نص الشريط
مبدأ المواطنة في النظام الإسلاميّ
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مأتم السيدة الزهراء (ع) - صفوى
التاريخ: 3/1/1436 هـ
تعريف: { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه ُ} - الحج، 40 -. المحاور: 1- المعيار في المواطنة: الانتماء للتربة، أم الدِّين ؟ 2- العلاقة الوجدانيّة والقِيَمِيَّة بالأرض. 3- التشريعات القانونيّة والتدبيريّة في النظام الإسلاميّ.
مرات العرض: 2888
المدة: 01:00:59
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3119) حجم الملف: 13.9 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ

انطلاقا من الآية المباركة نتحدث عن مبدأ المواطنة في النظام الإسلامي.

المواطنة كما ذكر هوبيز باوم في كتابه «عصر الامبراطورية» مفهوم لم يدخل البلدان الأوروبية إلا في القرن التاسع عشر، إلى سنة 1914 استقر مبدأ المواطنة في البلدان الأوروبية، وكان المنظرون للسياسة قد طرحوا مبدأ المواطنة مقابل مبدأ القومية، إما القومية على أساس اللغة أو القومية على أساس العرق أو القومية على أساس الدين فرأوا أن القومية تتضمن تمييزا فعوضوا مبدأ القومية بمبدأ المواطنة.

المواطنة كمصطلح قانوني ماذا تعني؟

يذكر السيد ياسين في كتابه «الديموقراطية في زمن العولمة» المواطنة في زمن العولمة، ويذكر الدكتور بشير نافع في مقاله «الديموقراطية في البلدان العربية» - يتحدث عن مبدأ المواطنة -

المواطنة هي: علاقة بين الدولة والفرد وهذه العلاقة تتضمن أمرين:

1 - المساواة:

المواطنة تعني المساواة، كل مواطن هو عضو كامل في الدولة، فيتساوى مع غيره من أبناء الوطن في الامتيازات والحقوق، فليس هناك تمييز طائفي في أي دولة ترى مبدأ المواطنة، ليس هناك تمييز على أساس المذهب أو أساس الدين أو أساس العرق أو أساس اللغة، بل الكل يتساوون في حقوق المواطنة، في حق التعليم، الصحة، الأمن، المثول أمام القانون، لا ميز لمذهب أو دين أو لغة على أخرى، مبدأ المواطنة يعني المساواة.

2 - أن المواطن له حقوق وعليه واجبات:

له حق في التعليم، فرصة عمل، الأمن على نفسه وماله، حريته العقائدية في ممارسة مبادئه وشعائره، وعليه أيضا واجبات، واجبه الولاء للوطن، الدفاع عن الوطن في الأزمات، دفع الضرائب إذا كانت هناك ضرائب، الخدمة العسكرية إذا كانت مفروضة عليه.

إذا المواطنة توأم بين مجموعة حقوق ومجموعة واجبات، من هنا نطرح هذا السؤال: ماهو مبدأ المواطنة في النظام الإسلامي؟

هنا أمامنا محاور ثلاثة:

هل مبدأ المواطنة يبتني على الانتماء إلى التربة أم يبتني على الانتماء إلى الدين؟

بعض الأقلام تقول لو قمنا بمقارنة بين القوانين الوضعية وبين القوانين الإسلامية سنجد أن القوانين الوضعية أكثر إنسانية من القوانين الإسلامية، لأن القانون الوضعي يرى أن المواطنة تدور مدار الانتماء إلى التربة من انتمى إلى هذه الأرض فهو مواطن مع غمض النظر عن دينه أو لونه أو لغته، هذا القانون الوضعي.

أما القانون الإسلامي يرى أن المدار على الإسلام لا على الانتماء إلى الأرض المسلم هو صاحب الامتياز لا كل من انتمى إلى الأرض لأجل ذلك يضع القانون الإسلامي امتيازات للمسلم على غيره حتى لو كان غير ابن الأرض، مثلا: المسلم له حرمة في دمه في ماله بينما الكافر ليس له حرمة مع أنه ابن الأرض، مثلا: الكافر الذمي يدفع جزية للدولة الإسلامية بينما المسلم معفو من الجزية، مثلا: الكافر إذا أسر من قبل المسلمين يسترق يصبح رقيق مملوك للمسلمين بينما المسلم لا يسترق.

هذه الأحكام تنم عن أن القانون الإسلامي قانون تمييز يميز بين الناس على أساس الدين يضع امتيازات للمسلم على الكافر بينما القانون الوضعي لا يفرق بين المسلم والكافر بل يرى الجميع متساوين في الامتيازات والحقوق.

هل فعلا أن الإسلام يرى أن المناط والميزان في المواطنة على الدين وأن الانتماء للأرض لا قيمة له؟ أم أن الإسلام يفرق بين العلاقة الوجدانية بالأرض وبين العلاقة القيمية بالأرض؟

حتى تتضح هذه النقطة نطرح أسئلة، السؤال الأول: هل أن الإسلام لايحترم العلاقة بالأرض؟ هل أن الإسلام يلغي العلاقة بالأرض والعلاقة بالتربة أم لا؟ الجواب: لا.

يظهر من النصوص القرآنية أن الإسلام يحترم العلاقة بالأرض ويرى أن إخراج الإنسان من أرضه ظلم لأن له حقا في أرضه، لاحظوا الآيات القرآنية ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِحَقٍّ إذا الإنسان يخرج من دياره بغير حق هذا ظلم هذا اعتداء، يقول في آية أخرى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ إذا كان جارك كافر كلاكما ابن الأرض مادام جارك لا يخرجك من دارك إذا لك أن تقيم معه علاقة صداقة وعلاقة معزة ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إذا العلاقة بالأرض لها قيمة لا أن الإسلام يلغي العلاقة بالأرض.

السؤال الثاني: هل أن العلاقة بالأرض كافية في المواطنة أم تحتاج المواطنة إلى عنصر آخر بنظر النظام الإسلامي؟

نعم تحتاج نعم تحتاج إلى عنصر آخر، العلاقة بالأرض لها نوعين: علاقة وجدانية وعلاقة قيمية.

العلاقة الوجدانية: هي أن الإنسان بطبعه يحن إلى الأرض التي عاش عليها، وهذا ليس خاصا بالأرض، عندما نحلل المسألة تحليل نفسي أي عندما نغور في عمق علم النفس ونريد تحليل هذا الحنين، نجد أن هذا الحنين لا يختص بالأرض، كل ماهو أول يحن إليه الإنسان، أول صوت سمعه وهو صغير يحن إليه، أول صورة رآها وهو صغير يحن إليها، أول تربة عاش عليها يحن إليها.

بلاد  بها  نيطت  علي iiتمائمي   وأول أرض مس جلدي ترابها

الإنسان بطبعه يحن إلى الأول ولذلك يحن إلى جدته التي كانت تضمه، يحن إلى القصص والحكايا التي كان يسمعها وهو صغير، كل ماهو أول يحن إليه ولا يختص هذا الحنين بالتربة فالحنين إلى الأرض وإلى التربة التي يعيش عليها حنين وجداني يحترمه الإسلام يقيمه الإسلام ولدينا عدة أحاديث تتحدث عن هذه العلاقة الوجدانية ورد عن النبي محمد كما ذكره الحر العاملي في أمل الآمل ”حب الوطن من الإيمان“، وورد عن النبي محمد : ”من كرم المرء حبه لما مضى من زمانه وحنينه إلى أوطانه“ والرسول لما خرج إلى المدينة جاء رجل من أهل مكة سأله رسول الله عن مكة قال: خرجت وقد أينع الإذخر - نبات يخرج في مكة - فدمعت عينا رسول الله وقال: لولا أن أهلها أخرجوني لما خرجت منها.

الحنين إلى الوطن علاقة وجدانية يحترمها الإسلام، لكن هذه العلاقة الوجدانية ليست كافية في تحقيق مبدأ المواطنة، مبدأ المواطنة يحتاج إلى علاقة قيمية ولا يكفي العلاقة الوجدانية.

ماهي العلاقة القيمية؟

هي علاقة الإسهام والبناء هل أنت عضو منتج أم أنت عضو مشلول، مجرد أنك ابن الأرض لا يكفي في مبدأ المواطنة، مبدأ المواطنة في النظام الإسلامي أن تكون عضوا منتجا مساهما في بناء الأرض، مساهما في تشييد الحضارة، ولا يكفي أنك ابن الأرض، وإلا أصبح مبدأ المواطنة مبدأ تمييزي كما هو مبدأ القومية وهذا ماذكره هوبز باوم في كتابه «عصر الامبراطورية» قال: المواطنة مثل القومية كلاهما تمييز، القومية تميز بين العربي وغيره، بين اليهودي وغيره، أيضا المواطنة تميز بين ابن الأرض وغيره حتى لو كان غيره أكثر انتاج، أكثر عطاء، مع ذلك ابن الأرض يقدم، هذا تمييز، لا فرق في التمييز بين المواطنة والقومية، لذلك الإسلام انتبه إلى هذه النقطة، قال لا يكفي ابن الأرض لابد أن يكون هناك عنصر آخر وهو أن يكون مساهما في بناء الأرض، أن يكون مساهما في تشييد الحضارة، إذا كان له انتاج فهو مواطن.

المواطنة ترتبط بعلاقة قيمية لامجرد علاقة وجدانية وعاطفية مع الأرض، لاحظ أنك عندما تقرأ الآيات القرآنية ترى أن اللآيات القرآنية دائما تربط الإنسان بالأرض ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ، هناك علاقة بين الإنسان وبين الأرض، هذه العلاقة هي علاقة توأمية حقيقتها أن الإنسان يحتاج إلى الأرض، والأرض تحتاج إليه الإنسان يمتلك طاقات خلاقة لا يمكن أن تبرز هذه الطاقات إلا بإعمار الأرض، والأرض أيضا تمتلك طاقات ومعادن وكنوز لا تبرز هذه الطاقات إلا بحركة الإنسان، فالإنسان والأرض توأم كل منهما يكمل الآخر، لذلك قال تعالى: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ مقتضى العلاقة مع الأرض أن المواطنة تدور مدار إعمار الأرض، وليست المواطنة تدور مدار ابن الأرض ومن عاش على الأرض حتى لو كان مدمرا للأرض ومخربا لها، لذلك يقول القرآن الكريم: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا إذا المواطنة تدور مدار الإعمار والإنتاج ولا تدور مدار أنك ابن الأرض وأنك عشت على هذه التربة، لاحظ النظر الإسلامي في الموضوع.

لماذا إذا وضع الإسلام امتيازات للمسلم؟

قال أن المسلم له حرمة والكافر ليس له حرمة، مثلا: الذمي يدفع جزية المسلم لايدفع جزية، مثلا: الكافر اذا أسر يسترق - يصبح مملوك للمسلمين - المسلم لا يسترق.

لماذا وضع الإسلام هذه الامتيازات للمسلم على الكافر إذا كان الميزان في المواطنة هو الإعمار والإنتاج.

دعنا الآن نفرق بين الأحكام القانونية والأحكام التدبيرية، دعنا نتابع كل حكم من هذه الأحكام، نراه هل فعلا يتضمن تمييز للسلم على الكافر أو لا.

الحكم الأول: الكافر لا حرمة له في ماله ولا في دمه هل هذا صحيح أم لا؟

لدينا خلاف بين فريقين من علماء الإسلام: فريق يقول هذا الكلام ليس بصحيح وهم كثير، الحرمة للإنسان غير المعتدي سواء كان مسلم أو كافر، مادام أنه إنسان غير معتدي فله حرمة في ماله وفي دمه، حتى لو لم يكن مسلم، المهم أنه غير عدواني.

عندما تقرأ القرآن الكريم تجد آيات مطلقة مثل قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ الإنسان عندما يقرأ هذه الآيات يقول إذا الكافر ليس له حرمة يقتل على كل حال، لا، هذه آيات مطلقة وهناك آيات مقيدة، مقتضى الصناعة العرفية أن يجمع بين المطلق والمقيد، نأتي لآيات تقيد هذه الآيات ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ أي لا تبدأوا بالقتال، ليس لأن الآخر كافر يحق لك قتاله، لا أبدا ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وقال في آية أخرى ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ إذا الإسلام لا يرى بنظر بعض علماءنا لا يرى الحرمة للمسلم فقط الحرمة لكل إنسان غير معتدي، حتى من يرى بأن الحرمة للمسلم لأنه ورد عن النبي : ”الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله به حقنت الدماء وجرت المناكح والمواريث“ حتى من يقول بهذا القول، يقول بأن بيننا وبين الكافر عقد أمان، مادام بيننا وبينه عقد أمان لا يحق لنا أن نعتدي عليه إلا إذا اعتدى، إذا هو خرق عقد الأمان حين إذ يصح الاعتداء عليه، عقد الأمان هذا موجود حتى في القرآن الكريم ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ شخص من المشركين استجارك قال اعطني الأمان وهو في الحرب أثناء القتال، يجوز لك أن تعطيه الأمان ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ هذا عقد أمان ولذلك أنت عندما تسافر لبلد أوروبي، لبلد غربي، لبلد شرقي، الفيزا تعني عقد أمان، أي ليس لك أن تعتدي علينا وليس لنا أن نعتدي عليك، كذلك عندما يأتي الكافر لبلاد المسلمين يدخل ضمن فيزا، هذه الفيزا تعني عقد أمان أي لانعتدي عليك ولا تعتدي علينا، إذا بيننا وبين الكافر عقد أمان في كل الأحوال، إذا هو خرق عقد الأمان حين إذ تنتفي الحرمة عن دمه وماله وإلا فله حرمة على دمه وماله.

الحكم الثاني: مسألة الجزية.

مسألة الجزية قد يأخذها البعض بحساسية ويقول هذا تمييز، كلاهما مواطن، المسلم مواطن لا يدفع الجزية، الذمي مواطن يدفع الجزية، لماذا هذا تمييز؟

نقول له لا المطالبة بالجزية ليست تمييز لماذا؟

إذا قارنت بين الدولة الدينية، والدولة الوضعية ماهو الفرق بين الدولتين؟ الدولة الوضعية لا تملك فلسفة إلا فلسفة اقتصادية، الدول الوضعية الآن لا يهمها إذا كنت مؤمن بالله أم غير مؤمن بالله، فلسفة الدولة الوضعية قائمة على العلاقة الاقتصادية، فلسفة الدولة الوضعية مبنية على أن هناك علاقة بين الإنسان وبين الثروة، بين الإنسان وبين الإنتاج، على أساس هذه العلاقة تتحدد أطر الدولة الوضعية، بينما الدولة الدينية لا لديها فلسفة أخرى، فلسفة الدولة الدينية قائمة على المزج بين عالم الغيب وعالم المادة، الدولة الدينية تؤمن بأن هناك عالمين، عالم مادة وهو الذي نعيش فيه وعالم الغيب، لذلك فلسفة الدولة الدينية قائمة على الربط بين عالم الغيب وعالم المادة لا ينفكان، بما أن الدولة الدينية قائمة على الربط بين عالم الغيب وعالم المادة، كما يظهر من القرآن الكريم ﴿الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فالربط بين الغيب والشهادة يؤثر على الدولة الدينية بكل تفاصيلها، العمران يبتني على العلاقة بين عالم الغيب والمادة، الفن يبتني على العلاقة بين عالم الغيب والمادة، حركة الحضارة تبتني على ذلك، مثلا راجع الدولة أيام النبي وأيام الإمام علي، حضارة قائمة على الربط بين عالم الغيب وعالم المادة لا عمران لا فن لا إنتاج لا أي خطوة إلا وهي قائمة على الربط بين غيب ومادة بما أن الدولة الدينية قائمة على هذه الفلسفة، إذا تقول الدولة الدينية أن أي إنسان إما يؤمن بالغيب أو لا، إذا كان لا يؤمن بالغيب أصلا - ملحد لا يؤمن بشيء - ليس مواطنا في الدولة الإسلامية يبقى في بلده فإما أن يكون بيننا وبينه معاهدة أو يكون بيننا وبينهم حرب، هذا الذي لا يؤمن بالغيب ليس شريكا في الدولة الدينية، هذا ليس تمييزا، لكنه لا يستطيع أن يتناغم مع الدولة الدينية، الإنسان الذي لا يؤمن بالغيب هو عاجز أن يتفاعل مع الدولة الدينية، لأنها دولة تربط بين عالم الغيب وعالم المادة فهو لأجل عجزه لا يعتبره الإسلام مواطن أما الذي يؤمن بالغيب مسيحي، يهودي، مجوسي، صابئي، أي ملة من الملل تؤمن بالغيب فلها حق المواطنة في الدولة الإسلامية.

إذا المواطنة في الدولة الإسلامية لا تختص بالمسلم فقط حتى غير المسلم المهم أن يؤمن بالغيب مادام يؤمن بالغيب فله حق المواطنة في الدولة الإسلامية وله الحقوق التي للمسلم أيضا، لذلك نرى عهد الإمام علي لمالك الأشتر قال لمالك: ”وأشعر قلبك الرحمة للرعية واللطف بهم والرفق بهم فإن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق“ أي أن المواطن ينقسم إلى قسمين: قسم مسلم فهو أخ لك في الدين، قسم آخر نظير لك في الخلق كلاهما مواطن، ولذلك الإمام علي بن أبي طالب رأى رجلا يتسول قال: ماهذا؟ قالوا: هذا نصراني كبر سنه وعجز عن العمل فصار يتسول حتى يوفر لقمة العيش قال: ويحكم استخدمتموه حتى إذا كبر تركتموه يتكفف الناس! أعطوه من بيت مال المسلمين.

هو نصراني له حق من بيت المال مثل ما للمسلم حق من بيت المال، إذا المواطنة في الشريعة الإسلامية لا تفرق بين المسلم وغير المسلم، المهم أن يكون مؤمنا بالغيب حتى يكون قادر على التفاعل مع الدولة الدينية، وعلى التناغم مع أنظمة الدولة الدينية.

الذمي الذي يعيش ضمن الدولة هو مواطن لكن يدفع جزية، لماذا يدفع الجزية؟

الجزية ليست بدون مقابل لها مقابل، يدفع الجزية مقابل حمايته، وتوفير الحقوق له، وإعفاءه عن القتال يعني إذا كان هناك قتال بين الدولة الإسلامية وغيرها، المسيحي معفو عن القتال بل المسلم فقط هو من يقاتل دفاعا عن الدولة الإسلامية أي لا تفرض عليه الخدمة العسكرية، إذا الكتابي الذمي في الدولة الإسلامية مقابل حمايته من قبل الدولة، مقابل توفير الحقوق له، له فرصة عمل، له تعليم، مقابل إعفاءه من القتال والدفاع عن الدولة الإسلامية، يطلب منه ضريبة، هذه الضريبة تسمى جزية، فالجزية ليس فيها تمييز لأنها ضريبة مقابل توفير الحقوق كاملة لهذا الذمي.

لماذا لا تفرض جزية على المسلم؟

لأن مايفرض على المسلم أعظم، الإثنان يدفعان ضريبة، المسلم يدفع زكاة، بينما المسيحي معفو من الزكاة، فبذلك لا يكون هنالك فرق بين المسلم والمسيحي، المسلم عليه ضريبة وهي الزكاة، والمسيحي عليه ضريبة وهي الجزية، وربما تكون الجزية أقل من الزكاة، ويلد يوراند في كتابه «قصة الحضارة» يقول: الجزية أقل قدرا من الزكاة التي تفرض على المسلمين، والجزية بأمر الإمام أي الحاكم على الدولة، ربما يعفي عن الجزية، بينما الزكاة لا يعفى عنها، ربما تؤخذ الجزية كل سنتين، بينما الزكاة كل سنة إذا الجزية ليست تمييز للمسلم على الكافر لأن المسلم يطالب بما هو أعظم من الجزية يطالب بزكاة متقررة سنويا والمسيحي معفو عن ذلك فكيف تكون الجزية تمييز للمسلم على الكافر!

إذا أظهر المسيحي المنكرات أي أظهر شرب الخمر، أكل لحم الخنزير، بنى الكنائس، بنى دور العبادة التي تخصه هل هذا ينقض عقد الذمة بين الدولة الإسلامية وبينه؟ للفائدة تستطيع مراجعة كتاب الجهاد، السيد الخوئي قدس سره في كتاب الجهاد ضمن كتاب منهاج الصالحين فصل أحكام الجهاد وأحكام الذمة، أحكام الجزية... الخ أحكام مفصلة تستطيع أن تكتشف منها ماهي أحكام الجزية هل هي تمييز أو غير تمييز، راجع أيضا كتاب الجهاد للشيخ المطهري قدس سره أيضا يشرح حدود الجزية، حدود الأسر، حدود القتال.

بالنتيجة الجزية على الذمي مقابل توفير الحقوق له ليست تمييزا للمسلم عليه.

﴿حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ هذه الآية معناه فيه إذلال للذمي، يعطي الجزية وهو صاغر معناه إذلال له، لا، لاحظ الآية جيدا هنا تفسيران للآية:

التفسير الأول الذي اختاره مجموعة منهم الشيخ المطهري:

أن هذه الآية لا تشمل كل أهل الكتاب، بل تشمل قسم من أهل الكتاب وهم المستهترون بالحرمات ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ الآية تتكلم عن قسم من أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ولا يدينون بدين الحق، هؤلاء قسم من أهل الكتاب وليس كل أهل الكتاب، أي أن هؤلاء يعيشون في الدولة الإسلامية ويستهترون بالحرمات، يتجاهرون بالمنكرات، يستحلون ماحرم في الشرائع السماوية، هؤلاء قسم من أهل الكتاب، لأنهم مستهترون، مقابل استهتارهم تطلب منهم الجزية وهم صاغرون، هذا ليس بحكم عام لكل أهل الكتاب حتى يكون تمييز للمسلم على الكافر، قسم من أهل الكتاب فقط، والدليل على ذلك اقرأ الآيات الأخرى هناك آيات تمتدح أهل الكتاب كيف تجمع بين الآيات التي تمتدح أهل الكتاب وبين هذه الآية مثلا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ هذه الآية تمتدح أهل الكتاب، مثلا قوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ إذا أهل الكتاب قسمين: قسم مؤمن وقسم مستهتر القرآن يقول: ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ فإذا كان أهل الكتاب قسمين فهذه الآية تتحدث عن قسم وهو المستهتر، المستهتر يستحق أن تؤخذ منه الزكاة وهو صاغر جزاء لاستهتاره.

التفسير الثاني الذي يتبناه مجموعة من الأعلام منهم العلامة الطباطبائي قدس سره في الميزان، والسيد الخوئي قدس سره:

أن هذه آية عامة لجميع أهل الكتاب مع ذلك وإن كانت هذه الآية عامة لجميع أهل الكتاب هذا التعبير خاص بظرف معين وهو ظرف القتال، كيف هو ظرف القتال؟ يعني هناك فرق بين اثنين شخص مسيحي يعيش معك في الدولة ابن عن جد هو ابن العراق، أو هو ابن لبنان، أو هو ابن إيران، هو يعيش في الدولة من البداية، هذا ليس بينك وبينه قتال، وهناك قسم من أهل الذمة نشب بين الدولة الإسلامية وبينهم القتال، إذا استعر القتال بين المسلمين وبين أهل الكتاب، إذا قام القتال تأتي الآية لأن الآية ناظرة لظرف القتال ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ هذا حكم خاص بظرف القتال أي كأن المسلم يقول أقاتلكم - أهل الكتاب - مادمتم تقاتلونني ولا أرفع يدي عن القتال حتى تعطوا الجزية وأنتم صاغرون أي وأنتم خاضعون.

إذا هذه الفقرة ناظرة لظرف معين وهو ظرف القتال وليست مطلقة حتى تشكل امتيازا للمسلم على الكافر.

الحكم الثالث: مسألة الاسترقاق - استرقاق الكافر -

هناك عدة أمور أولا لماذا الإسلام لم يلغ الرق من أول يوم جاء الإسلام والجزيرة العربية مملوءة بالعبيد والرقيق لماذا لم يلغ الرق؟

ماكان يمكن إلغاء مسألة الرق، لأن العبيد والرقيق كانوا عجلة الاقتصاد في الجزيرة العربية، المزارع هو العبيد، التاجر هو العبيد، الصانع هو العبيد، العرب لم يكونوا يمارسوا، الذي يمارس الزراعة والصناعة والتجارة والحمل كله الرقيق، كان كل الحمل على الرقيق، فلو جاء الإسلام وألغى الرقيق لعطل الحركة الاقتصادية آن ذاك، لذلك ألغى الإسلام الرق بطريقة تدريجية وليس بطريقة دفعية، حفاظا على عجلة الاقتصاد.

قبل أن يأتي الإسلام كان العرب يرون بأنه من حق القوي أن يسترق الضعيف، الإسلام ألغى ذلك الاسترقاق يختص بحالة واحدة فقط، الأسرى، إذا استعر القتال بين المسلمين وبين الكافرين وأصر الكافرون على القتال، ندعوهم للإسلام فلا يقبلون، ندعوهم للمعاهدة بيننا وبينهم لايقبلون، إذا لم يقبلوا الإسلام ولا المعاهدة، فإذا انتصرنا عليهم، وأسرنا منهم، هذا الأسير هو الذي يسترق، إذا لا يجوز الاسترقاق في مطلق الأحوال، الاسترقاق فقط في حالة واحدة وهو وقوعه أسيرا بعد القتال الضاري بين المسلمين وبين الكفار.

بعض الفقهاء يعمم الاسترقاق لمعتبرة رفاعة النخاس لكن هذا حكم فقهي خاص أما المشهور يقولون الاسترقاق فرع الأسر.

هل الاسترقاق حكم قانوني أي لا يتخلف أو حكم تدبيري، هناك فرق بين الأحكام القانونية والأحكام التدبيرية.

هناك بعض الأحكام لاتتغير صالحة لكل زمن، لكل مجتمع، لكل إنسان، مثل وجوب الصلاة، وجوب الصيام، هذا حكم لا قانوني.

وهناك أحكام تدبيرية والمقصود بأنها تدبيرية أي أنها تصدر من ولي الأمر وهو الحاكم على الدولة الإسلامية في بعض الظروف لأجل مصلحة الدولة الإسلامية، مثلا: الرسول محمد حرم أكل لحم الحمر الأهلية يوم خيبر، يجوز أكل لحم الخيل، الحمير، البغال، وإن كان مكروها لكنه يجوز، هذا ليس حكما قانونيا، هذا حكم تدبيري أي خاص بظرف القتال ليس حكما عاما، مثلا: الإمام علي ، الإمام علي لما استلم الخلافة رأى الخزينة فارغة بيت المال ليس به ولا درهم، فالإمام علي حتى يعالج الوضع الاقتصادي آن ذاك فرض الزكاة حتى في الخيل وحتى في البراذين علاجا للوضع الاقتصادي هذا الحكم الذي صدر من الإمام علي هو حكم تدبيري أي خاص بظرف معين، كل حكم يصدر من ولي الأمر في ظرف معين هذا حكم تدبيري لا يقاس عليه لأن هذا حكم استثنائي.

بعض علماءنا يرى الاسترقاق وأخذ الجزية حكم تدبيري لا يقاس عليه، لأن هذا خاص بظروف معينة، فلا يعد امتيازا للمسلم على الكافر لأنه أساسا حكم استثنائي خاص بظروف معينة، مثلا: الجزية في صحيحة زرارة عن الصادق : ”أمر الجزية إلى الإمام...“ أي أن الحاكم هو الذي يقرر أن يأخذ الجزية أم لا إذا هي حكم تدبيري وليس حكما قانوني ”أمر الجزية إلى الإمام يأخذ من كل إنسان منهم على قدر مايطيق“ إذا نظرنا إلى الاسترقاق كذلك إذا راجعت كتاب منهاج الصالحين للسيد الخوئي يقول: الاسترقاق ليس حكم لازم، الأسير كان عدوا لنا يقاتلنا أسرناه يقول السيد الخوئي الإمام مخير بين أن يطلق سراحه، وبين أن يفتديه أي يطالبه بفدية بمقابلها يطلق سراحه، وبين أن يسترقه، فالاسترقاق أحد الخيارات لا أنه حكم لازم حتى يقال بأن هناك امتياز للمسلم على الكافر.

إذا استرق الكافر - أصبح رقيق - هناك علاج له الإسلام وضع أنواعا من العلاج يستطيع العبد أن يحرر نفسه:

العلاج الأول: من خلال عقد المكاتبة والتدبير هناك عقد فقهي اسمه المكاتبة أو التدبير من خلاله العبد يدفع مبلغ معين على أقساط وبهذا المال يستطيع أن يحرر نفسه.

العلاج الثاني: سهم من الزكاة اقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ مامعنى في الرقاب؟ أي أنك تدفع سهم في الزكاة لأجل عتق العبيد أي أن الإسلام نفسه يساهم في عتق العبيد بأخذ سهم من الزكاة وجعل ذلك السهم مخصصا لعتق العبيد.

﴿وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ العلاج الثالث: انظر إلى الكفارات التي وضعها الإسلام، أغلب الكفارات فيها عتق رقبة، كفارة القتل الخطأ عتق رقبة، كفارة الظهار عتق رقبة، كفارة حنث اليمين عتق رقبة، كفارة الإفطار العمدي في نهار شهر رمضان عتق رقبة، دائما يجعل عتق رقبة كفارة حتى يقلل من ظاهرة الرقيق وظاهرة العبيد.

العلاج الرابع: عندما تنظر إلى سيرة الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في ظاهرة الرق، كيف كانت سيرتهم مع ظاهرة الرق النبي الأعظم محمد أعتق صفية بنت حيي بن أخطب وهي جارية أعتقها وتزوجها، تزوج جويرية بنت الحارث وهي أمة، النبي جعل بلال بن رباح مؤذن وهو رق، عمار بن ياسر جعله في علية الصحابة وهو رق، سلمان الفارسي قال عنه النبي سلمان منا أهل البيت وهو رق، كل هؤلاء كانوا عبيد حررهم الإسلام ورفعهم إلى مقامات عالية، نأتي إلى الإمام زين العابدين ، كان الإمام كل سنة يشتري بأمواله مجموعة من العبيد ويهذبهم ويعلمهم ثم يعتقهم لوجه الله، نأتي إلى الإمام الرضا كما يروي عنه ابن الصلد كان إذا وضع المائدة يجمع العبيد يجعلهم معه على المائدة فقال له بعض أصحابه: ياأبا الحسن لو عزلت لهؤلاء السود مائدة، التفت إليه الإمام الرضا قال: ”مه إن الرب واحد والأب واحد والأم واحدة والجزاء بالأعمال“ أنت أعظم من هذا أتعلم أن الإماء أي العبيد أمهات الأئمة! أم الإمام الكاظم، أم الإمام الرضا، أم الإمام الهادي، أم الإمام العسكري، أم الإمام المهدي «عج»، أمهات هؤلاء الأئمة كانوا جواري، فهي جارية يتزوجها إمام معصوم فتنجب إمام معصوم، هل هناك أعظم من هذا!

إذا تعامل الإسلام مع الرقيق معاملة اللطف، معاملة الحنان، معاملة الإكرام والاحترام، حتى أصبح بعض الرقيق أمهات لأئمة معصومين ولقادة إسلاميين، جون مولى أبي ذر، كان عبد عند أبو ذر، مات أبو ذر وصار عند الإمام علي ، ثم صار عند الحسن، ثم عند الحسين، جون صحب الحسين إلى كربلاء وفي كربلاء قال سيدي إئذن لي في القتال قال: ياجون إنما أنت لحقتنا طلبا للعافية هذه المشكلة مشكلتنا ليس لك دخلا بها قال: لا سيدي أريد أن يختلط دمي بدمائكم آل البيت تنفس علي بالجنة حتى يبيض وجهي ويطيب ريحي فأذن له الحسين بالقتال فقتل، انظر إلى الإكرام، جاء الحسين ووضع خده على خده ومسح التراب عن وجهه وقال: اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع محمد وآله فكان الناس يمرون على جسده وتفوح منه رائحة المسك.

الفكر الإماميّ ونظريّة السُّلطة السِّياسيّة
رمز الكرامة: الدُّين، أم الإنسانيّة؟