نص الشريط
الدرس 81
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/4/1435 هـ
مرات العرض: 2788
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (466)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن صاحب الكفاية «قدّس سرّه» ذهب إلى أن أصالة الطهارة وهي قوله «كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر» حاكم على دليل شرطية الطهارة وهو قوله «صل في ساتر طاهر» والحكومة حكومة واقعية بمعنى أن أصالة الطهارة توسع دائرة الشرط في قوله «صل بساتر طاهر» لما يشمل الطاهر طهارة ظاهرية وهو الطاهر المشكوك كما لو شككنا أن ثوب المصلي طاهر أم لا فأجرينا فيه أصالة الطهارة فهذه الطهارة المستفادة من دليل أصالة الطهارة فرد من أفراد الشرط وهو قوله «صل بثوب طاهر».

وذكرنا أن المحقق النائيني والسيد الخوئي «قدس سرهما» أشكلا على صاحب الكفاية بالنقض: وهو أن لازم هذا الكلام أي حكومة أصالة الطهارة على دليل الشرطية حكومة واقعية لازم ذلك أيضاً انتفاء النجاسة أيضاً انتفاء واقعيا فكما تصح الصلاة في الثوب المحكوم عليه بالطهارة صحة واقعية كذلك لو لاقت اليد هذا الثوب برطوبة مسرية وكان في الواقع نجسا فإن مقتضى حكومة أصالة الطهارة أن نحكم بطهارة الملاقي لا بنجاسته وهذا مما لا يقول به متفقه.

لكن سيد المنتقى «قدّس سرّه» دافع عن مطلب الكفاية بما يراه دفعا لسائر الإيرادات عليه من قبل المحقق النائيني وسيدنا الخوئي «قدّس سرّهما» وقال بأن مطلب الكفاية مطلب صحيح لا غبار عليه وذكر بعض النكات اللطيفة في دعم كلام صاحب الكفاية، وبيان مطلبه «قدّس سرّه» قال: لابد قبل التعرض لدفع الإيرادات من إيضاح كلام صاحب الكفاية وسبر مراده كي يتضح الحال فيما أورد عليه نقضا وحلا وإيضاحه يعتمد على مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن الحكومة عبارة عن نظر دليل لدليل آخر وهي تتصور على أنحاء وأقسام ثلاثة:

القسم الأول: أن يكون الدليل المحكوم دليل ألف متكفلا لجعل حكما على موضوع اعتباري - لا على موضوع تكويني - ثم يأتي دليل باء ويتكفل إيجاد فرد من أفراد هذا الموضوع الاعتباري فبمجرد أن يتكفل باء إيجاد فرد من أفراد هذا الموضوع الاعتباري فلا محالة سوف يترتب على هذا الفرد آثار ذلك الموضوع الاعتباري الذي ذكر في الدليل الأول ألا وهو الدليل ألف. بيان ذلك بالمثال:

: إذا ورد عندنا دليل يقول «المملوك تتعلق به الزكاة» فالحكم هو تعلق الزكاة والموضوع هو المملوك والمملوك ليس أمر تكويني بل أمر اعتباري جعلي ثم جاءنا دليل آخر فقال «المحاز مملوك» يعني إذا حزت شيئا فقد ملكته، الحيازة ملك، فلا محالة يكون معنى حكومة الدليل الثاني وهو قوله المحاز مملوك على الدليل الأول وهو قوله المملوك فيه زكاة بمعنى إيجاد فرد من أفراد ذلك الموضوع الاعتباري وبمجرد إيجاده وقوله «المحاز مملوك» يترتب عليه الحكم المفاد بالدليل الأول وهو تعلق الزكاة ويترتب عليه ذلك ترتبا واقعيا لا ظاهريا فإن المحاز مملوك إذن فتعلق الزكاة به حكم واقعي.

ومثله: استصحاب الملكية على بعض المباني بأن يقول المولى في دليل المملوك فيه زكاة ويقول في دليل آخر إذا ملكت شيئا سابقا ثم شككت أنه مازال ملكا لك أم وهبته لزوجتك هل ما زال ملكا لك أم خرج عن ملكك فتستصحب الملكية فيقول الدليل الثاني «مستصحب الملكية مملوك» فهو بالدليل الأول قال «المملوك فيه زكاة» وفي الدليل الثاني قال مستصحب الملكية مملوك بأن كان مفاد دليل الاستصحاب ليس مجرد المنجزية أو المعذرية بل مفاده أيضاً إيجاد فرد هذا معنى على بعض المباني بأن نقول مفاد دليل الاستصحاب هو إيجاد فرد من المستصحب استصحبت الملكية يعني أوجدت الملكية استصحبت العدالة يعني أوجدت عدالة استصحبت بقاء زيد يعني أوجدت فردا من البقاء له وهكذا فالاستصحاب مرجعه إلى إيجاد فرد إذن استصحاب الملكية يعني إيجاد فرد من المملوك فيكون الاستصحاب حاكما على قوله «المملوك فيه زكاة» بمعنى إيجاد فرد من أفراده وإذا وجد فردا من أفراده ترتب عليه الحكم المفاد بالدليل الأول ترتبا واقعيا فتتعلق الزكاة واقعا بمستصحب الملكية.

غاية الأمر يعني ما الفرق بين المثال الأول «المحاز مملوك» وبين المثال الثاني وهو قوله «مستصحب الملكية مملوك»؟

يقول: الفرق بينهما أن الملكية في الأول ملكية واقعية لأنه لم يؤخذ في موضوعها الشك في شيء قال المحاز بعنوانه الأولي مملوك لذلك الملكية المعطاة للمحاز ملكية واقعية، بينما الملكية في الدليل الثاني وهو قوله «المستصحب مملوك» ملكية ظاهرية لأنه اخذ في موضوعها الشك فقال إذا تيقنت بملكية شيء ثم شككت في بقاء الملكية فاستصحبها إذن اخذ في الملكية الاستصحابية الشك فهي ملكية ظاهرية فهما مختلفان من هذه الجهة فاحدهما يثبت حكما واقعيا والثاني يثبت حكما ظاهريا إلا أن كليهما يشتركان في نتيجة واحدة ألا وهي أن حكومة الدليل الثاني على الأول حكومة واقعية وان كانت الملكية ملكية ظاهرية. فمع أن الملكية الاستصحابية ملكية ظاهرية مع ذلك دليل الاستصحاب حاكم على قوله «المملوك فيه زكاة» حكومة واقعية.

وهذا كاف في جعله من الحكومة لأن الحكومة هي عبارة عن نظر ومن الواضح أنه عندما يقول «المحاز مملوك» فهو ناظر للأدلة الدالة على أحكام الملكية وإلا اعتبار الملكية للمحاز من دون نظر لآثار الملكية لغو إذن لا محال قوله «المحاز مملوك» يعتبر دليل حاكم لأن الحكومة عبارة عن النظر وما دام اعتبار الملكية للمحاز واعتبار الملكية للمستصحب قصد منه ترتيب آثار الملكية عليهما إذن فهذا الدليل ناظر إلى الأدلة الأولية الدالة على آثار الملكية فهو حاكم يعني مناط الحكومة متوفر فيه.

القسم الثاني من الحكومة: أن يكون الدليل المحكوم متكفلا لجعل حكم على الموضوع الواقعي لا على الموضوع الاعتباري مثل أن يقول «لا تفتي إلا بعلم» ظاهره أن جواز الإفتاء موضوعه العلم الحقيقي والواقعي ثم جاءنا دليل آخر قال «خبر الثقة علم» فهذا الدليل الآخر الذي يقول «خبر الثقة علم» ليس كالقسم الأول لأن في القسم الأول كان الموضوع في الدليل المحكوم امرا اعتباريا لذلك سهل سعته قال المملوك فيه زكاة والمملوك أمر اعتباري فلأنه أمر اعتباري يسهل صدقه على قوله المحاز مملوك المستحصب مملوك أما هنا الموضوع أمر واقعي قال «لا يجوز لك الإفتاء إلا بعلم» والعلم هو أمر واقعي وخبر الثقة ليس أمراً واقعيا إلا أن المولى قال «خبر الثقة علم» إذن فما معنى الحكومة هنا؟

قال: فإن هذا الدليل الثاني الذي قال: إن خبر الثقة علم يكون ناظرا إلى ترتيب الأثر المفاد بالدليل الأول وموسعا له لما يشمل الفرد الاعتباري فهو في نفسه ظاهر في الفرد الحقيقي والواقعي من العلم ولكن ببركة الدليل الثاني الذي قال خبر الثقة علم وسعنا دائرة الموضوع في الدليل الأول لما يشمل الفرد الاعتباري من العلم ألا وهو خبر الثقة فيثبت الأثر لهذا الفرد الاعتباري بالدليل المحكوم يعني الدليل الأول لا الثاني كما يقول به السيد الخوئي، فالدليل الحاكم يكون ناظرا إلى ترتب الحكم على موضوعه يكون خبر الثقة علم ومتكفل بنفسه إلى إثبات الأثر هو جواز الفتوى بالدليل المحكوم باعتباره أنه يتكفل التوسعة في موضوعه فبما أن الدليل الثاني يتكفل توسعة موضوع الأول فالدليل الثاني يريد أن يقول الدليل الأول هو الذي دل على ترتب الأثر على هذا الفرد الاعتباري ألا وهو خبر الثقة.

فما هو الفرق بين هذا القسم الثاني والقسم الأول؟ فالفرق بين هذا النحو وسابقه أن الحكم يترتب على الفرد الاعتباري في الأول بنفس الدليل المحكوم بلا معونة من الدليل الحاكم الدليل الأول قال المملوك فيه زكاة الدليل الثاني قال لا علاقة لي بالدليل الأول لا توسعة ولا ضيقا فقط أنا أقول المحاز مملوك بعد أن قال لنا الدليل الثاني المحاز الثاني مملوك الدليل الأول هو الذي رتب الأثر ألا وهو تعلق الزكاة على المحاز فالدليل الثاني لا دور له إلا إيجاد فرد من موضوعه، بخلافه في النحو الثاني فإن الأمر وإن كان يثبت بالدليل المحكوم لكن بواسطة الدليل الحاكم يعني لولا توسعة الدليل الحاكم لموضوع الدليل المحكوم لما شمل الدليل المحكوم هذا الفرد الاعتباري فاحتجنا إلى التوسعة.

القسم الثالث من الحكومة: أن يكون الدليل الحاكم متكفلا لإثبات حكم مماثل على موضوعه لا إثبات نفس الحكم الثابت بالدليل المحكوم مثلا أن يقول الشارع «لا صلاة إلا بطهور» ويقول في دليل آخر «الطواف بالبيت صلاة» فما هو غرضه بقوله الطواف بالبيت صلاة؟ فهل أن عنوان الصلاة في الدليل الأول وهو «لا صلاة إلا بطهور» يشمل بحد ذاته الطواف حتى يكون من القسم الأول؟ قطعا لا يشمل، في حد ذاته عنوان الصلاة لا تشمل الطواف جزما فهذا عنوان وذاك عنوان آخر وهذا موضوع وذاك موضوع آخر إذن عنوان الصلاة بقوله لا صلاة إلا بطهور لا يشمل الطواف أصلا فالقسم الأول منتفي.

كما أنه عندما قال «الطواف بالبيت صلاة» فهل غرضه أن يوسع الصلاة ويجعلها شاملة للطواف فكأنني بقولي الطواف بالبيت صلاة أزعم أن الطواف فرد من الصلاة، يقول لا هذا ليس غرضي إذن انتفى القسم الثاني لأن الغرض في القسم الثاني هو التوسعة إذن الغرض من قولي «الطواف بالبيت صلاة» جعل حكم مماثل ليس إلا يعني حيث قال في الدليل الأول لا صلاة إلا بطهور فعلمنا أن من أحكام الصلاة شرطية الطهور أنا عندما قلت «الطواف بالبيت صلاة» غرضي أن اجعل للطواف حكما مماثلا للحكم المجعول في الصلاة ألا وهو شرطية الطهور، فليس مفاد الدليل الثاني إلا جعل حكم مماثل فإنه بلسان الطواف بالبيت صلاة ناظر إلى إثبات شرطية الطهارة للطواف ولا يريد توسعة الموضوع في الدليل الأول لما يشمل الثاني، لا أن نفس الشرطية المنشاة في قوله لا صلاة إلا بطهور تثبت للطواف بل تثبت حكم مماثل لها لا أنها بنفسها تشمل الطواف لأن شمول نفس الشرطية للطواف يتوقف على توسعة الصلاة لما يشمل الطواف وليس غرضه توسعة الموضوع.

فلماذا اعتبرتم هذا من الحكومة إذا هذا يقول للدليل الأول يقول أنا لا أريد توسعة لموضوعه ولا أن موضوعه واسع يشمل هذا الفرد إذن فكيف يكون القسم الثالث حاكما على الدليل الأول؟! قال: ويكفي في الحكومة النظر لأن الحكم الذي يراد جعل مماثل له مستفاد من الدليل الأول فلأن هذا الحكم استفيد من الدليل الأول والدليل الثاني كان ناظرا له وأراد أن يجعل ما يكون مماثلا له كان بذلك حاكما.

هذا تمام الكلام في المقدمة الأولى وهي أقسام الحكومة.

المقدمة الثانية: أن الدليل المتكفل لإثبات موضوع ظاهري لأثر معين على قسمين:

القسم الأول: أن يكون لهذا الموضوع ضد ذو أثر مناقض - هنا النكتة التي تنبه لها في الدفاع عن صاحب الكفاية -.

والقسم الثاني أن لا يكون لهذا الموضوع ضد ذو أثر مناقض.

بيان ذلك: إذا قال «إذا شككت في ملكية زيد للدار فاستصحب ملكيته» كان زيد مالكا للدار والآن نشك في ملكيته يقول استصحب الملكية هذه الملكية الاستصحابية أثرها جواز نقل الدار من زيد إلى غيره أو الانتقال بالإرث مثلا فاثر الملكية الاستصحابية جواز النقل والانتقال فلو كانت هذه الدار في الواقع وقفا لكان الوقف موضوعا ذا أثر مناقض لأثر الملكية ألا وهو عدم جواز النقل والانتقال إذن هذا المورد وهو مورد استصحاب الملكية قد يكون مبتلى في الواقع بموضوع مضاد ذي أثر مناقض.

القسم الثاني: أن لا يكون مزاحما بموضوع ذي أثر مناقض مثل البحث الذي نحن فيه وهو أنه هذا الساتر للعورة لا ندري أنه طاهر أم نجس فإذا لم نعلم أنه طاهر أو نجس أجرينا فيه أصالة الطهارة فهذه الطهارة الظاهرية المستفادة من أصالة الطهارة هل يوجد موضوع واقعي ذو أثر مناقض لها يقول لا يوجد لماذا؟ حتى لو كان الثوب واقعا نجسا، فنجاسة الثوب واقعا ليس لها أثر في الشرطية لصحة الصلاة، لأن الشرط في صحة الصلاة طهارة الساتر لا أن النجاسة مانع فالنجاسة ليس لها أثر بل الأثر للطهارة إذن بما أن نجاسة الثوب واقعا ليس لها أثر في هذا المورد وهو مورد شرطية صحة الصلاة وإنما الأثر في هذا المورد وهو مورد شرطية صحة الصلاة للطهارة إذن فالطهارة الظاهرية المستفادة من أصالة الطهارة ليس لها في الواقع ضد ذو أثر مناقض. بخلاف الملكية الاستصحابية لزيد فلو كان في الواقع وقفا فإن نفس هذا المال موضوع مضاد لأثر مناقض.

يقول: نظير الطهارة بلحاظ الشرطية للصلاة فإنه ليس للنجاسة أثر يناقض الشرطية وهو المانعية من الصلاة إذ لم تؤخذ النجاسة مانعا بل المأخوذ الطهارة شرطا كأن سيد المنتقى يريد دفع دخل فما المانع فلعل الشارع جعل اثنين فقال الطهارة شرط وقال النجاسة مانع؟ يقول: لا يمكن جعل الاثنين معا، وقد تقرر أن أحد الضدين إذا اخذ شرطا مثل شرطية الطهارة امتنع اخذ الضد الآخر مانعا يقول: إما أن يتساويا في الأثر فيلزم اللغوية فإذا أخذت الطهارة شرطا ولا أثر لمانعية النجاسة إلا أثر شرطية الطهارة إذن اخذ مانعية النجاسة لغو وإذا افترضنا أنهما مختلفين في الأثر يلزم التعارض في مقام التطبيق، كيف؟

لو كانت الطهارة شرطا فإذا شك في طهارة الساتر وعدمه فلا تجري البراءة بل لا بد من إحراز طهارة الساتر فتجري قاعدة الاشتغال وأما إذا قلنا بأن النجاسة مانع لا أن الطهارة شرط فإذا شككنا في نجاسة هذا الساتر على نحو الشبهة الموضوعية جرت أصالة البراءة عن المانعية وأصلي فيه، فحيث إنهما يختلفان في الأثر فلو جعلهما الشارع معا وقال الطهارة شرط يعني لازم تحرز والنجاسة مانع يعني غير لازم فيلزم التعارض في التطبيق. إذن جعل الشرطية للطهارة والمانعية للنجاسة غير معقول لأنهما إما متساويان في الأثر فيلزم اللغوية وإما مختلفان في الأثر فيلزم التعارض في مقام التطبيق فلا يمكن جعل الشرطية والمانعية إذن بما أنه جعل الشرطية للطهارة فلا يوجد موضوع مضاد ذو أثر مناقض لها في هذا المورد يأتي الكلام في بقية تفصيل كلامه إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 80
الدرس 82