نص الشريط
الدرس 28
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 17/12/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2616
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (456)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين

لازال الكلام في ادلة شرعية عبادات الصبي وذكرنا ان هناك مجموعة من الادلة:

الدليل الاول: التمسك بالمطلقات نحو قوله اقم الصلاة، وقوله صوموا وقوله ولله على الناس حج البيت، وامثال ذلك، وذكرنا انه اشكل على التمسك بالمطلقات بان مقتضى حديث الرفع هو عدم شمولها للصبي وذلك بأحد تقريبين، اما لان مفاد حديث الرفع رفع قلم التشريع ومقتضاه ان الصبي مهمل ان المرفوع بحديث الرفع وان كان هو الالزام الا ان الالزام مجعول بسيط فاذا ارتفع فليس ثمة طلب حتّى يقال بشموله للصبي، وذكرنا بعض الاشكالات على هذا الجواب.

ولكن قد يقال بان هناك مناقشتين يراد بهما دعم عدم الاستدلال بالمطلقات، المناقشة الاولى: ما ذكرها سيدنا الخوئي في ج 3 من الموسوعة ص 142، ومحصل هذه المناقشة انه بناءً على مسلكنا من ان الوجوب بحكم العقل وليس مجعولا شرعياً انّ حديث الرفع لا يرفع الالزام، وبيان ذلك ان الإلزام بحسب مبناه هو عنوان منتزع من مجموع امرين وهما طلب الفعل وعدم الترخيص في الترك فما يصدر من المولى هو طلب الفعل، فان تعقبه ترخيص انتزع العقل من المجموع الندب وان لم يتعقبه ترخيص انتزع العقل من المجموع أي الجزء الوجودي والجزء العدمي وهو عدم الترخيص في الترك عنوان الوجوب، فبما ان الوجوب ليس مجعولاً شرعيا فلا يناله حديث الرفع لان الرفع انما ينال ما هو المجعول من قبل الشارع وحيث ان الوجوب ليس بمجعول فلا يناله حديث الرفع فلا محالة محط حديث الرفع هو الجزء الأول وهو الطلب واذا ارتفع الطلب بحديث الرفع لم يبق شيء يعم الصبي حتّى يستدل بالمطلقات على شرعية عباداته.

ولكن.. يلاحظ على ما افيد انه اما ان يدعى كما هو ظاهر كلماته ان المقصود بالقلم في حديث الرفع هو قلم التشريع فالمرفوع بحديث الرفع اصل التشريع ومقتضى ذلك ان الصبي مهمل في وعاء التشريع بلا حاجة الى ان نقول ان الوجوب حكم عقلي وليس مجعولاً شرعياً حيث يكفينا في منع شمول المطلقات للصبي ان المرفوع هو قلم التشريع، بلا حاجة الى ضميمة وهي ان يقال ان الوجوب حكم عقلي لا يقبل الرفع.

وان قلنا ان المرفوع هو الإلزام لا قلم التشريع، بل قلم الإلزام، والمؤاخذة فحينئذٍ بناءً على ذلك ان الإلزام وان لم يكن مجعولا شرعيا وانما هو عنوان انتزاعي ولكنه قابل للرفع برفع منشأ انتزاعه فلنفترض ان الإلزام بحسب مبناه عنوان انتزاعي ولكن يمكن تصرف حديث الرفع فيه برفع منشأ انتزاعه وحيث ان منشأ الانتزاع مجموع امرين وجودي وهو الطلب وعدمي وهو عدم الترخيص في الترك ويكفي في رفع المجموع رفع احد جزئيه فيكفي في رفع منشأ الانتزاع تبديل الطرف العدمي بطرف وجودي، بان يعقّب الطلب ببيان عدم المؤاخذة والعقوبة فدعوى ان حديث الرفع لا يرفع الوجوب لأنّه منتزع عقلاً غير مسموعة فان الوجوب المنتزع ينال الرفع منشأ انتزاعه، ومن اجزاء منشأ انتزاعه عدم الترخيص في الترك، وببيان عدم المؤاخذة من خلال حديث الرفع يرتفع احد الجزئين من منشأ الانتزاع فيرتفع الوجوب الذي هو عنوان انتزاعي، فلأجل ذلك قلنا في الدرس السابق انه بناءً على مبناه «قده» يصح التمسك بالمطلقات لإثبات شرعية عبادات الصبي.

المناقشة الثانية: ذكرنا فيما سبق انه ان كان الوجوب مجعولا بسيطا وهو عبارة عن ايقاع الفعل في ذمة المكلف فهو اذا رفع لا يبقى بعد طلب حتّى يشمل الصبي وبناءً على ان الوجوب مركب كما ذهب اليه السيد الاستاذ من ان الوجوب عبارة عن طلب الفعل + الوعيد على الترك، والندب عبارة عن طلب الفعل + الوعد على الفعل، فالوجوب قابل للرفع، بحيث اذا رفع يبقى اصل الطلب، فإنما يصحّ القول انه بعد ارتفاع الوجوب لا يبقى طلب بناءً على ان الوجوب امر بسيط كما هو مبنى سيدنا لا بناءً على ان الوجوب مركب.

ولكن قد يناقش في هذا المطلب بان يقال بانه حتّى على مبنى التركيب فان النسبة بين الوجوب نسبة الضدين فالوجوب طلب ووعيد والندب طلب ووعد بما ان النسبة بينهما نسبة الضدين فرفع احدهما لا يثبت وجود الآخر، فاذا ارتفع الوجوب بحديث الرفع فلا معنى لان يقال ان القائم مقامه هو الندب كي يقال ان شمول المطلقات للصبي على نحو الندب اذ رفع الوعيد لا يثبت الوعد وبقاء اصل الطلب بلا متعلق لا معنى، لان الطلب جنس لابد له من فصل مقوم، فاما ان يكون المقوم له الوعيد او ان المقوم له الوعد فيكون ندبا، وبالتالي فرفع الوجوب لا يثبت الندب. فلا فرق حينئذٍ بين القول ببساطة الوجوب او القول بتركيبه في أنّ حديث الرفع اذا جرى لا يبقى بعد جريانه شيء حتّى يدعى شموله للصبي.

ولكن هذه المناقشة انما تتم بناءً على ان الفرق بين الوجوب والندب بالوعيد والوعد فرق ثبوتي، واما اذا قلنا كما قررنا في الاصول في مبحث الاوامر في حقيقة الحكم التكليفي وجوبا او حرمة انه هناك فرقا ثبوتيا بين الحكمين وهناك فرق في عالم الصياغة والاعتبار، فالفرق الثبوتي بينهما هو ان الطلب الناشيء عن ملاك لزومي فهو وجوب والطلب غير الناشيء عن ملاك لزومي فهو ندبي وبناءً على هذه المقارنة بينهما ثبوتاً يكون التقابل تقابل بين السلب والايجاب لأنّه ان لم ينشأ الطلب عن ملاك لزومي فهو ندب.

نعم في عالم الصياغة من اجل محركية المخاطب نحو العمل أي من حال ضمان عنصر المحركية يكون الوجوب ذا عنصرين  بحسب تعبير السيد الاستاذ  عنصر جوهري وعنصر شكلي وهو الوعيد ويكون الندب أيضاً عبارة عن عنصرين جوهري وشكلي وهو الوعد على الفعل فالوعد والوعيد فرق في مقام الصياغة من اجل ضمان محركية المكلف لا فرق في مقام الثبوت، والا فالفرق بينهما في مقام الثبوت بالسلب والايجاب ومقتضى ذلك ان حديث الرفع اذا جرى فرفع الوجوب ثبت مكانه اصل الطلب، فاذا ثبت مكانه اصل الطلب فحيث لم يقم دليل على انه ناشئ عن ملاك لزومي كان ندبي ثابتاً للصبي.

فتلخص من ذلك ان الاستدلال بالمطلقات على شريعة عبادات الصبي كما ذهب اليه سيد المستمسك تام بناءً على مفاد حديث الرفع رفع الإلزام وان الوجوب امر مركب اذا ارتفع الإلزام بقي اصل الطلب.

الدليل الثاني: التمسك بالأوامر الندبية، حيث ورد الصلاة خير موضوع... وورد الصوم جنة من النار، والحجة ثوابها الجنة.. الخ، فيقال ان لم تشمل الصبي مطلقات الاحكام الالزامية شملته الاوامر الندبية ومقتضاها شرعية العبادات الندبية الصادرة منه.

وهنا اشكالان:

الاول: ان يقال ليست هذه الاوامر في مقام البيان من جهة حالات المخاطب من كونه صبيا بالغا عالما جاهلا وانما هي في مقام بيان اصل المحبوبية وان الصلاة محبوبة في نفسها، وكذا الصوم، فاذا لم تكن في مقام البيان من جهة حالات المخاطب فلا يصح التمسك بإطلاقها لإثبات شمولها للصبي.

الاشكال الثاني على فرض ان المطلقات الاستحبابية في مقام البيان فقد يدعى حكومة حديث الرفع عليها بناءً على ان مفاد حديث الرفع رفع قلم التشريع ومقتضاه ان لا تشريع فيحق الصبي وجوبا او ندبا.

ولكن اجيب عن ذلك بان مقتضى ورود حديث الرفع مورد الامتنان عدم ارتفاع الخطابات الندبية لان ارتفاعها في حقه خلاف الامتنان بلحاظ ان ذلك حرمان له على الثواب، واما لان ظاهر سياق حديث الرفع ان المرفوع ما كان ثقيلا على المخاطب اما للتعبير بالرفع، حيث قال رفع.. ز عن فالتعدية بعن ظاهر بكون المرفوع ثقيلا، او لأنّه وان لم يدل التعبير بالرفع على كون المرفوع ثقيلا الا ان مقتضى مناسبة الحكم للموضوع حيث اسند رفع القلم للصبي والمجنون والنائم وظاهره ان الرفع عن هؤلاء لعلة الصباوة والجنون والنوم، وما يكون هذه العناوين علة لرفعه بحسب المرتكز العقلائي ما كان تكليفا او مؤاخذة اذا فاحتفاف حديث الرفع بالمرتكز العقلائي الذي يرى ان هذه العناوين موانع واعذار عن الإلزام والمؤاخذة لا عن كل خطاب فمقتضى ذلك اختصاص المرفوع بحديث الرفع بالإلزام والمؤاخذة، سواء كانت مؤاخذة دنيوية او اخروية.

وعلى فرض الشك والاجمال حيث لا ندري ان مفاد حديث الرفع رفع قلم التشريع ام رفع الإلزام، فتاتي القاعدة في باب العام والخاص بانه اذا كان لدينا خطاب عام وورد عليه مخصص مجملا وكان مجملا مفهوما بين الاقل والاكثر اقتصر في التخصيص على القدر المتيقن وهو الاقل ونفي تخصيص الاكثر بأصالة العموم في العام، وفي المقام لدينا خطاب عام وهو قوله الصلاة خير موضوع، وجاء مخصص ولا ندري هل ان هذا المخصص رفع اصل التشريع ام الإلزام فمقتضى اجمال المخصص الاقتضاء في الخارج عن العام في القدر المتيقن وهو الإلزام والمؤاخذة واذا شككنا في ان المرفوع اصل الخطاب والطلب نتيمك باصالة العموم.

فتلخص انه اذا كانت المطلقات الندبية في مقام البيان من جهة حالات المخاطب صحّ التمسك بها لإثبات شرعية العبادات الندبية من الصبي، ولكن هل ثبوت شرعية ندبياته يثبت شرعية الواجبات في حقه، فاذا ثبت لنا ان الصوم المستحب شرعي في حق الصبي فهل يثبت لنا ان صوم رمضان مثلا شرعي في حقه فق يقال بانه ان لم يثبت الشرعية بالأولوية فلا اقل من الملازمة العرفية وانه اذا كانت نافلة الظهر شرعية في حقه فكيف لا تكون صلاة الظهر شرعية في حقه...

الدليل الثالث: الكافي ج 3 ص 410

"عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي خَمْسِ سِنِينَ فَمُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا كَانُوا بَنِي سَبْعِ سِنِينَ وَ نَحْنُ نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِالصَّوْمِ إِذَا كَانُوا بَنِي سَبْعِ سِنِينَ بِمَا أَطَاقُوا مِنْ صِيَامِ الْيَوْمِ إِنْ كَانَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ فَإِذَا غَلَبَهُمُ الْعَطَشُ وَ الْغَرَثُ

أَفْطَرُوا حَتَّى يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ وَ يُطِيقُوهُ فَمُرُوا صِبْيَانَكُمْ إِذَا كَانُوا بَنِي تِسْعِ سِنِينَ بِالصَّوْمِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ صِيَامِ الْيَوْمِ فَإِذَا غَلَبَهُمُ الْعَطَشُ أَفْطَرُوا".

ووجه الاستدلال بهذه الرواية الصحيحة وامثالها ما ذكره سيدنا وهو يبتني على عناصر ثلاثة:

الاول: ان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك، فامر الولي بان يأمر صبيه بالصوم امر بالصوم فيكون الصوم محطا للامر اذا فالصوم مأمور به.

العنصر الثاني ان ظاهر الرواية ان الصلاة المأمور بها الصبي هي نفس الصلاة المأمور بها البالغ ولا فرق بينهما الا في الالزام وعدمه.

والعنصر الثالث ظاهر هذه الاوامر ان الصلاة المأمور بها الصبي على نحو صرف الوجود، فاذا اجتمعت العناصرالثلاثة وفرضنا ان الصبي صلى قبل بلوغه ثم بلغ والوقت باقيا فلا اعادة عليه لان صلاته مأمور بها لان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك الشيء ولان الصلاة التي امر بها هي نفسها التي امر بها البالغ فتقع مكانها ولان المأمور به صرف الوجود فلا يقبل التكرار.

فمقتضى العناصر الثلاثة اجزاء ما اتى به الصبي وان بلغ في الاثناء من صلاة او صيام.

والملاحظة على الكبرى والصغرى اما الكبرى فكما افاد في المنتقى وغيره ان دعوى ان الامر بالأمر بالشيء امر بذلك الشيء اول الكلام فقد يكون امر الولي ملحوظا على نحو الطريقية وما هو محط الغرض فعل الصبي فيتم الاستدلال وقدي كون امر الولي ملحوظا على نحو الموضوعية بان اراد الشرع ان يكون الولي آمرا بالصلاة، فنفس الآمرية مطلوبة، وبالتالي فالغرض من الامر بالأمر بالشيء مختلف باختلاف الموارد.

واما الصغرى، فاذا راجعنا الرواية وجدنا فيها حتّى يتعود الصوم، فقد يقال ان هذه قرينة على تمرينية عبادات الصبي.

فان قلت لو ان هذه العبارة ذكرها الإمام في اخر الرواية لكانت تعليلا ولكن الإمام ذكرها بعد التشقيق حيث قال ”بمَا أَطَاقُوا مِنْ صِيَامِ الْيَوْمِ إِنْ كَانَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ فَإِذَا غَلَبَهُمُ الْعَطَشُ وَ الْغَرَثُ أَفْطَرُوا حَتَّى يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ وَ يُطِيقُوهُ“ فلعل المنظور في هذه العبارة انه انما جاز لهم الافطار اذا غلبهم العطش حتّى يتعودوا على الصوم والا لو منعناهم من الافطار لهربوا منا لصوم، فهذه العبارة تعليل لا لجواز الافطار لو غلبهم العطش وليست تعليلا لأمرهم

بالصوم كي يقال ان المأمور به تمريني لا شرعي الا ان يقال حيث يحتمل عرفا عودها لأصل المطلب، فالنتيجة ان الرواية مما احتف بما يصلح للقرينية عليه فالخطاب مجمل فلا ظهور في الرواية في ان العبادة شرعية لاحتمال كونها تمرينية.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 27
الدرس 29