لا يدري أنه استند في تركه للسورة لتقليد المجتهد أو لاعتباط من عنده، فهو يدري أنّه أخلّ وعن جهل، ولكن عن جهل قصوري لأنه استند في ترك السورة إلى تقليد مجتهد جامع للشرائط، أو انه استند إلى اعتباطه واقتراحه، فيكون مقصرا؟

فيقول هنا: صورة العمل ليست محفوظة، وبما أنّ صورة العمل غير محفوظة تجري في حقه قاعدة الفراغ، ومقتضى قاعدة الفراغ صحة عمله. ويأتي الكلام.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 72
الدرس 74