نص الشريط
الدرس 79
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/4/1435 هـ
مرات العرض: 2844
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (428)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في ما هو مقتضى الأصل اللفظي في عمل الجاهل القاصر وذكرنا أن مقتضى الأصل اللفظي هو الصحة بحديث لا تعاد أو غيره. ويقع الكلام فعلا في مقتضى الأصل العملي وهو أنه لو فرضنا أنه لا يوجد عندنا دليل اجتهادي يدل على صحة عمل الجاهل القاصر فما هو مقتضى الأصل العملي؟

والبحث هنا في مقامين:

المقام الأول: أن ينكشف لنا الخلاف وجدانا بمعنى أن الجاهل القاصر بعدما أخل بجزء أو شرط من صلاته انكشف له الشرط أو الجزء بالعلم الوجداني فهل بعد الانكشاف الوجداني يعيد عمله أم لا؟

فقد ذكرت وجوه في المقام لاثبات صحة عمل الجاهل القاصر:

الوجه الأول: ما ذكره صاحب الكفاية «قدّس سرّه» من أن الحجة التي استند إليها الجاهل القاصر في علمه على قسمين:

إذ تارة تكون هذه الحجة متعلقة بنفس التكليف وتارة تكون الحجة متعلقة بمتعلق التكليف. فإن كانت الحجة ناظرة لاصل التكليف أي انها في مقام اثبات نفس التكليف سواء كانت امارة أو أصلا فالبحث هنا لا يخص الامارات أو الأصول عام. مثلا ثبت له وجوب الجمعة تعيينا في يوم الجمعة بحجة اما خبر ثقة أو أصل كما لو استصحب وجوب الجمعة في زمان حضور الامام إلى زمان الغيبة فإذا كانت الحجة مثبتة لنفس التكليف كوجوب الجمعة بامارة أو أصل فصلى المكلف الجمعة ثم انكشف له خطا الحجة وانه كان جاهلا قاصرا فهنا أفاد صاحب الكفاية أن مقتضى القاعدة الإعادة، أن يعيد الظهر لأنه تبين أن لا تكليف في حقه بالجمعة وان التكليف المتعين في حقه هو الظهر فبناء على ذلك حيث لم يمتثل الأمر المتوجه إليه فحكمه الإعادة.

واما إذا افترضنا أن الحجة ليست ناظرة للتكليف بل هي ناظرة لمتعلق التكليف فإذا كانت ناظرة لمتعلق التكليف فهي أيضاً على قسمين لأن لها لسانين:

تارة يكون لسانها هو اثبات متعلق التكليف أي أن متعلق التكليف متحقق نظير أصالة الطهارة واصالة الحل فلو فرضنا أن انسانا شك - على نحو الشبهة الحكمية - في طهارة جلد السباع أو شك في طهارة جلد بعض الماكولات فاجرى قاعدة الطهارة أصالة الطهارة واثبت من خلالها الطهارة أو كان على نحو الشبهة الموضوعية كأن شك في طهارة ساتر العورة فلم يكن لديه حالة سابقة فاجرى أصالة الطهارة فحينئذ صاحب الكفاية يقول مفاد أصالة الطهارة هو أن هذا الثوب واجد لشرط الصلاة فبما أن شرط الصلاة أن يكون ساتر العورة طاهرا فاصالة الطهارة تقول شرط الصلاة متحقق في هذا الثوب فإن هذا هو معنى «كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر» فإن مفاد أصالة الطهارة أن الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة متحققة في هذا الثوب وكذلك أصالة الحل مثلا لو شككنا بأن جلد الارنب حلال يعني مما يحل اكله أم لا ونتيجة للشك في حلية اكل لحم الارنب شك المكلف في أنه تصح صلاته في جلد الارنب أو لا تصح صلاته فاجرى أصالة الحل فمقتضى أصالة الحل تحقيق شرط صحة الصلاة فإن شرط صحة الصلاة أن يكون ساتر العورة مما يحل اكله واصالة الحل تقول جلد الارنب مما يحل اكله فشرط الصلاة متحقق.

إذن متى ما كان الحجة مثبتة لنفس متعلق التكليف ومحرزة للشرط إذن فلو انكشف له الخلاف بالوجدان وانكشف له أن الارنب ليس مما يحل له اكله أو أن ثوبه نجس واقعا فإن صلاته صحيحة والسر في ذلك حكومة دليل أصالة الطهارة على دليل شرطية الطهارة والحلية في ساتر العورة فما دل على شرطية الطهارة والحلية في ساتر العورة لولا أصالة الطهارة واصالة الحل لقلنا بأن المراد به الطهارة والحلية الواقعيتان ولكن ببركة حكومة أصالة الطهارة واصالة الحل على دليل الشرطية توسع الشرط بحيث صار له فردان: طهارة واقعية وطهارة ظاهرية فكما يتحقق شرط صحة الصلاة واقعا بالطهارة الواقعية يتحقق بالطهارة الظاهرية الثابتة باصالة الطهارة أو باستصحاب الطهارة على وجه قوي كما في عبارة الكفاية.

واما لو افترضنا أن الحجة لا تثبت متعلق التكليف وإنما مفادها مجرد الاحراز التنجيزي أو التعذيري فإنه حينئذ لا وجه للاجزاء وصحة العمل حتى لو كانت امارة فلو افترضنا أنه قام خبر ثقة بل قامت بينة من شاهدين عدلين شهدا بأن ثوب المصلي طاهر وصلى اعتمادا على شهادتهما فانكشف له النجاسة يعيد صلاته فالامارة بنظر صاحب الكفاية اسوا حالا من أصالة الطهارة وذلك لاختلاف اللسان فإن لسان أصالة الطهارة تحقيق الشرط حيث قالت «كل شيء لك نظيف» فاصالة الطهارة لسانها أن المشكوك طاهر واصالة الحل لسانها أن المشكوك حلال فمقتضى أن لسانها اثبات الطهارة والحلية إذن فبالنتيجة مقتضاها الحكومة على دليل شرطية الطهارة والحل وتوسعتهما لما يشمل هذا الفرد الظاهري من الطهارة والحلية.

واما لسان الامارة فإذا قامت بينة من شاهدين عدلين صدوقين على أن هذا الثوب طاهر فليس مفاد الامارة إلا الاخبار عن الواقع فهي لا تقول الثوب طاهر مع غض النظر عن الواقع، بل ان لسان الامارة يقول: أن هذا الثوب طاهر واقعا ثم لو انكشف كذبه فالثوب ليس طاهر واقعا، بخلاف أصالة الحل فاصالة الحل تقول غض النظر عن الواقع فأنا أقول: هذا الثوب طاهر، هذا هو الفرق فحيث أن لسان أصالة الطهارة هو اعتبار المشكوك طاهرا مع غمض النظر عن الواقع ما هو. إذن مقتضى أنها تتكفل اعتبار الطهارة للمشكوك اتساع الطهارة في دليل الشرطية لما يشمل الطهارة الظاهرية.

واما مفاد الامارة فهو الاخبار عن الواقع فخبر الثقة لا يدعي أن هذا الثوب طاهر على كل حال إنما يدعي انني اخبر عن أنه في الواقع هذا الثوب طاهر لكن لو تبين خطا خبري فانا لا اتكفل اعتبار كون الثوب طاهرا فليس لساني إلا الاخبار عن الواقع وهذا الاخبار جائز أن يخطئ وان يصيب فإذا انكشف أن الاخبار مخطئ انكشف أن الشرط لم يتحقق، فالنتيجة من كلام صاحب الكفاية أن الجاهل القاصر لو أخل بشرط أو جزء لكن استنادا إلى حجة تتكفل اعتبار الشرط في مرحلة الشك فإن عمله صحيح.

وقد اورد المحقق النائيني «قدّس سرّه» وتبعه سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» عدة ملاحظات على كلام صاحب الكفاية:

الملاحظة الأولى: أن الحكومة اما واقعية واما ظاهرية فالحكومة الواقعية ما كانت متكفلة للتصرف في متن الواقع بتوسعة أو تضييق فإذا قال المولى «الطواف بالبيت صلاة»: عوالي اللئالي ج2 ص167 مفاده التوسعة في متن الواقع وان آثار الصلاة في عالم الاعتبار مترتبة على الطواف ترتبا واقعيا أو بالتضييق كما إذا قال لا شك لكثير الشك فإن مقصوده أن كثير الشك خارج واقعا عن احكام الشكوك هذه تسمى حكومة واقعية.

والقسم الثاني الحكومة الظاهرية وهي ما كانت متصرفة في الأدلة لكن في فرض الشك لا انها متصرفة في متن الواقع فتصرفها في فرض الشك ليس الغرض منه إلا التنجيز أو التعذير فإن اصاب تصرفها الواقع كانت منجزة للواقع وإلا فهي معذرة كالاصول العملية

فيقول الميرزا النائيني إذن فنتيجة هذا التقسيم أن أصالة الطهارة واصالة الحل لا تفيد الإجزاء وصحة العمل وذلك لنكتتين:

النكتة الأولى: فإن دليل أصالة الطهارة ودليل اصالة الحل مجرد أصل عملي وبما أنه أصل عملي موضوعه الشك في الحكم الواقعي فلا تصرف لهما في متن الواقع وان عبر بقوله «كل شيء لك نظيف» وان عبر بقوله «كل شيء لك حلال» فهذا مجرد اعتبار ادبي وليس اعتبار قانوني يعني مجرد صياغة وليس قانون وجعل فعندما يقول كل شيء لك نظيف نظير قوله «يكفيك من التراب عشر سنين» فهذا اعتبار ادبي فهو يريد أن يقول التراب طهور فقال يكفيك من التراب عشر سنين.

فاذن فبالنتيجة قوله «كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر» أو «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه» فتدعه مجرد اعتبارا ادبيا وليس اعتبارا قانونيا إذن لا تصلح أصالة الطهارة واصالة الحل للحكومة الواقعية بمعنى التصرف في متن الواقع وإنما غايتها الحكومة الظاهرية أي التنجيز أو التعذير ليس إلا.

النكتة الثانية: وهي اهم نكتة ثبوتية يقول بأن أصالة الطهارة تتكفل جعل الطهارة عند الشك في الطهارة الواقعية إذن فقد افترضتم في رتبة سابقة حكم واقعي تشكون فيه فالطهارة المستفادة من أصالة الطهارة مجعول في فرض الشك في الحكم الواقعي ومقتضى ذلك أن يكون المجعول باصالة الطهارة متاخرا رتبة عما هو المجعول الواقعي فإذا كان المجعول في أصالة الطهارة واصالة الحل متاخرا رتبة عما هو المجعول في الحكم الواقعي فكيف يكون موجبا لتوسعة ذلك المجعول الواقعي لما يشمل هذا المجعول وهل لازم ذلك إلا اخذ ما هو متاخر رتبة في ما هو متقدم رتبة إذن فمقتضى الطولية بين المجعول بهذين الاصلين وبين الحكم الواقعي عدم معقولية الحكومة الواقعية وعدم معقولية أن يكون دليل أصالة الطهارة واصالة الحل موجبا لتوسعة الشرط الواقعي.

ولكن يمكن الدفاع عن كلام صاحب الكفاية «قدّس سرّه» في هذين الجهتين وليس دفاعا مطلقا.

اولا: أن مدعى صاحب الكفاية - كما اعترف السيد الخوئي - الحكومة الواقعية وانت تقول حكومة ظاهرية صاحب الكفاية يدعي أن أصالة الطهارة واصالة الحل حاكمة على الأدلة الأولية حكومة واقعية هو لا يدعي الحكومة الظاهرية حتى تقولون الحكومة الظاهرية ليس مفادها إلا التنجيز أو التعذير هو يقول حكومة واقعية فمدعى صاحب الكفاية أن قوله «كل شيء لك طاهر» كقوله «الطواف بالبيت صلاة» فكما أن قوله «الطواف بالبيت صلاة» يوسع آثار الصلاة واقعا لما يشمل الطواف فإن قوله «كل شيء لك نظيف» موسع لشرطية الطهارة في الصلاة لما يشمل الطهارة المجعولة باصالة الطهارة، فإذا كان مدعاه هو الحكومة الواقعية إذن فلا معنى لأن يقال بأنه الحكومة على قسمين واقعية وظاهرية والحكومة الظاهرية لا تقتضي...

واما ثانيا: فالطولية فرق هناك نوعان من الطولية تارة نلحظ الطولية للشرطية تارة نلحظ الطولية للحكم الواقعي فعندما نقول بأن مفاد أصالة الطهارة جعل طهارة هذا مفاد وليس الاخبار عن طهارة، فإذا قلنا أن مفاد أصالة الطهارة جعل الطهارة فنسال هذه الطهارة المجعولة بأصالة الطهارة هي في طول الحكم الواقعي هذا لا شك فيه لانها جعلت في فرض الشك في الحكم الواقعي فهي في طوله لكن هل هي في طول الشرطية أي أن ما دل على أن صحة الصلاة مشروطة بطهارة ساتر العورة نفس دليل الشرطية هل هو أيضاً متقدم رتبة على أصالة الطهارة؟ لا، فالمتقدم رتبة على أصالة الطهارة هو الحكم الواقعي المشكوك، اما الشرطية المستفادة من قوله «لا تصل إلا بساتر طاهر» هذه الشرطية ليست متقدمة رتبة على أصالة الطهارة بل هما في عرض واحد فمقتضى أن دليل شرطية الطهارة - وليس الحكم الواقعي المشكوك - في عرض دليل أصالة الطهارة صحة حكومة دليل أصالة الطهارة على دليل الشرطية فدليل أصالة الطهارة يقرر انني لا اتصرف في الحكم الواقعي المشكوك كي يقال بأن لازم ذلك تصرف ما هو متاخر رتبة فيما هو متقدم رتبة وإنما اتصرف في هذا الدليل الذي يقول «لا تصلي إلا بثوب طاهر» فاقول بأن هذا الدليل يشمل الطهارة المنكشفة بالوجدان والطهارة المجعولة باصالة الطهارة، فدليل أصالة الطهارة لا يقلب صفة الثوب واقعا كي يقال بأن لازم ذلك تصرف ما هو متاخر رتبة فيما هو متقدم رتبة لا، لا يغيره، هو يقول فقط الدليل الذي قال «لا تصلي إلا بساتر طاهر» له فردان فرد وهو الطهارة المنكشفة بالوجدان وفرد آخر الطهارة المجعولة باصالة الطهارة وإن كان الثوب نجسا واقعا بحكم الشارع فلا مانع بنظر صاحب الكفاية أن يكون هذا الثوب متصف بحكمين فهو نجس واقعا وطاهر بطهارة اعتبارية مجعولة باصالة الطهارة وبمقتضى هذه الطهارة الاعتبارية يكون فردا من الشرط محققا للشرط.

فالنتيجة أن مدعى صاحب الكفاية حكومة أصالة الطهارة على الشرطية لا على الحكم الواقعي أن مقتضى كلام صاحب الكفاية حكومة دليل أصالة الطهارة ودليل أصالة الحل على دليل شرطية الحلية والطهارة في ساتر العورة حكومة واقعية وليس المدعى حكومة دليل أصالة الطهارة ودليل أصالة الحل على الحكم الواقعي المشكوك فإن هذا مما لا يعقل كما أفاد الميرزا النائيني «قدّس سرّه».

الايراد الثاني على كلام صاحب الكفاية: النقض بنقوض فقهية:

النقض الأول: أن لازم كلامك أنه لو لاقت اليد برطوبة مسرية هذا الثوب الذي حكمنا عليه بالطهارة اعتمادا على أصالة الطهارة فلازم ذلك أن اليد لا تتنجس لأن الثوب طاهر وهذا لا يمكن القول به.

النقض الثاني: ولازم كلامك أيضاً أنه لو توضا بماء نجس واقعا لكن محكوم بالطهارة ببركة أصالة الطهارة أو استصحاب الطهارة فإن لازم كلامك أن الوضوء صحيح واقعا ولو انكشف أن الماء نجس فوضوءه صحيح واعضاءه طاهرة ولا يمكن القول بذلك.

النقض الثالث: ولازم كلامك أنه لو باعنا شخص كتابا وشككنا في ملكيته للكتاب حين البيع وكان سابقا ملكا له فاستصحبنا ملكيته فإن مقتضى استصحاب ملكية البائع للكتاب صحة البيع واقعا وان انكشف بعد ذلك أنه لم يكن حين البيع ملكا له.

النقض الرابع: ولازم كلامك أنه لو _ هذا النقض ذكره السيد الصدر بالخصوص وهو نقض لطيف - توضا بماء نجس بالاستصحاب يعني هذا الماء كان نجس سابقا والان يشك هل هو نجس أم لا استصحب النجاسة ولكنه طاهر واقعا وتوضا به رجاء قال صحيح هو نجس بالاستصحاب لكن قد يكون الاستصحاب خطا فانا اتوضا به رجاء ثم انكشف الخلاف وان الماء طاهر فمقتضى كلامك أن يكون الوضوء باطلا لأنه توضا بماء نجس بالاستصحاب بينما هو طاهر واقعا إذ كما يفرض توسيع الشرطية الواقعية للطهارة كذلك ينبغي أن يفرض توسيع المانعية الواقعية للنجاسة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 78
الدرس 80