نص الشريط
الدرس 106
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/6/1435 هـ
مرات العرض: 2632
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (476)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في الضميمة المحرمة، وقلنا بأنّه إذا ضمّ إلى قصد القربة قصد أمر محرّم في أجزاء الصلاة، فحينئذ ما هو حكم صلاته من حيث الصحة والفساد؟ ذكرنا أن في المقام عدّة موارد للخلاف:

المورد الأوّل: الخلاف في حقيقة الزيادة، وقد مضى الكلام فيه.

المورد الثاني: أنّ فساد الجزء بالرياء هل يقتضي فساد المركب حتّى لو كان المركب ممّا لا تخل به الزيادة العمدية كالوضوء مثلا.

فلو فرضنا أنّ المكلف اتى بجزء من اجزاء الوضوء رياء، كما لو غسل يده اليمنى رياء، فلا اشكال حينئذ في فساد هذا الجزء وهو غسل السيد اليمنى، ولكن هل يستلزم فساد الجزء هنا فساد الوضوء حتّى لو تدارك، بمعنى أنّه غسل اليد اليمنى مرة أخرى بقصد التقرب؟

ذكرنا أمس أنّ سيّد العروة «قده» ذهب إلى فساد المركب بمجرد الرياء في بعض اجزاءه، وإن كان الجزء قابلا للتدارك، كما لو تدارك غسل اليد مرة أخرى بقصد القربة، لكن لا يفيده التدارك فالوضوء فاسد، وذكرنا انه استدل بالنصوص الواردة، في قوله «لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا» فبمجرد أن يضم الريا ولو في جزء من الاجزاء اُعتبر هذا العمل شركا والشرك غير قابل للتقرب.

ولكن سيّدنا الخوئي «قده» ناقش مطلب سيّد العروة في جزء 14 من موسوعته صفحة 29، قال: لكنّ هذا الوجه - أي الذي ذهب إليه صاحب العروة - مبني على أنّ المراد بكلمة «فيه» وادخل فيه رضا أحد من الناس، أنّ المراد بكلمة «فيه» مطلق الظرفية،

لكن ارادة مطلق الظرفية مدفوع بالنقض والحل:

أمّا النقض؛ فإن لازم ذلك - إذا فيه مطلق الظرفية - القول بفساد الوضوء أو الصوم لو قرأ في اثناءه سورة رياء، لو أنّ الانسان في اثناء صومه قرأ سورة رياء، او أنّه في اثناء غسله او وضوءه او تيممه قرأ سورة رياء، فمقتضى كلام صاحب العروة أن يبطل صومه لأنه يصدق عليه أنّه ادخل فيه رضا أحد من الناس.

ولا يمكن القول بذلك أبدا، ممّا يكشف عن أنّ ألظرفية ليست مرادة على اطلاقها، إذاً فما هو المراد بالظرفية.

إذاً فليس المراد بالظرفية معناها الواسع بحيث يشمل كون العمل وعاء لعمل آخر، بل المراد بالظرفية اجتماع القربة والرياء في عمل واحد يؤدي، ليس في عمل واحد ونسكت حتّى يقال نعم اجتمعا في عمل واحد، هذا الوضوء فيه قربة لأنّه قصد غسل الوجه قربة لله، فيه رياء لأنّه قصد غسل اليد اليمنى قربة لله، لا، المقصود بالظرفية اجتماع القربة والرياء في عمل واحد يؤدي إلى اتصاف ذلك العمل بالشرك، يعني إذا كان اجتماعهما في عمل يؤدي إلى اتصاف ذلك العمل بالشرك، بحيث يُقال هذا العمل شرك، حينئذ يكون مشمولا بالرواية «وادخل فيه رضا أحد من الناس» فالمراد بالظرفية معنى اخص ألّا وهو أن يكون العمل بسيطا بحيث تكون وحدته سببا لأن يكون الرياء فيه موجبا لاتصافه بالشرك.

فإذا نظرنا إلى للوضوء، فإنه وإن كان واحدا بلحاظ، لكنه بلحاظ آخر متعدد عرفا، فغسل الوجه غير غسل اليد، والتقرب في غسل الوجه غير الرياء في غسل اليد، فلا موجب لأن يتصف الوضوء بكونه شركا لانه رائى في غسل اليد اليمنى بعد أن تداركها وغسل اليد اليمنى مرة أخرى بقصد التقرب، فلا يُقال بأنّ وضوءه شرك، إذاً فالمناط في المبطلية على أن يتصف العمل الواحد بمجرد الرياء بكونه شركا، ولا يتصف العمل الواحد بكونه شركا بمجرد الرياء إلإ إذا كان عملا بسيطا بحيث تقتضي بساطته أن يكون الرياء فيه موجبا لاتصافه بالشرك، كما في غسل الوجه نفسه، إذا غسل الوجه بقصد التقرب وبقصد الرياء اتصف غسل الوجه نفسه بكونه شركا، وهذا لا يستلزم اتصاف الوضوء بكونه شركا إذا تدارك غسل الوجه مرة أخرى بقصد التقرّب إلى الله تبارك وتعالى. وهذه المناقشة لصاحب العروة مناقشة متينة.

المورد الثالث: ما تعرّض إليه صاحب العروة في صفحة 40 من الجزء 6 من موسوعة السيّد الخوئي «قده»، ألّا وهو الفرق بين الرياء وبين بقية الضمائم المحرمة، يوجد فرق بين الرياء وبين بقية الضمائم المحرمة، ما هو الفرق بينهما؟

السيّد الخوئي هكذا قرر كلام صاحب العروة في ص 40، قال: إن الرياء إذا تحقق في العبادة ولو في جزئها اقتضى بطلانها، حيث إنّ الرياء كالحدث، ولا ينفع معه اعادة الجزء بداعي القربة، لأنه إذا تحقق في جزء من العمل ابطل الكل كما هو الحال في الحدث، وهذا بخلاف الضميمة المحرمة، مثل ماذا؟ مثلا: انسان يصلي إلى جنب قبر المعصوم لما وصل إلى السجود تقدم على قبر المعصوم بقصد الهتك، فهو قصد ضميمة محرمة في الجزء مضافة قصد التقرب، فقصد بالسجود الهتك مثلاً، هنا إذا قصد بالسجود الهتك، ربّما السجود في الصلاة غير قابل للتدارك، افترضوا في عمل قابل للتدارك، إذا قصد به الهتك هل يبطل العمل؟ صاحب العروة يقول لا، وهذا بخلاف الضميمة المحرمة كالهتك؛ لأنّها تحققت في جزء، فيختص بالبطلان بذلك الجزء، فلو عدل عن قصده عن الضميمة المحرمة واتى به بقصد القربة وقعت العبادة صحيحة إن لم تكن باطلة من جهة أخرى كالزيادة العمدية او فوات المولاة، إذاً صاحب العروة يقول: فرق في الضمائم المحرمة بين الرياء وغيره، الرياء متى وقع ولو في جزء بطل كالحدث ولا يجدي التدارك، وأمّا الضمائم المحرمة الأخرى كقصد الهتك مثلا، كقصد نقض التقية مثلاً، بمعنى أنّه يقوم في الوضوء ويمسح رجله في الوضوء بقصد نقض التقية، في فرض تكون التقية واجبة عليه يمسح رجليه بقصد التقرب وبقصد نقض التقية مثلاً، هنا هل يبطل الوضوء أم لا؟ صاحب العروة يقول لا، هذا غايته أنّ هذا الجزء بطل يستطيع أن يكرره بداعي التقرّب ولكن الوضوء صحيح، الذي يُبطل على كل حال كالحدث هو الرياء.

ناتي إلى مناقشة السيّد الخوئي - ص41 -، قال ما ملخصه: هل المدار في المبطلية الاجتماع في عمل واحد عرفا، أو المدار في المبطلية الاجتماع في عمل واحد عقلاً ودقة، إذا كان المناط في المبطلية أنّ التقرب والرياء اجتمعا في عمل واحد عرفا، كلامكم صحيح، إذاً بالنتيجة نقول: متى ما رائى في جزء من اجزاء وضوءه، وحيث إن الوضوء عمل واحد عرفا فقد اجتمع التقرب والرياء في الوضوء فكان الوضوء باطلاً، كلامكم صحيح.

أمّا إذا قلنا المناط في المبطلية أن يجتمعا في عمل واحد حقيقية، يعني عمل واحد عقلاً، لم يجتمعا في الوضوء في عمل واحد؛ لأن غسل الوجه غير غسل اليدين، غسل اليدين غير مسح الرجلين، ففي مسح الرجلين وإ ن اجتمع التقرب والرياء لكن هذا لا يعني أن التقرب والرياء اجتمعا في الوضوء، بل هذا في جزء وهذا في جزء آخر، فلا فرق حينئذ بين الرياء وغيره من الضمائم المحرمة في أنّ المحرم يُبطل الجزء لا أنّه يُبطل المركب.

في مقابل كلام صاحب العروة السيّد الخوئي فصّل لكنه فصّل بالعكس، قال: الصحيح هو الفرق بينهما، أي بين الرياء والضمائم المحرمة، لكن الضميمة المحرمة مبطلة والرياء غير مبطل، بعكس تفصيل صاحب العروة، الآن نقرأ كلامه في صفحة 41 من الجزء 6: إن قصد الرياء إذا كان على وجه التبع، يعني قصده تبعاً، بحيث لم يكن له مدخلية في صدور العبادة، لا على نحو جزء الداعي، ولا على نحو الداعوية المستقلة، ولا على نحو تأكيد الداعوية - كيف قصده تبعا؟ - وإنما يسره رؤية الغير لعمله، مع صدوره عن الداعي الالهي المستقل في الداعوية. - لو كان هكذا قصد الرياء - لم يكن ذلك موجبا لبطلان العبادة. لماذا؟ لعدم كونه رياء في الحقيقة، وعلى تقدير التنّزل - يعني انه رياء - فإن مثله ليس بمحرم، ولا بمبطل للعمل قطعا.

والنتيجة بعبارة واحدة: أنّ الرياء إذا كان تبعيا بالمعنى الذي عرف لم يكن موجبا لبطلان العمل بوجه، هذا الرياء.

ناتي إلى الضمائم الأخرى المحرمة:

وهذا بخلاف الضميمة المحرمة؛ لأنّها إذا قُصدت ولو تبعا، بمعنى أنّه صلى عن الداعي الالهي المستقل في الداعوية ولم يكن الهتك - كضميمة محرمة - جزءا من داعي العمل ولا داعيا مستقلا ولا مؤكدا بوجه، وإنما قصده على نحو التبعية القهرية. كيف يصير؟

قال: هنا قسمان:

القسم الأوّل: ما يستتبع بطلان العبادة لا محالة، فإنّه متى ما قصد الهتك، لنفترض أنّه قصد بركوعه هتك المعصوم ، قصد بغسل الوجه هتك المعصوم فإنّه متى ما حصل الهتك كان العمل هتكا محرما، والمحرم لا يقع مصداقا للواجب، مع أنّه هتك تبعي لا دخيل في المحركية لا مؤكد للمحركية، تبعي لكن بمجرد أن يحصل منه قصد الهتك صار العمل هتكا، وإذا صار العمل هتكا صار محرما، والمحرم لا يقع مقربا، بل وكذلك الأمر إذا لم يكن قاصد، وإنما التفت إلى أنّه هتك - التفت إلى أن التقدم على قبر المعصوم هتك وإن لم يقصد الهتك، فإنّه يكفي في الحرمة والبطلان، الذي هو أعظم من الرياء.

القسم الثاني: إذا افترضنا أن المحرم لا ينطبق على العمل، بأن كان عمله مقدمة لعمل آخر، لنفترض المرأة مثلا، المرأة توضأت فغسلت وجهها بقصد الوضوء وبقصد اثارة الريبة المحرمة، وقفت امام الرجل وغسلت وجهها بقصد الوضوء وبقصد اثارة الريبة المحرمة، فكان غسل الوجه مقدمة لمحرم وهو اثارة الريبة، يقول هنا: فيبتني الحكم بحرمته على ما حررناه في بحث الأصول من أن مقدمة الحرام إذا قُصد بها التوصل إلى الحرام هل يُحكم بحرمتها؟ وقد ذكرنا هناك أن المحرم ذات الحرام، والمقدمة وإن قُصد بها التوصل إلى الحرام لا تتصف بالحرمة، وإن كانت طغيانا وتجريا على المولى، إلّا أنّها ليست محرمة شرعا، وبالتالي لا يكون ذلك موجبا لبطلان العبادة.

فخلاصة تفصيل سيدنا «قده»: أن الرياء يختلف عن الضميمة المحرمة، فالرياء لو كان تبعيا فليس مبطلا، والضميمة المحرمة إن انطبقت على العمل كعنوان الهتك اوجبت بطلانه ولو كانت مقصودة تبعا، بل ولو لم تكن مقصودة بل ملتفتا إليها، وأمّا إذا لم تنطبق على العمل كالقصود الاخرى فحرمتها تبتني على حرمة مقدمة الحرام شرعا، وحيث إننا لا نقول به فلا اشكال من هذه الجهة.

يُلاحظ على ما أفاده «قده» بما يبتني على أمور:

الأمر الأول: أنّ بحثنا الآن ليس في ما ينافي قصد القربة وما لا ينافي، فمن الواضح أن القصد التبعي سواء كان للرياء او لأي ضميمة محرمة لا ينافي قصد القربة، وإنما بحثنا متمحض الآن في أنّ قصد الحرام هل يكون مانعا من صحة العمل لا من حيث أنّه مفوت لقصد القربة، لكن من حيث إن قصد الحرام إذا انطبق على العمل هل يكون مانعا من التقرّب أم لا؟ وبعبارة أخرى: انضمام قصد محرم يوجب انطباق العنوان المحرم على العمل، فإذا انطبق على العمل فهل يكون انطباقه على العمل مانعا من مقربيته أم لا؟

بما أنّ بحثنا في الأمر الثاني:

القصود على ثلاثة أقسام: هناك عناوين قصدية لا تنطبق على العمل وهي القصود المقارنة للعمل كما في العُجب مثلاً، كما لو صلى انسان لله لكنه معجب بصلاته، العجب بصلاته لا ينطبق على الصلاة فلا يقال هذه الصلاة عجب، الصلاة صلاة وليست عجبا، قصد العجب لا ينطبق على العمل، فهذه العناوين وإن كانت قصدية إلّا أنّها لا تنطبق على العمل، لذلك هي خارجة عن محل البحث.

والقسم الآخر من العناوين: ما ينطبق على العمل وإن لم يُقصد، وهو ما يُسمى بالعناوين الانطباقية، قصدت أم لم تقصد، التفت أم لم تلتفت هي تنطبق على العمل، كعنوان الهتك، فإنّ من يصعد على قبر المعصوم «بحذائه» فهو هتك، فهو قصد او لم يقصد، ملتفت غير ملتفت، ليس له علاقة، عنوان الهتك عنوان انطباقي لايدور مدار القصد، هذا أيضا ليس محلا لبحثنا؛ لِمَ؟ لأنّ انطباق عنوان محرم على العمل يُدخل العمل في باب اجتماع الامر والنهي وأنّه يكون من صغريات بحث اجتماع الامر والنهي وليس من محل كلامنا.

إذاً محل كلامنا في القسم الثالث: وهو ما يكون عنوانا قصديا ومنطبقا على العمل، مثل الرياء، فإنّ الرياء من العناوين القصدية، لكنه إذا اتى بالعمل بداعي الرياء صار العمل نفسه رياء «ولا تنفقوا اموالكم رءاء الناس» العمل نفسه رياء لأنه صدر بداعي الرياء، وقد ذكرنا في بحث القطع أن عنوان التشريع وعنوان التجري، ذهب سيدنا «قده» إلى أنها من العناوين المنطبقة على الاعمال، فالاتيان بالصلاة بقصد التشريع تشريع، والاتيان بعمل بقصد التجري تجري، فإن التشريع والتجري ينطبق على ذات العمل، على عنوان العمل، فمحل بحثنا في القسم الثالث، وسيّدنا «قده» ناقش صاحب العروة بما يرتبط بالقسم الثاني وهو العناوين الانطباقية التي لا تدور مدار الالتفات والقصد، بينما محل بحثنا في العنوان التالي، ما كان عنوانا قصديا، لا ما كان عنوان انطباقيا، ما كان عنوانا قصديا ينطبق على العمل فيما لو صدر العمل بداعيه، وياتي بقية الكلام.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 105
الدرس 107