نص الشريط
الدرس 47
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/2/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 3084
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (369)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في الفرع المترتب على ان ادراك ركعة هل هو بادراك سجدتين مع رفع الراس او مع اكمال الذكر الواجب، او بوضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه؟.

وذكرنا قول المشهور: انه لا يحصل ادراك الركعة التامة الا برفع الرأس من السجدة الثانية، ولأجل ذلك لو شكّ بين الثانية والثالثة قبل ان يرفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة التي هو فيها فان الشك مبطل.

وقد استدل على هذا الرأي المشهور بوجهين مضى الكلام في الاول. الوجه الثاني: وهو ما استدل به المحقق الهمداني حيث استدل بصحيحة زرارة مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ لَا يَدْرِي وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ قَالَ يُعِيدُ قَالَ قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ لَمْ يَدْرِ أَ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثاً فَقَالَ إِنْ دَخَلَهُ الشَّكُّ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الثَّالِثَةِ مَضَى فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ صَلَّى الْأُخْرَى ولَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ ويُسَلِّمُ قُلْتُ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْرِ فِي ثِنْتَيْنِ هُوَ أَمْ فِي أَرْبَعٍ قَالَ يُسَلِّمُ ويَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ولَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ. وتقريب الاستدلال بهذه الرواية يعتمد على مقدمتين: الاولى ما هو المراد من دخول الثالثة في منطوق الرواية؟.

نقول قطعا لا يراد بالدخول الدخول الحقيقي بأن يقوم في الثالثة ثم ّ يحصل الشك، لأنّه بالضرورة لا يعتبر في صحة الصلاة ان يحصل الشك بعد القيام، بل يكفي في صحة الصلاة انه شكّ بعد ان رفع راسه من السجدة الثانية، وهذا قرينة على ان الدخول في الثالثة لا يراد به الدخول الحقيقي بان يقوم لها وانما المراد الدخول المجازي اي دخل في مقدماتها التي منها رفع الرأس من السجدة الثانية. المقدمة الثانية: مقتضى مفهوم الشرط حيث قال في المنطوق ان دخل الشك بعد دخوله في الثالثة مضى ومقتضى المفهوم، ان طرأ الشك بعد دخوله في الثالثة فهو مبطل، فمقتضى مفهوم الشرط انه لو حصل الشك بين الثانية والثالثة قبل ان يرفع راسه من الثانية فان الشك مبطل.

فتلخص: ان الشك بين الثانية والثالثة قبل رفع الراس من السجدة الثانية مبطل، وهذا يعني ان ادراك ركعتين تامتين لا يحصل الا برفع الراس من السجدة الثانية.

أشكل عليه سيدنا الخوئي في «ج18 ص 167» قال ”وفيه أوّلًا: أنّ الشرط لا مفهوم له في مثل المقام ممّا كان مسوقاً لبيان تحقّق الموضوع، فانّ انتفاء الحكم لدى انتفاء الشكّ من باب السالبة بانتفاء الموضوع فهو نظير قولك: إن ركب الأمير فخذ ركابه لان الشك قيد عقلي وليس تعبدياً فمقتضى المفهوم“ ان لم يدخل الشك لا يترتب الحكم"، ومن الواضح ان عدم الحكم لعدم الشك من باب السالبة لانتفاء الموضوع.

ثم اورد على نفسه فقال: لكن القضية اشتملت على قيد اخر تعبدي، فقال ان دخل الشك بعد دخوله في الثالثة، فوجود الشك قيد عقلي ولكن دخوله في الثالثة قيد تعبدي، ثم أجاب «قده»: ان هذا من باب مفهوم القيد لا الشرط، اي ان القضية الشرطية نحللها لعنصرين: العنصر الأول الشرط، وهو قوله ان دخل الشك، والعنصر الثاني تعبدي، وهو قوله بعد دخوله في الثالثة، فبلحاظ العنصر الاول وهو عنصر الشرط، لا مفهوم لها لأنّه اذا لم يدخل الشك فلا حكم في حقه لعدم موضوعه، وبلحاظ العنصر الثاني ينعقد للقضية مفهوم ولكنه من باب مفهوم القيد لا الشرط، وقد ذكرنا في علم الاصول في بحث مفهوم القيد انه مفهومه قضية جزئية لا تفيدنا، مثلاً لو قال المولى اكرم الرجل العالم، فانه لا يترتب على القضية ان الرجل ان لم يكن عالما فلا تكرمه بحيث يدور الامر بالإكرام مدار العالمية، بل غاية ما تدل عليه ان الامر بالإكرام لم يثبت لطبيعي الرجل، اما هل يدور مدار العالم او يقوم مقام العالم علة اخرى؟ فمفهوم القيد ساكت، وهذا هو الفرق بين مفهوم القيد والشرط، فلو قال ان كان الرجل عالما فاكرمه هنا نعم تدل القضية على ان مدار الاكرام بالعالمية.

فالمراد ان طبيعي الشك بين الثانية والثالثة ليس هو موضوع الصحة، ربّما يكون موضوع الصحة دخوله في الثالثة وربما يكون قيد اخر يقوم مقامه، فلا دلالة في الرواية على دوران الصحة مدار الدخول في الثالثة حتّى يستدل بها المحقق الهمداني على انه لا يحرز اتمام ركعتين الا بعد الدخول في الثالثة.

هذا ولكننا قد تعرضنا لهذه المسالة في البحث عن آية النبأ وذكرنا هناك انه اذا اشتملت القضية الشرطية على عنصرين، عنصر عقلي، ينتفي الجزاء بانتفائه عقلاً وعنصر تعبدي وانما ينتفي الجزاء لانتفائه بحكم الشارع فهل ينعقد لها مفهوم الشرط بلحاظ العنصر الثاني ام تدخل تحت ما قاله سيدنا من انه ليس لها مفهوم الشرط وان ثبت لها مفهوم آخر،؟ حيث ذكر هناك عدة تصورات:

التصور الأول: أنّ المدار في ثبوت المفهوم وعدمه على العنصر الجعلي وهو ما ذكره المحقق العراقي في نهاية الافكار «ج 3 ص 111» حيث قال: متى ما تضمنت القضية الشرطية عنصرا جعليا ثبت لها المفهوم، اي مفهوم الشرط وليس مفهوم القيد، فمثلا اذا قال المولى ان ركب الامير الفرس وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه، فان هذه القضية يثبت لها مفهوم الشرط لا بلحاظ العنصر الاول وهو ”ان ركب“ وانما بلحاظ العنصر الثاني وهو ”كان ركوبه يوم الجمعة“ والنتيجة ان ركب وكان ركوبه في غير الجمعة فلا تأخذ بركابه وقد تبعه سيدنا في هذا التصور في اية النبأ مع انه ذكر هنا ان الثابت مفهوم القيد لا الشرط.

التصور الثاني: بلحاظ وجود حرف العطف وعدمه، حيث افيد انه ان كانت القضية الشرطية مشتملة على حرف العطف فانه بمنزلة تكرار الشرط، كما لو قال ان ركب الامير وكان ركوبه... ان جاءك زيد وكان مجيئه...، فحرف العطف بمنزلة تكرار الشرط فكان الشرط قد دخل على القضية الثانية فينعقد المفهوم لها.

ولكن الصحيح: عدم تمامية هذين التصورين بلحاظ ان اداة الشرط تارة تأتي بمعنى الفرض والتقدير: وتارة تأتي بمعنى التعليق فاذا قلت اذا جاء نصر الله والفتح.. فسبح بحمد ربك، فليس معناه عدم التسبيح مع عدم النصر، فان اداة الشرط هنا ليست بمعنى التعليق اي تعليق الامر بالتسبيح على مجيء النصر ولكن بمعنى انه في فرض مجيء النصر انت مأمور بالتسبيح ولا ينافي الامر بالتسبيح في فروض اخرى.

وتارة تستخدم بمعنى التعليق: كما لو قال اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء فان ظاهرها انها علقت اعتصام الماء على بلوغه كراً بحيث لو لم يكن كرا فلا اعتصام له فبما ان الاداة تستعمل تارة هنا وتارة هناك، فلو كانت الجملة الشرطية مشتملة على عنصر عقلي كما لو قال ان ركب الامير الفرس وعلى عنصر تعبدي، وكان ركوبه يوم الجمعة او بصيغة القيد ان ركب الامير الفرس يوم الجمعة، حيث ان العرف لا يرى فرقاً بين ان يصوغها بحرف العطف او بنحو القيد فانها على كل حال الجملة حالية فلا فرق بين ان نقول ان ركب الامير يوم الجمعة فليس لها مفهوم الشرط، وان قال ان ركب الامير وكان ركوبه يوم الجمعة يثبت المفهوم.

نقول الفرق ليس بفارق بالنتيجة اذا كانت القضية الشرطية مشتملة على عنصر عقلي وتعبدي فالأداة بلحاظ العنصر الاول بمعنى الفرض والتقدير لان الجزاء لا معنى لتعليقه على الركوب، اذ لا معنى لتعليق اخذ الركاب بالركوب فان التعليق عقلي، بل التعليق بلحاظ العنصر التعبدي.

فيرد على التصور الأول والثاني انه لو قلنا ان الجملة الشرطية ينعقد لها مفهوم بلحاظ العنصر التعبدي، معناه ان الجملة الشرطية استعملت في معنيين معنى الفرض والتقدير بلحاظ العنصر التعبدي ومعنى الفرض بلحاظ العنصر الثاني وهذا ان لم يكن مستحيلاً فانه خلاف الظاهر فيحتاج الى قرينة.

فالصحيح ان نقول: اذا قامت القرنية السياقية على ان مصب الشرط هو العنصر الاول مثلاً اذا قال المولى ان ركب الامير يوم الجمعة فخذ بركابه فان الظاهر عرفا ان مصب الاسناد كون ركوبه يوم الجمعة لا أصل ركوبه الفرس وانما ركوبه على نحو الطريقية والا فمصب الاسناد هو القيد، فاذا قامت القرينة السياقية على ان مصب الاسناد هو القيد، فلا محالة يكون مدخول الاداة اي اداة الشرط هو المقيد بما هو مقيد على نحو وحدة المطلوب فالشرط هو ”الركوب يوم الجمعة“ لا مطلق الركوب ولا مطلق الايام، وبالتالي ينعقد لها مفهوم الشرط سواء كان بصيغة القيد او حرف العطف. اذا فالمدار على قيام القرينة السياقية، على ان مصب الشرط والاسناد ما هو؟، ولأجل ذلك نقول في المقام ان ظاهر قوله في صحيحة زرارة ان دخل الشك بعد دخوله الثالثة ان مصب الاسناد هو دخول الثالثة وليس دخول الشك في حد ذاته، فبما ان ظاهره ان هذا مصب الاسناد فهذا هو مدخول الاداة اي مدخولها دخول الشك بعد الثالثة ومقتضى ذلك انعقاد المفهوم لها.

المناقشة الثانية لسيدنا، قال سلمنا بانعقاد مفهوم الشرط، ولكن الرواية مجملة ”وثانياً: مع الغضّ عن ذلك فالصحيحة في نفسها غير خالية عن شائبة من الإجمال، فإنّ المفروض في السؤال الشكّ بين الثنتين والثلاث فما معنى قوله في الجواب: «إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة»، فإنّه إن أُريد به الثالثة المحتملة، فهو حاصل بمقتضى فرض الترديد بين الثنتين والثلاث المذكور في السؤال، وحكمه البطلان إذا كان قبل الإكمال بلا إشكال، فكيف حكم بالصحّة؟ وإن أُريد بها الثالثة اليقينية أي الدخول في ركعة أُخرى يقطع معها بتحقّق الثلاث فينقلب الشكّ حينئذ إلى الثلاث والأربع، ويخرج عمّا افترضه السائل من الشكّ بين الثنتين والثلاث، نعم كان كذلك قبل ذلك لا بالفعل، فلا يرتبط بالسؤال“.

ولكن الظاهر: ان المراد بالثالثة اي الركعة التالية وسماها ثالثة بلحاظ تردده بين الثانية والثالثة، فكأنه قال اذا ترددت بين الثانية والثالثة فالصلاة صحيحة اذا دخلت في الركعة التالية لهذا الشك، وليس المراد عنوان الثالثة، حتّى نرددها بين المحتملة واليقينية ثم قال ”وعلى الجملة: لم نفهم معنى الصحيحة، ولم يتّضح المراد، لعدم الربط بين الجواب والسؤال، فهي محكومة بالإجمال، ومثلها غير صالحة للاستدلال على كلّ حال“.

ولكن بما ان هذه الرواية ظاهرة وانعقد لها مفهوم الشرط فلا محالة هي تامة الدلالة فيما افاده الهمداني في ان المدار في الصحة على الدخول في الركعة الثالثة. ولكن سيدنا قال ويستدل للقول الثاني وهو من يدعي ان اتمام الركعتين بقراءة الذكر الواجب وان لم يرفع رأسه من الثانية بصحيحة زرارة وهو قوله : «فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين» وكذا قوله في صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد» فان المدار في الصحة على حفظ الاوليين وهو لا يتوقف على رفع الراس من السجدة الثانية. ولأجل ذلك تقدم ان الموضوع للشك المبطل ان كان هو ظرفية الاوليين فيتم كلام الهمداني ولكن الظاهر انالمبطل هو ان لا يحفظ الاوليين، وهذا قد حفظ الاوليين. ولأجل ذلك بنى سيدنا على ان تمامية الركعتين بالفراغ من الذكر الواجب،

ولكن ذكرنا ان صحيحة زرارة التي استدل بها الهمداني تامة الدلالة فتقع المعارضة بين الطائفتين، فان مقتضى صحيحة زرارة التي استدل بها الهمداني بطلان صلاته لان الشك في الأوليين ولم يدخل بعد في الثالثة وبينما مقتضى صحيحة زرارة الثانية انه حفظ الأوليين اذا صلاته صحيحة ويمضي.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 46
الدرس 48