نص الشريط
الدرس 86
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 2/5/1435 هـ
مرات العرض: 2654
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (526)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أنه استدل على الإجزاء حتّى مع انكشاف الخلاف وجدانا بعدة وجوه ووصل الكلام إلى الوجه الذي طرحه السيد البروجردي «قدّس سرّه» في نهاية الأصول وهو أن ظاهر أدلة الحجج المتعلقة بتنقيح المتعلق أو الموضوع أن ما قامت عليه الحجة مصداق لما هو المأمور به ومقتضى هذا الظهور هو الصحة والاجتزاء واقعا.

ويلاحظ على كلامه اولا أن عدم اهتمام الإمام علي في قوله ما ابالي ابول اصابني أم ماء إذا كنت لا اعلم فإنه قرينة على النظر بخصوص نجاسة الساتر والبدن مما يعد فيه المانع مانعا ذكريا حيث إن نجاسة الساتر أو نجاسة البدن مانع ذكري من صحة الصلاة بحيث لو لم يكن المكلف ملتفا إليه لم يكن هناك مانع فلعله بلحاظ نظره إلى نجاسة الثوب أو البدن يقول انا لا ابالي ابول اصابني أو ماء لأنّه لا تكون النجاسة مانعا إلا إذا كانت معلومة لا مطلقا لا أنه ناظر لمطلق الموارد بحث لو كانت النجاسة في الماء مثلاً فإن المانع من صحة الوضوء النجاسة الواقعية لا النجاسة المعلومة فلعل عدم المبالاة من باب قرينة مناسبة الحكم للموضوع يوجب اختصاص هذه الرواية بما كانت النجاسة فيه مانعا ذكريا.

وثانيا على فرض أن مفاد الرواية مطلق ويشمل سائر الموارد التي يحتلم فيها النجاسة فمن الممكن أن يكون عدم المبالاة أي قوله لا ابالي من باب الكناية عن المعذرية وعدم لزوم الاحراز الوجداني فكانه يريد أن يقول إذا احتملت النجاسة فلا يلزمك أن تحرز الطهارة وجدانا بل يكفي أن يتعول على أصل من الأصول المؤمنة فمن باب الكناية عن عدم لزوم الاحراز الوجداني وعلى المعذرية في ارتكاب مساورة ما هو مشكوك النجاسة عبر بانني لا ابالي بغرض التسهيل والامتنان على المكلف لا أنه اما أن يكون العمل صحيح واقعا أو أن الإمام لا يبالي بصحة عمله وفساده فإنه لا يدور الأمر بين هذين الشقين كما هو مذكور في نهاية الأصول.

ويؤكد ذلك أي ويؤكد أن المعصوم فيما يتعلق بهذه الموارد هو في مقام التسهيل والامتنان على المكلفين بأنه لا يلزمهم الاحراز الوجداني بل يكفي العمل باصل مؤمن مثل صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله اغتسل أبي - يعني الإمام الصادق يخبر عن الإمام الباقر - فقيل له بقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له ما كان عليك لو سكت فهذا ارشاد بالموضوعات وهو ليس واجبا ولذلك استدل بها الفقهاء على عدم وجوب الارشاد ارشاد الجاهل في الموضوعات - ثم مسح اللمعة بيده، إذن فمثل هذه الرواية هل هي ظاهر بعدم مبالاة الإمام أو عدم اهتمامه بصحة غسله وتماميته؟ أم هي في مقام بيان التسهيل والامتنان على المكلف بأنه لا يلزمك أن تحرز الطهارة الحدثية احرازا واقعيا ووجدانيا بل يكفي أن تعتمد على أصل أو امارة مثل سوق المسلمين ويد المسلم.

ونحو موثق ابن بكير اياك أن تحدث وضوءا - هذا تحذير - حتّى تستيقن انك قد احدثت، أي إذا كنت فمفاد الرواية أنه من كان على وضوء فشك في زوال طهارته فإنه مما ينبغي له أن لا يأتي بوضوء حتّى يتيقن أنه احدث وهذه كناية عن التسهيل على المكلفين في مثل هذه الموارد بالجريان وفق الحجج من امارات واصول.

هذه الأدلة اما واردة على أدلة الاحكام الأولية أو حاكمة والورد فرع ظهور الأدلة الأولية في أن الشرط هو الاعم فمثلا قوله صل بساتر طاهر هل هو ظاهر في أن الشرط هو الجامع بين الطهارة الظاهرية والطهارة الواقعي؟ والصحيح أنه ظاهر في أن الشرط هو الطهارة الواقعية فالورود فرع ظهور الدليل الاولي في الجامع وحيث لا ظهور له في الجامع فالورود منتفي.

واما الحكومة فهي اما حكومة واقعية أو حكومة ظاهرية والحكومة الواقعية تتوقف على أن يستفاد من هذه النصوص التوسعة فليس مفادها مجرد التعبد بالطهارة بل مفادها توسعة الأدلة الدالة على الشرطية بما يشمل الطهارة الظاهرية وليس لهذه النصوص هذا المدلول فإن قوله كل شيء لك نظيف حتّى تعلم أنه قذر لا دلالة فيه لا بالمطابقة ولا بالالتزام على أنه في مقام التوسعة أي أنه يريد أن يوسع الشروط الواردة في الأدلة لما يشمل الطهارة المجعولة ظاهرا بل غايته التعبد بالطهارة عند الشك فيها فمفاده كما سبق التسهيل على المكلف في مقام شكه بالطهارة بالتعبد باثارها.

فالمتعين أن مفادها هو الطهارة الظاهرية والوجه في ذلك أن قوله في الغاية حتّى تعلم هل هو قيد راجع للحكم أو قيد راجع للموضوع فقوله كل شيء لك نظيف حتّى تعلم فهذه الغاية لنظيف أو انها غاية لشيء فهل هي قيد في الحكم أو هي قيد في الموضوع ويحث أن المحتمل الأول وهو انها قيد في الحكم دون الموضوع غير عرفي لأن مقتضى هذا المحتمل أن يكون مفاد الرواية هكذا كل شيء بالعنوان الأولي وليس بما هو مشكوك طاهر طهارة مغياة بعدم العلم فالحكم مغيا بعدم الحكم بينما الموضوع مطلق هذا غير عرفي، اين يقول مثلاً الارنب بما هو ارنب طاهر طهارة مغياة بعدم العلم هذا مما لا معنى له لانك إذا اخذت الموضوع الشيء بعنوانه الأولي فلا معنى لأن يكون حكمه مغيا بعدم العلم بل يثبت له الحكم بعنوانه الأولي فكما أنه بعنوانه الأولي مطلق لحال العلم والجهل فكذلك حكمه أيضاً فلا معنى لأن يكون الشيء بالعنوان الاولي محكوما بحكم في فرض عدم العلم بالخلاف واما أن يرجع إلى الموضع كما هو الظاهر فإنه قال كل شيء لم تعلم بقذارته فهو نظيف فيكون عدم العلم قيدا في الموضوع فكانه قال المشكوك نظيف لا أن الشيء بعنوانه الأولي مع غض النظر عن العلم أو الجهل نظيف، لا، المشكوك يعني بما هو مشكوك نظيف فإذا كان مرجع الغاية إلى الموضوع بحيث يكون مفاد الصحيحة أن المشكوك طاهر فهذا يعني أن العلم ملحوظ على نحو الطريقية لا الموضوعية ومقتضى ذلك أن تكون الطهارة طهارة ظاهرية فإذا استفدنا الطهارة الظاهرية فغايتها الحكومة الظاهرية فإن دعوى الحكومة الواقعية مع كون الطهارة طهارة ظاهرية مما يحتاج إلى شاهد ودليل واضح وليس ذلك موجودا.

تم الكلام فيما افاده فقيه قم المقدسة بل فقيه عصره السيد البروجردي «قدّس سرّه».

الوجه الرابع: ما افاده السيد الإمام «قدّس سرّه» في تهذيب الأصول وبيانه بذكر امرين:

الأمر الاول: قال: أن هناك فرقا بين القطع الوجداني وبين الامارة كما أن هناك فرقا بين الامارة العقلائية والامارة التعبدية فكانه ناظر في هذا الكلام إلى كلام السيد البروجردي نفسه فكانه يريد أن يناقشه، فإذا كان مستند من أخل القطع الوجداني كما لو افترضنا أن الفقيه قطع بأن المذبوح بغير الحديد مذكى فالجلد المذبوح بغير الحديد مذكى تصح الصلاة فيه فمستند الفقيه في أن الجلد المذبوح بغير الحديد مذكى قطع الوجداني اما قطعه بالحكم أو قطعه بصحة رواية أو قطعه بظهور دليل من الأدلة ثم زال قطعه بعد أن صلى وصلى مقلدوه بجلد المذبوح بغير الحديد مثلاً زال قطعه، ففي مثل هذا الفرض يقول السيد لا اشكال في عدم الإجزاء مع غض النظر عن قاعدة لا تعاد نحن نبحث عن وجوه أخرى فإن مقتضى القاعدة عدم الإجزاء لأنّه زال القطع وتبين أنه كان متخيلا فبما أن مستنده القطع والقطع قد زال وجدانا إذن فلا موجب لدعوى الصحة والاجزاء وهذا لا إشكال فيه لدى أحد.

واما إذا استند الفقيه إلى امارة فتارة تكون الامارة عقلائية وتارة تكون الامارة تعبدية هنا يريد أن يشير إلى كلام السيد البروجردي فإن كانت الامارة عقلائية فما ذكره السيد البروجردي من أن أمر الشارع بالاخذ بالامارة واتباع الامارة يعني أن العمل بها مجز ولو كشف الخلاف غير تام، لم؟ لأنّه ما دامت الامارة عقلائية كخبر الثقة والشهرة فحجيتها حجية امضائية محضة الشارع لم يكن له دور إلا امضاء هذه الامارة فبما أن حجيتها امضائية إذن فحدود حجيتها بحدود الممضى يعني بحدود المرتكز العقلائي وإذا رجعنا إلى المرتكز العقلائي وجدنا أن بناء العقلاء على عدم الإجزاء إذا تبين لهم خطا الامارة فمتى ما انكشف لهم خطا الامارة لم يجتزئوا الاعمال السابقة إذ تبين أن الامارة قد اخطات.

إذن ففي الامارات العقلائية التي امضاها الشارع لا يمكن أن نقول بالاجزاء لأن المرتكز العقلائي قائم على البناء على عدم الاجتزاء بالعمل بها مع انكشاف الخلاف واما إذا كانت الامارة تعبدية مثل حجية الظن في الركعات فانها امارة تعبدية فيقول بما أن الامارة تعبدية هنا يقول الحق مع السيد البروجردي فإن اخذ الشارع بالاخذ بهذه الامارة والجري عليها دلالة التزامية على أن العمل بها يكفي وان انكشف لك الخلاف أو فقل أن مقتضى الإطلاق المقامي إلى أن هذه الامارة حيث لم يبين الشارع إذا اخطات فما هو العمل فمقتضى الإطلاق المقامي هو الإجزاء.

ويلحق بها يعني الامارات التعبدية الأصول التعبدية مثل أصالة الطهارة والحل والاستصحاب بناء على أنه أصل قاعدة التجاوز والفراغ واشباه ذلك.

هذا الأمر الأول في كلامه.

الأمر الثاني: قال أن فتوى الفقيه إذا انكشف للفقيه خلافها فاثرها بالنسبة إلى الفقيه غير اثرها بالنسبة للعامي والسر في ذلك أننا إذا لاحظنا الفتوى بالنسبة إلى الفقيه الذي افتى بها فتارة تكون فتواه مستندة إلى قطع وتارة تكون مستندة إلى امارة عقلائية أو مستندة إلى امارة تعبدية أو أصل فلكل حكمه اما بالنسبة إلى العامي دائما يكون استناده في الفتوى استناد إلى الامارة لأن فتوى الفقيه في حقه امارة وان كانت هذه الامارة مستندة إلى أصل فحيث أن نسبة الفتوى إلى عمل العامي واستناده نسبة الامارة دائما مع غض النظر عما هو مستند الفتوى ما هو وحيث إن الفتوى امارة عقلائية من باب حجية قول الخبير إذن فمقتضى ذلك عدم الإجزاء في حق العامي ولو كان الفقيه في فتواه مستند إلى امارة تعبدية.

فتحصل من ذلك ثبوت الفرق في مقام الاجتزاء بين عمل الفقيه وعمل العامي فافهم واغتنم.

والملاحظة هي على الأمر الأول من كلامه فإن مجرد أمر الشارع بالاخذ بالامارة أو اتباعها أو الجري عليها لا دلالة عليه لا بالمطابقة ولا بالالتزام على الإجزاء وإنما الأمر ما هو إلا تسهيل على المكلف بعدم لزوم الاحراز الوجداني وانه يكفيه أن ياخذ بهذه الامارة فقوله مثلاً العمري وابنه ثقتان فما اديا اليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المامونان على الدين والدنيا فإن قوله فاسمع لهما واطع سواء فسرناه بأنه أمر ارشادي يعني ارشاد إلى حجية قولهما أو أنه أمر طريقي بغرض المنجية أو المعذرية فعلى اية حال هو في سياق التسهيل على المكلف بأن لا يلزمك البحث عن العلم دائما، يكفيك خبر الثقة وبالتالي فلا دلالة في هذا السياق على الاجتزاء لو انكشف الخلاف خصوصا إذا انكشف انكشافا وجدانيا.

الوجه الخامس ما طرحه المحقق الاصفهاني «قدّس سرّه» في خصوص الاحكام الوضعية ويبتني كلام المحقق الاصفهاني على مقدمتين.

المقدمة الأولى: أن الحجية إن كانت بمعنى جعل العلمية كما يقول به المحقق النائيني أو بمعنى جعل المنجزية والمعذرية كما يقول به الآخوند أو بمعنى جعل الاحتجاج كما يقول به نفس المحقق الاصفهاني فإنه يقول معنى الحجية يعني جعل لك ما تحتج به على جميع هذه المسالك الثلاثة حجية الامارة لا تقتضي الإجزاء، لم؟ لانها لا تتكفل انشاء حكم فهي اما معتبرة علما أو منجزة أو مما يصح الاحتجاج به فلأجل ذلك لا يكون مرجع حجية الامارة إلى جعل حكم فما لم يكن هناك حكم مجعول وقد انكشف خطا الامارة فلا مقتضى للاجزاء واما إذا كان مرجع الحجية إلى جعل الحكم المماثل أي أن الامارة إذا قامت على وجوب الجمعة فقد جعل الشارع وجوبا للجمعة على طبق مؤدى الامارة مع غض النظر عن الواقع وهذا ما ذهب إليه سيد المنتقى «قدّس سرّه» استنادا إلى قوله فما اديا اليك فعني يؤدي حيث استفاد منها جعل المؤدى أي أن الشارع يجعل حكما في مرحلة الظاهر على طبق المؤدى المعبر عنه بجعل الحكم المماثل إذن إذا قامت امارة على أن المذبوح بغير الحديد مذكرى فقد جعله الشارع مذكى وإذا قامت أصالة الطهارة على أن المشكوك طاهر فقد جعله الشارع طاهرا وهكذا فبناء على ذلك يوجد على هذا المسلك حكم.

هذه المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية يأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 85
الدرس 87