نص الشريط
الدرس 4
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/11/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2584
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (363)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن قاعدة الفراغ هل تجري في موارد الشك في الأمر؟ كما إذا اغتسل الجنابة وصلى ثم شك في أنه جنب أم لا، أو بعد الصلاة شك في أن الصلاة في الوقت أم لا، وهنا مسلكان:

المسلك الأول: عدم اعتبار إحراز الأمر في جريان قاعدة الفراغ، ومستند هذا المسلك إطلاق دليل «كل شيء شككت فيه مما قد مضى فأمضه» اذن ما شك في صحته فيبنى على صحته وإن كان منشأ الشك هو عدم إحراز الأمر.

فبناء على هذا المسلك المهم في جريان قاعدة الفراغ أن لا يكون جريانها لغواً فمتى ما ترتب أثر عملي على جريانها جرت القاعدة ولو كان هناك شك في الأمر، مثلاً إذا صلى ثم شك أن الصلاة كانت داخل الوقت أم لا فإن لقاعدة الفراغ أثرا وهو الاعتداد بهذه الصلاة وإن لم يحرز أي أمر حتّى حال الشك.

وكذلك لو صلى بعد الغسل ثم شك أنه كان جنباً فهو مأمور بهذا الغسل أم لا؟ فإن لقاعدة الفراغ في الصلاة أثرا وهكذا.

والمسلك الآخر: أنه يشترط في جريان قاعدة الفراغ إحراز الأمر وهو ظاهر كلمات العروة والمحقق النائيني وغيره، فمثلاً من شك في أن الصلاة كانت مع الوقت أم لا، فلا يمكنه إجراء قاعدة الفراغ في الصلاة إلا إذا أحرز الأمر حال الشك.

وقد استدل على ذلك بوجوه:

الأول: ما ذكره سيد العروة قدس سره من أنه كما لا يجوز للمكلف أن يشرع في الصلاة مع الشك في الوقت بمقتضى قاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم دخول الوقت، كذلك لا يمكنه التعويل كذلك لا يمكنه عدم الاعتناء بهذا الشك بعد الصلاة، فالشك الذي يمنعه من الشروع في الصلاة يمنعه أيضا من البناء على صحتها إذا شك في دخول الوقت بعد الصلاة.

وهذا الوجه من الاستدلال محل تأمل بلحاظ أن هناك موضوعين مختلفين:

الموضوع الأول: الشروع في الصلاة مع عدم إحراز شروطها.

والموضوع الثاني: الاعتداد بالصلاة المشكوك في صحتها.

فالموضوع الأول مجرى استصحابي عدم تحقق الشروط وعلى فرض عدم جريان الاستصحاب فمقتضى قاعدة الاشتغال هو ذلك، ولكن الآخر موضوع ثاني وهو من فرغ من الصلاة فشك في جامعيتها للشرائط فإنه ما لم يكن هناك أصل مؤمّن، وارد فالمرجع هو قاعدة الاشتغال أو عدم جامعية الصلاة للشرائط وأما مع وجود أصل مؤمّن إلا وهو قاعدة الفراغ وقد تحقق موضوعها فمقتضى ذلك البناء على صحة الصلاة، فالذي ينبغي لصاحب العروة أن يمنع جريان القاعدة لعدم تحقق موضوعها لا أن يقيس الشك بعد الصلاة على الشك حين الشروع في الصلاة، ولذلك مما لا إشكال فيه حتّى عند صاحب العروة أنه لو شك الإنسان أنه على وضوء أم لا لم يمكنه الشروع في الصلاة بينما لو شك بعد الصلاة أنه صلى عن وضوء أم لا فإن صلاته صحيحة بقاعدة الفراغ حتّى عند صاحب العروة، غاية الأمر عليه أن يحرز الطهارة للصلوات الآتية وكذلك الأمر في المقام.

الوجه الثاني: ما أفيد في بعض الكلمات من أن ظاهر لسان دليل قاعدة الفراغ في قوله: «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه» فقوله فأمضه يعني اعتبره مصداقاً للمأمور به فإن هذا هو معنى الإمضاء؛ لأن إمضاء العمل إقراره وإقراره يعني اعتباره مصداقاً للوظيفة للمأمور به، فبما أن مفاد لسان قاعدة الفراغ هو اعتبار المشكوك مصداقاً للمأمور به إذن فما تتكفل به القاعدة مجرد المطابقة، أي أن المأتي به مطابق للمأمور به وأما أن هناك أمر أو ليس أمراً فلا تتكفل به القاعدة.

وحيث إن نسبة الأمر إلى المطابقة نسبة الموضوع للحكم إذ لا مطابقة إلا بعد المفروغية عن وجود أمر، فبما أن القاعدة لا تتكفل أثبات الأمر إذن فلابد من إحراز الأمر في رتبة سابقة على جريان القاعدة حيث إن نسبة الأمر للمطابقة نسبة الموضوع للحكم.

لكن مقتضى هذا الاستدلال أن يكفي في جريان القاعدة أن نحرز الأمر ولو حين الشك وإن لم نحرز الأمر من الأول، فلو أن المكلف صلى وبعد صلاته التفت إلى أن هل الوقت دخل أم لا وكان حين الشك قد دخل الوقت فيصدق حينئذ أن الأمر محرز والشك في مطابقة ما أتى به لما هو مأمور به فتجري القاعدة، وهذا ما بنى عليه سيد العروة قدس سره.

الوجه الثالث: ما ذكر في كلمات الميرزا النائيني قدس سره من أن موضوع جريان قاعدة الفراغ الشك في الفعل فإذا كان المشكوك فعلاً من أفعال المكلف جرت القاعدة وأما إذا كان المشكوك أمرا ليس من فعله فلا مجرى للقاعدة لأن لسان القاعدة «كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه»، فإن الإمضاء للشيء فرع كونه باختياره حتّى يمضيه أو لا يمضيه، فلأجل ذلك موضوع جريان القاعدة ما كان فعلاً للمكلف، فإذا شك المكلف في أمر المولى، هل أن المولى أمر أم لم يأمر؟ فالشك ليس في فعله بل في فعل المولى، وهذا مما لا تتكفل قاعدة الفراغ بإثباته.

ولكن لوحظ على هذا الوجه: أن هذا إنما يتم إذا كان الشك في الأمر على نحو شبهة الحكمية.

أما إذا كان على نحو شبهة الموضوعية فهنا يأتي كلام المحقق النائيني، مثلاً إذا شك المكلف في صلاته السابقة للشك في أن للشارع أمرا بالصلاة حتّى بمجرد سقوط القرص أو لابد من الحمرة المشرقية، فلو فرضنا أن المكلف صلى عند سقوط القرص ثم بعد الصلاة شك وإنما شك في الصحة للشك في أمر الشارع، وهو هل أن سقوط القرص بنظر الشارع غروب أم لا؟ فهذه شبهة حكمية.

فيقال، إن قاعدة الفراغ إنما تجري عند شك المكلف في فعله لا عندما يشك في فعل المولى وحدود تشريعه، أما إذا كانت الشبهة موضوعية فالمولى أمر بالصلاة المشروطة بالزوال وهذا لا شك فيه، وإنما الشك هل أن الزوال حصل أم لم يحصل؟

فما ذكره الميرزا النائيني قدس سره إنما يخرج الشك في الأمر على نحو الشبهة الحكمية ولا يخرج الشك في الأمر على نحو الشبهة الموضوعية.

الوجه الرابع: وهو ما ذكرناه أمس أن يقال ظاهر التعبير بالأذكرية في موثقة بكير «هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك» أن موضوع القاعدة أن يحتمل استناد تمامية العمل إلى التفاته وتصدّيه، فبناء على ذلك إذا شك في دخول الوقت وان كانت الشبهة موضوعية لكن لو كان قد دخل الوقت فليس ذلك مستمداً إلى تصديه والتفاته بل هو من باب المصادفة، ومجرى القاعدة أن يحتمل أن التمامية إن حصلت فببركته هو لا ببركة المصادفة الواقع.

فبناء على ذلك إنما لا تجري القاعدة عند الشك في الأمر لأن هذا لا يستند إلى التفات المكلف وتصديه للامتثال سواء كان الوقت قد دخل أم لم يدخل، كان جنباً في الواقع أم لم يكن جنباً.

فبناء على هذا الوجه لابد من التفصيل بين أمرين ولا يكفي أن يكون قد دخل وقت الشك بل لابد من أن يرجع الشك إلى المراعاة.

بيان ذلك: إذا صلى المكلف وبعد الصلاة شك أنه دخل الوقت أثناء الصلاة أم لم يدخل، وكان حين الشك قد دخل الوقت، فتارة يحرز المكلف أنه عندما صلى كان عن التفات وعن مراعاة فيشك في مراعاته، فهنا يستطيع أن يقول لو كانت الصلاة مع الوقت لكان ذلك مستنداً إلى مراعاة ودوري، أما لو فرضنا أن المكلف حينما شك وإن دخل الوقت حين الشك لكن يقول إن دخل الوقت فليس ببركة المراعاة وإنما هو توفيق من الله، فهنا لا تجري القاعدة بناء على هذا الوجه الأخير، وإن كان حين الشك قد جزم دخول الوقت، بخلاف ما إذا اخترنا أن الوجه هو الوجه الثاني.

هذا تمام الكلام في نكات عدم جريان قاعدة الفراغ عند الشك في الأمر.

الجهة الأخيرة في هذه المسألة أن الشك في الأمر يمنع من جريان القاعدة سواء كان شكاً في الأمر الواقعي أو الظاهري وسواء كان شكه في الأمر الواقعي الأولي أو الأمر الواقعي الاضطراري.

ولكن الكلام إذا أحرز المكلف أنه صلّى جالساً جزماً لكن لا يدري هل كان حين صلاته معذوراً وكانت وظيفته هي الوظيفة الاضطرارية وهي الصلاة عن جلوس أم لا، فهل يمكن تصحيح صلاته بقاعدة الفراغ، أو لو صلى جزماً بلا اطمئنان حال الأذكار مثلاً أو حال الأفعال وهو يشك في أنه عندما صلى بلا اطمئنان هل كان مستنداً لحجة بأن كانت فتوى الفقيه الجامع للشرائط عدم اعتبار ذلك أم لا؟ فهذا شك في الوظيفة الظاهرية.

وهنا في مثل هذه الأمثلة قد يقال: بأنه على مبنى السيد الشهيد قدس سره من أن متعلق الأمر هو الجامع فلا شك في الأمر وإنما الشك في الامتثال فتجري القاعدة.

وبيان ذلك: إن السيد الصدر قدس سره يرى أن الاضطرار قيد في المتعلق لا في الأمر أي أن متعلق الأمر بالصلاة هو الجامع بين الصلاة الاختيارية والاضطرارية فكل مكلف حينما يدخل الزوال عليه هو مكلف بالجامع بين الصلاة الاختيارية إذ لم يكن معذوراً أو الصلاة الاضطرارية إن كان معذوراً، وكلمة «إن كان معذوراً» قيد في المتعلق، يعني من قيود الواجب وليست قيدا في الوجوب، فبناء على هذا المبنى فالمكلف محرز للأمر، يقول أنا صليت عن جلوس وأنا مأمور بالجامع بين الصلاة الاختيارية والاضطرارية، فبما أنني صليت من جلوس وأنا مأمور بالجامع فالأمر محرز إنما الشك بالامتثال فتجري قاعدة الفراغ.

كما أنه إذا صلى بلا اطمئنان مثلاً فيقول: لا ادري أنني استندت إلى فتوى الفقيه الجامع للشرائط أم لا، فيقول على مبنى السيد الصدر أنت مأمور بالجامع أي أمرت بتفريغ ذمتك من الصلاة سواء كان المفرّغ واقعياً أم ظاهرياً وسواءً كان الفراغ وجدانياً يعني مستند إلى القطع أم مستند إلى الحجة وهي فتوى الفقيه الجامع للشرائط، فقيام الحجة ليس دخيلاً في الأمر، بل الأمر موجود إنما هو دخيل في الامتثال أي في الواجب لا في الوجوب.

فإذا شك في ذلك فهذا المورد أيضا مجرى لقاعدة الفراغ، لكن إن بنينا على مسلك السيد الصدر «طاب في الغري مثواه» «من أن المكلف مأمور بالجامع بين وظيفة الواقعية أو الظاهرية بين الوظيفة الأولية أو الاضطرارية» مع ذلك إنما تجري القاعدة ما لم نأخذ قيد المشروعية وإلا كان شك المشروعية، فمجرد إرجاع القيد إلى المتعلق لا إلى الأمر لا يحل المشكلة، فحتى لو أرجعنا القيد وهو المعذورية والاضطرار للواجب لا للوجوب وقلنا بأن الأمر محرز مع ذلك بما أنه يشك أصلا أنه كان معذوراً أم لا فهو يشك في مشروعية عمله أن هذا العمل منه مشروع أم ليس بمشروع فإذا بنينا على أن مفاد الدليل لقاعدة الفراغ هو أثبات المطابقة ولو كان الشك في المطابقة للشك في المشروعية ولكن دون ذلك خرط القتاد.

وأما إذا قلنا بأن المنصرف من الأدلة أن مجراها الشك في الصحة أي شك في سقوط الأمر بعد الفراغ عن الأصل المشروعية، فلا تتكفل القاعدة لإثبات المشروعية ولو كان القيد قيداً في المتعلق.

وأما إذا قلنا بمبنى المشهور وهو أن القيد قيد في الوجوب فإن كان مختاراً فوظيفته الصلاة من قيام وإن كان معذوراً فوظيفته الصلاة من جلوس فالمعذورية قيد في الوجوب لا قيد في الواجب، فالشك في المعذورية شك في الأمر لا محالة.

ولا يفيد تخلص البعض من هذا الإشكال بأن قيود الوجوب قيود للواجب فمتى ما شك في قيد الوجوب فقد شك في القيد الواجب وبالتالي مرجع الشك في أنه معذور عندما صلى من جلوس أم ليس بمعذور إلى الشك في الصحة، فإن هذا التخلص لا يجدي لمَ؟ لما ذكرناه من أن مصب دليل قاعدة الفراغ الشك في الامتثال «محضا» أي بأن يرجع الشك إلى فعله الاختياري، ومنعه كان معذوراً أم لا مانع لا ربط في الشك في فعله الاختياري إنما لو كانت صلاته عن عذر بتوفيق من الله أنه حينما صلى جلوساً فإن الله في ذلك الوقت عجّزه اتفاقاً عن أن يصلي عن قيام فإن صلاته صحيحة، فلو حصلت التمامية لم تكن مستندة إلى فعله وإنما مستندة إلى المصادفة الواقعية، فهذا ليس مجرى لقاعدة الفراغ.

والكلام هو الكلام عند الشك في الوظيفة الظاهرية كما لو صلى بلا اطمئنان ثم احتمل أنه في صلاته استند إلى فتوى الفقيه الجامع للشرائط فإنه على المبنى المشهور يكون قيام الحجة قيداً في الأمر لا في المتعلق بمعنى من لم تقم لديه حجة فهو مأمور بالأمر الواقع وبالتالي لابد من إحراز فراغ ذمته من المأمور به الواقعي، فإن قامت حجة كان مأموراً بالوظيفة الظاهرية، فإذا شك في استناده إلى فتوى فقيه جامع للشرائط في ترك الاطمئنان فهو شك في الأمر أو فقل شك في المشروعية فلا يكون مجرى للقاعدة، نعم إذا أمكن تنقيح موضوع للاستصحاب كما لو كان معذوراً سابقاً ولا يدري استمر العذر إلى أن صلى من جلوس أم لا فببركة استصحاب العذر قد أحرز الموضوع فهذا مسألة أخرى وأما إذا لم يكن هناك أصل منقح للموضوع فجريان القاعدة محل تأمل وإشكال.

هذا تمام الكلام في هذا الفرع وهو من شك في الصلاة لأجل الشك في دخول الوقت.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 3
الدرس 5