نص الشريط
الدرس 57
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/6/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 26
مرات العرض: 2924
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (432)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

تعرضنا فيما سبق لكلام المحقق الاصفهاني «قده» وقد ذًكرت عدّة ملاحظات على كلامه:

الملاحظة الاولى: ما تعرض له هو بنفسه وقد استفاد منه في مصباح الأصول، وملخصه: انه لا فرق بين المقام وبين العلم الإجمالي في التدريجيات فكما أن العلم الإجمالي في التدريجيات منجز فكذلك في المقام.

مثلا: إذا علمت المرأة ان الدم الذي طرقها اليوم إما هو الحيض أو الدم الذي سيطرقها بعد عشرين يوما، فهي تعلم إجمالا بأن احد الدمين حيض ولأجل ذلك يجرم عليها دخول المسجد أما اليوم أو بعد عشرين يوما، فلا ريب لدى المتأخرين في أن هذا العلم الإجمالي منجز، مع أن احد طرفيه فعلي والآخر استقبالي، فكذلك الأمر في المقام بان يقال: ان العلم الإجمالي إما بوجوب الصوم اليوم أو بحرمته غدا، وكذلك العكس العلم الإجمالي إما بحرمة الصوم اليوم او وجوبه غدا من قبيل العلم الإجمالي في التدريجيات والعلم الإجمالي في التدريجيات منجز.

ولكنّ المحقق الاصفهاني نفسه في الأمر الخامس من الأمور التي ذكرها أفاد: بأنه العلم الإجمالي في التدريجيات هو ما إذا وجد علم فعلي إلا أن أحد طرفيه فعلي والآخر استقبالي، كعلم المرأة بان ما طرقها من الدم اليوم حيض أو ما سيطرقها بعد عشرين يوما، فإذا كان لدينا علم واحد له طرفان طرف فعلي وطرف استقبالي، فهنا يقال بان هذا العلم من التدريجيات ولأجل ذلك قالوا بمنجزية العلم الإجمالي في التدريجيات على كل حال، ومعنى على كل حال: يعني سواء قلنا بأنه من قبيل الواجب المعلق، أو قلنا انه من قبيل الواجب المشروط بشرط متأخر، أو قلنا بأنه من قبيل الواجب المشروط بالشرط المقارن.

مثلاً: إذا نذرت نذرا في اليوم وغدا قطعا ولكنني لا ادري أنني هل نذرت الصوم اليوم أو نذرت الصوم غدا، فانا لدي نذر إما الصوم اليوم أو الصوم غدا، فبناءً على أن وجوب الوفاء بالنذر فعلي بفعلية النذر، وإن كان المنذور أمرا استقباليا، فلا محالة يكون وجوب الوفاء بالنذر بالنسبة لصوم غد من قبيل الواجب المعلّق أي أن الوجوب فعلي وان كان الواجب استقباليا، فلأنّ الوجوب فعلي على كل حال أي سواء كان المنذور هو الصوم أو كان المنذور صوم غد الوجوب فعلى على كل حال؛ لأنّه لو كان المنذور صوم غد لكان من الواجب المعلق وفي الواجب المعلق الوجوب فعلي، فلأجل أن الوجوب فعلي على كل حال، إذاً فالعلم الإجمالي منجز لانّ متعلقه وجوب فعلي على كل حال..

أو كان من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخر، كما إذا افترضنا أن النذر ليس من قبيل الواجب المعلّق، فلو نذرت أن أذبح شاة يوم الجمعة القادم، فالنذر ليس من قبيل الواجب المعلق وانما من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخر، أي لعلمي أن يوم الجمعة سيوجد على كل حال فانا اعلم بفعلية الوجوب الآن، لعلمي بفعلية الشرط وإلا فوجوب الوفاء بالنذر من الآن مشروط بشرط متأخر، ألا وهو مجيء الجمعة ولكن لعلمي بان الجمعة تجيء على كل حال، فانا اعلم بفعلية الوجوب الآن، وإلّا هو مشروط بشرط متأخر.

فبناء على هذا أيضا إذا علمت بأنني نذرت ذبح شاة إما اليوم أو الجمعة الآتي فهذا العلم الإجمالي منجز لأنّه علم بتكليف فعلي على كل حال حيث انه على احد الفرضين يكون الوجوب فعلي والفعلية شرطه في ظرفه.

أو من قبيل الواجب المشروط بشرط مقارن لا بشرط متأخر، كما إذا نذرت مثلاً أن اذبح شاة على فرض مجيء ولدي من السفر، وأنا اعلم انه سيجيء من السفر في ذلك اليوم، فوجوب الوفاء بالنذر لا فعلية له الآن، إنما هو فعلي إذا حصل المجيء لأنّه مشروط بشرط مقارن لا بشرط متأخر فلا فعلية له قبل شرطه، مع ذلك مع انه لا فعلية له قبل فعلية شرطه مع ذلك يكون وجوب إعداد المقدمات فعليا.

والسر في ذلك: أنّ الوجوب والواجب وان كانا استقباليين ولكن لما كان الملاك - وهو ملاك وجوب الوفاء بالنذر - تامّا في ظرفه كان عدم إعداد المقدمات من الآن تفويتا لملاك ملزم في ظرفه، وكما يقبح تفويت الملاك الملزم الفعلي يقبح عقلاً تفويت الملاك الملزم في ظرفه، وهذا ما يعبر عنه «بوجوب المقدمة المفوتة عقلاً».

وبناءً على ذلك لو علمت إنني نذرت إما ذبح شاة اليوم، او ذبح شاة عند مجيء ولدي من السفر، وأنا اعلم بمجيء ولدي من السفر، إذاً حينئذ يكون العلم الإجمالي منجزا مع أن احد طرفيه ليس تكليف فعليا؛ لكونه مشروط بأمر متأخر ولكن على نحو الشرط المقارن، وإنما يكون العلم الإجمالي فعليا منجزا مع أن احد طرفيه ليس فعليا بلحاظ أن العقل يقول كما يقبح الترخيص في المعصية الفعلية فانه يقبح الترخيص في المعصية المستقبلية، أي كما يقبح تفويت الملاك الملازم الفعلي يقبح تفويت الملاك الملزم في ظرفه، ولأجل ذلك فالعلم الإجمالي هنا منجز.

فالعلم الإجمالي في التدريجيات منجز سواء رجع إلى الواجب المعلّق أي أحد طرفيه، سواء رجع احد طرفيه إلى الواجب المشروط بالشرط المتأخر أم رجع إلى المشروط بالشرط المقارن، على أية حال على جميع الوجوه يكون العلم الإجمالي منجزا، فالعلم الإجمالي في التدريجيات علم فعلي احد طرفيه استقبالي، وهذا غير محل كلامنا يقول المحقق الاصفهاني، فانه في محل كلامنا يوجد علمان علم إجمالي بوجوب الصوم أو حرمته بوجوب النفقة أو حرمتها اليوم، وعلم إجمالي في غد بوجوب النفقة أو بالحرمة فهناك علمان إجماليان كل منهما له ظرف مغاير لظرف الآخر لا انه يوجد علم إجمالي ذا طرفين أحد طرفيه فعلي والآخر استقبالي كي يكون من العلم الإجمالي في التدريجيات، فأين العلم الإجمالي في التدريجيات من محل كلامنا؟! هذا في ما يرتبط بالملاحظة الأولى على كلام المحقق العقل الفعال «أعلى الله مقامه».

الملاحظة الثانية: ما ذكره السيد الشهيد «قده» من انه يمكن تصوير علم اجمالي عرضي، فتنحل المشكلة بان نقول: علم إجمالا بأنه نذر إما نذر السفر في اليومين، الأحد أو الاثنين أو نذر ترك السفر في اليومين، فخز من الِآن عنده علم اجمالي عرضي وهو اني نذرت لا محالة إمّا السفر في اليومين القادمين، يعني بأن يسافر في كل يوم وليس السفر في مجموع اليومين، إما السفر في الاحد او الاثنين أو عدم السفر، أنا نذرت أحدهما.

فإذا حصل هذا العلم الإجمالي العرضي انحل هذا العلم إلى علمين: علم غير منجز: وهو العلم الاجمالي في يوم الأحد إما بوجوب السفر أو وجوب عدمه وهذا غير منجز؛ لأنه دوران بين المحذورين، والعلم الاجمالي في يوم الاثنين إما بالسفر او بعدمه، وهذا أيضا غير منجز لدورانه بين المحذورين، فهذا العلم غير منجز، والعلم الآخر الذي ينحل إليه: وهو انني بعد أن علمت أنني نذرت إما السفر في كل من اليومين او عدمه في كل من اليومين، إذاً فانا اعلم انه إما يجب السفر في الأحد أو يجب تركه في الاثنين وبالعكس اعلم بأنه إما يجب تركه في الأحد أو يجب فعله في الاثنين، فهذا الطرف الثاني من العلم يكون منجزا؛ للتمكن من مخالفته القطعية؛ وذلك بان يختلف حالي بان أسافر في يوم واترك في يوم آخر، فإذا فعلت ذلك فقد حصلت المخالفة القطعية فما دامت المخالفة القطعية ممكنة تنجزت حرمتها. فالسيد الصدر يقول: يمكن لنا أن نصّور علما إجماليا عرضيا وبه تنحل المشكل.

ولكن هذا الإيراد لا يرد على المحقق الاصفهاني؛ لأنّه معترف بذلك كما في ص 218 يقول المحقق: لو وجد علم هكذا فلا مشكلة، لو وجد علم ابتداء بانه إما يجب علي السفر في الأحد أو يحرم في الاثنين، لو وُجد علم اجمالي من الاول هكذا، لا مانع من كونه علم اجمالي منجز، انا اتكلم عن فرض الطولية

ما لو حصل علمان مستقلان علم بالسفر أو عدمه يوم الأحد وعلم بالسفر أو عدمه يوم الاثنين، وقام العقل بالتلفيق بينهما، فانما يقوم العقل به من التلفيق بينهما لا يكون علما إجماليا منجزا، وأما لو حصل له علم اجمالي ابتداء إما يجب السفر اليوم أو يحرم غدا أو بالعكس، فهذا لا إشكال عندي في منجزيته، هذه الملاحظة الثانية.

الملاحظة الثالثة: ما ذكره سيد المنتقى «قده» من انه على أي حال المنجزية اثر للعلم الإجمالي الوجداني ونحن نرى بالوجدان أن لدينا علما إجماليا فدعوى انه انتزاعي واختراعي وتلفيقي وتوليدي كل هذه الدعاوى لا تهمنا المهم انه علم إجمالي وجداني، فمن علم بأنه إما نذر السفر أو عدمه في الأحد أو نذر السفر أو عدمه في الاثنين حصل له وجدانا علم إجمالي بأنه اما يجب السفر الأحد أو يحرم الاثنين، فالعلم الإجمالي بالسفر الأحد أو عدمه الاثنين علم إجمالي وجداني سميتموه انتزاعيا أو تلفيقيا أو توليديا على اية حال بما انه علم إجمالي وجداني فهو منجز، وحيث لا يمكن تنجزيه للموافقة القطعية لكونها غير مقدورة، يمكن تنجيزه للمخالفة القطعية للقدرة عليها وبالتالي فعليه إما يصوم إما يسافر في كلا اليومين او يترك السفر في كلا اليومين، لأنّه بمجرد أن يختلف حاله بأن يسافر يوما ويترك يوما فقد حصلت المخالفة القطعية، والنزاع حينئذٍ بين سيد المنتقى وأستاذه المحقق الاصفهاني «قدهما» يشبه أن يكون لفظيا لأن الاصفهاني يقول أنت الذي تتوهم انه وجداني، لا، هذا خيلاني وليس وجداين لأنّه امر انتزاعي فإذا كان أمرا انتزاعيا فلا فعلية له وإنما العلية لمنشأ انتزاعه، وهو يقول لا، لدي علم إجمالي، هذا لا يفيد، فحينئذٍ يكون النزاع مصادرة من كل على الطرف الآخر.

الملاحظة الرابعة: ما ذكره السيد الشهيد ويمكنه تقريبه بنحو، بان يقال فلنغض النظر عن العلم الإجمالي الانتزاعي، ونقول بان العلم الإجمالي الانتزاعي لا منجزية له لأنّه ليس علما إجماليا فعليا، ونقتصر على العلمين الفعليين، وهما العلم بوجوب السفر أو عدمه يوم الأحد والعلم بوجوب السفر أو عدمه يوم الاثنين فهنا علمان مستقلان لاختلافهما موضوعا لأن هذا يوم وهذا يوم آخر، نعم هذان العلمان كل منهما بالنسبة الى اليوم نفسه لا منجزية له؛ لعدم القدرة بلحاظ اليوم نفسه لا على الموافقة القطعية ولا على المخالفة القطعية.

هذا صحيح ولكن العلم الإجمالي الفعلي منجز لحرمة مخالفته القطعية متى ما حصلت مخالفته القطعية بنحو من الأنحاء، العلم الإجمالي منجز لحرمة مخالفته القطعية متى حصلت هذه المخالفة بأي نحو من الأنحاء، ونحن نرى متى ما سافر المكلف في يوم وترك في يوم فقد خالف قطعا ذلك العلم المستقل في يوم الأحد أو ذلك العلم المستقل في يوم الاثنين قطعا، فنحن لا نريد ان نغير العلمين ونتحفظ بهما على حالهما ونقول لا يوجد علم إجمالي لا تلفيقي ولا انتزاعي، ولكن بالنتيجة متى ما سافر المكلف في الأحد وترك السفر الاثنين فهو يقطع بأنه خالف تكليفا في احد اليومين، إذاً فقد حصلت مخالفة قطعية لأحد تكليفين في أحد اليومين جزما، منجز فانه ان نذر السفر في كليهما فقد خالف بتركه، وان نذر الترك في كليهما فقد خالف بالسفر في احدهما، إذاً هو خالف احد التكليفين في احد اليومين جزما أي انه ارتكب مخالفة قطعية لأحد العلمين الإجماليين في احد اليومين جزما، والعلم الإجمالي منجز لحرمة المخالفة القطعية متى ما حصلت بأي نحو من الأنحاء.

وهذا الكلام من السيد الشهيد بتقريب نقول: لا يحل المشكلة ودوران الاعلام في حيص وبيص للتنصل من كلام العراقي ومن كلام الاصفهاني وهما المحققان العلمان «أعلى الله مقامهما» لا يُجدي إلّا بكلمة واحدة، يعني كل البحث الذي اطلنا فيه يرجع إلى كلمة واحدة، هل ان المخالفة القطعية مقدمة على الموافقة القطعية ام لا؟ هذا هو الكلام كله؛ لأن الجميع متيقن لو سافر يوم وترك في يوم فقد خالف قطعا ووافق قطعا، قد خالف قطعا سواء تعلق الصوم النذر بالسفر او بتركه، ووافق قطعا سواء تعلق النذر بالسفر او بتركه، كلمة من العراقي من الأول قالها العراقي: النتيجة: لبُّ البحث وصلب البحث بما أنّه هنا مخالفة قطعية لكن تستتبع موافقة قطعية وهنا موافقة قطعية تستتبع مخالفة قطعية، فحينئذٍ إذا قلتم بان حرمة المخالفة القطعية أهم ولو ترتب على المخالفة القطعية موافقة قطعية فانك متى ما فوت غرضا لزوميا للمولى كان تفويتك لغرض لزومي قبيح وان أحرزت غرضا لزوميا آخر، فحينئذ أن مقتضى ذلك أن نقدّم حرمة المخالفة القطيعة ويجب ان يسافر في كلا اليومين أو يترك في كلا اليومين، حتى لا تحصل مخالفة قطعية.

وان قلتم: أنهما على حد سواء بالنتيجة ما دام يمكنه الموافقة القطعية، أي ما دام يمكنه إحراز غرض لزومي للمولى يتعين عليه او يجوز له وان فوت غرضا لزوميا آخر، إذاً فلا ترجيح بينهما فهو مخير بين يسافر في كلا اليومين او يترك في كلا اليومين أو يختلف حاله بأن يسافر في يوم ويترك ي يوم آخر، فالمشكلة كلها في هذه الكلمة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 56
الدرس 58