نص الشريط
الدرس 39
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 29/5/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 8
مرات العرض: 2624
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (294)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الكلام في جريان البراءة الشرعية في دوران الامر بين المحذورين، فاذا تردد الامر بين الوجوب والحرمة فهل تجري ادلة البراءة الشرعية ام لا، وقد ذكر في كلمات الاعلام عدة موانع عن جريان ادلة البراءة الشرعية.

المانع الاول ما نسبه في المنتقى الى المحقق النائيني ومحصله، ان مفاد ادلة البراءة حكم ظاهري والحكم الظاهري يعتبر في صحته وجود اثر عملي له، وفي المقام ليس له اثر عملي لأنّه اذا دار الامر بين الوجوب والحرمة كما اذا علم المكلف ان النفقة على الولد المرتد اما واجب او حرام، فهو يعلم بحكم العقل باللا حرجية، اذ ما دام المكلف مضطرا، الى الفعل او الترك فمقتضى اضطراره حكم عقله بان لا حرج عليه، في الفعل او الترك، وبعد حكم العقل باللا حرجية فلا اثر للترخيص الظاهري، اذ مع الترخيص العقلي لأجل الاضطرار يكون الترخيص الظاهري لغوا لا اثر له.

هذا ما نسب الى المحقق النائيني واجاب عنه سيد المنتقى بأنّ لغوية الجعل الشرعي في مورد الحكم العقلي قد ذكرت في عدة موارد في الاصول منها مورد البراءة الشرعية مع البراءة العقلية، فاذا افترضنا تمامية البراءة العقلية وحكم العقل في مورد كما لو شك في حرمة التدخين مثلاً فحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فانه بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فما هو الاثر للبراءة الشرعية، المستفادة من حديث الرفع، وحديث الحجب ونحوهما؟

فهل يمكن ان يقال ان جريان البراءة الشرعية في مورد البراءة العقلية لغو؟

فالجواب عن اللغوية هناك هو الجواب عن اللغوية في محل كلامنا، حيث اشكل بانه بعد حكم العقل باللا حرجية في الفعل او الترك لأجل الاضطرار، فان الترخيص الشرعي الظاهري بأدلة البراءة لغو، فالجواب عن اللغوية هناك هو الجواب عن اللغوية هنا.

فلنرجع نحن لما اجيب به عن اللغوية هناك لنرى هل يصلح جوابا عن اللغوية هنا أم لا،

فقد افيد هناك أي في مورد التقاء البراءة الشرعية مع البراءة العقلية، بأن لا لغوية لوجهين:

الورود وتعدد الحكم العقلي، لتعدد ملاكه:

اما الوجه الاول وهو الورود فيقال ان الحكم العقلي دائما ليس حكما تنجيزيا بل هو حكم معلق على عدم تدخل الشارع سواء كان تدخله بما يوافق العقل او بما يخالفه.

فلذلك حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان عند الشك في حرمة التدخين مثلاً معلق على عدم تدخل الشارع، فاذا تدخل الشارع حصل بيانٌ، واذا حصل البيان ارتفع قبح العقاب بارتفاع موضوعه، وان كان ذلك البيان بيانا ظاهريا موافقا لحكم العقل نفسه، فدليل البراءة الشرعية وارد على البراءة العقلية لكونه بيانا، فلا وجه للإشكال باللغوية، اذ الحكم العقلي أصلا ينتفي بالبراءة الشرعية فلم يجتمعا كي يقال باشكال اللغوية.

فهل هذا الجواب عن اللغوية هناك يصلح في المقام؟ فيقال ان حكم العقل عند دوران الامر بين المحذورين وهو حكمه باللا حرجية على المكلف هل هذا الحكم باللا حرجية يرتفع بالبراءة الشرعية من باب الورود ام لا؟

قد يقال بالعدم والوجه في ذلك ان الحكم العقلي انما يرتفع بالبيان الشرعي اذا اتحدا موردا لا ما اذا اختلفا موردا، فهناك المورد واحد وهو الشك في حرمة التدخين على نحو الشبهة البدوية، فهذا المورد هو مورد للبراءة العقلية وهو مورد للبراءة الشرعية، فلما اتحدا موردا، كانت البراءة الشرعية بيانا رافعا للبراءة العقلية.

اما اذا اختلفا موردا كما في محل كلامنا حيث ان حكم العقل بانه اذا دار امر النفقة بين الوجوب والحرمة فلا حرج عليك في احد الطرفين، لكونك مضطرا لذلك، فحكم العقل باللا حرجية حكم واقعي وليس ظاهريا، لانه حكم بملاك الاضطرار، فما أفاده اللا حرج عليك واقعا لأجل الاضطرار بينما حكم الشارع بالبراءة ترخيص ظاهري بملاك عدم العلم، فهما مختلفان موردا ومع اختلافهما موردا لا يمكن دعوى الورود وان الترخيص الشرعي الظاهري بملاك عدم العلم رافع للحكم العقلي الواقعي بملاك الاضطرار.

واما الوجه ال2 فهو دعوى تعدد حكم العقل بتعدد ملاكه، بيان ذلك: ان العقل كما يحكم بقبح العقاب لأجل عدم البيان فانه يحكم ايضا بقبح العقاب لأجل خلف الوعد، وفي مورد التقاء البراءتين العقلية والشرعية لو لم نقل بالورود وقلنا باجتماعهما فان العقل يقول يقبح عقاب المكلف، على ارتكاب الشبهة لأجل عدم البيان، وحيث ان الشارع بيّن العدم أي بين الترخيص الظاهري فبيان الشارع للعدم وعد بعد العقاب ومع وعده بعدم العقاب يحكم العقل بقبح العقاب لأجل قبح خلف الوعد، فهنا حكمان عقليان كل منهما ذو ملاك، يختلف عن الآخر فلا يرد محذور اللغوية فكما ان للعقل حكم بالقبح عند عدم البيان فللعقل حكم بالقبح عند بيان العدم.

فهل هذا ينطبق على محل كلامنا ام لا، فنقول، بأنه اذا كان الاشكال المنسوب الى المحقق النائيني هو اشكال اللغوية فجواب سيد المنتقى عنه تام اذ لا لغوية مع وجود حكمين ذي ملاكين، فالعقل من جهة يحكم بالا حرجية لأجل الاضطرار ومن جهة اخرى يحكم بقبح العقاب في هذا المورد لأجل بيان الشارع لعدم العقاب بمقتضى ادلة البراءة الشرعية، فهناك حكمان ذوا ملاكين.

ولكن قد يقال باشكال اخر في المقام انما يتصور تعدد حكم العقل لتعدد ملاكه لو لم يكن احدهما رافعا للاخر وقد يقال هنا بالعكس أي ان حكم العقل باللا. حرجية رافع لموضوع البراءة الشرعية، والوجه في ذلك ان شمول ادلة البراءة الشرعية لمورد دوران الامر بين المحذورين فرع الشك في حكم هذا المورد ومع حكم العقل باللا حرجية حكما واقعياً لأجل الاضطرار يرتفع الشك في هذا المورد وهو مورد دوران الامر بين المحذورين، ومع ارتفاع الشك لا يبقى موضوع لأدلة البراءة الشرعية، فانما يتصور اجتماعهما بحيث يقال إنّ هناك حكمين عقليين ذوي ملاكين ما لم يكن احدهما رافعا للاخر، وفي المقام ترفع البراءة الشرعية بالحكم العقلي الواقعي فتأمل.

هذا ما يتعلق بالوجه الاول او المانع ال 1 الذي افاده المحقق النائيني

المانع ال 2 ما في اجود التقريرات من ان مفاد ادلة البراءة الرفع والمصحح للرفع احتمال الوضع، اذ لا يصح الرفع في مورد الا اذا كان الوضع صحيحا فيه، ومن الواضح ان الوضع لو تمّ حال الشك فإنما يتمّ بجعل الاحتياط، فالحكم الواقعي لا وضع له في مرحلة الظاهر الا بوضع وجوب الاحتياط، ونحن نقطع بعدم وجوبه عند دوران الامر بين المحذورين، لعدم امكانه، فاذا كان وضع وجوب الاحتياط منتفيا لعدم امكان الإحتياط فقد انتفى الوضع واذا انتفى الوضع انتفى الرفع لأنّه انما يصح الرفع لو صح الوضع.

واجيب عن هذا الكلام في كلمات جملة من الاعلام، ومنهم السيد الخوئي وتلامذته بانه انما يصح الرفع لو صح الوضع في مورد الرفع، لا مطلقا، والوضع هنا في مورد الرفع ممكن، والسر في ذلك ان في المقام شبهتين لا شبهة واحدة، لأنّه يشك في وجوب النفقة، وهذه شبهة، ويشك في حرمتها فهذه شبهة اخرى، فكل شبهة على حدة مما يصح فيها الوضع فيصح فيها الرفع، فيقال يمكن للشارع ان يضع الوجوب بجعل الاحتياط من جانب الوجوب بان تلتزم بالفعل وهو النفقة فحيث يصح وضع وجوب الإحتياط من جانب الفعل اذا يصح رفعه بدليل البراءة وحيث يصح جعل وجوب الاحتياط من جانب الترك بان يقول الشارع اترك النفقة احتياطا اذا يصح الرفع في جانب الترك بدليل البراءة، فالرفع هنا صحيح لصحة الوضع في كل شبهة على حدة

نعم لا يمكن الجمع بين الاحتياطين الا ان عدم امكان الجمع بين الاحتياطين شيء وعدم معقولية وضع وجوب الاحتياط في كل شبهة على حدة امر اخر ولا تلازم بينهما، وما افيد في كلمات الاعلام انيق.

الوجه ال 3 ايضا ما ورد في تقريرات المحقق النائيني ومحصله ان ادلة البراءة ما كان مدلوله المطابقي هو جعل الحلية مثل كل شيء لك حلال، او مدلوله الالتزامي جعل الحلية مثل رفع عن امتي ما لا يعلمون بناءً على ان مدلولها الالتزامي جعل الترخيص والحل في مرحلة الظاهر، فكل ما كان مفاده الحلية والترخيص مطابقة او التزاما لا يشمل مورد دوران الامر بين المحذورين.

والسر في ذلك انه يعتبر في جعل الحكم الظاهري احتمال مطابقته للواقع، فلو قطع بعدم مطابقته للواقع كان جعله لغوا، وفي المقام نقطع بان لا حلية، لأنّه اما واجب او حرام، فنحن نقطع ان حكم النفقة واقعا ليس حلالا قطعا لأنّه اما واجب واقعا او حرام، فاذا قطعنا ان النفقة ليست حلال واقعا فجعل الحلية ظاهرا لغو لأنّه جعل لحكم لا نحتمل مطابقته للواقع، فلا محالة ينتفي شمول ادلة البراءة الدالة على الحلية بالمطابقة او الإلتزام للقطع بعدم مطابقتها للواقع.

يأتي جواب السيد الصدر عن ذلك.

الدرس 38
الدرس 40