نص الشريط
الدرس 30
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 19/12/1435 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2863
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (382)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الاستدلال على شرعية عبادات الصبي المميز في الجملة وهي صلاته وصيامه وحجه وما يلحق بذلك من غسله وتجهيزه و... وهنا تنبيهات: التنبيه الاول: ذكرنا فيما سبق أن ما أفيد في بعض الكلمات من أن ثمرة شرعية عبادة الصبي الاجتزاء بصلاته على الجنازة او بتجهيزه للميت المسلم. وقلنا فيما سبق ان هذه الثمرة انما تترتب لو قلنا بشرعية جميع عباداته. واما لو قلنا بشرعية عباداته في الجملة فان الدليل على الشرعية انما ورد في الصلاة والصوم والحج. وغاية ذلك التعدي للواحقهما كالوضوء والغسل. لا مثل صلاة الجنازة او تجهيز الميت. ونقول هنا مضافاً لما مضى كما افاد سيدنا ق في بحث صلاة الاستئجارية انه حتى لو قلنا بشرعية عبادات الصبي مطلقا فانه لا يترتب عليه الاجتزاء بصلاته على الجنابة او تجهيزه للميت. والسر في ذلك:

أنّ هناك خطابا الزامياً في حق البالغين. بتجهيز الميت والصلاة عليه على نحو الوجوب الكفائي، فاذا صدر من الصبي صلاة او تجهيز فانه وان كان شرعيا بمعنى انه يصح من مثله الا ان سقوط الواجب الكفائي عن البالغين بفعل غير البالغ مما يحتاج الى دليل. وحيث لا دليل فمقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب التكرار على البالغين. كذلك نيابة الصبي عن غيره في حج واجب او صلاة واجبة او ما اشبه ذلك فانه حتى لو قلنا بشرعية عبادة الصبي المميز فقام الصبي المميز بقضاء الصلة عن الميت، او قام الصبي المييز بالحج عن الميت. فإن سقوط ما في ذمة الميت من صلاة أو حج بفعل الصبي المميز يحتاج لدليل فما لم نقل بان مقتضى اطلاق أدلة النيابة شمولها لنيابة الصبي المميز فمقتضى استصحاب اشتغال ذمة الميت عدم الاجتزاء بما فعله الصبي المميز وان كان ما فعله صحيحاً بالنسبة اليه. هذا هو التنبيه الاول.

التنبيه الثاني: أفاد سيدنا «قد» في الجزء الحادي عشر من الموسوعة انه بناءً على شرعية عبادة الصبي فانه لو بلغ اثناء الوقت بعد ان صلى او بلغ اثناء الصلاة فانه يمكن الاكتفاء بصلاته. وكذا لو صام فبلغ اثناء الصيام فانه لو قلنا بشرعية صومه امكنه الاكتفاء بصومه فلا يجب عليه القضاء ولكن في الجزء «22» من موسوعته في بحث الصوم الصفحة «2» من المجلد المذكور أفاد: أن هناك فرقا بين الصيام والصلاة. فمن بلغ اثناء الوقت يجتزأ بصلاته وأما من بلغ اثناء الصيام فلا. وعقد بحثاً مفصلاً وهو: أن هناك فرقاً بين الصوم والصلاة في موردين:

المورد الاول: الفرق بين البلوغ اثناء الصوم والبلوغ اثناء الوقت بعد الفراغ من الصلاة حيث يتجزء بالثاني دون الاول. وافاد في وجه ذلك: بانه: إذا قلنا بأن الأمر الوجوبي وهو وجوب صوم رمضان، يشمل من بلغ اثناء نهار رمضان فيقال: هنا محتملات ثلاثة:

وهو هل أن وجوب الصوم في حقه صار فعليا حين بلوغه؟ او صار فعليا من اول الفجر؟ او صار فعلياً حين بلوغه لكن المأمور به تمام الصوم؟. وجميع هذه المحتملات باطلة. أما الاول: وهو بأن يقال: أن الصبي إذا بلغ اثناء النهار فمقتضى ذلك أن يكون وجوب صوم رمضان فعليا في حقه منذ الفجر. فهذا خلف إناطة الوجوب بالبلوغ فإن مقتضى هذه الاناطة ان لا يكون فعلية للوجوب قبل فعلية البلوغ. وإن قلنا ان الوجوب يصبح فعليا حين فعلية البلوغ لا قبله. فما هو المأمور به؟ هل المأمور به الصوم الناقص يعني من حين البلوغ الى حين الغروب؟ او الصوم التام؟ فان قلتم أن المأمور به الصور الناقض فلا دليل على إجزاء الناقض على التام، بأن يكون المأمور به قطعة من الصوم وهو يقوم مقام صوم يوم كامل فإن هذا أمر قام عليه الدليل في المسافر مثلاً إذا رجع الى بلده قبل الزوال. وأما في غير ذلك لم يقم دليل على قيام الناقض مقام الكامل. وإن قلتم أن المأمور به تمام الصوم وان كان الامر متأخراً فالأمر الذي صار فعليا بفعلية البلوغ تعلق بالوصوم من اول الفجر. فهذا لازمه الانقلاب، أي انقلاب الصوم من كونه مستحبا الى كونه واجبا إذ المفروض أن القطعة السابقة على البلوغ كانت من الصوم المستحب، والانقلاب اما يحتاج الى دليل الى الاقل. فالنتيجة أنّ جميع المحتملات من أجل إثبات إن صوم الصبي امتثال للأمر الوجوبي باطلة. فلأجل ذلك نقول: أن من بلغ أثناء النهار لم يقع صومه امتثالا للأمر الوجوبي وان قلنا بشرعية عبادات الصبي. ثم أورد على نفسه بأنه إن قلت: إن هناك امرا واحدا لصوم هذا اليوم من رمضان، غاية ما في الباب ان المتغير صفة الامر لا أصل الامر. فقبل بلوغه لم يكن هذا الامر متصفا بالإلزام، وبعد بلوغه اتصف بكونه إلزاميا. فالذي تغير بالبلوغ هو الصفة وإلا اصل الامر موجود منذ الفجر. وبالتالي وقع هذا الصوم امتثالاً للأمر الفعلي في حق هذا الصبي الذي اتصف بالإلزام بعد بلوغه. قلت: ان المستفاد من الأدلة ان هناك امرين في حق الصبي امراً ندبيا بالصوم وامراً وجوبياً. وكلاهما متعلق بالصوم التام من الفجر الى الغروب. فلا أمر بصوم ملفق أو ناقص، فبعد المفروغية ان الشارع اصدر امرين امر بالصوم الندبي في حق الصبي وامر وجوبي في حق البالغ. وان كلا من الامرين متعلق بالصوم التام فلا محالة لابد ان يثبت احد الامرين في حقه دون الاخر وحيث قد ثبت بالوجدان الامر الندبي في حقه حين طلوع الفجر فانقلاب ما كان ندبيا في حقه الى الوجوب مما لا دليل عليه. واما بالنسبة للصلاة كما لو صلى الصبي صلاة الظهر والعصر ثم بلغ والوقت ما زال باقيا. فانه يتجزأ بصلاته وتقع امتثالا للأمر الوجوبي مع ان هذا العمل وقع قبل البلوغ. فما هو الوجه في ذلك؟ فأفاد وجها مؤلفاً من مقدمتين:

المقدمة الاولى: إنّ ظاهر الروايات أن عنوان صلاة الظهر مثلاً حقيقة واحدة لا تختلف باختلاف حالات المكلف وعوارضه، فصلاة الظهر هي حقيقة واحدة. كما هو ظاهر قوله ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى او ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فان ظاهره ان حقيقة الصلاة المتقيدة «بالدلوك» او الصلاة الموصوفة «بالوسطى» هي حقيقة واحدة وان اختلفت حالات المكلف. ومقتضى ذلك ان بلوغ الصبي انما يوجب اختلاف الامر لا اختلاف المأمور به فالمأمور به حقيقة واحدة وهي صلاة الظهر. غاية ما في الباب كان مأمور بهذا الصلاة وهي صلاة الظهر بالأمر الاستحبابي اصبح مأمور بها بالأمر الوجوبي والا فهي صلاة واحدة بعد البلوغ. هذه هي المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية: بما ان ظاهر الامر الوجوب الامر بصرف الوجوب اي الاحداث بعد العدم. فعندما يقول: اقم الصلاة فان ظاهرها احدث الصلاة بعد عدهما فحيث ان ظاهر الامر الوجوبي هو ذلك كان قاصر الشمول لمن اتى بالصلاة فمن اتى بهذه الصلاة قبل حدوث الامر لم يكن الامر فعليا في حقه لانه لا يتصور منه احداث بعد عدمه لانه احدث هذه الصلاة. فما دام الامر الوجوبي متعلقاً بصرف الوجود وصرف الوجود لا يتكرر فأنه لا يشمل من صلى صلاة الظهر ثم بلغ فإنه قد حقق صرف وجود صلاة الظهر. فبهذه النكتة ثبت إجزاء ما أتى به الصبي قبل بلوغه من صلاة. ويلاحظ على ما افيد: أن الدليل الدال على ان صلاة الظهر حقيقة واحدة وان اختلف الامر نفسه يدل في إثبات ان صوم رمضان حقيقة واحدة وإن اختلف الامر. فالدليل على ذلك إما الأدلة العامة: كقوله: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى. حيث يستفاد أن الصلاة الوسطى هي حقيقة واحدة سواء كان المحافظ عليها بالغا او صبياً سواء كان مأموراً بها بالأمر الوجوبي او الندبي. فكذلك بالنسبة الى صوم شهر رمضان في قوله عزّ وجلّ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فإن ظاهره أن صوم الشهر في حدِّ نفسه حقيقة واحدة. أو ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ، حيث أنّ المنصرف منه صوم شهر رمضان. وان كانت الدليل على وحدة الحقيقة الروايات الخاصة وهي روايات «الامر بالأمر بالشيء أمرٌ بذلك الشيء» وهي صحيحة الحلبي السابقة الذكر حيث قال فيها: «أنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين وإننا نأمر صبياننا بالصيام اذا كانوا بني سبع سنين فمروا صبيانكم بالصيام اذا كانوا بني تسع سنين». حيث أفاد «قد» في الجز «11» من الموسوعة، أنّ ما أمر به الصبي من الصلاة هو نفس ما أمر به البالغ. ولا فان الصبي يامر بعين الصلاة التي يقوم بها البالغ فاذا استظهر من ذلك وحدة الحقيقة فالسياق واحد ومقتضى ذلك أن يتم هذا الاستظهار في الصوم فيقال: أنّ ظاهر الرواية: ان ما يأمر به الصبي من الصوم هو ما يقوم به البالغ المكلف، إذاً فمقتضى وحدة الحقيقة وكون الامر الوجوبي بصوم شهر رمضان متعلق بصرف الوجوب الذي لا يتكرر هو وقوع ما وقوع ما أتى به من صوم امتثالا فلا يشمله الأمر الوجوبي.

المورد الثاني: المقارنة بين من بلغ اثناء الصوم فلا يتجزء بصومه ومن بلغ اثناء الصلاة فانه يجتزء بصلاته، وقد ذكر في هذا المورد وهو من بلغ اثناء الصلاة فروضا ثلاثة: الفرض الاول: ان يبلغ اثناء الصلاة مع سعة الوقت. بحيث يمكنه الاستئناف. فهنا افاد سيدنا «قد» صفحة «4» ان الواجب ارتباطي فما لم يفرغ منه فهو مخاطب بايجاد طبيعة صلاة الظهر مثلا وايجاد الطبيعة تارة بالاستئناف وتارة بتكليف الفرد الموجود، فبما ان المطلوب ايجاد الطبيعة ولايجاد له فردان الاستئناف او التكميلن فمقتضى ذلك انه لو أتم كان امتثالا للأمر. الفرض الثاني: من بلغ اثناء الصلاة مع ضيق الوقت ولكن لو استئنف فانه سيدرك من الصلاة ركعة واحدة.

فأجاب هنا: بأن هذا على حذو ما سبق لتمكنه من الاتيان بالطبعية للاتمام او الاستئناف. غير أنّه يتعين عليه اخيار الاول وهو الاتمام نظرا الى ان حديث من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت لا يشمل التعزيز الاختياري. والمكلف في المقام على أن يأتي بتمام صلاة العصر في الوقت فلا يشمله من أدرك ركعة من الوقت لانه بإمكانه ان يأتي بتمام الظهر وتمام العصر داخل الوقت. من بلغ اثناء الصلاة لكنه لا يدرك حتّى ركعة. كما لو بلغ وهو في الركوع الرابع من صلاة العصر. اكمل خمسة عشرة سنة وهو.. في اثناء الركوع الرابع بحيث لا يدرك ركعة. فالظاهر عدم وجوب الاتمام عليه اذ الخطاب الوجوبي لا يشمله، لأنّ متعلق الخطاب الوجوبي الصلاة المتقيدة بالوقت. وحيث لا يمكه تحقيق ذلك لم يشمله الخطاب الوجوبي. فمثل هذا له أن يرفع اليد عن صلاته او يتمها ندباً لا انها تقع مسقطة للأمر الوجوبي. ولو تنازلنا وبينا على ان الوجوب يشمله كما في الفروض السابقة لا نتلزم بذلك في باب الصوم. لما سيأتي إنشاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 29
الدرس 31